في اليوم العالمي للغة العربية...
كان العرب في العصر الأموي يعتزون بعروبتهم ولغتهم وقد تجلى ذلك في تفضيلهم للعرب في الجيش ومجالس الخلفاء. فلما أخذت الشعوبية تهاجم العرب في العصر العباسي، انبرى لها أهل العلم والأدب واللغة مثل الحاحظ وابن قتيبة، وراحوا يقارعون أصحابها الحجة بالحجة. في هذه البيئة ظهر الحديث القائل إن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية. والحديث يعبر عن اعتزاز العرب بلغتهم ولا عجب في ذلك إذ كان اليونانيون من قبلهم يرون أن اللغة اليونانية هي أفضل اللغات، وأن ما عداها من اللغات يشبه في رأي جالينوس إما نباح كلاب، أو نقيق ضفادع..!.
اعتزاز الأمة بلغتها واجب قومي ومطلب حضاري، وليس فيه ثمة تعصب أو جمود.
في العصر الحديث نرى الشعوب المتقدمة تدعم لغتها وترسخ مكانتها. فالفرنسيون يجدون في تطبيق القوانين التي تسنها مجالسهم التشريعية من أجل الحفاظ على لغتهم، منها قانون (لزوم الفرنسية) الصادر عام 1994 الذي يحظر بموجبه على كل مواطن فرنسي استخدام ألفاظ وعبارات من لغات أجنبية ما دام ثمة ما يقابلها في اللغة الفرنسية، ويسري هذا الحظر على كافة المؤتمرات والندوات والوثائق الرسمية والإعلانات، وكل من يخالف ذلك يعاقب بالسجن أو بدفع غرامة مالية باهظة.
أما اللغة العبرية فكانت لغة جامدة مخصصة للطقوس والصلوات الدينية، ولكنها تحولت في القرن العشرين إلى لغة الكلام والكتابة، واستوعبت المفردات والمصطلحات العالمية، وصارت لغة العلم في الدولة العبرية. وقد استحدثت "أكاديمية اللغة العبرية" كلمات كثيرة وبثتها من خلال الصحافة والإذاعة والتلفزيون ووسائل الاتصال الأخرى، وهي تواصل عملها الدؤوب في عملية تحديث اللغة.
أما اللغة العربية فكانت ولا تزال لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ولكنها تعاني من عزوف أبنائها عنها، وعدم اكتراثهم بها، ورغبتهم الجامحة في التبرج اللغوي بتدبيج كلامهم بالكلمات الأجنبية..!. ورغم وجود مجامع لغوية في الدول العربية في القاهرة، ودمشق وبغداد والخرطوم..، إلا أن هذه المجامع فشلت في تطويع اللغة وتطويرها لتواكب المستجدتات والمخترعات المتلاحقة، وهناك حاجة ماسة إلى توحيد عمل هذه المجامع أو على الأقل التنسيق في ما بينها.
علينا تشجيع النشء الجديد على القراءة والكتابة الإبداعية باللغة العربية وتهذيب لغتهم لتصلح للتعبير عن ذواتهم وبنات أفكارهم، وهذا لا يعني أهمال اللغات الأجنبية مثل العبرية والإنكليزية والفرنسية، فهي لغات لا بد من استخدامها في التواصل مع أبناء الشعوب الأخرى بخاصة في عصر العولمة الذي تسيطر فيه شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر على عقول الناس ونشاطاتهم. كما أنه ليس من الضروري ترجمة أسماء جميع المخترعات الحديثة، بل يمكن تعريبها بقبولها في محيط اللغة، وعلينا أن لا ننسى أن التعريب كان مستعملاً بكثرة منذ بداية العصر العباسي بخاصة في مجال الفلسفة والعلوم الأخرى.
المطلوب هو تشجيع الناشئة على التحدث والكتابة بلغة بسيطة وسليمة بعيدًا عن التعقيد والتزمت والتعصب. الحفاظ على لغتنا هو الضمان لبقائنا ووجودنا على هذه الأرض المقدسة..!
في 18 كانون الأول/ديسمبر من كل سنة يصادف يوم اللغة العربية العالمي. وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة قرارها رقم 3190 والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
وسوم: العدد 647