رواية "الخط الأخضر" للكاتبة الكرميّة رولا غانم

رواية "الخط الأخضر" للكاتبة الكرميّة رولا غانم تشهد أن

"الخط الأخضر" سيحتفظ بلونه ما دامت الارادة حاضرة.

clip_image002_669e8.jpg

اصطحبتنا الكاتبة الكرمية رولا غانم في رحلة ما بين النكبة والنكسة بأسلوب شيّق جميل.. طرقت فيه أكثر من باب.. وألقت الضّوء على أكثر من قضيّة.. جمعت بين الجانب الوطنيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ.. وكان الحضور الأكبر للجانب الانسانيّ الذي تفوّق على كلّ طرح. فالإنسان ابن قضيته.. وهو المحرك الأساسي للأحداث.. كما أنّه الأكثر تأثرا بها.. تنعكس تبعاتها على تفاصيل حياته، لتنقله من حالة إلى حالة.

لم يكن عبد الله سوى أنموذجا حيّا للشّابّ الفلسطينيّ الذي عاش حياة التّشرد بين النّكبة والنّكسة وتبعاتها، بفعل الاحتلال الاسرائيلي الذي حرم أبناء الأسرة الواحدة من أن يستمتعوا بالدّفء العائليّ.  شتّتهم.. وشغل بالهم.. كلّ يعيش حالة من القلق على أحد أفراد أسرته. حالة من الضّياع وعدم الشّعور بالاستقرار.

كان وصف العلاقات الإنسانيّة بين الأقارب والجيران موفّقا.. أقرباء عبد الله في طولكرم عوّضوه عن عائلته في باقة الغربيّة داخل الخط الأخضر.. زوّجوه وقاموا بدور الأمّ والأب والأخت والأخ.. ما أجملها من علاقة دافئة.. تحمل في طيّاتها أصالة العروبة..  أعادت لعبد الله توازنه النّفسيّ. ولم يُقصّر الصّديق موسى في عمّان أيضا.. أعطاه مفتاح بيته ليقضي فيه وزوجته بضعة أيام قبل أن يتوجّها إلى بيتهما في مدينة الزّرقاء. أمّا الجارة أمّ فوزي وزوجها أبو فوزي في الزّرقاء فكانا الدّعم والسّند في كلّ محطّة من محطّات " تعثّر" عبد الله وزوجته سهر.. يرفدانهما بالمحبّة.. ويقدّمان لهما الحلول الفعّالة.

أمّا بخصوص المرأة ووضعها في المجتمع في تلك الفترة، فقد أجادت الكاتبة وصفها.. كما انتقت الأمثال التي كانت تعكس نظرة المجتمع إليها.. ( همّ البنات للممات.. وَ"اللي عنده بنات عنده همّ بالحفنات).. لم تأت الأمثال يوما الا لتصف الحقيقة.. عند عودة سمر إلى بيت اهلها بعد سجن زوجها  بعد مضي حوالي ثلاثة شهور على زواجها، أقلق والدها وكان همّه الأكبر أن لا يظنّ الجيران أنّ زوج ابنته  تخلّى عنها ورماها لأسباب تتعلّق بسلوكيّاتها. وقد زاد ذلك من همّها.. فكان يكفيها أنّ زوجها خلف القضبان.. وأنّ  طفلها سيرى النّذور بعيدا عن أبيه.. فلن يفرح برؤية ابنه.. وسيزيد غياب الزّوج من حجم ألم الولادة.. ليأتي فضول الجارات ويزيد الطّين بلّه.

أمّا مرام فكادت تُحرم من نديم لأنّ والدها رفض فكرة أن تتزوّج ابنته  (عن حبّ).. وبالتّالي سيلحقه العار لولد الولد.

 كم كان جميلا وصف المدن الأردنيّة.. كان دقيقا دون ملل.. امتزج وصف المكان بمشاعر عبد الله وسهر بالسّعادة .. فنقلتنا الكاتبة هناك دون عناء. ولكنّ الوطن لم يغب أبدا.. ولم يغادر الأحاسيس والمشاعر.. بل استمر يسكن حجرات القلب دون منافس.. وقد ظهر ذلك  جليّا في أكثر من موقع  في الرّواية.. جاء بشكل عفوي على لسان سهر عندما عادت من الأردنّ إلى طولكرم، قالت: ( لو ألفّ الكون ما راح ألاقي أحلى من مدينتي وبلدي). كما أنّ تواصل الفلسطينيين مع بعضهم البعض لن يمنعه أي خطّ.. "الخط الأخضر" سيحتفظ بلونه ما دامت إرادة الشّعب الفلسطيني حاضرة. وقد كانت حاضرة في كلّ صفحة من صفحات الرّواية.

كما كان وصف الشّعور بالغربة جميلا جدا لدى عبد الله وسه!

وقد كان للأهازيج  والأغاني الشّعبية حصّة غير قليلة.. زادت من أصالة العمل الرّوائيّ.

لا شكّ أنّ الكتابة عن المرحلة التي تحدثت عنها الرّواية بمواقعها المختلفة.. وربط الأحداث.. ووصف الصّراع يعتبر إضافة للمكتبة الفلسطينيّة.. الا أنّ هناك بعض الملاحظات التي لا بدّ من ذكرها.

قد يكون استعمال الرّوائي اللهجة المحكيّة في الحوار قضيّة جدليّة.. أيّدها البعض ورفضها البعض الآخر.. أمّا أن يكون الرّدّ باللهجة المحكيّة فهذا ما لا يخضع للجدل أبدا.. فهو ضعف واضح يحسب على الرّوائيّ. مثال ص 70 ( كانت السّاعة على عبد الله سنة....) . وص. 83 "شجّه مفتاح على عينه"

 كما أن اللغة كانت ركيكة في بعض المواقع.. وظهرت بعض المشاكل في ربط الجمل وتكرار من خلال تكرار بعض الكلمات بشكل غير مقبول.. مثال على ذلك ص 81   ( جهّز عبد الله شقة لزوجته........ هذه الشقة...) وص 98. سيأتي الطفل ليرى النّور...... هذا الطفل..... ) وص. 100 "سمعت صوت المولود..... هذا المولود الذي"

أمّا وقد لجأت الكاتبة إلى أسلوب استذكار الماضي ( فلاش باك).. فكان عليها أن تنتهي من حيث بدأت.. فلم تفعل ذلك.. كما أنّ الصّفحة الأخيرة اختصرت عشرات السّنين.. خبّرتنا بأحداثها الكاتبة عن مصائر معظم شخوص الرّواية من خلال بضعة سطور. وكأنّها تريد أن ترفع عنها العتب.. وبقيت مرحلة مفقودة.. وبات القاريء معلّقا  بين السّماء والارض.. كيف عاش عبد الله وسهر حياتهما؟ كيف ماتت أمّ سلاف (سهر) ومتى؟ صعدت سلاف إلى شقّة العمّ أبو خليل للحصول على ما ينقصها من معلومات لتنجز روايتها.. ولم تنزل من الشّقّة.. بقيت هناك مع أبي خليل وأمّ خليل؟ وهل هناك جزء آخر.. وإن كان ذلك.. لماذا لم تشر الكاتبة إلى ذلك.

وسوم: العدد 647