الشاعرة القديرة ثريا نبوي
هي شاعرة خاصة جداً، من مواليدِ القاهرة القديمة، حيث العراقة والأصالة، وعبق التراث والحضارة، حاصلةٌ على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة سنة 1972م بليغة قوية، مكينة، معبرة، وذات ثقافة عالية، استلفتت نظري من الأسطر الأولى التي قرأتها لها!
أكرمني الله بالتواصل معها فوجدتها فعلاً (ثريا نبوية) ذات جلال، وخلق، وعطاء شعري ثر، لم أكن رأيت مثله من شاعرةٍ قبلُ، ووجدت احتراقاً قلبياً على الإسلام، والحق، والعدل، والقيم، ولا أزكيها على الله تبارك وتعالى.
قصيدتها في هذا الكتاب لوحة لفظية ولا أبلغ، وقصيدة شعرية ولا أجمل، وسيمفونية موسيقى ولا أرق!
تعيش هموم الأمة وقضاياها ساعة بساعة، وتنزف شعراً ووجعاً وعاطفة، في قصائدها الكثيرة!
دواوينها عديدة، منها ديوان: عذراً حبيبي المصطفى/ وديوان القدس: لتحضن رايك الشُهُبُ/ وديوان بغداد: على نايِ حُزني/ وديوان: التراب المرتهن، وديوان: عندما تبكي الديار، وديوان: الشاطئ البعيد/ وديواغن: العُصفورُ الذي نسِي، فضلاً عن ديوان كتبته بالعامية المصرية عنوانه كلام من خشب!
وأزعم أنني فوجئت فعلاً باقتدارها وشاعريتها، فهي طويلة النفس، ثرية الثقافة، جميلة الصور، عاطفية التعابير، تشحن عباراتها وألفاظها بمعانٍ وإشارات متعددة الدلالات، كاشفة عن شاعرية غير مدعاة، ولا اصطناعية، بل الشعر في نفسها أصيل، واقتدارها اللغوي بين، وثقافتها الإسلامية والعالمية غير خفية..
قال فيها الشاعر جمال خليفة:
أزفُّ إليكِ جميلَ المعاني
وودَ الأماني
ومما كتب عنها الشاعر حماد صبح:
ولئلا تجرفني العاطفة سأنقل هنا بعض ما كتبه العالم المعروف أ.د. خالد فهمي كلية الآداب الأستاذ بجامعة المنوفية عنها معرفاً ومقدماً في مقاله: (قراءة في ملامح القصيدة عند ثريا نبوي):
هي شاعرة مجيدة، صاحبة صوت منتمٍ بحكم المنابر التي ارتادتها، ونشرت فيها قصائدها منذ فترة طويلة.
وهي شاعرة عرفت التنافس، فأخذت منه وعلت، بقدر القصيدة عندها؛ بحكم ما نالته من جوائز.
وهي بعد ذلك شاعرة معروفة القدر؛ بحكم عضويتها لعدد من الأندية والجمعيات والروابط الأدبية؛ من مثل عضويتها العاملة في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
الشاعرة ثرثيا عبد الفتاح نبوي شاعرة كبيرة بحكم الرصيد الرائع الراقي من الشعر الفصيح الذي أبدعته قريحتها، ونظمته ملكتها.. وهو شعر ممتد بعد القصائد والدواوين التي أنتجتها!
وليس بعد هذا الكلام كلام.
تعتذر الثريا النبوية لحبيب وحبيبها والمصطفى صلى الله عليه وسلم هاتفة:
يا سيدي
نحن الذين أتتْ بِهم تلك النبوءاتُ المَضَاءْ!
نحن الذين تكالبت أُمَمٌ على قصعاتِهم
وأتى بهم سيْلُ المهانةِ والرِّياءْ!
نحن الغُثاءْ!
لم نفترشْ سَنَنَ العدالةِ والإخاءْ!
لم نلتحفْ أمرَ السماءْ
سِرْنا على دربِ الهوى
نَخَرَ النَّوى عظمَ العقيدةِ
عمَّ في الكونِ البلاءْ!
أغرى بنا إدمانُنا حُبَّ الدَّنيةِ
والركونُ إلى صدورٍ تحتَ أضلُعها رُكامٌ من عداءْ!
نحن الذين مَضَوا على دربِ الخُنوعِ مُهادنينَ عدوَّهم
وسُيوفُهم خشبيةُ التَّلقينِ
والخيلُ امَّحت من سَرْجِهَا آثارُ ثأرٍ وامتطاءْ!
نحن الذين تشَكَّلَت ذكراكَ عِند شعوبِهم
وملوكِهم
حلوى تُباعُ وتُشْتَرى
وَنشيدُهم في المَوْلِدِ النَّبَويِّ يَهدِرُ بالغرامِ المُفتَرَى
أكلوا الحِصانَ وفارِسَهْ
وَنَسُوا الفتوحَ المدرسةْ
ذَرفوا الدموعَ على الحُسَيْنِ.. وأَسَّسوا
للظلمِ ألفَ مؤسَّسةْ
نزعوا التباشيرَ النَّديَّةَ مِن ثغورِ الخيرِ
فانتُزِعَت أزاهيرُ النَّماءْ!\
رَكِبوا البحارَ وَيَمَّموا
شَطْرَ الولائجِ
أقسموا باللاتِ حين اسْتُقسِموا
أن يسأموا
عهدَ الأُخُوَّةِ مِنهُ ينفكوا بِراءْ
أوَ بعدما هانَ الدَّمُ؟!
وعلى مذابحِنا العُداةُ تَرَنَّموا
ما زال في القلبِ انتماءْ؟!
نحن الذين إذا أُهينَ نبيُّهم
قالتْ عمائمُهم: محمدُ قد مضى!
أوَ يَدفَعُ المَيْتُ ازدراءْ؟!
قد لطَّخوا وجهَ المدى بدَمِ الحياءْ!
بل نحن صرنا الرَّاحلينَ
ولو حيِينا عاش فينا
بين أحضانِ التأسِّي والوفاءْ!
تحت العمائمِ غضَّنوا .. دفنوا اللواءْ!
يا ليتهم ضمُّوا تلابيبَ الرِّداءْ
أخفَوا عِمالتَهم تُفرِّطُ في الثوابتِ
والرموزُ غدَت هَباءْ
يا ليتهم صَمَتوا وبعضُ النطقِ داءْ!
ياليتهم رَحَلوا وأُفسِحَ للسمواتِ البكاءْ
أين المناراتُ التي رفعت صُرَاخَ الحقِّ حتى
شقَّ آذانَ الفضاءْ ؟!
أين ابنُ حنبلَ والسياطُ استهدفت ظهرَ الإباءْ ؟
وأبو حنيفةَ والحياةُ تضاءلت .. بل سُطِّرَت
كلماتِ حقٍّ في دساتيرِ السناءْ!
والعزُّ والنوويُّ صالا حينما احتدم الفداءْ!
نحن الذين إذا أُهين نبيُّهم
صاغَ الردودَ عُتاتُهم
أوْهى وأهونَ من رَمادٍ في مَهبِّ الريحِ
تغضبُ ما تشاءْ!
لبسوا مُسُوحَ الحكمةِ الجَوفاءِ
قالوا: إنه الإرهابُ جاءْ!
إذْ ماردُ الإسلامِ نحَّى عن قماقِمِهِ المَزاليجَ.. الغِطاءْ!
بل كان شدُّ رِحالِهم حَجاً إلى بيتِ المذلةِ والرِّياءْ!
رفعوا الأكُفَّ ضراعةً
يستمطرون شفاعةً
فمن الرعيةِ مَن أساءْ!
ياااا حُمرةَ الخجلِ التي ولَّت وما مِن رَجعةٍ
باتت تُبدَّلُ في الشرايينِ الدماءْ!
نحن الذين تقاعسوا
عن بثِّ إرسالِ السماءِ
إلى البرِيَّةِ – ترتقي -
عَبْرَ الأثيرِ المُلتقِي
أُذْنَ الجَهالةِ والخَواءْ!
وتمترسوا
بالعجزِ يبدأُ حيثما انتهت الأيادي من بناءِ
محابسِ الفكرِ المُناوئِ أو تنانيرِ الشِّواءْ!
واستأنسوا
بالعطرِ في شَعْرِ النساءْ!
تَخذوا أبا نُوَّاسَ- قبل التوبةِ الغرَّاءِ -
فارسَهم إذا ما ريمَ في الدربِ اقتداءْ!
وإذا بنا نصحو على
(هِنْتِنْجِتون) يدعو إلى
أنَّ الحضاراتِ اصطدامْ
وإذا بصدرِ الشرقِ ساحاتُ السهامْ
حيث الصراعُ مُؤجَّجٌ قد أشعلتهُ حضارةٌ غربيةٌ
غَصَّتْ بيادرُها بألفِ رذيلةٍ ورذيلةٍ
في مِهرجانٍ للحَصادِ المُرِّ يجحدُ دينَنا
وهو الدواءْ!
صرنا معارضَ للرَّدَى
ودعائمُ "الإسلامُفُبيا" تشنِقُ الدينَ الذي انتشلَ الخلائقَ
مِن جحيمِ الوأدِ والتمييزِ إلا فضلَ تقوى ناشِراً نَهْجَ السَّواءْ
وأتَوا بفُرقانِ الأباطيلِ التي انسَكَبت
فلم تُمسِكْ دِلاءْ!
داسوا المصاحفَ.. دَنَّست آياتِها
- سُحقاً لمن أزرَى بها -
أيدي الشياطينِ التي استترت بأبوابِ الخَلاءْ!
شهِدت ( جُوَنْتَنَمو) على إفلاسِهم
لبسوا من الأخلاقِ أثوابَ ادِّعاءْ!
طُمِست عيونُ القومِ.. أنَّى يُبصرون
بالإفكِ هم يتشبَّثون
والإفكُ ملهاةُ الرياحِ إذا تبارت في العَراءْ!
حُزَمُ الخسائسِ والخَنا قد جُمِّعَتْ
في خِسَّةٍ ممجوجةٍ للوحلِ باتت مقلبا
وبدا التطاولُ والتعدِّي مذهبا
إن كان ذكر "محمدٍ" مُتأهِّبا
حريةٌ تخبو إذا مَسّ "المحارقَ" أو مزاعِمَها هِجاءْ!
حريةٌ للنَّيْلِ ممَّن أمَّ جمْعَ الأنبياءْ
في الأرضِ سيدُهم
وفي الإسراءِ والمعراج تَوَّجَتِ السماءْ!
للنَّيْلِ ممَّن كان رحمةَ ربِّهِ للعالمينْ
فوفَى بعهدِ المشركينْ
وقُرَيْشُ لم تَحْنِ الجبينْ
إلا إذا ديست محارمُ فالحصونُ بلا عزاءْ!
ونَهَى عن الغدرِ المُشين:
للعامريِّ وخلِّهِ
دِيَةٌ تحِقُّ لآلهِ
شرفُ العقودِ محا الدُّجَى
والفَيءُ فاءْ!
في الغارِ مِن نورِ المعيَّةِ ومْضَةٌ للحائرينْ
وَأَدَ المخاوفَ حاسماً في وَأْدِهِ
- مُتَنَصِّلاً مِن غِمْدِهِ -
سيفُ اليقينْ
إذ قال للخِلِّ المُرافقِ في مَضاءْ:
لا تَحزَنَنَّ .. اللهُ مِن فوقِ المكيدةِ والعَداءْ!
نَسَجَت على غارِ المُهاجرِ عنكَبٌ وحمامةٌ
لِتَقودَ تابِعَهُ الحَثيثَ ضلالةٌ
بالمنطقِ ابتعدت خُطاهُ بلا مِراءْ!
خان اليهودُ ولم يخُنْ
طعنوا العهودَ وحالفوا الأحزابَ والشيطانَ
دسُّوا سُمَّهم بين الصفوفِ وفتَّتوا
كبِدَ العقيدةِ باحتيالاتِ الدَّهاءْ!
حيَّا الجِنازةَ واقفاً مُسترجعاً عِبَرَ المآلْ
قالوا يهوديٌّ ومات فلا تُبالْ
فإذا بِرَدٍّ لفَّهُ حُسنُ اللآلْ:
(نفسٌ) لها سهمُ النعيمِ أو الشقاءْ!
بالعفو يحفلُ.. وانثنَى عزمُ الرجالْ
صلَّى على رأسِ النفاقِ مُكفِّناً
في ثوبِهِ – بل والِهاً – مستغفراً.. حاكى الخيالْ
وخيانةُ ابنِ أُبَيِّ ناءَ بحَملِها
صخرُ الكواهلِ في غرابيبِ الجبالْ
مِن أيِّ نبعٍ ناهلٌ مُتَوَدِّدٌ
- مِسْكُ الختامِ محمدٌ -
ذاك الصفاءْ؟!
في فتحِ مكةَ شاهدٌ والعفوُ جالْ
أعطى الأمانْ:
في دارِ سُفيانَ ائمنوا شرَّ القتالْ
والمسجدُ الحِصنُ الحصينُ إذا دَنَت حِمَمُ النِّزالْ
أُسِرَت قلوبُ الكُفرِ وانسحقَ الهوانْ
قال (اذهبوا) .. فَتَعَجَّبوا!!
لم يمتشِقْ سيفاً بِحَدَّيْهِ الفناءْ!
فالحِلْمُ والصبرُ الجميلُ سَجيةٌ
للهاشميِّ وَوُطِّنت مجرَى الدماءْ!
بالعدلِ يُوصي مَن حَدَتْهُ مَراغِبٌ
في مِنبرٍ بالنورِ يسطعُ في دياجيرِ القضاءْ!
ورأى الشَّهادةَ جَمرةً
يُكوَى بها مَن بات يكتُمُها ويلويها اتِّقاءْ
كفُّ النبوةِ بالسَّخاءِ مُخَضَّبٌ
وَمُخَضِّبٌ في المُزْنِ حباتِ العطاءْ
نُسجتْ على نَوْلِ التواضُعِ بُرْدةٌ
للمصطفى إنْ يمْضِ في عونِ الإماءْ
أدبُ المخالطةِ الرفيعُ قدِ استقى
نَضْحاً من الآيات يملؤها التُّقى
كان الأمينُ مُمنطقا
بمَجَرَّةٍ يعلو سناها فوق هاماتِ الضياءْ!
نِعمَ الإدامُ الخلُّ والفرشُ الحصيرْ
وسِوَارُ كِسرَى مِنحةُ المولَى النصيرْ
(نَهَوَنْدُ) شمسُ الفُرسِ في النَّزْعِ الأخيرْ
دانت له (روما) ولانت شوكةٌ
لِبني قُريظةَ .. قَيْنِقاعٍ .. والنَّضيرْ
أذِّن بلالُ فإنما هي دولةٌ
وسِياجُها .. أمنُ المدينةِ
حصنُها .. جمرُ الجهادِ مُنَضَّدٌ
لَبِناتُها .. عدلٌ به ارتفعَ البناءْ!
وهو الذي صاغ الفتوحَ بشارةً وحضارةً
نَقَلَ العبادَ إلى عبادةِ ربِّهم ربِّ العبادْ
فاستنشَقوا عِطرَ التحرُّرِ مِن جبابرةِ البلادْ
أبقى على نبْضِ الوليدِ المُنتظَرْ
بل كفَّ عن جَثِّ الشجرْ
قتلِ البراعمِ والظِّباءْ!
هدْمِ الكنائسِ والبِيَعْ
إزعاجِ رهبنةٍ تُصلِّي بينما الكونُ اهتجعْ
للمسلمينَ قُضاتُهم
ولأهلِ ذِمَّتِنا قَضَتْ أصواتُهم:
إنجيلُهم .. توراتُهم
والجِزيَةُ انعقدَت على أمنِ الكتابيينَ في كَنَفِ الخِباءْ!
هو فارسُ الهَيْجا بغيرِ مُنازِعٍ
وهو الملاذُ يصُدُّ بأسَ مُقارِعٍ
بالمئزرِ النبويِّ يشتجرُ التحدِّي والرجاءْ!
يا يومَ أن خَمَدَت – بأيدي العابرينَ
على خيولِ النصرِ- نارُ الفُرسِ
وَدَّعَتِ (المدائنُ) شمسَ فارِسْ
قُلْ لي إلى أيِّ المدارس
كان سعدٌ ينتمي لِيَخوضَ دِجلَةَ قائداً
ومُرَدِّداً: اللهُ أكبرُ حَسبُنا وسلاحُنا الرُّمحُ .. الدُّعاءْ؟!
مَن ألهَمَ البَدَوِيَّ أسرارَ الضِّفافِ
وقد تدافَعَتِ الفُيوضُ تُعيدُ تَقديمَ الولاءْ؟!
إيوانُ كِسرى .. تاجُهُ وسِوارُهُ ونِطاقُهُ
للعابرينَ النهرَ يحدوهم فداءْ!
في الهجرةِ الغراءِ كانت لمحةٌ .. قَدريَّةٌ
وسُراقةٌ .. يمضي على أثرِ الرسولِ
وكبوةٌ .. ثَنَّت فأقفلَ عائداً مُتَرَقِّباً
وعدَ النُّبُوَّةِ بالسِّوارِ له جزاءْ!
وتُضئُ رُكنَ العدلِ في دارِ الخلافةِ
لفتَةٌ عُمَريَّةٌ - بَهَرَت سُراقَةَ - مِن قناديلِ الوفاءْ!
صِدقُ المِزاحِ مع الصحابةِ إنْ مَزَحْ
ومُشَاوِرٌ - لا مُستبدٌّ - يقترحْ
سمِعتهُ دارُ الأرقمِ
مِن فتنةِ الدنيا يحذِّرُهم ومِن
سَفْي المعاصى في سُفوحِ المَنْدَمِ
(هي دارُ من لا دارَ له)
(هي مالُ من لامالَ له)
أدُّوا الأمانةَ فانبرَى مُتسابقاً
جيلٌ محا من سِفْرِهِ معنَى العَناءْ!
ويُجيبُ دعوةَ منْ دعاهْ
ويعودُ مَن سقِمُوا ويرقي في أناةْ
بَشٌّ إذا لقيَ الطفولة في الطريقْ
ومُداعبٌ وَلَدَ الصديقْ
أثنَى على سِبْطَيه يتَّخذان منه مَطيةً
ومُحَذِّرٌ أن يُكذَبَ الطفلُ الصغيرُ عطيةً
هي رقةٌ في القلبِ يرفِدُها النقاءْ!
هذي عيونٌ تدمعُ
والقلبُ باكٍ يخشعُ
لفِراقِ إبراهيمَ محزونٌ يُكلِّلُهُ الرِّضاءْ!
لا تفجعوا عصفورةً بفراخِها
في كلِّ كبْدٍ رطْبةٍ أجرٌ لمن يُعنَى بها
فتأمَّلوا دفقَ الحنانِ أُولي النُّهَى
مِن رحمةٍ تُتلَى إذا تُليت تعاويذُ الشفاءْ
رَفَعَ النِّساءَ مُعلِّمًا ومُحكِّمًا ومُبايعا
عقدَ الزواجَ مُواسياً ومُصاهراً ومُشرِّعا
هُنَّ الشقائقُ بالقواريرِ ارفِقوا
والكونُ أذنٌ سجَّلت حَرَّ النداءْ!
ماتت خديجةُ فانحنت - لم تستقمْ -
صبَّابةُ الأحزانِ تغزلُ حزنَها دمعاً .. وفاءْ!
الحقَّ قُلْ
حثَّتهُ عائشةٌ وقد رانت غيومٌ من جَدَلْ
إن لم يقلْهُ فمن يَقُلْ ؟
بالصدقِ مُتَّشِحٌ فما عرفت نجومُ وِشاحِهِ وَمْضَ المللْ
وهَوَت تُحَكِّمُ صفعةُ الصِّدِّيقِ
تدفعُ عن صديقِ العمرِ شبهاتِ الزللْ
سهماً نَبَـا مِن جُعبةِ الغضبِ الشديدِ مُحرَّراً
مِن قيدِ أسبابِ الوَجَلْ
فغدَا المُشفَّعُ في البرايا عاتباً
ومُغاضباً .. يَرثي لها:
ألأجلِ هذا يا أبا بكرٍ أجبتَ نداءَها ؟
كنا نوَدُّ وساطةً ترنو إلى ثمراتِها عينُ الثَّناءْ!
ما قال أُفٍ للخدم
أكرِمْ بمن ضَمَّ الشِّيَم
وَصَفَتْهُ عائشةٌ خلاها ألفُ ذم
هو كعبةُ الأخلاقِ تَوَّجَها البَهاءْ!
عذراً حبيبي المصطفى
عزَّ الوفا
أَوَ لم أقلْ في المُبتدا
نحنُ الذين اقتادهمْ حبلُ العِدا
وأتى بهم سيلُ التَّرَدِّي والرَّدى
أحداقُهم مرمَى نبالِ الأشقياءْ؟!
خَسَفت ظنوني سيدي
حُبٌّ حدا
في غضبةٍ شقَّت أديمَ الليلِ والفجرُ ابتدا
ذادت شعوبُكَ عنك فابتسم المَدى
قال الطبيبُ الآن أدركها النَّدَى ودَمُ الفِدا
وتجذَّرتْ لم تُقْتَلَعْ بين الغثاءْ!
فلتنهضي يا أمةَ الإسلامِ
جافي المرقدا
لا يُخلفنَّ اللهُ عهداً عاهدا:
يستخلفنَّ وينصرنَّ مَن اقتدَى
لا مَن توهَّج من بشاعةِ الاجتراءْ!