رواية "يقظة حالمة" في ندوة اليوم السابع
القدس: 10-12-2016 ناقشت ندوة اليوم السّابع في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس رواية"يقظة حالمة" للكاتبة شذا فاضل يونس، وتقع الرّواية التي صدرت عام 2012 عن دار راية للنّشر في حيفا في 159 صفحة من الحجم المتوسّط.
بدأ النّقاش جميل السلحوت فقال:
حضرت الأحلام وغابت الرّواية
صدرت رواية "يقظة حالمة"للكاتبة الفلسطينيّة الشّابّة شذا فاضل يونس عام 2012 عن دار راية للنّشر في حيفا، وتقع في 159 صفحة من الحجم المتوسّط.
القارئ لهذا النّصّ سيجد نفسه أمام حكايات متشابكة أكثر منها رواية، ويتمحور النّص حول أحلام الفتيات في الحبّ والزّواج وبناء أسرة، لكنّها تبقى أحلام يقظة لا تتحقّق، وإن تحقّقت فإنّها سرعان ما تفشل، ويلاحظ أنّ الكاتبة نقلت عدّة حكايات متداخلة، غاب عنها البناء الرّوائي، وكأنّها كانت على عجلة من أمرها؛ لتنقل هكذا حكايات دون أن تنتبه لتطوير الحدث ليكون مقنعا للمتلقّي. فعلى سبيل المثال ميساء أحبّت وتزوّجت وأنجبت "ميسون" وطلّقت خلال عام، وفي أقلّ من صفحة جاءت في صفحة 15 وفي الفقرة الأولى من صفحة 16! وسافر طليقها "وليد" إلى فرنسا لاستكمال تعليمه. وتعمل ميساء في مخيطة وتفتتح بعدها محلا لبيع الملابس النّسويّة دون أن يعرف القارئ كيف تطوّرت شخصيّتها، وحتى ابنتها "ميسون" التي درست الفنون الجميلة في جامعة النّجاح في نابلس، ومع تكرار وجودها في النّص وفي أكثر من حادثة وحكاية، فإنّ شخصيّتها بقيت في متاهة الحبّ والحياة، بل بدت في حالة اغتراب مع والدتها، وكأنّ العلاقة بين الأمّ وابنتها لم تكن في فلسطين التي تحكمها عادات وتقاليد وقيّم ودين، حتّى خلتُ أنّها تعيش في أوروبا أو في أمريكا، وكذلك أمّها التي ولدت في مدينة الخليل وتزوّجت وتطلّقت وبقيت وحدها في رام الله وكأنّهما مقطوعتان من شجرة، فلا أهل ميساء"الأمّ" ولا أهل ميسون"البنت" سألوا عن ابنتيهما، ولا هما سألتا أيضا! وهذا يتنافى مع الواقع. وكذلك وليد طليق ميساء ووالد ميسون سافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته وبقيت أخباره مقطوعة؛ ليظهر فجأة في اتّصال هاتفيّ مع ابنته ليخبرها أنّه سيعود إلى البلاد "بعد أربعة أيّام" لكنّه لم يرد في النّصّ كيف جاء؟ وماذا عمل بعدها؟ وماذا كان مصيره؟
واضح أنّ الكاتبة هدفت إلى اظهار هموم البنات المراهقات وفي بدايات مرحلة الشّباب، ونظرتهنّ إلى نصفهنّ الآخر، وهذه قضيّة تستحقّ الاهتمام، وبحاجة لأكثر من رواية، وجميل أن يتمّ التعبير من فتاة عن احلام الفتيات، وطموحهنّ في الحبّ والزّواج؛ لأنّها الأقدر عن التّعبير عن بنات جنسها، وهذا يسجّل لصالح الكاتبة ولصالح نصّها أيضا، وكان الأجدر بها أن تأخذ حكاية ميساء وابنتها ميسون، وأن تطوّر هذه الحكاية، تاركة هاتين الشّخصيّتين لتعيشا الحدث كما عاشتاه فعلا على أرض الواقع، أو كما تتخيّله الكاتبة، وليس كما تريده الكاتبة، فتدخّل الكاتب في شخوص روايته يفشل النّص الرّوائيّ، ومن الممكن أن يتشعّب الحدث الرّوائيّ إلى حكايات وأحداث جانبيّة، لكنّها ذات علاقة بالحدث الرّئيسيّ بشكل وآخر. لكنّنا شاهدنا أحداثا وحكايات أخرى لفتيات أخريات، لكن لا علاقة لها بالحدث الرّئيسيّ. وكأن الكاتبة كانت مشغولة في تعداد وذكر أحداث لفتيات بغضّ النّظر عن علاقتها بالموضوع الرّئيسي، وكان بامكانها فعل ذلك من خلال ربط الأحداث الأخرى ولو بخيط شفيف ومقنع من خلال الحوار الذي غاب عن النّصّ بشكل كامل، مع أنّه عنصر مهمّ وضروريّ في كتابة الرّواية.
واضح أنّ الكاتبة قادرة على الرّويّ وكتابة الرّواية، لكن يبدو أنّها كانت مهتمّة بكتابة الحدث أكثر من اهتمامها بأسلوب الفنّ الرّوائي، تماما مثلما سيطر على ذهنها سرعة نشر النّص بذهنيّة وتسرّع ونزق الجيل الشّاب.
وقال ابراهيم جوهر:
حضر الراوي كليّ العلم فغابت الرواية وحضرت الحكاية.
لم تترك الكاتبة (شذا فاضل يونس) لشخصيّاتها المجال لتنمو وتمارس حياتها، فكانت شخصيّات غائبة حكى عنها الرّاوي الذي سيّرها وأخبر عنها، حتى أن القارئ تاق لسماعها تتحاور ليقف على انفعالاتها وثقافتها وأحلامها فناب الرّاوي- الحكواتي- وهو يحكي عنها.
تقوم الحكاية التي حملت عنوان "يقظة حالمة" على الحاجة للآخر؛ ليكمل الانسجام الإنسانيّ ولكن المصادفة التي ساقتها الكاتبة في غير موقع وحدث بدت غير مقنعة، في الوقت الذي تفترض فيه فنيّة الرّويّ الإقناع الفنّيّ المنطقيّ؛ لتبدو اللعبة القصصيّة أكثر إقناعا وواقعيّة في صدقها الفنّيّ.
حكاية قامت على تعدّد الشّخصيّات في دائرة ضيّقة ينقصها الحبكة الفنّيّة، لتقترب مما حملته تعريفا بجنسها الأدبيّ على غلافها "رواية".
وقال نمر القدومي:
حين يكون مَن أحببت، ووحشة الليل، وعتمة الطريق ووجع الذّكريات كلّهم أنكروك، وتصرخ ولا أحد يُجيبك غير صدى صوتك، ولا تجد غير الألم يعدو وراء عواطفك .. فالضّياع قد حلَّ شبحا في حياتك؟
صرختْ "ميسون" صرخة واحدة فقط عند ولادتها، وادّخرت لنا الكاتبة "شذا يونس" باقي صرخات مدوّية تهز بهنَّ جدران منزلٍ فاخر إحتضنها مع والدتها "ميساء" ...
في الرّواية طرحت الكاتبة واقعا إجتماعيّا نجده في كلّ زمان ومكان من إنفصال الوالدين وتفكّك الأسرة، فتور العلاقات بين الآباء والأبناء، حياة الجامعة والمقاهي والسّهرات، كذلك حياة البذخ وقصص حُبّ لا تنفكّ تدقّ حجيرات القلب .
مجيء "ميسون" إلى الدّنيا لم يأسر أبدا والديها معا، بل كانت تلك الشّعرة الواهنة التي قسمت ظهر البعير لتعيش دون والدها! فكانت الشّخصية المحوريّة والرّئيسة في الرّواية . خمس سنوات من عمر المراهقة تعيشها في تخبّط وانكسارات عاطفية حادّة، وحُب هشّ كأوراق الخريف المتناثرة. شخصيّة جمعت بين القوّة والصّلابة، وبين أحلام يقظة مهيمنة على تفكيرها.
الصدفة خير من ألف ميعاد، أمّا الكاتبة فكانت لها معجزاتها في الرّواية، أن جعلت ألف صدفة خير من ميعاد !! وعليه سارت الأحداث في حياة "ميسون" .
إختلقت الأديبة "شذا" لبطلتها سلوكاً غريباً وتصرفات غير إعتيادية في مجريات حياتها اليوميّة، مما يثير الفضول لدى القاريء متابعة خطواتها وخيالاتها .
"جبران خليل جبران" كان مثال "ميسون" الأعلى حين قال أنَّ المحبّة الحقيقيّة هي إبنة التّفاهم الرّوحي، وهي تؤمن أنَّ الشعور بالحبّ يأتي في لحظة واحدة. هذا الشّعور جعلها كالعصفورة المذبوحة تطير من غصنٍ إلى آخر، تتحكم بها نسمات عاطفيّة جيّاشة، قلب جدرانه ضبابيّة وعبء تراكمات أسريّة.
لم تجد مُتنفّسا من خلال "رامي" أو "أمجد". لم توفّق مع "حسام" ولا رجل الرومانسيّة "أدهم"، كذلك أحلامها المتناثرة العشوائيّة لم تترك "أمين" ليسبح هو الآخر في خيالاتها الورديّة.
كانت تُسرُّ كثيرا عندما تعلم أنَّ أحدا ما وقع في هواها. كما أنّها سريعة جدا بإرضاء عواطفها ومشاعرها من فشل أيّ علاقة لها بالبكاء وباقي صرخات الولادة.
الكاتبة "شذا" إستعانت بالقدر كثيرا في روايتها، فأضاعت الحبكة المتميّزة التي يبحث عنها القاريء، وفجّرت نهاية مأساويّة لحياة "ميسون" حتى تتوازن لدينا المشاعر .
جاءت الرّواية بلغةٍ سهلة استطاعت أن تتنقل بنا براحة تامّة بين شخصيّاتها. محتوى الرّواية لم يأتِ من فراغ، فالعيش بفوضى دون ثقافة واعية لأيّ خطوة أو فكرة، تجرّنا نحو الهاوية. تلك الثّقافة المكتسبة والمستمدّة من بيئة اجتماعيّة واحدة. الكاتبة تضع تحت المجهر جانبا من سلوكيّات أفراد داخل المجتمع يختارون العيش بلا ضوابط، أو حتى كبح جماح العواطف، لديهم . هذه التّصرّفات أخذت طابع التمرّد والخروج عن المألوف المتعارف عليه بين النّاس، والذي يندرج أصلا في المعاجم تحت مسمّى "العيب".
إنَّ أيّ ظرف أسريّ قاس قد يُهمّش الفتاة، ويمنعها من التّعبير عن ذاتها بطريقة إيجابيّة فتلجأ إلى أفكار سلبيّة لملء الفراغ الدّاخليّ لديها.
تأخذنا الأديبة إلى الإعتراف بأنّنا أصبحنا نتهافت على الفرص، وكأنّها ما خُلِقتْ إلاّ لشخصنا، نجلد ذاتنا حين لا نجد علاقة لمشاكلنا ومصائبنا. نبحر نحو المجهول وتتكالب علينا ضباع الإنس والجنّ وألطف الشياطين، تزلّ أقدامنا عن طريق الجنّة ونأكل من تفّاحة كالعسل المصفّى برائحة اللذة والشّهوة، حتى إذا ما ارتوينا من نهرها الصّافي سُدّت في أحشائنا لتُفسد معها كلّ عقائدنا ومبادئنا التي تعمّقت فينا، ونغادر بحظٍ قليل وفرص سقطت في مهبّ الرّيح.
وشارك في النّقاش عدد من الحضور منهم: نزهة أبو غوش، حسن أبو خضير، طارق السيد، رائدة أو صوي، سليمان مطر وماجد الماني.في حين قدّم محمد عمر القراعين قراءة مطوّلة.
وسوم: العدد 646