رؤية عابره في رواية إله المتاهة

رؤية عابره في رواية

إله المتاهة

مأمون احمد مصطفى*

[email protected]

"إله المتاهة ، رواية تناقض السائد المتوارث ، وتدفع بالتأثير التغريبي نحو سياقات وفضاءات روائية واسعة ، خاصة وأنها اتخذت من أدب الجنس منطلقا حقيقيا ، للانطلاق بهذه الرؤى التغريبية نحو تلك الفضاءات الرحبة الواسعة .

ومن هنا لا يمكن اعتبار هذه الرواية من روايات الأدب الداعر التي تسعى لتدمير التأثير التغريبي ، وقد جاءت على شكل مذكرات اعترافية ، تتخذ من الجنس منطلقا لأفكارها ورؤاها من دون أن يكون الركيزة الأساسية لبناءها الروائي ، وبذلك فقد شكلت بحق تحدي ممتع وكبير ، لان رواية الأدب الداعر أكثر صراحة من الناحية الشكلية من أي نوع روائي آخر ، إن الرواية تتمتع بشيء من الصراحة الرمزية التي تصف بها الباليه من دون أن تنتهك حرمة هذا الفن الراقي والرائع " .

هذا ما كتبه الناشر على الغلاف الأخير للرواية ، ولا اعلم حقيقة كيف استطاع الناشر أن يصل إلى هذا التحليل المفترض ، عن فكرة الرواية وأسلوبها ، ولا اعلم يقينا ، كيف وصل إلى إثبات حقيقة أنها ليس من الأدب الداعر .

مفهوم الأدب الداعر ، يختلف معناه باختلاف زاوية النظرة إلى الأحداث الواردة في العمل الأدبي ، بحيث ، يسعى بعض النقاد ، الر رؤية الأدب الداعر ، وهو يتخصص من الصفحة الأولى وحتى الصفحة الأخيرة ، بتواصل وصفي للمشاهد الجنسية الملتهبة ، والتي تستطيع أن تستفز غريزة القارىء ، فتنهضها من مكمنها ، وهذا رأي ، يحمل من السذاجة ، ما يكفي لعدم الرد عليه .

وهناك من يعتقد ، بان استخدام المشاهد الجنسية بتفصيل معقول ، ضمن مساحة الفكرة التي تتضمنها الرواية ، ينأى بها عن أن تصنف بأنها رواية تعتمد الجنس كفكرة وأسلوب من اجل استفزاز غريزة القارىء ، وهذا رأي يتناوله أكثر النقاد ، ومعظم كتاب الأدب ، على المستوى العربي ، وعلى المستوى العالمي .

على المستوى العالمي ، يمكننا فقط العودة للاستفادة من التاريخ الماضي للرواية العالمية ، والتي كانت تهتم بتفاصيل الإنسان ، من الناحيتين ، النفسية ، وما يعتورها من اختلاطات وتناقضات ، ومن الناحية المستقبلية ، التي تدفع العقل للعمل على الاتحاد مع عواطف القلب ، وتقلبات النفس ، وهواجس الشر الموزعة في الذات ، وكان هم الرواية ، ان تتجاوز المفهوم الإقليمي ، إلى مفهوم عالمي ، يتصف حقا بلفظ الإنسانية ، الإنسانية التي كان الحلم المستقبلي للروائي يعذبه ويضنيه ، من اجل صياغته برائعة ، ينحني القارىء لها إجلالا وإكبارا ، في أي مكان يتواجد فيه على سطح الكرة الأرضية .

على سبيل المثال ، لو أخذنا رواية البؤساء ، بصفحاتها الممتدة إلى ما يقارب ألفان وخمسمائة صفحة ، فان القارىء ، يبدأ ومنذ الصفحات الأولى بالإحساس العميق للقيمة الإنسانية التي تتشكل داخل البناء الروائي الصاعد بوتيرة محسوبة ليرسم عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها شخوص الرواية ، دون الحاجة ، للإسفاف أو النزول إلى المشاهد الجنسية التي من شانها استفزاز الغريزة ، من اجل امتلاك القارىء ، وحين ينتهي القارىء من الرواية ، ستجده قد أضاف إلى إحساسه الإنساني بعدا جديدا ، تأصل فيه وتجذر ليصبح مكونا أساسيا من مكونات شخصيته ، مما يؤدي بالضرورة إلى صقل نفسيته وعواطفه بأداة الإنسانية التي رافقت الصفحات والأحداث والشخوص .

ولو عدنا إلى رواية " كوخ العم توم " لوجدنا التوتر المتواصل ، المصحوب بالغضب والنقمة ، وأحيانا بالحقد العارم ، على ما حل بالزنوج من ظلم واضطهاد ، ويقينا بكينا من حرقة الألم ، ومن الدهشة التي تصل بما يسمى الإنسان ، إلى مراحل الانحدار والتردي ، حتى يتحول إلى " شيء " خارج عن نطاق التصور ، بما يلك من " أشياء " تعمي بصره عن رؤية تفاصيل الإنسانية التي تتغذى بالعذاب والهول ، لما يمارس ضدها من سلوكيات ، لا يمكن ان تدرج ، بوصف تعرفه الإنسانية ، أو حتى سبقت وعرفته ، وما يثبت صحة ما ندعي ، أن هذه الرواية ، وإذا كنا لا نستطيع أن نغامر بالقول الصريح ، بأنها بما ملكت من إيمان بقيمة الإنسان ، كانت هي الفتيل الحقيقي الذي أشعل الحرب في الجنوب الأمريكي ، فإنها على الأقل ، كانت ، والاهم أنها ستبقى ، رواية يمكن للتاريخ البشري ، الاحتفاظ بها كمعلم فاصل في العقل الإنساني ، يستحق أن يخلد ، وان يصنف ، على انه أكثر أهمية وعمقا وتأثيرا ، من اهرامات العبودية ، وبرج ايفل وبيزا ، وأكثر أهمية أيضا ، من صعود الإنسان إلى القمر ، لان الإنسان ، الذي دافعت الرواية عنه ، هو " الإنسان " في كل مكان ، وفي كل عصر مضى وسيأتي .

وإذا ما استرسلنا في مثل ثالث ، فإننا سنتجه نحو دوستويفسكي ، صاحب الروايات التي عاشت الحالة الإنسانية بكل ما فيها من تناقض واختلاف وتنافر ، بكل ما فيها من خير متأصل وشر متأصل ، هذه الروايات التي استطاعت ان تضع العالم على ضرورة فهم النفس البشرية ، والتعامل معها ، بما تملك من تناقض وتضارب ، وهي التي أسست ، ودون أي مبالغة ، لمفهوم علم النفس الروائي القادر على وصف الحالات البشرية بطريقة قادرة في النهاية على التأثير بقبول الانقلاب النفسي ، من قطب الشر إلى قطب الخير ، وان لم يكن ذلك ممكنا ، فإنها ساهمت بتعريف الإنسان ، بما يملك من طاقات ، يمكن الاعتماد عليها في توجيه السلوك البشري نحو مستقبل قد يتشكل مع المستقبل .

ورواية " رسائل من منزل الأموات " ، كانت نقطة من النقاط ذات التأثير القوي بنفسية القيصر الروسي الذي دعا بعد قراءتها ، إلى إصلاح السجون ، وهي أيضا ، كانت من الأساسات التي أطاحت بالحكم القيصري في روسيا .

وأنا أستطيع الآن ، الاسترسال بأمثلة عالمية ، كبيرة وكثيرة ، تقود إلى مفهوم البناء الروائي من اجل الإنسان ، دون الحاجة إلى استخدام الجنس كعامل أساسي ، مقزز ، ومقرف ، فنجحوا وأبدعوا ، وخلدوا كمنارات إنسانية ، لا تقف ثقافة أو دين أو تقليد ، من قبولها وجعلها معلما إنسانيا ، يخص البشرية كلها ، بحاضرها ومستقبلها .

أما بالنسبة للرواية العربية ، فإنها تنقسم إلى قسمين ، قسم استطاع أن يستخدم الفن الروائي ، يتقنية عالية ، مستسقيا مادته من المجتمع الذي يعيش فيه ، فنجح إلى حد ما ، وقسم حار بين قدرته على الصياغة من الواقع الذي يعيش فيه ، وبين تأثره بمد الثقافة الغربية بكل ما تحمل من تناقضات بيئية ومعرفية ، سيق إليها المجتمع الغربي ، تحت تأثير السطوة الديمقراطية التي استخدمت الإنسان كشيء لا قيمة له في أكثر المجالات الإنسانية التي تتعامل مع غرائزه ، على أنها المكون الإنساني لكينونته  ، وكان تأثر الرواية العربية ، تأثر القزم الذليل ، أمام مارد الغرب المالك لكل أسباب القوة والسطوة والاكتشاف ، في جميع مجالات المعرفة .

وهذا تحديدا ، هو الفارق بين الأدب العربي ، والأدب الغربي ، فإذا ما قرأت للطاهر بن جلون ، أو لحنا مينا ، أو لاحسان عبد القدوس ، أو غادة السمان ، أو نوال السعداوي ، فانك ستجد بوصلة ترشدك إلى أن جهة الجنس في الرواية العربية ، هي جهة منقولة بالتأثر ، لمعطيات العصر الجديد ، عصر الغرب بما يمثل من قوة عسكرية واقتصادية ، وقوة فكرية ، استطاعت أن تقنعنا بأننا دون أولئك الذين فتحوا الحرية ، بكل مجالاتها على حقيقة أن لا حدود أخلاقية تقف أمام الفكرة وأمام الكاتب .

والمفارقة الواضحة ، أن الكتاب الذين يعيشون بالغرب ، وخاصة المشاهير في القدرة على صياغة الرواية والعقل والعاطفة ، نأوا بأنفسهم عن الحرية تلك ، والتزموا بما يملكون من مبادىء وأفكار ، بعكس العرب والمسلمين ، الذين أصبحوا منغمسين بتلك الحرية لإشباع عقدة النقص التي يحملون ، ولنيل رضا الغرب ووسائل إعلامه ، بل وامتدت الصورة ، لتصنع الأبطال القادرين على اختراق الاستعمار الصهيوني ، من اصل الدعارة الصرفة ، والانحلال من كل قيم الدين والأخلاق والإنسان ، مثال ذلك الهجان ، الذي غرق بالدعارة إلى حد يعلو قمة رأسه ، وكانت صورة المسلم ، او المجاهد العادي ، تأتي بصور منافية للذوق البشري والإنساني ، وترسخ من خلال مظهرها بدائية فكرة الأخلاق والدين .

ما سبق يحدونا إلى الاستنتاج ، بان المفكر والمثقف  العربي ، عاش الإحساس بالدونية ، بالتقزم  - وهناك عوامل أخرى قد يأتي ذكرها في بحث خاص – وهذا ما دعاه إلى الاعتقاد ، بان ما يصدر عن الغرب ، هو بحد ذاته قيمه يمكن الاعتماد عليها والبناء على أسسها .

وهذا تحديدا ما حدا بالناشر إلى قول ما قال عن رواية " إله المتاهة " لكولن ولسن .

الرواية ، حاولت وبأسلوب ذكي أن تتعامل مع المفهوم الجنسي في الرواية ، على انه ليس الركيزة التي تقوم عليها الرواية ، وان البحث عن التأثير الجنسي هو الركيزة الحقيقية للرواية ، وهذا ما جعل الناشر يظن ذلك ، لكن الرواية الجنسية أسرفت وبشكل مدروس في وصف المشاهد الجنسية القادرة على استنهاض الغريزة بشكل كامل ، بل وتأملت مع المشاهد الجنسية ، بتصوير سينمائي متكرر ، وكانت الوصف دقيقا إلى حد الخجل ، وأحيانا إلى حد الشذوذ .

الرواية ، لو كنت املك قدرة على نقل مشاهد اللحظة الجنسية ، هي رواية داعرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، ولا فرق بينها وبين روايات جيمس بوند ، التي غلفت بغلاف العميل السري المعاصر .

وللقارىء الحق بالعودة إلى الرواية ومحاولة معرفة كم الوصف الجنسي الواضح ، تحت هدف البحث عن أصول الدافع الجنسي وتأثيره بالإنسان وسلوكياته ، بل وأنا ادعي ، بان الرواية قد وصلت إلى مرحلة الشهوة الحيوانية التي تعيش لحظة المتعة ، على أنها أسمى معاني الحياة وارفعها .

أنا لا اشكك بنوايا كولن ولسن ، لان له فكرا يلتصق بما يحصل بمجتمعه والمجتمع الغربي كله ، فالشذوذ الجنسي المنتشر إلى حد كل بيت وأسرة ، وكل مدرسة وجامعة ، والانحلال المسيطر على مفهوم الكوابح الأخلاقية الإنسانية ، يجعله يعتقد اعتقادات ناشئة من تأثره بما هو حوله .

أما نحن العرب ، فإننا بسبب تقزمنا ، نُشْدَه ، وننبهر ، مما يذهب إليه الغرب ، فتأثرنا السابق ، بفلسفة سارتر ، هو تأثر القزم بالمارد ، وإلا ، فماذا تعني الوجودية للمواطن العربي والمفكر العربي ، الذي لم يصب بصدمة الانتقال من المجتمع البسيط إلى مجتمع الآلة الضخم المكتسح الفرد والجماعة من طريقه ، أنا افهم ، وأستطيع أن أتصور تأثر الإنسان الغربي بفلسفة سارتر لعمق التغير الذي انفجر وغير المجتمع بأسره ، لكني ارثي ، حماقة المفكر والمثقف العربي ، الذي حمل الفلسفة الوجودية ، محمل الجد والتأثر .

وبنفس القدر ، ارثي حماقة المفكر والمثقف العربي ، الذي يستطيع أن يرى برواية " إله المتاهة " رواية إنسانية أو رواية يمكن الاستفادة مما ورد فيها من أفكار تنهض على تأليه اللحظة الجنسية المتصلة بذروة اللذة والشبق .

وعلينا كعرب ، أن نتناول الأدب الغربي والفكر الغربي ، بشخصية الندية ، التي تستطيع أن تفصل القشور عن اللباب ، بروية الواثق من تاريخه وقدرته واقتداره ، لا بروية القزم المتلقي والمتأثر بخزعبلات تأتينا على أنها روافد للفكر المعاصر والحديث .

كولن روائي ناجح ، لكنه باحث فاشل ، برغم ما قيل عنه ، وخاصة بعد كتابه اللامنتمي ، الذي يعتبر بحثا عن وجودية جديدة ، يمكن أن تنجح بالغرب ، لأنها تتصل بواقعه ، تتأثر وتؤثر فيه ، لكن ما قلناه عن فلسفة سارتر ، نعود لنقوله عن كولن نفسه .

فقراءة سريعة ، وأقول سريعة عن قصد وتبصر ، لمجموعة من كتب كولن ولسن ، مثل كتاب " موسوعة الألغاز المستعصية " و " الحاسة السادسة " و " والإنسان وقواه الخفية " و غيرها ، يقودك إلى استنتاج واضح ، بان كولن ولسون يطارد الهباء ، فماذا يعنيني من لعنة الفراعنة ، غير حماقة من كتب عنها وسخف من امن بها ، وماذا يعنيني من السحر الأسود ، أو الاستنباء بالعصا ، واختفاء أغاثا كريستي مدة أيام ، ثم ظهورها بدون أن تقدم تفسيرا لفترة غيابها بأحد الفنادق ، ولماذا علي أن أطارد وهما يسمى بالأطباق الطائرة ، أو مثلث برمودا ؟

القضايا التي يطاردها كولن هي قضايا غريبة ، لذلك يشعر الإنسان بالمتعة والاستهجان والغموض حين يقرأها ، تماما كالخرافات المنتشرة بالوطن الإسلامي عن الجن وتحركه بجسد الإنسان وتدمير المجتمع بلحظة غضب ، مثل هذه الأمور الغيبيبة ، تستهوي النفس ، لكنها في الحقيقة ، ليست سوى خرافات ، يأنسها الجاهل ، واقصد الجاهل الذي تؤثر معرفته بطريقة تفكيره .

لكننا نقر له بقدرته الروائية في " طقوس في الظلام " و " القفص الزجاجي " و " الشك".

رواية " اله المتاهة " رواية جنسية صرفة ، نستطيع تصنيفها بالأدب الداعر ، تماما كما نستطيع تصنيف بعض روايات حنا مينا بالأدب الداعر ، مهما كانت حجة الكاتب أو الناقد للدفاع عن فكرة الجنس ، لان رواية " كيف سقينا الفولاذ " قد وظفت مفهوم الجنس ، بصفة إنسانية ، تساوقت مع الفكرة الثورية للإنسان الباحث عن حريته ، وكذلك رواية " الجريمة والعقاب " وظفت الفكرة الجنسية ، لمفهوم إنساني سام ونبيل ، فاستطاعت الروايتان ، أن يجعلانا نقف احتراما ، لمفهوم الجنس الملتصق بالفكرة الإنسانية .

وليس بمفهوم الانحطاط بفكرة الجنس ، إلى مستوى الشهوة التي تنزل من مرتبة الحيوانية إلى درك أسفل من ذلك ، كما صورت رواية  إله المتاهة ، وروايات أخرى .

في إحدى قراءتي للدكتور زكي نجيب محمود ، فيلسوف مصر ، تحدث عن احد مدرسيه في الجامعة ، فقال : إن الأستاذ كان يخرج في كل يوم وفي جيبه بعض النقود المعدنية ، لكنه كان يصاب بالدهشة والمفاجأة حين يحتاجها فلا يجدها ، كانت تتبخر ، تتلاشى ، وكأن قوة خفية متخصصة بإزالتها من مكانها وبشكل ، وبعد دراسة مطولة وتحليل مضن ، لم يصل إلى نتيجة ، فحار في أمره ، واستعان بقدراته وحاول أن يصل للسبب الذي يخفي النقود من جيبه بشكل يومي ، لكنه فشل .

وذات يوم ، حين حاول غسل السروال بنفسه ، اكتشف أن جيبه مخروق ، وان الفتحة التي به تكفي لتسرب النقود من جيبه ، فحزن وتأثر على الوقت الذي قضاه وهو يخوض مراحل التحليل النفسي والاستكشاف الداخلي التي كان يظن بأنها ستنهي مشكلة ضياع النقود المتأصلة بحياته .

هذه الرواية تتعلق وبشكل رئيس بنظرية فرويد ، التي قامت على تأسيس الجنس يمكن أن ترد إليه السلوكيات البشرية ، وهي تكشف عن فذاذة الأستاذ بطريقة طرحه لتفاهة النظرية الفرودوية ، وتدل وبشكل واضح على سخريته من المثقفين والمفكرين الذين تعاملوا بتسليم مطلق .

وهذا مفصل من مفاصل الشخصية القوية ، التي باستطاعتها أن تميز بين القدرة النابعة من خصوصية الفكرة وتفردها ، وبين الفكرة المروج لها إعلاميا لتسود وتكون ضمن المحرمات التي يصعب مسها أو نقدها .

وللتدليل على ذلك ، نأخذ فترة العقاد رحمه الله ، تلك الفترة التي منحت طه حسين ، مرتبة عميد الأدب العربي ، مع العلم إن قراءة متأنية للعقاد ، وقراءة سريعة لطه ، تدل على البون الشاسع بين امكانات الرجلين ، وهو بون نستطيع أن ندعي وببساطة وثقة ، بون المفكر من الذي ما زال يسعى للوصول إلى منزلة المفكر ، لكن الوضع السياسي ، هو الذي قرر ، وليس منطق الحق والقدرة والاقتدار .

وهذا ما يجب الآن التنبه له ، لان الناس ما زالت تؤله الشهرة ، وتقدسها ، فكيف إذا كانت هذه الشهرة من كاتب ، تملك بلاده من أسباب القوة والسطوة ، ما تجعلنا نشعر بعجزنا وذلنا في الحياة ؟

              

*فلسطين- مخيم طول كرم.