رواية خارج الجسد
نسخة أردنية (هشة) لبنات الرياض
أم تشريح شخصي لا مجتمعي
محمد حسن العمري
كاتب وروائي أردني
مقيم في صنعاء-اليمن
قبل نحو اربع سنوات اصدرت كاتبة اردنية مغمورة على الساحة الروائية اسمها عفاف بطاينة رواية (خارج الجسد )عن دار الساقي المعروفة ، وبسبب الاثارة الواسعة للرواية أعيد طباعتها ثانية لتدخل قائمة الكتب واسعة الانتشار شأن رواية بنات الرياض لرجاء الصايغ السعودية ، في تشابه عميق بين سبب الانتشار والمضمون لكلا الروايتين وبأنهما كانتا باكورتي الكاتبتين..
ربما وجدت رواية بنات الرياض نصيبها من النقد الكافي باعتبارها وصف مجتمعي-من وجه نظر فتاة ناشئية في العشرين من عمرها!- وليست عملا روائيا كما وصفتها الكاتبة
الروائية ليلي العثمان بانها جرئية جدا لكنها لا تندرج تحت العمل الروائي ، تماما مثلما وصف محمد عابد الجابري الكاتب الراحل الصادق النيهوم ذات مرت بانه جرئ جدا لكنه لا يمتلك بضاعة فكرية..!!
رواية بنات الرياض التي صدرت ايضا عن دار الساقي تقريبا متزامنة مع خارج الجسد ، اعيد طبعها مرات عدة ومنعت اول الامر في مسرح الرواية السعودية ،ثم سمح بها واصبحت تباع بالمكتبات الكبيرة وفي مطارات السعودية ،واثنى عليها الاديب الوزير غازي القصبي، اي انها اصبحت شبه مدعومة داخليا وبسعر قارب 50 ريالا سعوديا ، وهو ثمن باهض تستطيع فيه شراء روايتين مترجمتين حديثتين لباولو كويلو او برهان باموق!!
لكن لا يبدو ان الامر سينطبق على رواية عفاف بطاينة الممنوعة في الاردن حتى اليوم ، وذلك لان المنع لم يقتصر على ما اعتبر فضائح مجمتعية داخل الرواية شان بنات الرياض ،بل لان رواية خارج الجسد امتدت لتنتقد افراد الجيش والسلطة.
في باكورة الاعمال الرواية دائما تنتج اعمال مثيرة للجدل تتراجع شعبية كاتبها مع ثاني رواية تصدر له ، وهو ما حدث بالفعل مع رجاء الصايغ وعفاف البطاينة والاخيرة عادت واصدرت رواية الشرق والغرب وهو الاسم ذاته الذي اصدر به سلمان رشدي عام 1994 رواية لم تحظي بالاهتمام كما في روايته الاولى ذات السمعة السيئة ايات شيطانية .
ساقف سريعا على بعض محطات من رواية خارج الجسد لعفاف البطاينة التي ارى بالفعل انها اقرب الى التجرية الشخصية منها الى المجتمعية ، او ان كاتبتها من الذكاء بمكان اذ استطاعت ان تشعر القارئ بانها تتحدث عن تجربة مريرة وخاصة وتلفت الانتباه لها في الغرب حيث كانت تتابع دراستها وربما عملها..
في سياق الرواية الكامل تتحدث الكاتبة عن البطلة التي تتعرض لسطوة الاب والقبيلة والابتزاز الذي يلحق بها جراء لقائها بفتى شاب في عمرها حال انتهائها من امتحان الثانوية العامة ، وتنزلق في محطات سريعة تؤكدللقارئ الاردني ،- ان صاحبتها شأن الروائية الاردنية الاخرى نورما خوري لم تعش او تخالط المجتمع الاردني وبالذات المجتمع الريفي الذي تتحدث عنه عفاف البطاينة.
موضوع جرائم الشرف بالعالم الاسلامي ، الذي يثير شهوة الاعلام الغربي كان مادة رواية نورما خوري(الحب المحرم) ،وحسب مؤلفتها التي قالت اول الامر انها تجربتها الخاصة قبل ثمان سنوات من نشر الرواية ، ثم عادت واعترفت انها لم تكن في ذات الحين في الاردن وانها زورت الحقائق وا ختلقت رواية مثيرة عن جرائم الشرف في الاردن ، مما حدا بدار النشر الى اتلاف عدد ضخم من نسخ الرواية.
نفس الامر يتجدد مع رواية خارج الجسد التي تنتهى بتشخيص جرائم الشرف ، حيث ان بطلة الرواية منى نجت من جريمة شرف لاحقها بها اخوها غير الشقيق الى بريطانيا بعد ان عاشت مع صديقها ستورات البريطاني من غير زواج..
بعيدا عن النقد الفني والادبي للرواية المشبعة بالاحداث والقليل من فنون السرد ، تكرر عفاف البطاينة كلمة القبيلة
للاشارة الى عائلتها الممتدة بشمال الاردن، وكلمة القبيلة كلمة غائبة غير مستعملة بتاتا في ريف شمال الاردن مسرح الرواية ، ويستخدم مكانها العشيرة او العائلة ،ولعلها مستخدمة اكثر في الكويت والخليج واليمن ، والكاتبة بالمناسبة استاذة جامعية بالجامعة الامريكية بالكويت ، وتكرار كلمة القبيلة هي بالكامل مقتبسة حيث تعيش الكاتبة لا حيث ترد الاحداث..
وكذلك تقول البطلة (منى) ان مشكلتها لانها شربت فنجان قهوة مع صديقها (صادق) ،في مقهى او مكان اخر وهذا بالطبع غير متاح في قرى شمال الاردن ، فليس ثمة مقاهي اصلا ، ولو وجدت تكون للشباب فقط ، هذا يحدث اليوم فكيف قبل اكثر من عشرين سنة حيث بدأت سرد احداث الرواية.
وفي مشاهد اخرى تبدو عيانا للاثارة مثل ان يصف الاب ابنته باعضائها وشهوتها اما الناس ،او امام العائلة وهو ما ينظر له في مجتمع ريفي بالعار الذي لا يمارسه حتى المتسلطين من الاباء لاسباب ليست بالضرورة اخلاقية لكنها تجرّ على الاب مسبة وانتقاص.
تكرر مثل هذه المشاهد خلال النصف الاول من الرواية الذي يدور بالكامل داخل قرية اردنية و ينتقل الى بعضه الى الجامعة في العاصمة ، وهي جامعة وحيدة في العاصمة الاردنية ذلك الحين ، لتصور البغاء داخل مكاتب اساتذة الجامعة وسط تواطئ رئاسة الجامعة في ذلك ، وهذا شان الاثارة لانه بالضروة لن يتم التحقيق في مدى صحة كلام يرد في رواية تحتمل ان تكون مجرد رواية..
بداية النصف الثاني من الرواية اذ تهاجر صاحبتها مع زوجها الماجن الى بريطانيا ، تبدأها الكاتبة بمشهد جنسي غير لائق داخل الطائرة وهو يتكرر في روايات وقصص قصيرة اجنبية لا تبدو متاحة ولا يسمح بها اصلا على خطوط الطيران ،وهي نفس المدخلات التي اعتمد عليها الطاهر بن جلون في روايته ليلة القدر وليس محلها احداث الرواية ، يعني تبدو مقحمة غصبا الى قلب الرواية ،وكانت رجاء الصايغ في بنات الرياض فعلت المشهد نفسه ،فتاة تبعث صديقها او خطيبها ليشترى لها الفوط النسائية –مع ذكر نوعها عند رجاء الصايغ – آخر الليل...
لن نكون معنين بمحاكمة الرواية وهذا ليس شأن الادب ،لكن يمكن القول ان رواية خارج الجسد ، اذ اعتبرت سيرة ذاتية او سيرة غيرية فهي وصف حالة خاصة ، وليست تشخيصا مجتمعيا ، فالذين يستبدون ببناتهم ويمتهنون انسانيتهم موجودن لكنهم ليسوا بالحالة العامة ،ويعيبهم ذلك في مجتمع ريفي بدأ نشيطا جدا في تعليم المراة قبل اكثر من عشرين سنة ،وهو ما يشهده الواقع اليوم من غلبة نسبة التعليم عند المراة على الرجل في الجامعات الرسمية وغير الرسمية، والمراة التي تتحرر من قيود الدين والمجتمع وترضى ان تعيش وتنجب سفاحا من رجل اجنبي في دولة اجنبية بدين غير دينها ايضا حالة فريدة وليست حال مجتمع..
واذا كان والدها-اي البطلة- يسرق ارزاق الجيش ، ويمارس الدعاة داخل سيارة الجيش فهذا مما تجده في اي منظومة عسكرية وغير عسكرية ليس في تعميمها اي قيمة.
يبقى من نافلة القول ان منع الروايات اليوم والرقابة عليها ،يضفي عليها قيمة ليست بالضرورة موجودة اصلا في الروايات الممنوعة!!!