إنه نجم رشاد وهدى

clip_image001_864ef.jpg

وكتب الشاعر ( صلاح الدين عيادة الوليد ) قصيدة في رثاء المفكر الإسلامي نجم الدين أربكان – رحمه الله – يقول فيها :

من إلى رحمة مولاه رحلْ      فسمعنا نجم إصلاح أفلْ

إنه نجم رشاد وهدى           ومنار في سلوكٍ وعملْ

نذر النفس لإصلاحٍ فما       آثر الراحة ما كلّ وملْ

يحمل الهمَّ بقلبٍ ثابتٍ        وبعزمٍ دونه يهوي جبلْ

لقد نذر نجم الدين أربكان نفسه للإصلاح ومحاربة الفساد والوقوف بوجه التيار العلماني الذي يعادي الإسلام ويسعى لفصل الدين عن الدولة ، وكانت غايته المثلى نهضة الأمة لتلحق بركب الحضارة ، وكادت الهموم تمزّق فؤاده ، ولكنه تسلّح بالأمل والعزيمة الصلبة والإرادة القوية :

نهضة الأمة أسمى غاية               لم تفارقه إلى حين الأجلْ

هاله ما قد جرى في أمتي    وسط هذا الضعف قد أحيا الأملْ

في رماد شعلة من نفخه         أوقدتْ ناراً بها الذلُّ اشتعلْ

واستعادتْ أمتي ما نسيت       من حضارات أقامت ودولْ

ومضى ترجع للماضي وما     كان من مجدٍ لماذا الوهن حلْ

ولماذا قلعةُ العزّ غدتْ          ترهبَ الخصمَ كذئبٍ وحملْ

ولماذا حلَّ فيها خورٌ                 إنه في أمتي أمرٌ جللْ

إنه الإعراض عن خالقنا    سببٌ في كل وهن ٍ قد حصلْ

أربكان رحمةُ الله على        جدثٍ ضمك والفضلُ هطلْ

سرتَ في صدقٍ عسى يكرمكم      بجنانٍ ربنا عزَّ وجلْ

ويرى الشاعر أن سبب تخلف الأمة عن ركب الحضارة هو الوهن وحبّ الدنيا وكراهية الموت والبعد عن قيم الإسلام الخالدة، والإعراض عن الله ....

ألا يارب مغفرةً لنجمٍ :

وكتب الشاعر الإسلامي المعاصر محمد جميل جانودي قصيدة يرثي فيها البروفيسور نجم الدين أربكان – رحمه الله – يقول في مطلعها :

ذهلتُ بما رأيتُ من السماء              توشحت السواد بلا مراء ِ

وبعد هنيهةٍ سكبتْ دموعاً            وجابَ نحيبها رحبَ الفضاء

سألتُ أحبتي ما الأمر حتى        حدا الحسناءَ على هذا السخاء

وفيما عيونها فاضت كسيلٍ          وفيما الأرض ضجّت بالبكاء

أجابوني وهم مثلي حيارى              أحبتنا نعت نجمَ السماءِ

نعتْ نجماً ولا نجماً كنجمٍ             أضاء زمانه أسنى الضياء ِ

أجل قد كان نجماً لا يبارى          تألق في الصباح وفي المساء ِ

صوّر الشاعر حزن الطبيعة على رحيل المجاهد أربكان ، فالسماء توشحت السواد وراحت تسكب الدموع بغزارة ، فسأل الشاعر أحبابه لماذا تبكي هذه الحسناء ، فكان النبأ الصاعق لقد رحل نجم السماء ، الذي أضاء زمانه بالعلم والعرفان :

طفولته ترى رجلاً عظيماً       رأى ما كان من جهد البلاءِ

رأى رمزاً كبيراً قد تهاوى             هوت معه رموزُ الأوفياءِ

رأى ديناً قويماً قد تنحّى           بمكرٍ من أساطين الشقاء

وحلّ محلّه سفرٌ تولّى               كتابته صنائع ذي العداءِ

رأى تبديلَ حرف كان مجداً              لأمته ومجلبةُ الهناءِ

رأى العربية الفصحى تنادي      لقد أقصيت من ألفي لياء

رأى أمجادَ عثمانٍ علاها           غبارٌ هبَّ من دانٍ وناء

رأى الأخلاق تمحى من نفوسٍ      وتطبع بالرذيلة والخناء

لقد أدرك البروفيسور نجم الدين أربكان فداحة الجريمة التي أقدم عليها مصطفى كمال حيث أبدل الحروف العربية ووضع محلها الأحرف اللاتينية ، وطمس آثار بني عثمان، وألغى الخلافة ، والأوقاف ، ومنع الآذان باللغة العربية، وحارب الحجاب ، فتلفت أربكان حوله، فشخص الداء ووصف الدواء، وتحلى بالصبر، وجاهد لنشر الدعوة ، فدخل نور دعوته في كل بيت في تركيا ، يقول الشاعر :

تلفت حوله فرأى وميضاً          بأفئدة الرجال الأصفياء

تعهده برفقٍ واصطبارٍ             إلى أن صار نجماً ذا بهاء

وأضحى نوره في كلِّ بيتٍ      تجلّى في الرجال وفي النساء

وأعلى راية الإسلام سلماً          يواجه كيدَ مكرٍ وازدراءِ

فأشرق وجه تركيا علينا            أطلَّ بوجه سعد ٍ والبراء

وعاشَ الناسُ أحراراً كراماً         بفضل غراسه أهل الوفاء

أقرَّ الله مهجته بنصرٍ               تمثّلَ في التحرر والإباء

بكى فرحاً لأن الحقَّ أضحى      علانيةً يسيرُ بلا اختفاء

وأضحى أهله يشمون هوناً        سلاماً قولهم عند اللقاء

وصور الشاعر شوق المسلمين لأيام أربكان، وأشاد بجهوده في نهضة تركيا لقد علم أمته كيف تسمو وتحلّق في سماء المجد والعلياء، فلله درّ الشاعر عندما صوّر ذلك فقال :

ألا يا أربكانُ إليك نهفو             فأنت أخو علوٍّ وارتقاء

لقد علّمتَ شعبك كيف يسمو    بصبرٍ في الشدائد والعناءٍ

بحمد الله في النعماء دوماً          وشكراً في المسرّة والرخاء ِ

ألا يا أربكان إليك منا             تحيّة من أحبك في صفاء

ونرجو الله أن نلقى قبولاً       لدى مولاك َ في حسن الأداء

أنجمَ الدين معذرةً فإنا                 تبارينا بدنيا الأشقياء

وأغمضنا عيوناً عنكَ ردحاً             وتهنا في الولاء والبراءِ

غرقنا في بحار القوم حتى            ننال لديهم بعضَ الثناءِ

نسينا أن منهجنا قويمٌ             وأن الناسَ فيه على سواءِ

فصححتَ المسارَ وكان صعباً    عليكَ مسيرنا دون اهتداءِ

وحانت وفاة نجم الدين أربكان، فوّدع الحياة مبتسماً؛ لأنه عاش حميداً، ومات سعيداً، وناداه الرسول فلبّى النداء :

وجاء الموتُ نحوكَ في أناةٍ            كما يأتي كرامَ الأتقياءِ

وناداكَ الرسول بكلِّ رفقٍ             إلى الرحمن هيّا للعلاء ِ

فلبيتَ النداءَ بكلِّ شوقٍ         لتلقى الركبَ موفورَ الجزاء

ألا يا ربّ مغفرةً لنجمٍ          ألا يا ربّ اجزلْ في العطاءِ

و بعد :

ثم رحل ذلك النجم، ولكنه خلّد اسمه في صفحات المجد والعلياء، وترك في تركيا المعاصرة آثاراً لا تمحى، وها هم تلاميذه : عبدالله غول، ورجب طيب أردوغان، وأحمد داود أوغلو، ورجائي قوطان، يتابعون مسيرة الخير والبذل والعطاء التي خطها أربكان بدم قلبه، فصاراً قدوة ..ومنارة ..ونجماً ساطعاً ..دخلت أنواره في جميع القلوب المؤمنة، وسرت في بيوت الأتراك مسرى الدم في العروق .

وسوم: العدد 632