الخطاب الديني .. وتعليم الدين !ن
" كان يريد إقامة إمبراطورية إسلامية . وإخلاص الإخوان المسلمين للإسلام أكثر من إخلاصهم لوطنهم!". هذا ما قاله قائد الانقلاب في حوار له مع الواشنطن بوست ليسوغ انقلابه العسكري الدموي الفاشي على الرئيس المنتخب محمد مرسي. أما وزير خارجيته "نبيل فهمي" - الهارب من التجنيد - فقد ذكر في حوار نشر على الموقع الإلكتروني لجريدة (دير شبيجل) الألمانية أن : " مرسي أراد إقامة نظام حكم إسلامي وما كنا نسمح له بذلك ، ولذلك لجأنا إلى الجيش ". وأضاف : " لو كانت المشكلة هي أداء مرسي لكنا انتظرنا ثلاث أو أربع سنوات لكن المشكلة أنه كان يقود البلاد نحو وجه إسلامي !" .
المسألة إذا ليست محمد مرسي أو الإخوان ، ولكنها رفض الإسلام والوجه الإسلامي ، تحت دعوى تجديد الخطاب الديني! . المسلمون لديهم ما يعرف بالتجديد الديني ، ويؤمنون أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد الإسلام ، أي يطهره مما ألحق به وليس منه ، ويجلو عناصره الأساسية ، ويذكر الأمة بثوابته ومتغيراته .
لماذا يغرقوننا في حكاية تجديد الخطاب الديني ، وما الغاية من ورائها ؟ الإجابة هي استئصال الإسلام كي يعيش الصهاينة آمنين . دعونا نسأل عن معني كلمة خطاب ؟
كثيرون من ذوي النوايا الحسنة لا يفهمون معناها الحقيقي أو مفهومها الأصلي ، ويظنون أن الخطاب يعني الأسلوب أو طريقة الدعوة ، كما يشير المعنى اللغوي " مادة خطب - الـخَطْبُ: الشَّأْنُ أَو الأَمْرُ، صَغُر أَو عَظُم؛ يقال: ما خَطْبُك؟ أَي ما أَمْرُكَ؟ وتقول: هذا خَطْبٌ جلـيلٌ، وخَطْبٌ يَسير. والـخَطْبُ: الأَمر الذي تَقَعَ فـيه الـمخاطَبة، والشأْنُ والـحالُ؛ وخَطَبَ الخاطِبُ على المِنْبَرِ خَطَابَةً، بالفتحِ، وخُطْبَةً، بالضمِ، وذلك الكلامُ: خُطْبَةٌ أيضاً، أو هي الكلامُ المَنْثُورُ المُسَجَّعُ ونحوهُ .. إلخ" .
شياطين الإنس من الشيوعيين وأشباههم يعرفون معنى الخطاب اصطلاحا أدبيا ونقديا ، بحكم أنهم يعرفون المصدر الغربي الذي صاغها والغايات التي يهدف إليها . حيث الخطاب كل ملفوظ يندرج تحت نظام اللغة وقوانينها ليكون نصا ، وإذا ما خرج هذا النص ليندرج تحت السياقات الاجتماعية سمي خطابا ، فالخطاب إذن ينهض بمهمة توصيل رسالة، ويمكن القول بأن العلوم المجاورة والمساعدة ،التي اتخذت من النص الأدبي موضوعا لها، ترى للخطاب معاني مختلفة ، فحقل اللسانيات يرى أن "الكلام " يولد خارج النظام ، وضد المؤسسة ، لأنه يتميز بطابع فوضوي تحرري ، وهو الفضاء الذي تنشأ فيه الصياغة اللغوية ، وهذه اللغة الجديدة ، لها أن تكون "رسالة "أو بنية أو "نصا " أو "خطابا" فكلها أصلها الكلام. وإن كان الخطاب(DISCOURS) يختلف عن النص (TEXTE) حيث يعتبر الخطاب رسالة تواصلية إبلاغية متعدد المعاني ...
ومع تعدد تعريفات الخطاب فإن معظمها يتفق على أنه مضمون وليس وسيلة أو طريقة في الدعوة والتعريف ، وهو ما يلح عليه السادة الشيوعيون وأشباههم عند الحديث عن الخطاب ، وإذا كان الناس يسمعون من قائد الانقلاب أوامر مستمرة للأزهر وغيره بتغيير الخطاب الديني أو القيام بثورة دينية كي لا يؤذي المسلمون العالم بأفكارهم الدينية المنحرفة (!) ، فإن أحد أقطاب الحظيرة الثقافية يرجع المأساة الدموية التي تعيشها الآن بلاد العالم العربي وخاصة ليبيا والسودان وسوريا والعراق إلى انحراف الفكر الديني (!) الذى يبدأ من العقل ثم يعطى أوامر لليد التي تنفذ القتل والإرهاب ابتداء من السيف وانتهاء بالقنابل. أي إن الإسلام سبب النكبات في العالم العربي ، وليس الحكام الطغاة أو اللصوص الكبار أو العملاء الخونة، وأن انحراف الفكر الإسلامي هو الذي دفع إلى قتل ربع مليون سوري وعشرات الألوف في ليبيا والسودان والعراق واليمن ومصر .. وليس بشار وحفتر والبشير والمالكي والحوثي والانقلاب العسكري ؟ وكأن الإسلام على امتداد أربعة عشر قرنا هو الذي يدعو إلى القتل والذبح والتخلف ، وليس العصابات الخائنة التي تحكم بلاده بين حين وآخر!
القطب الحظائري الكبير يرى أن العقلانية الإسلامية هي الحل ، ويجب أن تكون مسيطرة، وعلينا أن نستبدل ابن رشد وتفكيره بابن تيمية وطريقته!
بالتأكيد فالحظائريون من الشيوعيين وأشباههم الذي يلحون على فكرة تجديد الخطاب الديني ، لا يقصدون التجديد الديني الذي عرفه المسلمون على مدى تاريخهم الطويل ، ولكنهم يريدون تغيير مضمون الدين وإلغاء ثوابته أو فرائضه الأساسية من صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد وزواج وما يعرف بالحلال والحرام ، بالإضافة إلى تقنين الربا والشذوذ وترسيخ التبعية لثقافة الغرب الفاسدة وليس الصالحة ، وعدم الحديث عن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر .. إلى غير ذلك من أصول ديننا الحنيف حتى يرضى عنا الغربيون المهيمنون وأتباعهم المحليون والإقليميون !
إنهم يتخذون من بعض حوادث العنف التي تجري هنا وهناك دليل إدانة للإسلام ، مع أنهم يعلمون جيدا أن معظمها تقوم به أجهزة مخابرات محلية وإقليمية ودولية محترفة عن طريق بعض السذج ، وأنها لم تكن قائمة قبل سيطرة الغرب على بلاد المسلمين واصطناعه حكومات مستبدة موالية له . ثم إن الإسلام لم يدع يوما إلى سفك الدماء بغير حق ، ولكن عصر الأكاذيب يحاول أن يرمي المسلمين بدائه وينسل !
ثم إن دعاة ما يسمى تجديد الخطاب الديني يتجاهلون الخطر الأكبر وهو عدم تعليم الإسلام في المدارس والجامعات والأزهر . لقد صار الإسلام لا وجود له في مناهج التعليم بالمعنى العملي . وزارة التعليم مثلا خصصت حصة واحدة لما يسمى التربية الدينية ، وهي مادة لا تضاف إلى المجموع ، وينجح فيها الطلاب آليا سواء طالعوا كتابها أو لم يطالعوه ، وصار تقليدا شهيرا في المدارس أن مدرسي المواد الأخرى التي تضاف إلى المجموع يستغلون وقتها لتدريس موادهم واستدراك ما تأخروا في تدريسه لسبب أو آخر ، وقد لا حظت أن الكتاب الذي يحافظ على هيئته التي خرج بها من المطبعة في أيدي الطلاب هو كتاب التربية الدينية لأنه لم يفتح إلا يوم الامتحان ، ثم يطوح به إلى القمامة !
أما الأزهر الشريف فله الرحمة ولمحبيه السلوان ، معظم طلابه لا يحفظون القرآن الكريم أساس الدراسة فيه ، والمواد المتعلقة بالإسلام واللغة صارت قشورا لا تسمن ولا تغني ، واسأل عن الغش الذي طال كل معاهده ، ونسبة الثانوية الأزهرية هذا العام 28,1% . والناجحون لم ينجحوا بجهودهم على كل حال !
لمن يتوجه تجديد الخطاب الديني المزعوم إذا ؟ لمن لا يفقهون الدين ولا يستطيعون التفرقة بين الحلال والحرام ؟ ومن يقوم بهذا التجديد ؟ من لا يصلون ولا يصومون ولا يزكون ، ويلعنون الجهاد ويباركون الربا ؟ أو من يقولون : القرآن به ألفاظ تجرح مشاعر الآخرين (يقصدون النصارى).. الهرم أقدس عندنا من الأقصى.. كلما قابلنا قداسة البابا سنقبل يده.. الحجاب ليس فرضا. أو من يقولون : القرآن به متناقضات..؟ أو من يقولون :"كتير من الشباب ألحدوا.. يعني مخرجوش من الإسلام". " والكفار سيدخلون الجنة !" ، أو من يقولون : " الرقص هو الإسلام الوسطي ؟" . هل يستطيع دعاة تجديد الخطاب الديني أن يطلبوا التجديد من الكنيسة ؟
الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 627