زغرودة الفنجان لحسام شاهين وأدب السّجون
عن دار الأهلية للنّشر والتوزيع في العاصمة الأردنيّة عمّان صدرت الطبعة الأولى لرواية "زغرودة الفنجان" للأسير الفلسطيني حسام زهدي شاهين، تقع الرّواية التي صمّم غلافها الفنّان خالد نصّار وقدّم لها الاعلاميّ الشاعر زاهي وهبه في 310 صفحات من الحجم المتوسّط.
اضاءة لا بدّ منها
أدب السجون:
الكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينيّة والعربيّة وحتى العالميّة، وممن كتبوا بهذا الخصوص: خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطانيّ، وكتب الشّيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السجون العثمانية في أواخر العهد العثمانيّ، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشهيرة عام 1930تخليدا للشّهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشّاعر الشّعبي عوض النابلسيّ بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشهيرة” ظنيت النا ملوك تمشي وراها رجال” وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(أوراق سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” لعزت الغزاوي ، و"قبّل الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، "و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرّجوب، وروايات "ستائر العتمة" و "مدفن الأحياء"و"أمّهات في مدفن الأحياء"وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد"ومجموعة”سجينة”للرّاحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثّامنه)لنمر شعبان ومحمود الصّفدي، و”أحلام بالحريّة”لعائشة عودة، وفي السّنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنّائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرمل” لنافذ الرفاعي، ورواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وفي العام 2010 صدرت رواية"عناق الأصابع" لعادل سالم، وفي العام 2011 صدر كتاب "ألف يوم في زنزانة العزل الانفراديّ لمروان البرغوثي، و”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، ورواية “سجن السّجن” لعصمت منصور،وفي العام 2012 صدرت رواية"الشّمس تولد من الجبل لموسى الشيخ ومحمد البيروتي" كما صدر قبل ذلك أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السّجون ايضا، ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن. وفي العام 2013صدر كتاب"الصمت البليغ" لخالد رشيد الزبدة، وكتاب نصب تذكاري لحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي"، في العام 2014 رواية"العسف" لجميل السلحوت، وفي العام 2015 زغرودة الفنجان لحسام زهدي شاهين.
وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، أفرزتها خصوصية الوضع الفلسطيني، مع التذكير أنها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا.
كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضا، فقد كتب الروائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السّجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والرّوائي السوري سليم عبد القادر وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السّجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السّجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب "القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر"
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعرا أو نثرا فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم. أما في الأدب الحديث فنذكر: ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية "خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي".
كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرا على الفلسطينيين والعرب فقط ، بل هناك آخرون مثل شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، والرّوائي الرّوسي ديستوفسكي في روايته”منزل الأموات” فالسّجون موجودة والتّعذيب موجود في كلّ الدّول منذ القديم وحتى أيامنا هذه، ولن يتوقف الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
عودة إلى زغرودة الفنجان
قبل الدّخول في الرّواية يجدر التّعريف بشيء من سيرة كاتبها.
- ولد حسام زهدي شاهين في عرب السّواحرة-القدس عام 1972 في أسرة كادحة ومناضلة.
- انخرط في صفوف حركة فتح وهو طالب في المدرسة، حيث ظهرت شخصيّته القياديّة والمرحة في سنّ مبكّر، ممّا أهّله أن يتدرّج في صفوف الشّبيبة الفتحاويّة، إلى أن وصل إلى قيادتها بقدرة واقتدار، وهذا ما لفت انتباه زعيم حركة فتح الرّئيس الرّمز ياسر عرفات فقرّبه منه.
- عرف عنه حبّه لتطوير وتثقيف نفسه بنفسه، فانكبّ على المطالعة في مختلف المجالات، وهذا ما يشهد له به معارفه قبل وقوعه في الأسر وأثناءه. وهذا ينعكس من خلال المقالات السّياسيّة والفكريّة التي كتبها ولا يزال يكتبها.
- وقع في الأسر في 28- 1- 2004، وحكم عليه 27 عاما.
- واصل كتابة آرائه وهو قابع في الأسر رغم قساوة الحياة والامكانيّات القليلة وراء القضبان، إلى أن كتب روايته هذه "زغرودة الفنجان."
اسم الرّواية
التقط حسام شاهين اسم روايته من الصّوت المنبعث عن صبّ فنجان القهوة من الدّلّة النّحاسيّة، والذي يشبه صوت الزّغرودة.
الاهداء
يهدي حسام شاهين روايته إلى شهداء الحركة الأسيرة ومناضليها، وهو بهذا يؤكّد وفاءه لدماء الشّهداء وأنين وعذابات الأسرى كونهم "خير من فينا" على رأي الرّاحل محمود درويش.
المضمون:
ترتكز أحداث الرّواية على الصّراع مع المحتلّ، فهناك مقاومون وهناك محتلّ يحارب المقاومة بجبروته وقوّته وتعدّد أساليبه، ومنها تجنيد عملاء لرصد حركات ومخطّطات المقاومين، وللاحتلال أساليبه في اسقاط المتعاونين معه، ترتكز في غالبيّتها على المال والجنس وحبّ الانتقام في التّربية العشائريّة.
البناء الرّوائي:
اعتمد الكاتب أسلوبا سرديّا يطغى عليه عنصر التّشويق، فرغم طول الرّواية وتعدّد شخصيّاتها إلا أنّ الكاتب استطاع السّيطرة عليها، معتمدا على السّرد، الحوار، تعدّد الحكايات والأحداث، اللغة المحكيّة عندما يكون لها ضروروة لا يمكن الاستغناء عنها. كما اعتمد على أسلوب الاسترجاع لتكون شخصيّات الرّواية متكاملة ومتداخلة دون الاثقال على القارئ.
وممّا يحسب للكاتب ولروايته هو الجرأة في طرح المواضيع، والحديث عن بنية الشّعب الفلسطينيّ كما هي، وكأنّي بالكاتب يريد أن يقول بأنّ الشّعب الفلسطينيّ شعب كبقيّة الشّعوب، فيه الصّالح والطالح، الصّادق والكاذب، المناضل والخائن، الجاهل والمثقف...إلخ. فهكذا هي الشّعوب، فقضيّة العملاء موجودة، وإن كانت لا تشكّل ظاهرة. والمقاومة موجودة بشكل ظاهر، وقدّمت آلاف الشّهداء والأسرى.
وماذا بعد؟
تشكّل هذه الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، وهي ليست تكرارا لأدبيّات السّجون التي نشرت. وبهّه الرّواية يدخل حسام زهدي شاهين مجال الأدب الرّوائي من أوسع أبوابه.
وسوم: 634