الشاعر صدام الأسدي في خيمته الغبارية

د. صدام فهد الأسدي

[email protected]

عبد الزهرة لازم شباري

لمثلك ينفلق البحر درا" .. ويعطي الجذع اليابس تمرا" جنينا" وتتخضب الرافدان بحناء الفاو ورطب الجنوب ، لمثلك يا من  سكبت دموع شموعك الآفلة فوق جراحاتنا لتجعل من بلسمك السرمدي بلسما" لها .. وأنشودة للنوارس التي تقبل  وجه الماء عند كل مساء وتعيد صلاة السفن الصامتة والغافية فوق بساط شط العرب . ومن زرود الدروع المرصوفة فيه من رهج النسيم الذى  يعطر  القلوب لتعيد قول الشاعر العربي في هذا المجال

نسج الريح  من الموج زرد..  أي درع لقتال لو جمد

فها هي جروح خيمتك الغبارية ياأخى وهى تتأرجح أمام أنظار قرائك الذين أحبوك وأحبوا فيك الصراحة والجرأة على قول الحق وفضح الباطل الذي غطى بغباريته وضبابيته الكثيفة حتى خيام الصحراء التي من عهدها مقاومة كل حالات الطقس وتقلباته  ,وأنا أتصفح تائه الفكر بين وريقات مجموعتك الثانية (خيمة من غبار) )التي أمضيتها صادقا" بإهدائك المعهود فئ كل مجموعة تهدى منك الى من تحب (وماتت الحرية فئ وطني ولم تبق الاخيمة من غبار ) وهكذا تظل تنعى أيامك التي ذهبت سدى وتتفجع على غربة الشعر وضيعة القائمين عليه من الشعراء والأدباء فئ هذا الزمن المغلق بالصمت والضبابية والضياع ثم تنتقل بندائك المملوء بالغصة والألم الى المتوهجين بالأمل المذبوح والمخدوعين ببهارج الزمن المحترق بشظاياالأرهاب والقتلة وأراك تنقل ناضريك المغرورقتين بالدموع على ضياع الوطن الى زهرتيك وفلذة فؤادك الضامى والمحترق عليهما أعيان وعلي اللذان عوضاك حقا" عن غربة نفسك وقتل القصيدة التي تختلج دائما  في غصة الوطن المذبوح ببهارج هذا النسيان والشرود القاتل في هذا الزمن !! فأراك تقول (الى ولدى الصغير علي أنى أخاف عليك من زمني )فأنت وهذه الحياة ولدا هذا الزمان البكر اللذان ولدتما من رحم هذه المعاناة وهذا الألم فعبرت وحدك حافيا تتخطى الأشواك والحفر الملغومة متحديا بسلاحك السرمدي الذي هو اقوى من السلاح التقليدي بهذه القصائد المبدعة والصور البلاغية معالجا" محنة الضياع والإمراض البشرية التي تنهك بجسم الأمة وتؤدى الى تفرقتها فأنت المدافع عن واقع الأمة والمقوم لهذا الانحراف السائد فيها فتارة تقوم مقام الواعظ فيها وتارة اخرى تستخدم ألفاظك البلاغية متحديا" ومعالجا" هذا المرض الساري الذي ينهك بجسم الوطن المذبوح:

فأنت وحدك جندي تشاطرهم

كيف القتال وكيف انقادت الأمم 

وانت وحدك مطلوب وما جهلوا

نجومك الزهر عمدا" بعدما أثموا

ففي قصيدتك (وشاح الثلج على كتف الوطن)الذي تسأل فيها عما يغسل هذه الإمراض والأدران التي تنوء بها هذه البشرية وعقدتك التي لازمتك وأصبحت مثل كابوس مزعج ينتابك في حلك وترحلك وتقف أمامك كشبح مخيف يقلق نومك فتقول :

 (لو يسقط المطر

فيغسل البيوت والشجر

لكنه مهما يظل ساقطا" لا يغسل البشر)

عجيب أمرك أيها المبدع فكم هي درجة الشكوى والألم الذي يئن بين ضلوعك !! ويبقى الشاعر المبدع الأسدى يسأل ويجيب وبلوعة ومرارة ينتابه شيء من القلق وعدم الثقة من هذا الواقع الذي يعيشه مع هذه الشلة من الذئاب التي لأترحم

 (يالحظة الجمار ياليل تدلى في رصيف 

 لم يرلغة الغياب

أنثر على صفحات قلبي من طرائق مقلتيك

دعني أمد تراب روحي في ربيع من يديك )

ساعدك الله أيها الشاعر وأنت تجارى حبك وعذابات روحك وهى تحمل هم هذه الدينا الصدئة ‘وتستجدى الربيع من يدي هذا الوطن الذي هو كالجمار في صفاء قلبه ‘وكا لندى في ليل لم ير الغياب ‘وتريد أن ينثر عليك وعلى صفحات قلبك الباكي عليه من طرائق هاتين المقلتين التي طالما سكبت عليها دموع المرارة واللوعة ‘ فها أنت تطلب من الجفاف مطرا" ومن الصخر أن ينبت وردا" !! وهكذا ينتقل الشاعر المبدع في حديقته الغناء مثل طائر من فنن الى فنن ومن أريكة "ا الي أخرى يتغنى بصوته العذب ،ويذ يب من تلك الجراحات الدامية التي تؤلمه وتقلق رؤاه , فيصدح باكيا"على أطلال قصيدته العصماء (احتراق السنبلة )التي يقول فيها !!

(ولثمت أثواب الردى لأخيطها

ثوبا" جديدا" ساترا"لعراقي

قلبي إليه يشد أوراق الآسي

حتى يعطر في دم" مهراق )

وينوء هنا مدمدما"يريد ان يخيط من أثواب الموت المتهرئة البالية ثوبا"جديدا"لستر العراقي . وهو في أساه هذا "يرى في دمه المهراق عطرا"يعطر فيه سماء هذا الوطن الحبيب.. ويستمر في رصف هذه الصور البلاغية والحكم التي فيها ليضعها في طبق من ذهب ويقدمها الى قارئه العزيز متحديا"كل المناورات الخبيثة التي تحاك ضد شعبه الآبي الذي يقول لا بد له أن ينتصر وتلوح الابتسامة في العيون لتمسح الدموع التي طالما"تخثرت في أحداقه  !!

(وغدا"ستبتسم العيون بنظرة

ستطوق الأحداق بالأحداق)

لا أريد أن أسلب من القاريء فرصة التمتع بهذه المجموعة الجميلة وأظل مستمرا"في فحص وتحليل أبيات قصائدها البديعة ، ولكنى أنصح قرائنا الأفاضل أن يضطلعوا عليها بدراية وتمعن!

 وأخيراً لايسعني ألا أن أقدم شكري وأمنياتي القلبية في أن يوفق الشاعر لقول المزيد من هذه الصور البلاغية ومن الله التوفيق.