دمعة تخدع ظِلّها لاحسان أبو غوش

clip_image002_c51cd.jpg

قد يعلو بنا الشاعر إلى عالم الفضاء المجهول، ويحوم  بأسئلته المبهمة والمستعصية عن الاجابة، وقد يسبح في محيطات عميقة مستخدما تركيبات اللغة الصّعبة ليحول بيننا وبين العوم في مياهه. كان من الأجدر أن يجول بالقاريء يدا بيد في بستان من الورود المتناسقة الألوان عَطِرة الرّائحة؛ حتى نستوعب وننتشي من جمال المكان والزمان على أرض كوكبنا.

الشّاعر "إحسان أبو غوش" في كتابه " دمعة تخدع ظلّها " الذي صدر مؤخّرا عن المؤسسة الفلسطينيّة للنّشر والتّوزيع، ويقع في (117) صفحة من الحجم المتوسط، إحتوى معظمه على الشعر العمودي وبعض النّصوص الأدبيّة الموزّعة ما بين فلسفة الكون والحياة، آلام الوطن، مرارة الهجرة، الظلم والظالم ويستذكر الشّاعر الرّاحل "سميح القاسم" في وِقفةٍ جميلة لإحياء ذكراه.

هناك من الكتب والرّوايات ما إن أمسكتَ بها، لن تتركها حتى تنتهي من قراءتها كاملة مهما طال بك الوقت. أمّا ديوان شاعرنا "أبو غوش" فقد احتاج منّي بعض الإستراحات، وذلك لثقل العبارات وإنهمار الكلمات الصّعبة المستخدمة، خاصة وأنّ الشّعر العموديّ مُتعب جسديّا.

رسم الكاتب ألوانا عديدة ومتنوّعة في سرد العناوين، والمبوّبة حسب مذاقه الشّخصيّ، ما بين الخيال والواقع، المجهول والمعلوم، الرّوح والجسد والوطن ومآسيه. ولم يستغن الكتاب عن دروب الغزل المُحافظ .

لكن دعونا سويّة نقف على الأسلوب الذي اتبعه الشّاعر هنا، وكذلك غيره من الكتّاب الذين يسبحون في معاجم الكلمات اللغويّة والنّحويّة، ويمطروننا بغزير من المفردات الشّائكة المرصوصة، والتي باعتقادي تزيد من الأمور صعوبة وتعقيدا، إنَّ الكلمات والمعاني التي تلمس الرّوح ويخفق لها القلب، هي ما يبحث عنها القرّاء في وقتنا العصيب هذا .

إلاّ أنّني استمتعتُ بالنّثريات في آخر كتابه، فقد استخدم الشّاعر أسلوب الفلسفة التي عهدناها عند فلاسفة الزّمان القديم وكتاباتهم، ولا شكّ أنّه متأثّر بهم . فسؤاله عن قيمة الحياة عندما تُقطع شعرة معاوية، ليسرد لنا عن الصّراع الذي يسكن كلّ نفس بشريّة، ما بين تحقيق حلم واقعه مرّ، وبين ما تعيشه من واقع كحلمٍ جميل.

الزّمكان الغريب والذي يستفحل في العالم الإفتراضيّ لكلّ واحدٍ منّا؛ (زمن) الأقوياء الذين يخطّون التّاريخ من منظورهم المنحاز، و(مكان) التناقضات التي نعيشها في حياتنا، والبحث المُضني عن الإعتدال بين الخير والشّرّ حتى ترتاح الرّوح.

لن ننكر أنَّ كلاً منا يرسم في عالمه الخفيّ دنيا كاملة متكاملة جميلة أفلاطونيّة، فيجد تلك الرّاحة والسّعادة التائه عنها بين الأوراق المتناثرة وسط الرّكام.

الشّاعر هنا يحثّك على تفجير الغضب الذي بداخلك للكشف عن ذلك السّرّ الدّفين واخراجك من ذلك الحلم المزعج. قمّة الجمال في هذه الفلسفة الحياتيّة ألاّ نقطع شعرة معاوية، وأن نبقي رابطا خفيّا بين البشريّة، فالدّنيا مفاجآت وكم من عدو أصبح صديقا.

وتناول الكاتب علاقة الإنسان بالكون الشّاسع العظيم الذي نعيشه في تساؤلات كثيفة غاية في الأهميّة. ويفنّد لنا أنَّ حلم اللانهاية يقضّ مضجع عقولنا، ولا أمل منه.

ويضيف أننا نعيش زمنا داخل زمن، زمن لا ينضب وآخر نخطّه بأيدينا ونعيش عمرنا الكامل فيه، وينتهي بأممٍ تحت التّراب . وفي حكمة رائعة، ينصحنا الكاتب على عدم البحث في مكنون الأشياء وألاّ نجردها من صفاتها، فنصل إلى درب محكم الإغلاق .

كُن إنسانا قبل أن ترتدي رداء ليس على مقاسك.. كُن أنتَ قبل قوميتك أو حزبيتك.. حاول أن تكون كفّة الخير هي الرّاجحة في عصرٍ رجحت فيه كفّة الشّرّ والسّواد.. إبحث جاهدا عن الهدف الأسمى من وجودك واعمل به ..

الدّمعة هنا خدعتْ حاملها وخدعتْ ظلّها، وتتساقط مُغلَّفة دون دراية صاحبها، فكانت النّهاية البرّاقة لما كتب "إحسان أبو غوش".

وسوم: العدد 644