المكان في شعر الراعي النُّميري

مناقشة رسالة ماجستير في جامعة اليرموك

من إعداد الطالب محمد خالد محمود مزيد

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

باسم الله وكفى ، باسم الله خير الأسماء واجلها ،وهو الذي إذا رفعت الحرف الأول منه بقي "لله " وان رفعت الثاني بقي له وان رفعت الثالث بقي "هو " الواحد الأحد ،سبحانه، صاحب الفضل والمنة على جميع خلقه شكروه أو جحدوه ،واصلي على النبي الأمي خاتم الأنبياء ، الذي أول ما انزل عليه "اقرأ" وتصاقبه "ارق " فكلما قرأ الإنسان رقي في ملكوت الله ، وهو الأمر الأول من لدنه إلى محمد رسوله  الأمي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده  وبعد،

فأشكر للأستاذة الدكتورة  السيدة "أمل نصير " أستاذة الأدب الأموي في جامعتنا الأم "اليرموك "، التي اختارتني عضوا مناقشا لرسالة ماجستير  في العصر الأموي لأحد طلبتها عنوانها "المكان في شعر الراعي النميري" ، فعددتُها من إحدى المآثر التي تكرمني بها من جهة، ومن أخرى أن التقي أستاذَنا الدكتور قاسم المومني أستاذي من ربع قرن سلف ، وهو  المشرف على رسالتي الماجستير "عائشة الباعونية شاعرة "قبل نحو خمس قرن مضى ، وقد حظيت بالاطلاع على توجيهاته العلمية ولغته الركيزة،فانتفعت بها أيما انتفاع، فله أسدي تحياتي قديمة جديدة، وأجره على الله تعالى ، ونأمل أن نفيد جميعا من توجيهاته اليوم ، أما الأستاذ الدكتور مُخيمر صالح فقد أفدت من كتابيه "رثاء البنين " وان كنت اطمح إليه تزويدي  برثاء الباعونية لابنتها بركة، التي ابلغني انه عثر على نص رثائي لها فقده في طيات أوراقه  الكثار ، وأمتعني في تجلياته الموازنة بين البوصيري و الصرصري، في أمداحهما  سيد البشرية، فافدنا منه خير الصلاة على سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، فأحييه ، وأتمنى له مزيد عطاء ، كما يحلو لي مرة  أخرى أن احيي الأستاذة صاحبة "صورة المرأة في الشعر الأموي "التي أبرزت فيها قضايا المرأة وهي الادرى بشؤون المرأة  في العصر الأموي ، ربما يعدُّ كتابُها  أو ما يزال يعدُّ  من الكتب الرائدة المتمركزة حول أحوال المرأة في العصر الأموي ، وما يفاد من درس حول المرأة  في كافة العصور ، عندما تتمازج العناصر المادية والمعنوية حالا بحال ، فيجلي مخطّطُها والتمثيل عليه أنموذجات يستأنس بها شداة العلم والراغبون فيه .

أمَّا المكان في شعر الراعي النميري فكثير متعدد ، لا تحيط به رسالة ماجستير بله دكتورا ه ،لأنه  يحتاج إلى ورشة علمية متخصصة بموضوعات متعددة من البحَثة في الجغرافيا وتثبيت المواقع المكانية على خرائط الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام الكبرى ، والنظر في أسمائها القديمة وأسمائها الحديثة وترسيم مواقعها وقراءة النص الأدبي للنميري لنتمكن من متابعة حركته على راحلته من موقع إلى آخر ، ونحتاج إلى باحث في التاريخ لدراسة توزيع القبائل العربية على خرائط والعلاقات الاجتماعية والسياسية في ضوء  النص الأدبي ، ونحتاج إلى دراسات في علوم الآثار لنتوقف عند بعضها أو البحث عن أمكنة أخرى ذكرها الشاعر وجهلتها معاجم البلدان ، ومثل هذه الدراسة  قد تئطُّ منها  دراسات بحَثَة لا باحث واحد ، ذلك  لأن مجموع الأمكنة المتنوعة  في ديوانه بلغت  نحو "193"مائة وثلاثة وتسعين مكانا ، ينضاف إليه القتب المتحرك على كور  راحلته، التي كان يتنقل عليها من مكان لآخر، لمدح بعض الخلفاء الأمويين في دمشق أو بعض حكام بني أمية تارة لنيل الجوائز والأعطيات، أو لإصلاح ما اعترى قومه من مؤازرة للزبيريين الخاسرين  ضد حكم بني أمية ،

 وتنوع المكان في شعره  ، فمنه المقدس كمكة والمدينة ويثرب ،ومنه مكان رعيه كما في قصيدته 45/174ـ177 ومنه مواقع قرب حلب ك"حوارين "ومنه المكان الثلجي كحوارين التي مر بها على مشمخرة من الإبل تمر فوقهما السحائب كما في قوله :

ظللنا بحُوَّارين في مشمخرة        تمر سحاب تحتنا وتلوح (ديوانه قصيدة رقم 10/بيت 25)

ومن الأماكن الأودية مثل وادي السماوة الذي بين بادية العراق والشام( كما يحدده الحموي )

وثمة أمكنة ذكرها للتحدي كان ينقل جبلا مكان جبل إن استطاع ، وهناك أمكنة لم تترجم لها معاجم البلدان نحو" بلع" التي يذكرها الحموي على أنها مكان في شعر النميري لا يعرفه ،فأنى لباحث أن يحيط بالمكان عند النميري ؟

 أمَّا الباحث الطالب محمد خالد محمود المزيد فقسَّم موضوع رسالته "المكان في شعر الراعي النميري"ثلاثة فصول وخاتمة وألحقها بمصادر ومراجع .

 أما الفصل الأول فعنونه ب" المكان الطبيعي في شعر النميري "وبين فيه اثر المكان دلاليا في شعره وعرض لأثر الصحراء عنده واستشهد بالشعر عن الأودية والجبال التي ذكرها الشاعر في شعره

أمَّا الفصل الثاني فعنونه ب" المكان وآلا خر " ودرسه تحت عنوانات الممدوح والمرأة والطلل والحيوان.

أمَا الفصل الثالث فعنونه ب"الحضور المكاني في ثلاثة انموذجات مختارة من ديوان النميري وضبط النصوص ضبطا دقيقا ثم قسمها شرائح وحللها في ما وسعه جهده ، ولعلَّ الدراسة التطبيقية في هذا الفصل  أن تكون أفضل فصول رسالته، فعرض في أولى شرائحه ،لصفات الناقة التي ارتحل عليها إلى ممدوحه ، مبتدئا  من  صحارى مجهولة  يطارده فيها السراب ، حيث يحط في الغوطة وان كنت أتمنى أن يفيد الباحث من تقنيات الحاسوب و عالم الانترنت،  فيرسم صورة الناقة ،ويعين عليها أسماء أعضائها ، فيجلي لو فعل ذلك صورة الناقة بين الأدب وعلم التشريح ، ولعلنا لا نخطئ لو انتحينا بطلبتنا هذا المنحى الجديد  ،فيسهَّلُ على الطالب وأستاذه أن يحفظا أعضاء الحيوان، ليس من الحواشي فحسب بل بالصورة التي تعيًّن على الحيوان، فنوظف ساعتئذ  حاستين لا واحدة هما السمع والبصر على نحو من قوله تعالى لموسى وأخيه هارون عليهما السلام "كلا لا تخافا إنني معكما اسمع وارى " وتمنيتُ أن يرسم الثور الوحشي ويلونه، ويرصد حركته  وسكونه في ظل الأرطى حينا أو متحركا  مذعورا من      عدوه، وليتنا نتمكن نبرز صراعه أعداءه على برامج خاصة من الحاسوب ،ويقال مثل ذلك عن الثور واصطراعه مع الصياد والكلاب ، و للحق فقد كان للباحث تنبه جيد  إلى توظيفه الثور منتصرا على الكلاب أو مهزوما منها ،على نحو من تعادل موضوعي ،يراه الشاعر في عالم لاوعيه، فيرى نفسه منتصرا يدرك مبتغاه ،أو مهزوما لم ينل ما كان يتمناه ،في لا وعيه وهو يتأرجح بين الأمل والرجاء، وكان يمكن للباحث أن يتوقف عند ملامح من جمال المرأة التي رسمها الشاعر بلباسها الأبيض الدال في عالمي الدال والمدلول على نقائها وصفائها وان يحرك غير حاسة لترسيم ملامحها من حواس بصرية ووشمية عطرية ولمسبة وحركية بعد  أن يترسم بنيتها وجسدها وان يتوقف عند دلالة  انفها الأشم ،الذي بتابى الذل، وعند جيدها الذي يميس تيها ودلالا، لا ذلا وإذلالا ،وما توظيفه فيحان مكانا إلا لفوح ريحه الطيب أو لسوء فيحه في الهجير على نحو من حالة الشاعر التي كان عليها  .أما مصادره ومراجعه فبلغت أربعة وستين تضاف إليها عشر مجلات ودوريات وخمسة مرجعيات من شبكات الانترنت وثلاث رسائل جامعية وهي مراجع كافية للنهوض بهذه الرسالة . أما لغته فسليمة إلى حد كبير ، لان فيها كدرا لغويا حينا  عكر انسيابها أحيانا ، وأما ترجمة الكلمات الصعبة للنميري فاعتمد الباحث  شروح غيره ،وقلما كان يرجع إلى ترجمتها في المعاجم المختصة كما نجد أمثلة في أوراق رسالته (50و51 و56و83 و89و97و105 و109و113وغيرها ) أما الهنات اللغوية فأرجو أن يتسع صدرا لإبراز ما أمكننا منها ، والبواقي في فيها ماثلة لتصويبها ، أما ضبطه النص فمتقن غالبا وان كانت حركات مزدوجة تظهر على الحرف الواحد في أوراقه (29 و30 و32و35) وكان عليه ضبط الشعر في ورقة 38وثمة خطأ إملائي في بيت شعر ورقة 50 وصوابه وللمرء، وهنات أخرى على حواشي هذه الرسالة .

وأخيرا أتمنى للباحث كل توفيق على جهده في رسالته المتخمة بالمكان الذي مر الباحث يبعضه على عجل، وعلى نحو مواز، لا متغلغلا بأبعاد المكان الذي لو فعل ذلك لغرق في متاهاته،ولكنه آثر العافية ، فأعطاه الله العافية، ولمشرفته التي كانت تدرك ذلك كله  كلُّ تقدير واحترام، واللهَ اسأل له التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .