الوقوف على اللحظات الممتازة
لا تنحصر مهمة الناقد فى طبع قرائه بطابع ارائه الشخصية بل تقديم النفع وإسداء الخدمات لهم عن طريق معارفه الخاصة وخبراته العملية..ومن المؤكد أن الناقد لا يستطيع التخلص بصفة نهائية من عواطفه الذاتية وإنفعالاته الخاصة وإلا فقد أهم مميزات الأديب. وإذا كنا نجد الانفعال الشديد لممارسة عملية الأدب كإبداع فأننا فى الوقت نفسه نجد الانفعال المضبوط فى عملية الأدب كنشاط.
والانفعال الشديد فى عملية الإبداع لا يخرج عن كونه إنفعالاً مضبوطاً يسير فى قنوات محددة بفعل الموهبة وقدرة استشراق المستقبل والتنبؤ بالأحداث التالية.
ويعتبر ذا شخصية فى مجال النقد ذلك الذى يكرس نفسه وينذرها للعمل الذى فى متناوله..والنقد الأدبى ما هو إلا محاولة للتفهم الإدراك. كما أن وظيفة الناقد ليست فى تصيد الأخطاء، وإنما هى تحليل لبعض المواقف والعلاقات البارزة فى العمل الأدبى حتى يستطيع إن يصل إلى بعض ما يشير إليه العمل الأدبى تقريباً.
هناك حقائق مزعجة للعناية يجب أن يسلم بها الناقد وهى التى لا تتفق مع ارائه الشخصية، إن الناقد مسئول مسئولية إجتماعية نحو تعليمنا الإقرار بحقائق قد لا يرضى عنها. وقد نجد كثيراً من النقاد ينظرون إلى العمل الأدبى من وجهة نظر شخصية أو فى
كثير من الأحوال يقيمون حساباتهم على أساس العلاقة الشخصية.
وهنا يشعر المبدع بأنه يقدم عملة سليمة فى سوق نحاسه وفرق كبير بين الذى يحيا تجربة وبين الذى يسمع عن هذه التجربة. المبدع يحيا تجربته مع العمل الأدبى أما الناقد يعيش على معلومات من الدرجة الثانية عن هذا العمل الأدبى.
ومن هنا يجب على كل ناقد أن يتخلص من الوقوف أمام منصة وجدانه الخاص وذلك بفحص معرفته وإلتزامه بقبول الأشياء التى لا يمكن انكارها لأنه لا يعلم عنها شيئاً. قد يصح لنا أن ننكر ما لا نعرفه. ولكننا نقع فى الخطأ بطريق الصواب إذا حاولنا أن ننكر ما نجهله.. إننا نجهل حقيقة عملية الإبداع الأدبى، ولكننا نستطيع ان نقدم تحليلاً لها يقوم على أساس تحليل العلاقات القائمة فى هذا العمل.
العمل الأدبى سواء كان رواية أو مسرحية، أو قصيدة هو الصيد السمين الذى يتغذى عليه الناقد ولكن الانطباعات المضللة المتخذة شكل حقائق لا تقودنا إلى تفهم وإدراك كنه العمل الأدبى. قد تختلف حول الحقائق ولنضرب مثالاً للتفرقة بين القيمة والحقيقة: " أن الهجوم المفاجئ على العدو يكون ناجحاً إذا لم يعرف وقت ومكان الهجوم ويكون الهجوم مفاجئاً إذا لم يعرف وقت ومكان الهجوم " الأولى قيمة " وجهة نظر" والثانية " حقيقة "، وعلى هذا فالعمل الأدبى يشمل القيم ولا يتكلم عن حقائق، فالحقائق واقعة لا محالة، ومن هنا نجد أن الإختلاف حول العمل الأدبى إختلاف حول القيم، إختلاف فى وجهات النظر، وبناءاً على ما سبق نجد أن وظيفة الناقد هى فى تعلمنا الإقرار بقبول الأشياء التى لا يمكن انكارها حتى ولو لم تتفق مع آرائنا.
أن الجانب الأكبر فى عملية الأبداع ما هو إلا جانب نفسى بالتأكيد والناقد لا يستطيع أن يفعل شيئاً عدا أن يقف على اللحظات الممتازة فى العمل الأدبي.
الأعمال الأدبية بكافة أجناسها تتعامل مع القيم لا مع الحقائق، عمل يحدثنا عن الخير وآخر عن الشر بعيداً عن فن الخطابة!! ومن منا لم يتمتع بقراءة رواية "شئ من الخوف" للأستاذ ثروت أباظة.
وقد رأينا الشر على نحو غير مسبوق وكان الفيلم المأخوذ عن الرواية غاية في التفوق والإبداع.
العمل الأدبي هو صاحبه كما قال (دستوفسكي).
هكذا نجد أدب محفوظ وأدب إدريس وأدب الشرقاوي وأدب باكثير والسحار وعبد الحليم ونجيب الكيلاني العمل الأدبي صورة من صاحبه مهما أدعى الأدعياء، وعلى الناقد المتحذلق أن يفحص معرفته ويبدي الرأي الأقرب إلى الصواب في تفهم العمل الأدبي حين يتناوله بالتحليل ويتنازل عن رؤيته الفكرية واعتقاداته المذهبية.
وسوم: 635