القصة الإماراتية بين الواقعيــة والحداثــة

تمهيد

القصة  قالب من قوالب التعبير يعتمد فيه الكاتب على سرد أحداث معينة تجري بين شخصيات متعددة، ويعتمد في سردها على عنصر التشويق حتى يصل بالقارئ إلى نقطة معينة تتأزم فيها الحوادث وتسمى العقدة أو الحبكة ويتطلع فيها المرء إلى الحل حتى يأتي في النهاية(1) .

على أن بعض الأدباء والنقاد لا يرى للعقدة أهمية في فنية القصة ، ولا سيما الأدباء الرمزيون الذين يعتمدون كثيرا على تيار الوعي الباطني لا على تسلسل الأحداث، فالأديب عندهم يكتب ما يمليه عليه فكره، وقد تذكره كلمة بماض ، ثم ينتقل إلى المستقبل. ولكن هذه القصة المفككة في ظاهرها يجمعها خيط واحد يجعلها تتسم بوحدة عضوية .

وتختلف القصة القصيرة عن القصة أو الرواية لا بالطول فحسب، ولكن لأن الأولى تعرض موقفا واحدا تبرزه من خلال نظرة الأديب إلى الإنسان الكون والحياة، وتجعل البطل في أزمة معينة تستولي على مشاعره  أو اهتمامه دون غيرها، ثم يحاول الكشف عنها(2).

أما الرواية فتعالج جوانب أوسع من الحياة، وتعرض أحداثا أرحب، وتتشابك فيها الحوداث وتتعقد الأزمنة والأمكنة ثم تنتهي إلى حل ما(3).

وقد سبقت القصة القصيرة في الإمارات الرواية في الظهور إذ وجدت في أوائل السبعينات وكانت شيخة الناخي(4) رائدتها إذ أصدرت قصتها الرحيل في سنة 1970 ثم أصدر عبد الله صقر مجموعته "الخشبة" سنة1974(5) ثم توالت القصص.

     أما الرواية فقد تأخر ظهورها حتى آخر العقد السابع من القرن الماضي وكانت أول رواية هي "شاهندة" لراشد عبد الله ثم رواية " الاعتراف لعلي أبي الريش (6).

وقد تأثرت كل من القصة القصيرة والرواية بالقصص الغربية والعربية وذلك نتيجة للتبادل الثقافي عن طريق البعثات إلى الدول العربية والأجنبية، وبمقدم الوافدين إلى الإمارات أيضا إثر النهضة الاجتماعية والثقافية التي حصلت في البلاد بعد ظهور النفط(7) وساهمت المؤسسات الثقافية كالصحف والمجلات واتحاد كتاب وأدباء الإمارات بما نشر من قصص وما قدم من نقد خلال الملتقيات الأدبية عن الكتابات القصصية في الدولة،  كما شاركت في نشر الأدب القصصي بنوعيه الرواية والقصة، وعملت الاتجاهات الفكرية في البلاد على توجيه الكتاب وبدا هذا من خلال إنتاجهم وهذا أمر طبعي في مجتمع يضم جنسيات شتى ومذاهب فكرية متعددة.

 والدارس لقصص الإمارات يجد منها الغث والسمين فكريا وفنيا، وقد بدت الواقعية والرمزية أو بصورة أعم الحداثية واضحة في هذا اللون الأدبي وأعني بالأولى الواقعيتين النقدية التي تعرض الواقع الاجتماعي والسياسي في هذا البلد، ولا سيما المآسي التي يعاني منها الشعب لفضح هذا الواقع؛ والواقعية الجديدة او الاشتراكية التي تدعو إلى كشف الواقع المأساوي والحض على الثورة عليه. أما الحداثة فأريد بها كل قصة اتجهت وجهة جديدة أرادت من خلالها تغيير الواقع والثوابت الدينية والتراثية فيه سواء ما تعلق منها بالعقيدة أم بالتاريخ أم بالعادات والتقاليد…

وسأتحدث عن الواقعية في القصة الإماراتية بنوعيها ثم أعرج إلى القصة الحداثية .

الواقعية في القصة الإماراتية

وهي كما أسلفت نوعان:

الواقعية النقدية أو الانتقادية

ظهرت في القرن التاسع عشر، وبرزت في القصة والمسرحية خاصة؛ وقد صورت علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وتضارب المصالح الاقتصادية والاجتماعية ورسمت الواقع تصويرا دقيقا؛ ويعد العامل الاقتصادي جوهريا عند كتابها، فهم يختارون مادة تجاربهم الأدبية من الطبقة العاملة الفقيرة، يصورون معاناتها والظلم الذي يقع عليها،

وينشدون إنقاذها من آلامها (8)، كما حظيت المرأة باهتمامهم وكان للمجال السياسي ولا سيما القضية الفلسطينية أثرهما في الواقعيين العرب.

 أما كتاب الإمارات فقد استحوذ وصف الواقع الاجتماعي على معظم قصصهم خلافا للوضع السياسي الذي تأخر عنه كثيرا وكانوا يبرزون الجوانب الايجابية فيه إلى جانب الجوانب السلبية وإن طغت الثانية على الأولى؛ وبروز الجانب الإيجابي أمر لم تألفه الواقعية الأوروبية، ولعل للوضع الاقتصادي المرموق في هذه البلاد أثره في ذلك. ويمكننا أن نقول إن الواقعية النقدية في قصص الإمارات برزت في اختيار الموضوعات وفي مواقف الشخصيات وذلك من خلال المجالين الآتيين :

        أ-  المجال الاجتماعي.

        [-  المجال السياسي.

وكان لكل منهما معالمه وسماته التي سأوضحها بإذن الله من خلال ما ورد في القصص الإماراتية:

                                                                                                               

القصص الواقعية النقدية أوضحت  هذه القصص التغيرات الاجتماعية في الإمارات بعد ظهور النفط، والتطور الاجتماعي الذي نالت المرأة منه حظاً وفيراً، والذي انعكس على سلوكيات المجتمع، وتغيرت وسائل الإنتاج كما تغيرت الأذواق

والأفكار(9) وبرز هذا كله من خلال الحديث عن :

1ً- العلاقة بين المرأة والرجل.

2ً- التغير الحضاري.

3ً- العمالة الوافدة.

4ً-  البحر والصيد.

وسأبين النزعة الواقعية في كل مجال من هذه المجالات :

1ً العلاقة بين المرأة والرجل.

برز الصوت النسائي في القصص التي تعرضت لهذه العلاقة، ولعل المرأة كانت أقدر على الحديث عن معاناة أختها؛ وقد انصب اهتمام الكتاب على إبراز الفكرة أكثر من اهتمامهم بتصوير نفسيات الشخصيات، وظهرت هذه العلاقة من خلال الحديث عن الأم والزواج ومشكلة الخادمات وتسلط الرجل .

v      المـرأة أمـاً.

صورت الأم كما هي في واقع الحياة تحدب على أولادها ولا سيما بعد وفاة والدهم كما في رواية الاعتراف لعلي أبو الريش إذ أبدت لنا حنان الأم رفيعة، وركزت على معاناتها النفسية لا المادية نتيجة خوفها على ابنها من الوقوع في حمأة عادة الثأر، ولذلك فهي تلجأ إلى  تحذيره من عقاب الله ومن شكايته إلى المحكمة إن حاول أن يقتل من اغتال والده، وهي تراقب تحركاته وتبحث عنه إن تأخر ليلا أو نهارا وتعامله بالرفق فيما سوى ذلك وإن خالفته في الرأي، وهي تناقشه علها تستطيع إقناعه، وتغرس في نفسه الإيمان بمثل قولها له : "وإذا أردت أن تعيش سعيدا في هذه الدنيا فاعرف قبل كل شيء وقبل الإقدام على أي عمل أن هناك خالقا يرعى شؤون الكون  ، وان لا دابة في الارض تسعى إلا ويعلم سر مسعاها(10) " .

وتبرز الجدة في القصص كأم تحب أحفادها وتحكي لهم الحكايا كما كانت تفعل جداتنا في حياتنا، فتكون لهم رمز العطاء المتدفق في زمن لا وسائل ترفيه فيه، وتكون وفاتها مأساة يتعرض لها الصغار والكبار في قصة "عندما تدفن النخيل(11)" لناصر الظاهري(12) .

v      المرة زوجة أو بنتا.

تحدثت القصة الإماراتية عن المرأة زوجة في نظرة مأساوية غالبا إذ حكت علاقة الرجل بها والإهمال الذي تعرضت له من قرينها والقسوة التي عاملها بها، وكانت غايتها من ذلك لفت الانتباه إلى ضرورة إحسان عشرتها . ففي رواية "الاعتراف" نرى سمحان يقسو على زوجته فيضربها ويرميها بأقذع الشتائم ، ولا يسمح لها أن تناقشه في أمره ، أو تتكلم فيما لا يرضيه إن كان غاضبا وقد وصل به الأمر أن منعها من حضور حفل زفاف ابنها لأنه تزوج

من لا يريدها له، ومع ذلك كانت ترى أن مرارة التقريع والتوبيخ في كنف زوجها أحب إليها من فراقه لأنها تعيش بكينونتها كزوجة لرجل شديد البأس ويحبه الناس لأنه يعينهم في الملمات(13) .

    كما يبدو فيها تسلط الأب في محاولته تزويج ابنه محمد من فتاة "لم تخرج من ثيابها قط ، ولا تعرف الشارع المحاذي للبيت الذي تسكن فيه ، ورحمها الله من شرور المدارس وسفورها وهي إلى ذلك تجيد تلاوة القرآن الكريم أحسن من أي واحدة تخرجت من الثانوية (14)،لكن محمدا هذا خالف رأيه وترك منزله وبحث عن عمل ليتزوج أخت  صديقه.

وفي قصة "حصار" لشيخة الناخي نقرأ مدى ما تعانيه المرأة من سهر طويل وأرق وضجر سببه تأخر زوجها إلى ما بعد منتصف الليل، وحين يقدم ثملا لا يعي من حديثها شيئا حتى ضاقت بها حياتها، حتى في يوم العيد "خرج مع صحبه، ولكنه لم يعد فقد فرّق حادث سيارة بينهما وقد فوجئت بالحادث فصرخت ( لا لا يمكن إن حياتنا لم تبدأ بعد(15) . ..

وتتكرر هذه المأساة في القصص الإمارتي فقصة "هياج" لأمينة بوشهاب(16) يدع فيها الزوج زوجته كأثاث البيت الفاخر، وكانت تنتمي إلى بيئة فقيرة، فتشعر بالوحدة القاتلة وبالزواج غير المتكافىء وتعاني حتى تضجر وعندما تحتج يقول لها زوجها (سآخذك غدا إلى طبيب نفساني حبيبتي (17)).

ولكن بعض القصص أنهت حوادثها الواقعية بنظرة إيجابية ففي "أنامل على الأسلاك(18)" لشيخة الناخي نرى الزوج يعود إلى البيت بعد هجران طويل إثر سماعه لصوت ابنته الطفولي البريء على الهاتف، ويدرك خطأ تصرفه.

 وإذا كانت المدرسة الواقعية تنتقي شخصيات الزوجات من البائسات فإنها في القصص الإماراتية اختارتهن من طبقة الأغنياء ذوات القصور فالأميرة في رواية "كريمة" للدكتور مانع سعيد العتيبة(19) تعيش على هامش الحياة وتنعم بالخدم ولكنها تدرك بعد أن عليها أن تتصرف بحكمة لئلا تفقد عش الزوجية بعدما لا حظت بعد زوجها عنها وانشغاله ببنات الهوى والخدم ، فتشاركه في تحمل المسؤولية وتشرف علىالبيت والخدم وتجهز الطعام لزوجها ويصل اهتمامها به إلى درجة تهدد الخادمة كريمة بالقتل إن تزوجت قرينها، ويصحو الرجل بعد حين، ويعود إليها لتكون زوجة سعيدة لا أميرة قصر فحسب .

وقضية الزواج من الكبار مسألة عالجها الكتّاب أيضا من وجهة نظر واقعية، إذ حكوا المأساة والمعاناة والمشاكل الاجتماعية الناجمة عن ذلك، ففي رواية " مزون" للكاتب محمد عبيد غباش تتزوج مزون من رجل ثري وكبير ويقدم هذا ابنته زوجة لأخيها مطر ،  ولكن مطرا هذا كان سكيرا وعربيدا لا يكاد يصحو ، وحينما تلعب الخمرة برأسه يضرب زوجته سلمى ، ويقذفها بشتائم لا تحتمل مما أدى بها إلى مغادرة بيتها ولما طلبت الطلاق رفضه بل هاجم دارها بعد وفاة أبيها فسايرته ثم قتلته بمسدس كانت تحمله لهذه الغاية إن اضطرها إلى ذلك وسجنت بتهمة قتل الزوج كما عادت مزون إلى بيت أهلها بعد وفاة الزوج المسن.

وفي قصة الاعتراف لعلي أبي الريش يسافر الرجل الهم العجوز الذي أبيض شعره واحدودب ظهره وتجعد وجهه ليتزوج منها لأنه يرى ان المرأة متى أنجبت أصبحت أما لا زوجة ترغبها النفس(20) .

وفي قصة "الضياع(21) " لشيخة الناخي تزوج الفتاة الصغيرة من رجل كبير السن مريض الجسم لتتخلص منها زوجة أبيها وقد انتهى بها الأمر إلى الطلاق بعد أن تعرضت لإهانات كبيرة وصلت بها إلى حد الضرب والقذف فضلا عن خدمتها لعجوز مريض .

v      سلبيات المرأة .

ولم يكتف الكتاب الواقيعون بعرض مأساة المرأة فحسب ، بل عرضوا سلبياتها أيضا من خلال الحديث عن رجال يعانون من نسائهم، وفي الحياة اليومية مظالم كثيرة يتعرض لها كل جنس من الطرف الآخر حين لا تحكم العلاقات الأسرية شريعة أو دين .ففي قصة "رجولة"(22) لعبد الرضا السجواني (23)نرى الرجل يهان من زوجته لمزاجه العصبي وتروح تقول له بكل وقاحة (لم تنبح هكذا ؟ ما بك الآن ؟ عند الصباح صراخ وعند مجيئك ظهرا والآن هل تحولت إلى كلب مسعور في آخر أيامك ؟ ).

وضاق الرجل بتصرفاتها ولا سيما بعدما أهملت البيت وتأخرت في عودتها إليه في الليل، وبدأ الرجال يغمزونه ولم تبال بنصح أهلها، ثم فجّر الموقف حينما جاءته إحدى بناته اللواتي كن مثلها بصينية فيها مخلفات طعام، فثارت ثائرته وراح يركلها ويرفسها حتى أخرجها من المنزل وسحبها من شعرها إلى الزريبة وقدمها للتيس، فراح ينطحها، وتعالى الصراخ وارتمى الرجل على الرمل وأنفاسه تتقطع وهو يقول ( كلب . . .  لست برجل ! ).

    ولم يكتف القصاص بهذه السلبيات وإنما تعرضوا أيضا لمظاهر الترف التي تعيشها المرأة الإماراتية بعد التغير الاجتماعي ففي قصة "رسائل زوجة انكليزية"(24) للكاتب محمد المر (25)نقرأ رسالة جودي لأهلها وهي تتحدث عن ترف النساء العربيات اللواتي لا يعرفن الاقتصاد ، ففاطمة تشتري علب تجميل كثيرة وترميها أو تهملها بعد أن تستعمل ربعها أو قليلا منها، وتقول:(  لا أدري هل جاءهم الإسراف بسبب كثرة أموال البترول أم أن تلك المسائل طبع متأصل فيهم ، إسراف في كل شيء في الزينة والعطور، والأكل، وبناء البيوت، كل شيء فيه إسراف إنهم شعب لا يعرف التوفير ).

ومن سلبيات المرأة انحرافها وقد برر بعضهم هذه السوءة التي لا يغفرها سوء أوضاعها الاجتماعية كما يزعم بعض الكتاب ومن هؤلاء ماجد بوشليبي(26) في قصة "عطشى(27)" إذ تسير المرأة في طريق الهاوية بعد أن يطلقها زوجها ذو الشخصية الضعيفة لتكون مع صديقه الذي كان يعتمد قرينها عليه، فتبدو في مرآتها ذات وجهين.

 أو تنحرف لتنتقم من وضع اجتماعي مترد كما في قصة "النشيد(28)" لسلمى مطر سيـف(29) إذ تعرض تردي "دهمة" في حمأة الرذيلة بعد أن قتلت أمها الأمَةُ المجنونة، ثم ازداد انحرافها عندما ذبح ابنها الذي جاء سِفاحا ، ومن الغريب أن تتعاطف القاصة مع دهمة وتجعل النشيد يتعالى كلما ولد لها ولد من الخطيئة، كما تصف الكاتبة الأمَة السوداء دهمة بأنها كانت مرفوعة الرأس بيضاء الوجه وذات عينين صافيتين،بل كانت في أوج جمالها وقوتها ،فكأنها توحي بأن إجرامها كان عملا نبيلا تحت ستار إنساني ظاهره الاحتجاج على عبودية الإنسان لأخيه الإنسان.  

وقد أبدى بعض الكتاب احتجاجهم على هذا من خلال مواقف الشخصيات .ففي رواية شاهندة لراشد عبد الله نرى الزوج جابر يطلق زوجته شاهندة لأنها خانته مع عبده ، ويعيدها إلى الرق ببيعها لتجار الرقيق ،ويقول لها محمود وكانت قد ارتكبت معه الخطيئة ثم طلبت منه الزواج ( أنت لا تستحقين أن تكوني زوجة وأم ولد ) .

وفي قصة "صوت على الهاتف"(31) لعبد الرحمن العبادي(32) يستنكر اتصالات فتاة به عن طريق الهاتف وادعاءها أنها تريد فلانا وعلانا وهو لا يبالي بها ، ثم يقول : ( لماذا تجرؤ فتاة على الاتصال والسؤال عن شيء غير واضح فتكون عونا للشيطان على الرجال ، وفتنة لمن في قلوبهم مرض) .

v      الخادمات

لم يكتف الكتاب الواقعيون بذلك بل عرضوا واقع الخادمات في البيوت وما ينجم عن وجودهن من معاناة ولا سيما للزوجة، إذ تحاول الخادمة أن تتزوج سيدها ، وتروح تغريه بوسائل شتى ، وقد تحاول قتله للانتقام منه كما في رواية كريمة إذ رمت فتنا بين أبي سعيد وزوجته الأميرة وحاولت أن تتزوجه بوسائل شتى، ولما خافت من انكشاف أمرها حاولت قتله بوضع السم في طعامه لولا أن نجاه الله باعترافها في اللحظة الأخيرة، بعد أن أشفقت عليه بسبب معاملته الحسنة لها .

والملاحظ أن الخادمة في قصص الإمارات تعامل معاملة حسنة كما في رواية كريمة إذ يشتري أبو سعيد لأسرتها منزلا ويداوي أختها من عجزها ويكرمها، ولا يصدق وشايات الناس عنها حتى أقرب المقربين إليه ،وفي رواية شاهندة يكرم حسين التاجر الكبير وزوجته سلمى الأمة شاهندة ولكنها تخرج عن حدودها فيبيعها ليتخلص من همز الناس ولومهم له .

هذه بعض القصص التي تحدثت عن واقع المرأة في الإمارات في خيرها وشرها ،ووصفت علاقتها مع الرجل أما ، وزوجة تعاني القسوة أو الإهمال … لكنها أيضا وصفت لنا سلبيات المرأة في معاملتها القاسية لزوجها، وفي الترف الذي تعيشه وفي الانحراف الذي لا يبرره مبرر سواء أتعاطف معها المؤلف أم لم يتعاطف. كما تعرضت لحياة الخادمات وتأثيرهن السلبي وأخطارهن في البيوت، والمعاملة التي يلقونها من أسيادهن مما يشير إلى أن الواقعية النقدية في هذه القصص لم تصف الشرور والآثام فحسب وإنما صورت المجتمع الإماراتي على طبيعته في خيره وشره وبرأيي أن هذا هو الواقعية بعينها أما واقعية الغرب فمتطرفة متشائمة .

2ً-التغير الحضاري

تطور المجتمع الإماراتي في عقدين ما تطورته المجتمعات الأخرى في قرنين ، و مرت البلاد بتغيرات كبرى ولا سيما في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وقد انعكست هذه التغيرات على العديد من مظاهر الحياة وعملت على نقل المجتمع بشكل حاد من حياة إلى حياة وتبدّى هذا في المجال الاجتماعي في التعليم والعمران وفي الريف والمدينة وفي عادات لم تكن مألوفة من قبل .

    -ففي المجال التعليمي حكت القصة الإماراتية انتشار التعليم في المدن وحرمان القرى منها ففي قصة"أحلام     طفلة(33)" لصالحة غابش(34) نرى فيها قصة فتاة صغيرة لم يوافق أهلها على أن تذهب إلى المدرسة لبعدها عن القرية و قال أبوها (المدرسة بعيدة ولا آمن أن تقطع ابنتي كل هذه المسافة على قدميها لتصل إليها ) وقالت أمها (خير لها أن تبقى في البيت تساعدني وتتدرب على أعمال المنزل ) ولهذا كانت الطفلة تتحسر وتتمنى أن تكون كمثيلاتها ممن يأتين إلى الريف للنزهة بسيارات المدرسة .

وكأن الكاتبة نقدت المسؤولين لإهمال القرى وعدم فتح مؤسسات ثقافية فيها ، وأطلقت على هذه المناطق اسم (الوطن المنسي) .

وقد بدا أثر التعليم الإيجابي في رواية "مزون" إذ نرى أحمد يدرس ويصير أستاذا  ويتزوج طبيبة عربية ، ويبتعد عن شرب الخمر على حين ترك ابن خالته عبد الرحمن المدرسة ليعمل فانغمس مع صحب له في اللهو والخمر ولم يعد ليصحو منه إلا لمما .

وفي قصة " رتبة(35) " لإبراهيم مبارك(36) نرى أبناء الإمارات ينضوون جميعا كبارهم وصغارهم في المدارس بعد التوسع الثقافي ، وإن كان الكبار يعانون من الاندماج فيلجؤون إلى المجال العسكري ليتخلصوا من الضيق الذي يسببه وجودهم مع الصغار في صف واحد ثم يصير هؤلاء رؤساء على من يتخرج من الجامعات والمعاهد بعد أن ينتشر التعليم في البلاد .

وهناك ظاهرة تعليمية لم يألفها المجتمع الإماراتي وهي الموافقة على إرسال بناته  إلى الدول الأجنبية للحصول على شهادات عليا وتحكي لنا قصة ظبية خميس(37) وعنوانها "بعد الخامسة مساء" عن فتاة خليجية سكنت في حي المخنثين لئلا تتعرض بزعمها لمعاكسات الشباب وهناك عاشت وسط جماعات مختلفة من يهود ، وألمان ، وكنديين، وعرب وسواهم ولكل قوم عاداتهم فالسود يضعون الخرز ، والأمريكان يتحدثون عن الجنس، وفي المقهى، ولست أدري كيف سوغت لنفسها الجلوس فيه،  ترى السكر والخمر،  وتشعر بالملل فترتاد الحانة تسمع أحاديث البغاة والغواة وتتأخر ليلا فإن حاول أحد المارة أن يتعرض لها هزت له كتفها مشيرة بذلك إلى الاستنكار، ومع ذلك لا يرى الكاتب القصصي في ذلك أدنى حرج وإن كانت الأماكن التي ترتادها  تجعل المرء ينفر منها.

- السياحة 

ومن المظاهر الحضارية الجديدة سفر الناس إلى السياحة، وهذا أمر واقعي يشهده صيف السنوات المعاصرة وقد تحدثت رواية "حدث في إستانبول " لكريم معتوق(38) عن الشباب الإماراتي الضائع في البلاد التي يسافر إليها، إذ ينفق أمواله على النساء و الملاهي والخمر، ويصادق أناسا لا تعرف هويتهم ، حتى إن بعضهم كانوا يهودا متسترين بأسماء عربية ، ويعيش في هذه الأجواء في صراع حاد ، بين ضرورة الحفاظ على قيمه ودينه ، وبين الانجراف في تيار الغواية انجرافا لا حد له لأنه لم يستطع المقاومة طويلا .

وفي قصة "امرأة من الشرق(39) " لإبراهيم مبارك يتحدث البطل عن سفره إلى بانكوك وإعجابه بمناظرها الخلابة وبفتنة نسائها الصغيرات اللواتي يتظاهرن بالحب ليحصلن على مزيد من المال .

وإذا كانت هاتان القصتان تعرضان صور البغاء فإنها وصمة عار في جبين من يلجأ إلى هذه الدول ويخسر فيها دينه ، ويقدم لها أمواله وصحته،كما قال محمد المر في قصته "خمسة آلاف مليون(40)" على لسان سمبوسة وهو يخاطب صاحبه عبادي ( وماذا تحصل أنت من البترول سيارة تيوتا تعبانه ، وبيت شعبي صغير وبائس ، ورحلة كل سنة إلى بانكوك تأتي على إثرها مصابا بمرض السيلان ، وتنفق نصف راتبك وأنت تتعالج منه لعدة أسابيع ، إذا راح البترول سترتاح من بانكوك و من مرض السيلان).

ولست مع الكاتبين مبارك ومعتوق فيما عرضا من منكر خلال قصتيهما فالشر لا يدفع بشر مثله وما وصفوه من إغراءات ومنكرات يجب أن ينأى عنهما القلم العف ولو كان في قصة واقعية نقدية .

- المخدرات والتدخين

ومن القصص التي تحدثت عن الواقع حديث بعضها عن البترول كعامل مخدر يستخدمه بعض الجهلة فيؤدي إلى موتهم كما في قصة "الطائر الغمري(41)"  لعبد الحميد أحمد إذ كان أهله قد هجروا البلاد بعد ضعف الصيد وبقي البطل متعلقا بوطنه لكنه كان يقتل غربته المملة والقاسية بالمخدر  البترولي .

    وشبيه بها قصة "الباحثون عن شيء(42)" للكاتبة ليلى محمود راشد إذ تحدثت عن تعلق المجتمع بالتدخين لدرجة أن الناس صاروا ينادون بصوت عال أمام الدكان حينما قل وجوده من المنطقة ( نريد سجاير .  . . نريد دخان ) .

-     المدينة والريف

ومن المظاهر الحضارية أيضا الحديث عن الريف والمدينة فالمدينة كما نلمحها في رواية الاعتراف بدت فيها معالم مادية حضارية من مستشفيات وشرطة وأمن ومدراس وطرق البحث عن عمل عن طريق مؤسسات المعونة الاجتماعية.

 وفي رواية "مزون"، نرى الشوارع المرصوفة وجرافات المقاولين والمباني العالية والبيوت المكيفة؛ وفي رواية "ثنائية مجبل بن شهوان" لعلي أبو الريش نرى الآبار العذبة وقد غدت مأوى للحشرات، وصارت البيوت والمحلات التجارية تملأ البلد ؛ وفي قصة "الطائر الغمري" صار الناس يبنون بالإسمنت، ولم تبق إلا خيم بسيطة للفقراء، وكثرت الأضواء في الشوارع، وتدفقت الحياة كتيار مشحون بالجنون لم يدع للبطل غريب فرصة كي يلتقط أنفاسه، فأغرقه حتى الموت .

كما تغيرت المفاهيم في المدن فلم يعد ذلك الترابط القبلي الذي كان في الماضي بل حل محله برامج تسويق ومواد إعلانية بصورة لا عقلانية فكأن هيمنة الماضي تحولت إلى هيمنة إعلامية جديدة(43) .

كما لم يعد هناك الكرم المألوف في الأرياف إذ صار الناس يتباهون بالثراء الجديد، وقد شحت أيديهم نلمح هذا من خلال قول عبد الرحمن في رواية مزون (ولى هذا الكرم وحل محله ماكانت أمي تخافه أكثر من الخوف، البخل ، مدينتنا السخية المتواضعة صارت شحيحة وتتباهى بثرائها الجديد ).

وهذه المفارقة تبين لنا واقع الناس الجديد بعد الحضارة التي عاشوها والتي جعلتهم يتنكرون للبساطة بينما أعجب بعضهم بحياة المدن لأن الناس في المجتمع الجديد لم تعد تحكمهم علائق طائفية أو قبلية أو عرقية وحل محلها قيم المجتمعات الرأسمالية الصناعية بكل طرقها وأخلاقها وأذواق أهلها(44) .

 - أما في الريف  فكانت العادات والتقاليد لا تزال سائدة، ومنها الإيمان العميق بالسحر وأخطاره، وبأن خاتم الذهب المغمور بالماء إذا قرئ عليه وسقيت الماء للمسحور يذهب عنه سحره، ومنها الاعتقاد بأن الأولياء الصالحين يشفون من المرض، ومنها عادات إسلامية كتلاوة القرآن الكريم على المريض، وإن كان الأديب يستنكرها؛ ويقول علي أبو الريش في روايته الاعتراف على لسان البطل صارم في حديث مع أمه ( تريد أن تعيدنا إلى القرون الوسطى أو عصر  الجاهلية ) ويسمى الطب الشعبي قاذورات وشعوذة لا تتلاءم مع عصر الطب والعلم الحديث (45).

ومن الجدير بالذكر أن كثيرا من قصص الريف الواقعية مازجها ميل إلى الإبداعية أو للرومانسية وصرنا نقرأ فيها وصفا للطبيعة والبحر، وأهل الريف يسافرون إلى الهند للزواج أو للطب، وفي حفلات الزواج يرى اختلاط الناس رجالا ونساء اختلاطا بسيطا كما هو في واقع الحياة. .

أما في الصحارى فقد بقي الحال كما كان شائعا وبدا هذا في تنقلات القوافل في أرجائها دون أن يحجبهم عنها حواجز الحدود واللغة والانتماء، ويكون الصراع فيها بين الأسياد والعبيد. وقد تحدثت لنا رواية "شاهندة" عن تجارة الرقيق وحياة البدو وكان حديثها أقرب إلى الابداعية منه إلى الواقعية، وإن انتقد المؤلف كثيرا من تصرفات التجار على لسان شاهندة .

أما حياة القصور والأمراء فقد وصفتها روايتا كريمة وشاهندة فالأميرة في رواية "كريمة" في القصر لا تختلط بالرجال ويخدمها أناس من جنسيات شتى ولهم قصور متعددة في مراكز في المغرب فهناك قصر الراحة وقصر الواحة وقصر المسكن وفي بلادهم قصر الرياض وقصر المنتجع وقصر الصحراء ويضم كل قصر أثاثا متنوعا عربيا وغربيا وفرعونيا ورومانيا ويحوي قصر الصحراء غزلانا وقطيع حمر الوحش ومسبحا زجاجيا وهناك يستقبل كبار الدول ولهم سفن خاصة بهم، وطائرة للتنقل بين البلدان وأخرى مروحية للتنقل بين أرجاء البلد ، وهم يذهبون لصيد الصقور والحباري .

مما سبق نرى أن الكتاب الواقعيين سجلوا مظاهر الحضارة الجديدة في المدن الإيجابية منها والسلبية كما سجلوا حياة القرى والصحارى، وكان بعضهم ينتقد الأوضاع السلبية ولا سيما في الحياة الجديدة، على حين وقف بعضهم منها موقف المصور لها الحاكي لأحوالها .

3ً- العمالة الوافدة

ويتجلى الاتجاه الواقعي في أجلى مظاهره في القصص التي تتحدث عن العمالة الوافدة إذ حكت شقاء أناسها، ودعت إلى القضاء على استغلالها، وتعاطف بعض الكتاب مع هذه العمالة بينما حكى آخرون المظاهر السلبية التي بدت من وجودهم في المجتمع الإماراتي ،حتى قيل لبعضهم أن الإمارات ستكون بهم فلسطينا أخرى، ففي قصة "هواجس(46)" لشيخة الناخي نرى شكواها من خلال أقوالها من مثل: ( الوجوه الغريبة التي تقتحم عليه كل الأمكنة ) و(لم تعد المدينة نقية بعد أن أصابها التلوث) و (كانت الأصوات الغريبة تحكم حصارها من حوله غير أن الحياة تجري لاهثة تصادر هويته وتتحفز للانقضاض عليه ) كما أشارت إلى محاولات الغرباء لنشر عاداتهم ولغتهم على حساب اللغة العربية ، وعادات المجتمع حتى بات الصغار يعجبون بالوجبات الأمريكية السريعة في طعامهم ويشاهدون الأفلام المكسيكية .

وكانت الإمارات قد وقفت وقفة صامدة أمام محاولات تجنيس الغرباء، وقد شعر الكتاب بواجبهم في سبيل القضاء على هذه المشكلة فسطروها في آدابهم على نحو قصة "الصرخة(47)" لناصر جبران(48) إذ صورت ازدياد العمالة الوافدة و أخطارها في إزالة ملامح المجتمع المحلي. نقرا حوارا درا بين سليمان وزميله عبد الله :

(( أين مدرسة العروبة  ؟ رد عبد الله بمرارة : اختفت العروبة وبقي المكان وأين هي ؟ ستجدها في قواميس لغات أخرى . . . . . هلو ! ))

ويشتكي محمد المر في قصته "هجرة المحنّط" من الجنسيات الآسيوية التي عجت بها دبي حتى قال ( خبزك يخبزه إيراني ، صاحب لمطعم هندي ، النجار بنجابي ، الذي يكوي ملابسك مدراسي ) .

   وتعاطف بعضهم مع هذه العمالة ففي قصة "اتهاد – كليج – بيان" أي "اتحاد – خليج – بيان(49) " يصور لنا ناصر الظاهري شقاء العامل الآسيوي وهو يبيع الصحف، في كل يوم، ويسكن في علبة منزلية، ويدخن سيجارة ويركب دراجة ويتنقل في عمله بين السيارات ليقدم إلى ذويها الصحف فكأنه يرقص بينها من الساعة السابعة حتى العاشرة

مساء ولكنه لما توفي صديقه أحس بالرغبة في العودة إلى بلاده ولكن حادث سيارة أودى بحياته فتناثرت صحفه وعملته النقدية وقيل في هذا الحدث المؤلم ( لقد مات انهرس ذاب مع أخبار الصحف ) وعرف اسمه من هويته التي أودعها في جيبه .

وتعاطف بعض الكتاب مع العمال البائسين وهم يصورون أحاسيسهم تجاه أهاليهم الذين اغتربوا عنهم وقد تحدثت قصته "شتاء(50)" لإبراهيم مبارك عن معاناة هندي اسمه "كومار" ودع زوجته ليأتي إلى الخليج فلم ير منه إلا طريقا واحدا هو طريق المطار إلى كوخه الخشبي على ساحل البحر .وكان يشتم منه رائحة عفونة السمك ويستمع إلى صرخات الصيادين، فكره الحياة فيه ولا سيما بعد مقتل صديقه الصياد ولذلك كتب إلى زوجته رسالة يخبرها أنه عائد إليها فقد اشتاق إلى طعم جوز الهند من بلاده ورائجة المانجا وإلى كرزات رائعة نبتت فوق ثغرها، فكأنه الآن يعيش في شتاء قاحل وقد أعلن تمرده عن العمل.

  ولكن آخرين قسوا على أبطال قصصهم من الوافدين ونظروا إليهم نظرة احتقار وقد ذكرت قصة "تحت المروحة (51)" لمحمد المر قول خلفان لأخيه الذي يطلب لأحد العمال سلفة ليتزوج بها ( ومن التي يحبها هذا التيس؟ قطة أم كلبة ؟ ) فقال له أخوه  ( لا هذه ولا تلك إنه يحب فتاة قريبة منه ).

ولم ينس الكتاب الواقعيون أن يعرضوا مآسي العمال السود في البلاد، ففي قصة "وكان الدفتر رادي  عليه(52)" يتحدث لنا الكاتب (عبد الغفار حسين) في قصته القصيرة عن عامل اخشوشنت يداه من حبال السفينة، وكان إيراده لا يكفيه لإعالة أسرته ولوفاء ديونها، ولهذا راح يستدين من أحد الأغنياء وسار في الطريق ليلا وهو يخاف من خطف السود، ولما وصل إليه طالبه التاجر بوفاء ديونه وهدده بأنه يبيع بيته فوقع الرجل على الأرض ولم يقو على السير.

4-    البحــر

بيئة الخليج البحرية فرضت على الكتاب أن يستمدوا منها كثيرا من حوادث قصصهم وقد تحدثوا عن معاناة أصحابها فيه، وفقدان أموال التجار بعواصفه الهوجاء، كما أعربوا عن حبهم له، ففي قصة " إلى عبد الله الصغير . . . وصية (53)" لسعيد سالم الحنكي نرى الغواص قد ترك عمله لأن النواخذة ظلمه ولم يؤد له ما يسد به الرمق، قال لابنه ( هاهو أبوك يدور كالثور المربوط من الهند إلى إفريقيا إلى المملكة يصب الخير في جعبة حسين، ويزداد أبوك فقرا على فقره ودينا على دينه، وعندما يمل منه سيقذف به إلى البحر كما فعل معي؛ الثيران يجب أن تتحد لمصالحها المشتركة ).

ولعل الرواية كانت أكثر حديثا عن مآسي البحر وغواصيه ففي رواية "شاهندة " لراشد عبد الله يتحدث لنا المؤلف عن سفن البحارة وارتطامها في صخور البحر، وابتلاع حيتانه للبحارة ونجاة بعضهم بخشب السفن المتحطمه، وكان حسين قد فقد ماله في  البحر بعد أن غرقت سفينته التي تحوي صندوقه المالي، وصارت أسرة شهداد في الرق بعد تحطم سفينتهم، كما مات شهداد نفسه حينما كان يعمل لحساب حسين بعاصفة هوجاء(54) .

وتتكرر أمثال هذه المشاهد المأساوية في القصص الإمارتية كثيرا وقد أدى هذا إلى كراهية بعضهم للبحر وهذا ما عرضه علينا الكاتب (مظفر الحاج مظف) في قصته ذكريات وأماني(55) من خلال حديثه عن حياة تاجر متواضع يحبه عماله كثيرا ولكن عاصفة عاتية أودت بحياته ولم ينج منها على الرغم من أنه ألقى بعض حمولة السفينة، وكاد ابنه أن يلاقي المصير نفسه لولا رحمة الله به مما أدى إلى كراهيته للبحر والعمل به وقال (تبا لك يا بحر).

وهناك قصص عبرت عن تعلق عمال الغوص بالبحر وحبهم له ففي قصة "الطحلب(56) " لإبراهيم مبارك يطالعنا بحديثه عن رائحة البحر الممزوجة بدخان الديزل، وقد بدت صفحة الماء كحلم رائع للعجوز البطل وكان يحن إلى العمل فيه ولكن أنى له ذلك وقد تغيرت الحياة وكبر الرجل ولهذا نراه يذهب إلى البحر ليستلقي على سطح قارب قديم ليلاعب النسيم وجهه ولتهدهده الأمواج فيشعر بالاطمئنان وكان يقول "إن هذا البحر يشرب الناس جميعا، هو أبو الجميع ولا أعتقد أن أحدا يستطيع الابتعاد عنه".  وقد توفي الرجل وهو يحتضن جدارا مجاورا له .

هذا عرض موجز للقصص الواقعية  الاجتماعية وهو عرض يثبت أن الكتاب اختاروا معظم شخصياتهم من النساء المعذبات والفقراء والبائسين وأن قلة منهم تحدثت عن واقع القصور والبذخ والترف وكانت نبرة الأسى ترافق تصويرهم مما يشير إلى مواقفهم المتعاطفة مع البائسين من خلال تصويرهم لجوانب من حياتهم الاجتماعية إضافة إلى ظواهر اجتماعية أخرى بدت في هذه القصص وقد نحا بعض القصاص الواقعيين منحى شابه الإبداعيين في بعض أوصافهم.

 وعلى أي حال لا تعد هذه القصص وثيقة اجتماعية لدراسة حياة المجتمع الإماراتي لأن بعضهم تطرف في تصوير المعاناة و تبرير أعمال النساء مما لا نلقى له مثيلا في الحاية إلا ما ندر.

الواقعية السياسية

تخلى الواقعيون النقديون العرب عن عوالم الخيال الرومانسية إلا نادرا وراحوا يطالبون بتحسين أوضاع المجتمع سياسيا واجتماعيا، وتمسك بعضهم بمطالب الوطن والأمة فالتقوا مع الواقعية الإسلامية التي تدعو إلى إعادة الأمجاد وكشف الزيف الاستعماري.

ومما لفت انتباهي تقصير الكتاب في الحديث عن القضايا السياسية العربية والإسلامية ولا سيما أننا نعيش القضية الفلسطينية ومآسي المسلمين، وبعضهم لم يذكروا أسماء الدول التي تحدثوا عنها سياسيا وكأنهم أرادوا أن يعمموا المآسي أو أرادوا أن يتجنبوا لوماً قد يوجه إليهم في وقت ما، على أي حال فإن القضايا السياسية بدت من خلال ما تناثر في الروايات كما بدت في قصص قصيرة مستقلة .

v      ولعل أهم ما تعرضت له القصص:

1. كفاح الماضي كدعوة إلى الكفاح المعاصر.

 2. حب الوطن.

 3. القضية الفلسطينية.

 4. مآسي العرب والمسلمين.

1- كفاح الماضي كدعوة إلى الكفاح المعاصر

وقد لجأ إليه سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي(57) في قصته "الأمير الثائر والشيخ الأبيض" وكان حديثه التاريخي  الواقعي كما صرح بذلك(58) يدعو إلى التأمل في واقع الأمة المعاصر، فالتاريخ يعيد نفسه كما يقول(59) وما جرى لأجدادنا يجري لنا حاليا ، فالسفن الأجنبية كانت تجوب أصقاع الخليج وتحاول أن تعقد هدنات مع بعض أبنائه الذين يتعاونون معها وقد جرت الحوادث السياسية، التي عرضها في القصتين في واقع الحياة لم يمازجها الخيال أبدا كما ذكر المؤلف وبينَتْ ما تعرض له المسلمون والعرب على أيدي الهولنديين والإنكليز والفرنسيين والفرس .

ففي قصة "الأمير الثائر(60)" يحكي لنا جهاد "الأمير مهنا" في "بندر الرق" وهو أراض عربية على الشاطئ الثاني من الخليج، ضد الهولنديين والإنكليز والفرس، وحروبه المستمرة معهم، وخيانة أخيه حسين مع العدو ، وقد انتصر عليهم في معارك عديدة بعد أن كوّن قوة حربية منعت تجارتهم حتى أزاح الهولنديين عن البلاد، ثم تعاون الفرس مع الإنكليز لصد هجماته حتى تمكنوا أخيرا من القبض عليه وقتله .

2-    حب الوطن

وحب الوطن يتغلغل في القلوب فلا يدعها تستقر إن أقض مضجعه عدو طارئ، وقد صورت لنا قصة "أحزان ليل(61)" لشيخة الناخي حركة المقاومة الوطنية، إذ كان الشعب يتصدى للعدو الذي أطبق عليه من كل جانب. وقد أرسل الشيخ خفيرا بعد أن جاءه النذير ليستطلع الأمر ويأتيهم بإيضاح عن العدو، ولكن الرجل لم يعد، فذهب الشيخ بنفسه ليبحث عنه وليأتي بالخبر اليقين لكنه لم يعد أيضا.

وفي " عاشق الجدار القديم(62) " لعلي عبد العزيز شرهان(63) يحدثنا المؤلف عن جرائم الاستعمار الإنكليزي إذ قصف منطقة كانت البيوت فيها من سعف النخيل فأحرقها والتهمت النيران زوجه وأولاده، فلما قدم القرية ورأى ما حلّ بها أحس أن الأرض مادت من تحت قدميه ،  وأن الدم يغلي في عروقه، وكشف عن جثتهم فاشتم روائح اللحم المحترق فاختنق بعبرته فأخذ حفنة من رمادهم وتأملها  ثم عزم على محاربة العدو وركب قاربا يقلّه إلى سفنه...، وهناك قتل الحارس، ثم القائد وأصيب بذراعه  الأيسر فصارع الموج حتى وصل إلى الشاطئ فلفظ أنفاسه تحت جدار قديم وهو يقول(  راح الوحش ).

وفي قصة "مزون" نرى عبد الرحمن يضطر إلى مغادرة الوطن بعد أن سئم الحياة فيه، لكن حبه له ما لبث أن تحرك في أعماق فؤاده فيقال له ( مع أن جسدي راحل عنك إلا أنني سأحمل في قلبي أشياء كثيرة غالية منك، أحببتك، أدواتي كان ضعيفة، لكن عشقي لك دون حدود... أنا أعرف أني عاجز عن تخليدك(64) ) .

3-    القضية الفلسطينية

يتساءل الواقعيون النقديون كيف يمكن للشاعر أن يترنم بأغاني الحب والغزل في أمة مقهورة سلبت بعض أراضيها .. . . .

هذا واقع أمتنا العربية والإسلامية ولا بد للأديب أن يصور هذا الواقع ويتحدث عن فلسطين قلب الأمة المنكوب وعن مآسي المغتربين وجرائم الصهاينة وعن مسؤولية العرب تجاه أخوتهم وتقصيرهم في حقهم .

وقد شاركت القصص الإماراتية في ذلك فقصة "شادي(65)" (لعبد العزيز خليل)(66) تتحدث عن مأساة متشرد يحمل جواز سفر من الأردن ويعيش لبنان، وقد اضطر إلى تركها فأشير عليه أن يذهب إلى سوريا شريطة ألا يأخذ معه أسرته فرفض الطلب، وصمم على أن يعود إلى فلسطين، وعلى الحدود لم يسمح له اليهود بالدخول لأنه يحمل جواز سفر أردني وليس معه تأشيرة دخول، بينما سمح لزوجته بذلك لأنه تحمل تأشيرة استخرجها لها أخوها، ولنستمع إلى حواره مع ضابط الأمن الإسرائيلي :

أين ورقة الدخول ؟ أنا أملك جواز سفر صادر عن الحكومة الأردنية . لكنك لست أردنيا ! أنا فلسطيني ! أنت عربي من إسرائيل(66) .

اغرورقت عينا الرجل بالدموع وعاد من حيث أتى ليحضر ورقة دخول امتنع عن الإتيان بها سابقا لأنه برأيه مواطن يعود إلى بلاده .

وفي قصة "لا تكن جلادا (67)" لشيخة الناخي نستمع إلى مغترب ولعله كان فلسطينيا في دولة أجنبية وهو يناجي الطير ليحمل له سلامه إلى أهله ونعرف من خلال المناجاة وتداعي الأفكار التي كانت تراود مخيلته أنه يعيش في بؤس مدقع في بلد الغربة فأمعاؤه في هياج وإن أكل فكسره خبز ، والناس يطؤونه بأقدامهم وهم يفتقرون إلى الأخوة الإنسانية، ويود ن يسمع صوت المآذن... ثم تنقله مخيلته إلى الوطن حيث الأهل والأحبة فينصحونه بالعودة إلى مغتربه، ويظل في معاناته ويتخيل رجال الأمن وهم يطاردونه... ثم يعود إلى منزلة ليرى رسالة من أهله تخبره أن العدو اعتقل ابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره وبذل تكتمل صور الإجرام .

أما قصة " الرحيل (68)" لسعاد العريمي(69) فتصف جرائم العدو الصهيوني في مذبحة صبرا وشاتيلا من خلال ذبح هدى ابنة البطل وها هو الآن يضم صورتها إلى صدره ويبكي وهو يقول (تركت هندا في صبرا ورحلت لقد فقدت كل شيء كل شيء) وقد حركت مشاعره أحاسيس ابنه المعتصم فحمل السلاح ليرد الضربة بأخرى وكأن الكاتب ذكر المعتصم بالله العباسي وموقعة عمورية التي كانت ردا على معركة زبطرة .

وروح المقاومة هذه بدت أيضا في قصة "عائد من الجنوب" لإبراهيم مبارك(70) إذ نرى صديق البطل يصمم على اقتحام حاجز عسكري ويقول للبطل (أنا في انتظارك لا تخف فالرجال يحمون الوطن )، ويعود البطل بعد أن يأتي ببندقية من فاطمة وعندما يلتقي بصديقه يقول له (الرجال ما زالوا صامدين ، والأطفال صاروا رجالا والنساء مازلن يحبلن).

فكأن عملية الجهاد مستمرة، وإن نكث بعضهم عهودهم واكتفوا بالخطب الرنانة على حد قول المؤلف؛ ولهذا قال البطل( أنا عائد إلى الجنوب عائد إلى الجنوب ).

وقد تناثرت في قصة "حدث في استنبول" أحاديث كثيرة عن الفلسطينيين ، لكننا لم نلمح من خلالها واقعا مأساويا فالفلسطيني المغترب سلامة الجفالي يبيع خدماته للأوربيين تارة وللأتراك أخرى وللأرجنتين ثالثة وهكذا، وهو يشرب الخمر ويلهو مع يهود عرب متمسكين بعنصريتهم، ولهم منظمات تجمعهم أينما كانوا، وهم يكثرون في الملاهي ليجذبوا النفوس الضعيفة (71)،وقد ارتكب سلامة الجفالي الموبقات مع رجال العصابة الصهيونية. كما حكت القصة ما يتعرض له الفلسطيني من مشاكل جوازات السفر مما يضطره إلى الهجرة إلى أوروبا بعد أن لفظته

البلاد العربية، وبنبرة ساخرة يقول(إن ما تقدمه الدول المتحضرة في مجال الإنسانية مهم جدا(72)) ويندد المؤلف أيضا بالشعوب العربية التي أهملت القضية وراحت تفكر بتحرير فلسطين على خصر راقصة، ويعلق المؤلف على هذا ساخرا قائلا (هكذا تصبح الوطنية في الملاهي الليلية تحية وموسيقى وراقصة وتحيا الشعوب العربية (72)).

4-    مآسي العرب والمسلمين

تحدثت القصة الإماراتية على ندرة عن هذه المآسي وكانت شيخة الناخي ممن عبر عن معاناتهم في بلدانهم دون أن تذكر اسم الدول التي تحكي عنها، وقد ذكرت لي(74) أنها أرادت أن تكون معبرة عن كل مأساة في الوطن العربي والإسلامي.

من ذلك حديثها عن حرب العراق والكويت في قصتها "إعصار(75)" إذ صورت الأزمة النفسية الحادة التي اعترضت البطل عندما سمع النبأ وعبثا حاول صديقه أن ينقذه علهما يفكران فيما يجب عمله لتحرير الوطن لكنه فارق الحياة بعد أن أوصاه بالعمل الدؤوب لطرد االمعتدي منه .

ومن مآسي العالم الإسلامي أيضا ما نراه في قصة "انكسارات روح" إذا صورت التعذيب الوحشي الذي يتعرض له المسلمون، وجاءت القصة بأسلوب رمزي يحكي ممارسات القمع الوحشية والممارسات الجنونية التي جعلت الوحش يغرز أنيابه القذرة في أعناق الفتيات العاجية ، ويعبث عبثا جنونيا، مما أدى إلى اشتعال المقاومة مزودة بنفحات الإيمان... وتطايرت الأشلاء ولكنها كانت رمزا يعبق برياحين الجنة حتى تزول الأرواح الشريرة وتنكسر حدتها على حد قول الأديبة .

هذه صور من صور الواقعية النقدية أو الانتقادية التي تحدثت عن مآسي المرأة والفقراء والظلم الذي يعيشه الإنسان، وقد تعاطف بعض كتابها مع المنكوبين في مجمل قصصهم، كما كشفوا عن التغيرات الحضارية  التي عاشتها البلاد في العصر الحاضر بعد ظهور النفط وتحدثوا في الواقعية السياسية عن جرائم العدو وعن صور الكفاح ضد العدو الذي جثم على أرض الوطن وعلى البقاع العربية والإسلامية .

ثانيا : الواقعية الجديدة أو الاشتراكية في القصة الإماراتية.

 تتفق هذه والواقعية النقدية في الأساس الفلسفي الذي تركز عليه، فهي تصور الصراع بين مختلف القوى الاجتماعية بغية تغييرها والسعي بها نحو الأهداف التي يرتجيها أصحابها، وهي في مسعاها تنظر نظرة تفاؤلية إلى المستقبل الذي تتمنى تحقيقه وتتطلب ممن يؤمن برسالتها أن يلتزم أفكارها التي تقوم على:

1. الاهتمام بالطبقة العاملة .

 2. الثورة من أجل تحقيق الأهداف(76).

وقد شككت الواقعية الجديدة بالقيم وبالمثل العليا، ونظرت إلى الحياة من منظار أسود سرت من خلاله تصرفات الأبطال النابعة من النزعة  المادية والأنانية(77)، وهي ترى أن الأدب سلاح في معركة التحرير السياسي والاجتماعي، وتتطلب من الأديب أن يساهم في بناء مجتمعه على الأسس التي تحددها له .

اختلطت هذه الواقعية في مجالها الأدبي بالمذاهب الأخرى كالرمزية، وإن كان بعضهم لم يلجأ إلى الرمز لأن غايته من الأدب الإيضاح والبيان لا الغموض والوهم والفوضى، كما أن القصاص الاشتراكيين اختاروا شخصياتهم حسب ضوابط معينة فكرية وفنية لتمثل جوهر الصراع الداخلي "في النفس" والخارجي، ولهذا لجأ أصحابها أحيانا إلى تيار الوعي الداخلي يحكون به عوالم شخصياتهم ضمن الإطار السردي،(78) وتنهي حياة هذه الشخصيات غالبا بانتصار الإنسان الكادح .

وقد برزت مبادئ هذه الواقعية في القصة الإماراتية القصيرة والرواية من خلال المواقف التي وقفتها الشخصيات مع الفقراء و البائسين، ممثلة بالموظفين الصغار أو بالعمال الكادحين الذين صورتهم في معاناتهم مع الأغنياء، ففي قصته "الطحلب(79)" يتحدث الكاتب إبراهيم مبارك بأسلوب رمزي شفاف عن ثري كاد يغرق في البحر فراح في أزمته هذه يناجي الله – سبحانه وتعالى كما يناجي الِأمواج ويقول ( أيتها الموجة العالية ألوذ بحماك مستغيثا متوسلا أن تحمليني إلى ذلك الشاطئ البعيد الرابض خلف الأفق، يا الله (80)سوف أدفع كل ما أملك للفقراء والمساكين، فقط أعد إليّ الحياة ) وحذرت العاصفة الموجة من افتراء هذا الغني، لكن هذه أشفقت عليه فحملته بين ذراعيها فلما اقترب من الشاطئ راح يتمتم (سوف أهجر الدنيا وأمد القلب واليد لكافة الساعين) فلما وصل إلى الشاطئ تنصل من وعوده وقال (لست أباً لكل هؤلاء الجياع والمشردين ... وبصق نحو البحر )؛ ولكن شوكة لخمة غرزت في جسده وأرسل البحر غضبه الهادر، واجتاح الجزيرة  ثم بصقه مع أعشاب البحر ومخلفاته  ، وقد أشار الأديب بهذه النهاية إلى الثورة التي تقضي على الأغنياء الجشعين .

 وقي قصة رمزية أخرى للكاتب نفسه تحمل اسم "يأتي من مدينة السحرة(81) " يتحدث عن شاب يصفه بأنه مثقف عصري، فلديه أجهزة كهربائية كالمسجلة وآلة كاتبة وهو يكثر من التدخين وكان يتطرف في فكره فيرى الناس ثيرانا تدور في الفراغ وسيقذف بهم إلى مراغة الطين؛ وقد رأى في حلمه أن رجالا قبضوا عليه وأشبعوه ركلا وضربا في السجن ، ولما استيقظ جاءته عجوز تجاوره وقالت له لقد سمعت أنينك في الليل، وأخبرته أن السحرة أخذوا ابنها الذي يشبهه في ذكائه وقوته، وقد فتشت عنه فقيل لها إنهم سلبوه عقله وأنها شاهدته في مدينة ثورا شجاعا وقويا، وفي أخرى حمارا تأكل الحشرات جسده، وقال لها صياد كان عالماً وخرج من مدينتهم حمارا... وعاد الولد بعد غياب سنين مجنوناً وصار ينادي الروح أن تخرج من الغيب بعد أن ينفخ في الصور لتكسر الأطواق .

فالكاتب يرمز هنا بالرجل العصري إلى من اعتنق المبادئ الاشتراكية الجديدة وهؤلاء يرون الناس ثيرانا تسعى دونما فائدة ورمز حلمه إلى ما يتعرض له هؤلاء على أيدي رجال الأمن في دولة لا تؤمن بمبادئهم ، أما العجوز فهي رمز لذوي الفكر التقليدي بزعمه ممن يؤمنون بالسحر وأما تحول الرجل من عالم إلى حمار فليوجه ضربة للدين لأنهم لا يؤمنون بالعقائد وأما الروح والنفخ في الصور فرمز إلى ثورتهم التي ستكسر الأطواق الحديدية وتحررهم من الخضوع للتقليديين وقد عمد الأديب إلى الأسلوب الرمزي ليجمع هذه الأفكار كلها في قصة قصيرة واحدة تلمح ولا تصرح كعادة معظم أتباع هذا المذهب .

والكاتب محمد المر في قصته "يوم في حياة موظف صغير(82)" يلمح إلى معاناة طبقة الموظفين الصغار، ويرمز بالحلم الذي رآه الموظف إلى المستقبل المنشود، وكان هذا الموظف قد رأى في نومه أنه تأخر عن عمله فسارع إلى الطريق فلم يجد فيه أحداً حتى حسب أنه القيامة قامت إذ لاضحيح ولا ناس ولا طعام ولا شراب، ثم انتبه إلى أنه حي يرزق، ودخل مكتبه فأحس أنه الناس نسوه، فكلهم تبرأ منه، ثم تقمص شخصية المدير فحسب نفسه أنه اعتلى هذا المركز في عالم آخر جديد لا علم فيه ولا مدنية ولا خبرة، ولكنه كان لا يبالي لأن راتبه سيزيد ثلاثة أضعاف وفي هذا العالم أقزام وجوههم بشعة وأنوفهم صغيرة، لكن أرواحهم طاهرة لا تحمل حقدا ولا طموحا وسوف تنتقل الأرواح من الراحل إلى القادم إلا أن الروح الشريرة ستطرد من المدينة؛ ثم تساءل عمن سيطردهم فتخيل نفسه حاكما ولذلك طلب رعية لتملأ الشوارع الخالية... و أخيرا قرر أن يلفت النظر إليه فأخذ يركض في الشارع وهو يقول (أيتها الأقزام أنا المدير أنا الحاكم أنا صاحب الكلمة سأجعلكم تشعرون بآلام الآخرين سأبعد عنكم الأنانية وحب الذات أنا كل شيء ) وفجأة يسمع الموظف صوت زوجته توقظه من حلمه... ويخبرها في صحوه أنه لن يذهب إلى العمل لأنه طرد منه بعد أن طلب زيادة رواتب الموظفين الصغار لمواجهة الغلاء المنتشر وهدد بالإضراب عن العمل. ثم قال لزوجته ساخرا (لا تخافي يا زوجتي العزيزة إنني أعرف كيف أنتقم منه[المدير] سأبحث عن عمل آخر براتب أكثر ).

 تبدو في هذه القصة ملامح الواقعية الجديدة فالموظف طرد من عمله لأنه هدد بالإضراب وهو نذير الثورة، وهو  والموظفون يطالبون بزيادة الرواتب لمواجهة الغلاء بسبب فقرهم، وسيكون له عالم جديد منتظر تسوده المحبة وينتفي منه الحقد؛ وكل شرير سيطرد، وهو المدير منه والحاكم، وهذه النظرة الاستعلائية ندركها من الواقعيين الاشتراكيين إذ يتخيلون أنهم قادة العالم وأنهم سينقلون من القديم ( الراحل) إلى سلطتهم ويذكرني هذا بقوله تعالى يحكي عن أجداد ماركس زعيمهم أنهم يقولون (نحن أبناء الله وأحباؤه ) ويتصورون غيرهم أميين أو حميرا، وهم يشعرون أن الناس ينبذونهم، ولهذا قال (أحسَّ أن الناس نسوه فكلهم تبرأ منه ) وأما قول "سيكون العالم الجديد بلا علم ولا مدنية ولا خبرة ولا يهم هذا مقابل زيادة الرواتب" لأنهم لا يهمهم أن يضعوا في مناصبهم إلا من يؤمن بأفكارهم ولو لم يكن ذا خبرة وعلم لأن غايتهم تحقيق المكاسب المادية والمعنوية لهم.

وبعض كتاب الواقعية الجديرة يعرضون أفكارهم عرضا مباشرا، فالكاتب علي أبو الريش في قصته القصيرة "الوجه الآخر(83)" يشير إلى رجل مثقف تحاول أجهزة الإعلام أن تحدد له العبارات التي ينشرها في مقاله، وتحذف ما لا يوافق هواها ومع ذلك ظل يكتب لينشر الوعي من أجل انتشال الفئة الكادحة من واقعها المؤلم، ويقول (لا بأس من حذفها، المهم أن المقال سيأخذ طريقه إلى النشر. سيكون مبتورا، ولكن هذا لن يقلل من أهميته. المهم أن يصل إلى القراء شيء مما أريد، المقال فيه تحريض على الثورة بشكل مباشر والقراء سوف يستنبطون هذا من بين السطور. ولكن هذا المثقف أصيب بخيبة أمل حينما رأى جاره يلف الخبز بالجريدة وكأنه لا يعي أهمية ما فيها. هذه أبرز مضامين الواقعية الجديدة التي بدت في القصص الإماراتية ...

Flowchart: Alternate Process: ثانيا: الحداثة في القصة الإماراتيـة

وهناك قصص أخرى جنحت جنوحا شديدا وتطرفت في مبادئها حتى صارت تدخل في نطاق الحداثة المدمرة لكل شيء وهذا ما سأوضحه الآن .

توافدت المذاهب الغربية على عالمنا العربي والإسلامي فأوقعته في حالة تخبط وحيرة حتى فقد هويته وشك في قيمه ودينه، وانحرف في سلوكياته وسعى إلى الجشع والتسلط وقد نال الأدباء الإماراتيون من ذلك حظا غير حميد إذ راحوا يقلدون الغربي فيما يسطره ويتحدثون عن الظلم الاجتماعي وعن الخيانات  الزوجية ويتهمون الدين والتراث متأثرين بذلك بالمذاهب الحداثية التي تواردت على بلادهم وتفلفلت في ثقافاتهم .

وتعني الحداثة الثورة على كل قديم دينا كان أم قيما  أم تاريخا أم تراثا متأثرة في ذلك بفرويد الذي أطلق الحرية للفرد فلم يقيدها بدين أو خلق أو مجتمع(84) ، وقد انضوى تحتها جميع الماديين من فرويديين ودارونيين وماركسيين وديمقراطيين وألّف بين هؤلاء شهوة محاربة الدين وتقاليده وتراثه والدعوة إلى التغير لمجرد التغير يقول غالي شكري "الحداثة تتخذ من الغرب إطارا مرجعيا لها(85)، وقد عدها د.شوقي صنيف "دماثة لا حداثة " وردة فكرية وثقافية وقال (وشتان بين أدب أصيل وأدب زائف رخيص وشتان أيضا بين أخلاق كريمة مستمدة من شرع الله ورسوله وأخلاق دعارة يسيرها فجرة كفرة يحاربون الدين، وإن المشاعر العربية لترفض هذه الانحرافات النفسية

والفكرية(86) ، بل إن الكنيسة نفسها كتبت تفضحها في مقال سمته "الشيطان حداثي" وسماها آخرون" سمّ الحداثة " ومع ذلك فقد تبناها بعض العرب وادعوا أنا إبداع، ولكنها في حقيقتها ابتداع أو بدعة فكرية تقوم على محاربة الوحي والغيبيات ، وعلى تقويض الثوابت العقائدية والاجتماعية واللغوية يقول تزارا أحد فلاسفتهم "الوطن والعائلة

والأخلاق والفن والدين والحرية والأخوة كانت تعتبر قديما جوابا للحاجات الإنسانية وفي يومنا هذا لم يبق منها إلا هيكل عظمي من  الاتفاقات والاعتبارات. هناك عمل تهديمي كبير ينبغي أن يتم لا بد من التكنيس والتنظيف(87)) ويمكننا بعد هذا أن نعرّف الحداثة بأنها نظرة مادية إلى الحياة تقوم على هدم القيم والعادات والأديان والتراث واللغة والأعراف الفنية جميعا إنها هدم للهدم وتغيير للتغيير(88).

v      مظاهر الحداثة في القصة 

اتخذ الحداثيون من فن القصة مطية لأفكارهم فهي تتسع لعرضها وتحليلها وقد بدت الحداثة فيها في المظاهر الآتية:

الهجوم على الدين والشك والقلق  الهجمة على التاريخ والتراث والتقاليد  المجون الفاحش  الثورة  النزعة الجدلية .  النظرة المادية إلى الحياة . البناء الفني المفكك القائم على تداعي الأفكار.  الهجوم على اللغة .

1- الهجوم على الدين والشك والقلق:

          يقول حداثي: "إن المجتمع العربي هو في أشد الحاجة إلى العقل حتى يخلصه من عبودية الوحي ورسالته البالية(88) ".

          من هذا المنطلق، وبهذا المفهوم راح كتّاب الإمارات الحداثيون يعرضون مواقف شخصياتهم وآراءها، ويبدو الهجوم عند بعضهم سخرية  بالعقيدة وبالشريعة ولعل عليا أبا الريش كان أكثرهم حقدا وكراهية. وذلك من خلال رواياته ثنائية مجبل بن شهوان، ونافذة الجنون وتل الصنم، فهو يجعل بطل ثنائيته يفوه بمثل قوله: " الدين خرافة يجب التحرر منها كغسل الجنابة(89)" وقد تأثر بالفكر الماركسي الذي يقول لا إله والحياة مادة، ويقول للمرأة البدوية التي أحبها " أنا أبتهل بين يديك وأصلي أمام وجهك فاغفري لي كل هذا الغياب، واصفحي عني تأخري " ويقول سيصلي على سجادة التقبيل ويبتهل على نهدي المرأة(90) " ، ويقول بعد أن يتحدث عن الثورة التي يرجوها " سأكون المارد الذي يشق عصا الطاعة حتى أطيح بأكبر رأس وأضخم جثث ثم أصحو وأغسل يدي بالدماء وأتوضأ على سجادة التجشؤ (91)".

          ويقول في نافذة الجنون " سأخرج من براثن الخوف وأعلن العصيان، سأقذف كل من يمر في الطريق سأنتزع ملابسي وأعري جسدي وأتبول أينما حللت، وأبصق في الوجوه، إن قذارة ما سأفعله لن تكون أفظع من جرائم البشر، هؤلاء الذين زينوا تصرفاتهم بالديانات ومسخوا كل ما هو معقول بمشيئة القوانين والأعراف(92)"، ويقول منددا بالفقه والسيرة والتاريخ: " القرية أطلال تناقش في الفقه والسيرة، وتمضغ لبان السياسة، الذين يتحاورون أشبه بالفئران التي تلعب في ساعة اللهو، يعبثون بكل شيء يقرضون أوراق التاريخ (93)".

          ويقول ساخرا من الملائكة: إن أمه كانت تحذره من رمي فتات الطعام ويعلق على هذا: " آه لو عفرت الملائكة في هذه المدينة الفضلات والقمامة(94) "، ويقول في احتسائه للخمرة: " سوف تلطم أمي على الخدين،

وتولول لعقوق الابن وعصيانه للمراسيم الدينية التي صكتها من أجله وحاربت قهرها من أجل إبعاده عن كيد الشياطين(95)"، فهل صكت أمه هذه القوانين أم أنزلها رب العالمين.

ويقول في تل الصنم : "حاربنا أبا الأنبياء حين حطم الأصنام، ألم نسع لإحراق جسده(96)"، فهو يعترف أن الحداثيين هم من أعداء سيدنا إبراهيم عليه السلام الرمز أ والحقيقة الدينية، ولا خلاف بينهما؛ ويقول متهكما بحجاب المرأة: " كانت أمي ترتدي العباءة وتختبئ تحتها كالخنفساء، ألم يكن لهذا السلوك من مغزى، أجل لا بد أنها كانت تحمل أدرانا تريد أن تخبئها عن الآخرين(97).

          وفي قصة "مدرسة(98)" لإبراهيم مبارك يندد بمديرة ذات حجاب شرعي، ويصفها وصفا ينفر منه قراؤها فهي " ذات جسم كبير يلفه شراع أسود، وغطاء رأسها كالح السواد، يلف الوجه تماما، خط مستقيم بين الأذنين يكشف عن عينين خاليتين من الكحل كعيني السلحفاة " ويطلق عليها اسم الذيبة، وتجلس خلف مكتبها بوجه رجل وحاجبين كبيرين بدون ترتيب، وقد عبس وجهها في وجه المعلمة، وسخرت من عطرها الباريسي" وصرخت في وجه ولي الأمر ليخرج من المدرسة .. هذه الصفات المدية والنفسية تجعل القارئ غير الواعي يبتعد عن ذات الحجاب وينفر منها لأن مفاهيم القصص تتغلغل في أعماقه وتؤثر في سلوكياته.

          وهذه الظاهرة تتكرر أيضا عند (سارة النواف)(99) في قصتها " المفاجأة"(100) وهي تحكي قصة فتاة تعرف عليها شاب عن طريق الهاتف، ثم اتفقا على اللقاء، وادعت لأمها أنها ستذهب إلى بيت صديقتها، وكانت هذه تضع حجابا أجبرها زوجها عليه، فذهبتا معا إلى لقاء الشاب وصاحبه، ولما اقتربتا فوجئت الصديقة بزوجها يقدم مع الرجل وبدلا من أن تستحي من عملها نرى الكاتبة تنهي القصة بقول الزوجة " يا عزيزتي إن عبدالله هو زوجي، هل فهمت زوجي الذي فرض علي الخمار حتى لا يراني أحد في حين لا يكتفي هو برؤية الفتيات بل يحدد لهن مواعيد ومقابلات، إنه زوجي الوفي .. ورمت الخمار أرضا واتجهت بعيدا تاركة زوجها وصديقتها وقد شلتهما المفاجأة".

هذا الموقف الذي وقفته الشخصية ينم عن كراهية المؤلفة للحجاب، ولو كانت ذات صلاح لخطأت كلا الطرفين.

ولا يكتفي القصصيون الحداثيون بمثل هذا بل يحاولون أن يغرسوا في النفوس أفكارا إلحادية في أحاديثهم اللاشرعية من أمثال التناسخ الذي كثر في روايات علي أبي الريش إذ يحكي أن الميت تنتقل روحه إلى إنسان إن كان طيباً، وإلى حيوان إن كان شريرا، ويلح الكاتب على هذه الفكرة بشكل مباشر تارة وبطريقة لا تقبل الشك أبدا تارة أخرى يقول في نافذة الجنون " إن الإنسان الشرير تنتقل روحه إلى جسد حيوان بعد موته(101) "، ثم يقول " لو مت وذهبت روحي في جسد كلب أو أي حيوان آخر لنقل إلى حمار، هذا الكائن المبتذل الرخيص، سأمشي على أربع، وسآكل النفايات والحشائش، حمار سأحمل الأسفار، هناك رحلة تبادلية تارة يكون الإنسان حمارا، وأخرى آدميا، وقد يمكث هكذا إلى ما لا نهاية، الأرواح تتوالد كما الأجساد، والأجساد ما هي إلا مطايا تقلد ما تفعله الأرواح، أنا الآن وفي هذه اللحظة لا أتذكر أنني كنت في فترة تاريخية، ما حمارا أو بغلا، لكنني أعتقد أن ذلك معقول، وما يشير إلى اعتقادي هذا هو حالة التلبس التي يعيشها بعض من البشر، كيانات حيوانية تختفي في أجساد بشرية، كذلك يحصل في الناحية الأخرى كيانات بشرية تتخفى في جلود حيوانية، لو تشن حرب ضارية وتفتك الكيانات ببعضها ثم يعود النصاب إلى أهله، كل يعود إلى حالته الطبيعية وتنتهي حالة الغموض إلى غير ما      رجعة(102)".

          ثم يقول: " الكائنات إذا أخفقت في أمر تتناسخ إلى كائنات أخرى أكثر تطورا وانسجاما لتستمر الحياة" ويعلق على هذا بعد فيقول: " هذه فلسفته وقد عجنته الفلسفة وشربت من دمه الكثير وشرب منها الكثير حتى مل فوه طعم الكؤوس(103)".

          ويعلق على عمل ساحر أقسم لينتقمن من رجل، فمرض الرجل ومات، ثم شوهد بعد عام من وفاته يتجول في السوق: (( هل يمكن أن يموت الإنسان ثم يعود مرة أخرى حيا يدب على الأرض – وهذه الأشكال البشرية المختلفة أليست هي مجرد تناسخ طبيعي وحلول لأرواح تستبدل الأجساد من جسد إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، قد يموت الجسد وتغادره الحياة لتظهر في مكان آخر، في جسد آخر ))، ثم يقول: " هراء ... هذا عين الجنون الذي خشيت منه أمي – التفكير في الموت جنون، فلسفة الحياة والموت جنون، أجل هذا هراء ولكن ما هي الحقيقة لا أدري؟ " ثم يقول: " يا أنا، من أنا، قد أكون أي شخص، وبأي اسم كل ذلك لا يهم، فالبشر متشابهون في كل شيء إلا في الرؤوس(104)".

ويقول في ثنائية مجبل بعد حديثه عن الموت وشكله في حقيقته " كم هو رائع لو أن روح شهوان تنسخ وتلبس جلد كلب، لو أن هذا يحصل بالفعل لألقمته الحجارة، لو أن روح غفلان تسكن جلد فأر لحاصرته في مشنقة الموت(105)"، ثم يقول " الموت أكذوبة، أي معمل يستطيع أن يفرخ كل هذه الخلايا والكائنات الحية المنتشرة على سطح الكرة الأرضية وغيرها من أكوان وعوالم الحقيقة أن هناك تناسخ لهذه الأرواح، حين تذبل الأجساد تنمو الأرواح في جسد آخر، منذ بدء التاريخ(106)".

          وأخيرا وبعد اعترافه بالتناسخ يقلد دارون في فكرته الإلحادية فيقول :" أنا جئت من البحر، وخرجت من موجه، أو بالأحرى من صلبه، من رحم لم يمسسه أحد، فذلك في حد ذاته قمة الإبداع والعطاء والخلق(107) .

          أما نزعة الشك والقلق فقد بدت في قصص الحداثيين ناتجة عن الخواء الروحي، وقد انعكس هذا في آدابهم، من ذلك قول علي أبي الريش وهو يشك في الموت، فما الموت؟ ولماذا تخوفه أمه منه، لماذا لا نجرب الموت كما نجرب صداقاتنا وعلاقاتنا الزوجية (108)".

          وبطل القصة القلق ينسى اسمه " آه .. يا .. يا .. حقيقة ما اسمي، لقد نسيته، لا أذكر أن لي اسما محددا، ولكن ما الداعي للبحث عن اسم لشيء أو كيان لا وجود له أنا من أكلم ؟.. أكلم أنا .. أنا من ؟ لا أدري؟(109)"

          ثم يقول في شك إلحادي ولو في اللفظ: " كل واحد منا يخلق آلهة خاصة به يتوجه نحوها عند الضرورة يقدم لها القرابين لتلهمه صكوك الغفران، لا أدري، ربما هناك سر خفي يحرك العالم(110) ويقول في حديثه عن الجن في شك ومكر: ( و كانت خالته تذكر أنه اختفى ثم أعادته الشياطين :" هل هناك قوى خفية تقطن هذا العالم؟ الجن، من هؤلاء، إذا كانوا فعلوا ذلك فإن كلام أمي عن وجودهم وسكناهم أجساد البشر كل ذلك صحيح"، ثم يقول: " مهزلة، أنا أعيش مهزلة فكرية، أنا من أي مملكه، من هذا العالم، أهي مملكة الجن أم مملكة البشر، آه، يا لهذا الرأس من أورام تاريخية خبيثة (111)".

          ويقول في ثنائية مجبل على لسان البطل: " أكاد أشك في كل الأشياء من حولي، أشعر أنها غير موجودة، أشعر أن ما نحس به ونلمسه مجرد صور لأشياء غائبة، نحن لا نحب الأشياء لذاتها بقدر ما نحب فيها الصور(112).

2- الهجمة على الماضي " التاريخ والتراث والتقاليد ... "

          يتهجم الحداثيون على كل ماض، ويصورون التاريخ تصويرا تنفر منه النفس، ففي رواية تل الصنم يجعل التاريخ يتآمر على الضرير والمعتوه والأعرج ويسميه ويقول: أشعر برأسي يستفرغ كل حثالات التاريخ ويلقمها في فمي(113) "، ويدعو إلى سد النوافذ وإغلاق الأبواب والتفكير بتجرد من علق الماضي(114)، ويقول على لسان الصنم بعد أن عقد صداقة بينه وبين المعتوه: كم أنت تعيش في هذا العالم وتحمل كل رزايا الدنيا ومزابل التاريخ، كم أنت مفحم بالعفونة والحثالات، الدنيا من حولك ثقب ضيق تشاركك فيه أوساخ الماضي وبصاق الأهل والأقارب(115)، ويقول:    " أشعر برأسي يستفرغ كل حثالات التاريخ ويلقمها في فمي(116)".

          ويقول في التاريخ في نافذة الجنون، إن " رديء ، وبذيء (117)" و " درن يقف له بالمرصاد ليسدّ نافذة الحلم ويحيل أزهار الوقت إلى أعشاب شوكية كأداء(118) ".

          ويقول "النظريات والنبويات تحرق في مزبلة التاريخ لمجرد طيف ذكر يمر ويمحو الآثار والمآثر"(119)، ويدعو إلى أن ينسلخ المرء من ماضيه " يجب أن تنسلخ من هذا الثوب، يجب أن تنسلخ، تغيرّ يا أخي وارسم وجهك بنفسك، ولا تدع الآخرين ينحتون ملامح وجهك، لا تدعهم يتطورون في دمك كالبكتيريا(120) ".

          والتقاليد التي يعيشها الناس قوانين جامدة في قرية محافظة ملعونة ذات وجوه محنطة(121)، ويقول لأمه: آه يا أمي يا كنزي، أغرقتك السنون بالتخاريف الجوفاء، وأهلك هؤلاء لا زالوا يجترون بقاياهم المهترئة يتنفسون أدخنة التقاليد المتعجرفة(122) .

          ويعد الأسماء تقاليد، ولذلك فلا حرج من تركها، ويغير لذلك اسمه من مجبل بن شهوان إلى قابض بن عفصان لأنه ( لا يريد شيئا من الماضي حتى اسمه (123)).

          ويقول على لسان قابض هذا : " أنا قابض بن عفصان، رميت الماضي والأشلاء، والأنصاف والأشباه، ما عاد شهوان ذلك القمقم الرهيف(124)".

3- المجـون الفـاحش.

          يقول الحداثي أبو ديب: " إن الخطيئة هي رمز التجدد وانفجار الحياة والقدرة على قهر الموت وابتعاث الحياة(125)". بهذا التحدي الفاضح للشرائع السماوية يعلن الحداثيون عدائهم للفضيلة، ولهذا فهم يتحدثون عن المرأة حديثا رمزيا ويروحون ينفثون من خلاله أوباء المنكرات، وهم لا يستحيون من ذكر العورات ووصفها بشكل تشمئز منه النفس وتنفر ، وقد أحصيت الصفحات التي ورد فيها تصوير فجور فاضح فكانت إحدى وثلاثين في قصة واحدة هي ثنائية مجبل بن شهوان لعلي أبي الريش، عدا الصور الخيالية والألفاظ العابرة والتعليقات السريعة ولا أستطيع أن أنقل إلا مالا حرج فيه، فالحياء شعبة من شعب الإيمان، ويكفي التلميح دون التصريح.

          وعلى سبيل المثال لا الحصر، ومع اختيار أخف ما يمكن نرى الكاتب عليا أبا الريش يجعل البطل في ثنائيته يتمنى المرأة العجوز كما يتمنى الشابة(126)، ويرى في العلاقة الشرعية بين الزوجين تخاذلا واستكانة من المرأة(127)، وغير الشرعية أجنحته ملونة بهجة(128)، لأنه برأيه لا فرق بينهما إلا ورقة وخاتم موروث، ويسخر من هذه الصكوك(129)، وهو يرى أن المرأة التي تحب تقدم من أجل صاحبها الغالي والنفيس، والجسد أول هدية تقدمها له، وحصّة شخصية بارزة في القصة لم تفعل هذا ولهذا فهي تستحق الكراهية(130)، ويروح يبني على هذا ثنائيته الحب والكراهية، ويتمنى أن يمحى الحياء من قاموس الحياة، وإذاً يحدث انقلاب سيهز العالم(131).

          وهو في نافذة الجنون يجعل الرجل الذي يمارس الدعارة مع الإفريقيات انبساطيا منفتحا لا يخشى لومة لائم(132)، ويقول ( لا زلت أحلم بجسد امرأة تتسم بمواصفات معينة تحمل آيات سلوكية، وفي كلمة آيات قلة ورع، ثم يقول حذري مني النساء، اكتبي اسمي على الحانات، لكنني مصر على أن المرأة في حياتي كالماء والهواء. لماذا تتراجعين من أمامي؟ أليست الإنسانية بحاجة إلى محلول كيماوي يفتت رواسبها، ويزيل الصدأ عن جسدها، إنني أحمل سكينا لأبتر التاريخ(133)).

          ويذكر أن أبطال قصته يقومون باجتماعاتهم السرية في الحانات والمراقص يتداولون فيها أمور ثورتهم، لأنهم يرون الناس حشرات، فيخرجون من دخان السجائر زفيرا مخزيا يفجر في أنفسهم أشياء كثيرة.

          وفي قصته تل الصنم يصف المرأة الداعرة بالطيبة(134)، لأنها رمز لمبادئ الثورة ويسمي التنكر للمرأة   تزمتا(135)، ويدعو الضرير معتوها ليذهب إلى المرأة رمز الثورة ليندمج فيها فيراها طيبة وينحني لها ويقول لها لو نظرت إلى الجبل لخر، وإلى البحر لجف حتى تجف المياه من حلق الأسماك(136)، والمرأة الرمز تأتيه وتتمسح به ثم تلبس ثوب العفة وتتسمى بالكرم والشرف، وميلاد المرأة كميلاد الثورة كلاهما ينتج عنه دماء(137).

          أما قصة حدث في إستانبول لكريم معتوق فتقوم على تصوير حياة شاب خليجي يتنقل بين الفنادق والملاهي وحمامات المياه الساخنة مع فتيات تركيا، مما تشمئز منه النفس لما فيه من إسفاف وتبذل، ويصرح بأنه قد انهار وفقد قيمه معهن.

          وفي قصة شاهندة رذيلة لا تقل عن القصص السابقة وفيها نرى البطل يقول: شاهندة ( أنا لم أطلب منك إلا الحب، والحب تكريم لأي فتاة، وكان يريد بذلك السقوط معها في حمأة الرذيلة، وتسمي هي بيت الدعارة جنة،

وأطلال البيت المهجور قصرا عريقا رائعا لأنها كانت تذهب إليه معه(138)، وتقول لها أمها، وبئست التربية: " المفروض يا بنتي أن التي تعشق قد تفكر كثيرا، ولكن السعادة تبدو عليها، وكذلك النشاط والحيوية، وأنت في ضيق مستمر، لماذا ؟)، وهذا ما جرأ الفتاة على القول لسيدها الذي جاء يحدثها عن خطبة رجل لها: " أن لا أملك مالا ولكني أملك جسدي ونفسي، ولن أعطيهما إلا لمن أحب، وأنا لا أحب هذا الشاب ".

          ومع ذلك تعاطف الكاتب معها وقال عن محمود ( كان ينظر إليها كأنها بغي، وما هي بغي؟ فما الذي نقوله في فتاة باعت نفسها واختارت الرذيلة على الزواج إذا ؟.

          ويعيب الحداثيون على مجتمع الإمارات عفته ويدعون أنه مجتمع مكبوت ففي رواية الاعتراف نرى الكاتب يجعل الفتيات ينتشين للأحلام المبهجة في جو من التحفظ والكتمان وكبت المشاعر والعواطف في أغوار النفس(139)، وكأنهم بذلك يريدون أن يجروا المجتمع الإماراتي الطاهر إلى حمأة البغي والفساد.

4- الثــورة

          يقول أحد الكتاب وهو يرثي الكاتب القصصي الحداثي المصري يوسف إدريس: " لم تكن كتابة يوسف إدريس عشقا أو رغبة في الكتابة فحسب، وإنما كانت وسيلة من وسائل التغيير والتعيير عن ثورته     وتمرده(140).

          لقد جنت الحداثة على أدبنا العربي فأشاعت فيه العبث والتمرد وظهر هذا في القصص الحداثية التي أشاعت روح الثورة على المجتمع، طالبت بتغيير الأوضاع القائمة وقد رمز كتابها بالمرأة غالبا إلى الثورة المرتقبة، ففي تل الصنم يتمنى البطل امرأة يحرق بها جسده والكون والألسنة، ويكرر نداءه للمرأة الطيبة، ويحمل الضرير المشعل ويطلب منه أن يأتيه من النوافذ لا من الأبواب لأن الإتيان من الأبواب رمز التقليدية، وكأنه بذلك يشير إلى قوله:  " فأتوا البيوت من أبوابها(141) "، رمز بالنافذة إلى أحلامها الكبيرة، وبتحرك الجبل، وامتداد الصحراء والبحر، وتغريد الطيور إلى الثورة، ويقول للمرأة الطيبة لقد ذاب التاريخ تحت قدميك عندما ذبت أنت تحت جسدي، ويصفق الناس وينشدون، وتستقبلهما المدينة مع أصوات الأناشيد(142) 

          وهذا الاندماج بينه وبين الثورة المرأة الرمز تجعله يصفها بأنها " يرقص على جبينها الكون كله وفي عينيها تزحف البحار والأنهار لتغسله من لوثة المكان والزمان (143)".

          ويقول: في داخلي طاقة لو تحركت ستلهب العالم وتدمر الأشياء، ولكني لست من أولئك الذين هوايتهم تدمير الأشياء، إنني أريد فقط إحراق الأعشاب السامة وكسر حوافز الدواب(144).

          وهو في ثنائية مجبل يمجد الثورة التي قامت بها المرأة التي صرخت في وجه غفلان لأن ابنها توفي معه، وقد لعنت هذه المرأة الوجوه الشوهاء الشاحبة والأفواه البكماء، والألسن الخرساء، وكل من ساروا خلف غفلان كالأذناب يجرون خزيهم وذلهم، ثم ودعت البحر وقالت:" إن الظلم لا يستقيم والقهر لا يدوم(145) ".

          وفي تل الصنم يبين أن الكلاب الكبيرة عندما ترى من هو أقوى منها تركع خاشعة خائفة، وقد أنجبت هذه الأرض كلابا كثيرة لكن ذلك لا يضر ما دام فيها نقطة بيضاء، ولذلك يطلب الأعمى من معتوه ألا ينام ليجعل يومه سعيدا ناصعا، أي بالثورة(146)، وهو يرى أن الثورة تحتاج إلى دماء ورأس جديد غير رأسه الذي تسكنه المخاوف(147) وبذلك يحدد متطلبات الثورة: الدماء والأفكار، فكلاهما ضروريان للتغيير. وهو يطلب من رفيقه أن يقتحم لأن (الحياة يا سيدي قرف وسأم، ونحن نجري وغيرنا ينال ما لا يستحقه، ثم يقول: اقتحم الجحيم وناولني خبزا(148))، وهذا يعني أن الثورة سوف تنقذ الجائعين بزعمهم.

          وهم يتحدثون عن شلال الدماء ونهره، وعن السيوف لأن " هذا الكون لا يغسل عاره حتى ولو رش بنهر من دم ونار، وستبقى أنت تملك نظريات دون جدوى"(149).

          ويذكر ثورة القرامطة بزعامة "عبد الله بن ميمون القداح" التي أقضت مضجع العباسيين وحاولت أن تنشر أفكارها الإلحادية تحت ستائر شتى(150)، ويذكر أن القبيلة قد بايعته والمنافي واجتمع إليه الناس وتحركت حجافلة، ومعه العبيد والصعاليك، ولكن رياح الجزيرة الهوجاء والأفئدة المريضة أجهضت الحلم، ثم ينادي: يا عبد الله، يا أنا، لماذا نتوه في المدينة ونستسلم بلا رجعة،ثم يقول:"الجريمة النكراء حين ينطق لسان باسمه، يا لهذا التاريخ المجنون(151)"، ثم يقول: " اخرج يا عبد الله، اخرج لنحتفل سويا بعيد ميلاد دخولنا إلى المدينة (152)"، ثم يندد برجال الأمن الذين قد يقبضون عليه لتصريحاته هذه ثم يبين أن هؤلاء لا يثبتون الجريمة إلا بالأدلة القاطعة، ويقول: " وأنا لا زلت أتمتع بكامل قواي العقلية أفكر بعقل واع وإرادة صلبة، ولا أبوح بما يجيش في خاطري إلا لمن يعنيه الأمر، ولا يمكن معرفة ما في خلايا رأسي، فرأسي لا يعمل إلا تحت سيطرته فأنا صاحب سلطته التشريعية والتنفيذية، ولن أترك مجالا لغيري أن يفكر نيابة عني".

ويروح ينادي صديقه دعبل " أخرج من غمدك سيفا، وانهمر شلالا من دم ليغتسل تاريخ البشرية من عار الكذب" ثم يرى أن دعبلا هذا مصر على الاحتجاب فيقول:" يا سعيد اعقل، يا سعيد ضع الأمور في نصابها. يجب أن تدفن جروح الماضي، وتنسلخ من ثوبه لتخرج للعالم بثوب جديد، ونظرات نيزكية لا تقبل الجمود(153)".

وقد يدعو إلى الثورة عن طريق سرده لحلم رأته إحدى الشخصيات، فمعتوه رأى البحر يمتد بهدوء، فيجتاج الرقعة اليابسة حتى يقارب التل، ثم تخرج من رأس التل يد، فيمد معتوه يده فيسمع صوتا يقول له: يا معتوه خذنا معك وترتفع الأيادي، والأصوات كذلك، ويصير التداخل، كتلة من البشر تتلاحم، والبحر يوقف مده ثم يرتفع هدير من البحر والجبل، ثم تهدأ الأصوات ويتقدم معتوه ووراءه الناس، ويقول الضرير في تفسيره له : " مثل هذه الأحلام تزيد نقمة الآخرين، إنه حلم سياسي يا معتوه الحيطان لها آذان "، ثم يسخر قائلا: (حتى الحلم يجب أن نتحرى الدقة في اختياره وكيف نختاره، إنه يأتي بغتة، يتوغل في الليل الدامس)، ثم يوصيه ألا يتكلم عن حلمه وإلا عد مارقاً والعلاج يصبح باترا وقاصما ونهائيا، ثم قال :" أعني أن قبرك سيكون بجانب التل بأقصى سرعة(154)".

وهذا الحلم بزعمهم مرآة الفقراء لأنهم يرون من خلاله أنفسهم، لأن الآخرين منعوهم حقوقهم، وسدوا أنفاس الحياة في وجوههم فلا بد من الحلم(155).

والملاحظ أن الأديب ينفث ما في نفسه من أمنية الثورة على السلطة، ويتخذ الأسلوب الفني ليتوارى خلفه لئلا يؤاخذ على ما يفوه به، كما قال على لسان بطل قصته.

5- النزعـة الجدليـة.

          ومن استقرائي للقصص الحداثية تبين أن عليا أبا الريش ينزع في تصوير شخصياته منزعا جدليا ولا سيما في ثنائيته، فهو يذكر الشيء وضده يذكر الكراهية، والحب، وكأنه تأثر بالفلسفة الماركسية الجدلية، يقول على لسان الصوت الذي يخاطب مجبل بن شهوان، ولعله أراد به وازع الضمير حينما ذكر الغضب والكراهية : " يا مجبل ابن شهوان لماذا لا يتحول هذا الحقد المدمر إلى حب جارف للمكان والناس والزمان، أنت هنا تمارس الهدم وتمضغ الزمان بأضراس النكبة الدائمة.. أنت متهم بتدبير مؤامرة كبرى ضد هذا العالم(156)".

ويقول حينما يتحدث عن الحب مشيرا إلى ضده : " إنك إنسان لا يحب الحياة، كراهيتك للعالم جعلتك تكره كل ما هو جميل .. من يحب لا يكره.. الحب الشديد يسبب نفورا (157)".

6- النظرة الماديـة إلى الحيـاة.

          الواقعيون يرون أن لا إله والحياة مادة، والحداثيون يرون المبدأ وحده، ولكن الواقعيين يتعاطفون مع الفقراء والمساكين أما هؤلاء فيتهجمون على الفقراء، فعلي أبو الريش في نافذة الجنون يذكر أن خادما هنديا طلب من البطل ثمن تذكرة للسفر إلى الهند لأن أمه تحتضر فقال فيه " أشعر أن طفيليا ما يريد أن يأكل طعامي بدون وجه حق، ولكن ما يفعل؟ الفطريات ليس ذنبها أن تتغذى على القاذورات ( أي الأغنياء كما يسميهم(158) ) بقدر ما هي محكومة بواقع أوجدها أو سبب وجودها بوجود القذارة(159)"، ولم يعط هذا الطفيلي لأن القذارة سببت له  فقره ..!!

          وفقير آخر ينام على الأرصفة ذكر أنه لا يتعاطف معه لأنه انهزامي ونكوصي إلى حد الموت يقول:" هراء أن يسكن أرض الخليفة إنسان يعيش إلى حد الفقر وكل كنوز الدنيا تحيط به، الادعاء بعدم القدرة لا مبرر له، الإنسان الذي يتحمل هذه العذابات ويأكل من فضلات الآخرين جدير أن يرفع رأسه وينهض في سبيل الانسلاخ من عصور الظلمة(160)".

          ولو كان المؤلف معتدلا لأعطاه ودعاه إلى السعي ودله على الطريق القويم كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع السائل إذ دله على العمل وسعى معه إليه. ولو اتبعوا الحق لخلصوا من هذه المآسي فالنظام الاقتصادي الإسلامي خير نظام عالمي ينقذ البشرية مما تخبطت به أنظمتها الرأسمالية والاشتراكية معا، يذكر د. عبدالله      تركي، وهو حاليا وزير سعودي في محاضرة ألقاها في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي أنه عرض النظام الاقتصادي والإسلامي في مؤتمر للاقتصاد العالمي في ألمانيا، فقال رئيس المؤتمر هذا أحسن نظام يخلص البشرية مما هي فيه، فلما قال خذوا به، رفض لأن يرتبط بالإسلام، ويسخر علي أبو الريش ممن يقف في وجه أفكاره الضالة فيقول:" لو نشر أفكاره عن الغني والفقير والظلم لقالوا إنه مجنون، ولأرسل خطابه إلى من يهمه الأمر يوضح فيه مدى فداحة الكارثة التي ألمت بالبلاد حيث شذ أحد رياعاها وصار يفكر في الممنوع(161)".

7- البناء المفكك القائم على تداعي الأفكار.

          لا نلمح في القصة الحداثية ولا سيما التي تقوم على الرمز ذلك الترابط بين الحوادث كالذي نلمحه في القصص الواقعية التي تعتمد على رابط السببية، إذ تفكك أجزاء القصة الرمزية فتغدو كأنها مقاطع متناثرة ولكنها تعتمد على خيط معنوي أو وحدة عصوبة تجمعها، وتقوم غالبا على تداعي الأفكار.

 ففي رواية نافذة الجنون لعلي أبي الريش يتحدث المؤلف في مطلع قصيدته عن عقدة الخوف التي حملها من حديث أمه عن الشياطين، ويحاول أن يتأكد من صدق قولها فيرتجف جسمه خوفا وتظن أمه أن الشيطان لبسه فتلجأ إلى خاتم ذهبي لها وتضعه في الماء وتقرأ عليها ثم تسقيه إياه.. ويسخر من هذه العادة التقليدية.. وينتشر الخبر أنه جن، ومن نافذة جنونه هذه يطالعنا بأفكاره وأفكار صديقه دعبل وهما رمز الحداثيين، وأفكار الحاج صالح وأمه رمزا لتقليديين، فالحاج صالح برأيه جرذ ساع في جدران التاريخ يقضم سنوات عمره..

وتتداعى الأفكار ويتحدث من خلال هذا التداعي عن الشعوذة والسذج والبلهاء ويذكر القانون الذي يحرم هؤلاء من حقوقهم ويتطرق الحديث إلى السياسة، فالدخل والنفاق لأن السياسيين بزعمه دجالين منافقين، وهذا الحديث يوصله إلى البغايا والفنانين، ويبدي رأي أمه حول انحراف الفنانات لأنهن خارجات عن طاعة الأسرة، ثم يذكر الطقوس ثم يصل إلى التناسخ ويطيل الحديث فيه ثم ينتقل إلى ذكر القرامطة ويطلب منهم أن يعودوا ليثورا في وجه التقليديين، ويتهجم على الدين كله وعلى التاريخ، ويشكك في العقيدة، ويبدي القلق وينتهي أخيرا إلى موت الحاج صالح رمز التقليديين وضرورة مواصلة الثورة وإن كلف ذلك شلالا من دماء حتى يقضى على التقليديين جميعا، دون أن يميز بين صنف وآخر.

          وهذه الوحدة العضوية تبدو في القصة غير محكمة نتيجة الرمز الغامض واللغة المفككة في عباراتها وهذا برأيي مما يسيء إلى أسلوب القصة وفهمها.

8- الهجـوم على اللغـة.

          اللغة صلة بين المؤلف وقارئه، وهي وعاء فكره وحضارته أمته، ولعل من أخطر ما تتعرض له الأمة تلك الهجمة الاستعمارية على لغة القرآن والسنة، ولغة التراث، وقد ظهر في الإمارات العربية المتحدة من يدعي أن القصة والمسرحية يجب أن تكتب بالعامية بحجة الواقعية مرددا في ذلك ما ظهر على أيدي كتاب عرب في أصقاع عربية متغربة(162)، ونسي هؤلاء أن الواقعية في القصة ليست في اللغة، وإنما في عرض النفس البشرية ومواقفها، والحوادث التي تقوم بها(163).

          وقد أقض مضجع المخلصين المحافظين على اللغة ما رأوه من دعوة هؤلاء الحداثيين إلى العامية، كما هالهم ما رأوه من تدني مستوى الفصحى، ولا سيما في القصص، وظهور قصص ودواوين بالعامية، وكان من هؤلاء مؤتمر الكتابات القصصية في الإمارات إذ أبدى قلقه من ضعف المستوى اللغوي لبعض النصوص، ودعا إلى العناية    باللغة(164)، ولكن دعوته هذه لم تلق اهتماما كبيرا إذ تكاثرت الآداب الشعبية فمريم جمعة(165) مثلا في قصتها " عبلا(166) " تكتب باللغة العامية ونقرأ عندها " الحرمات عندهم رخاص ومثل الدود وتقدر أن تتزوج أي واحدة حتى لو كنت مثل القرود، وأعجبت الصبي سالفة القرود حتى أفحم العجوز بخمس عشرة نكتة عن القرود.

أسلوب ركيك سخيف، ولست أدري كيف سوغت لها نفسها أن تترك الفصحى بما فيها من عذوبة وطلاوة، وتتكلم بلغة محلية قد لا يفهم بعض مفرداتها إلا أبناؤها – والفصحى أقدر في تنويع الدلالات وتعميقها من العامية المحدودة في مفرداتها والمتصلة بالواقع والمحسوسات.

          ولقد وجد اتجاه آخر يجعل العامية لغة للحوار دون السرد والوصف، وكأن أصحاب هذه الفكرة يعتقدون أن الحوار يجب أن يكون صورة لمتكلمه، صحيح أن الحوار يجب أن يكون بسيطا في أسلوبه مفهوما، وعفويا، بعيدا عن التكلف والغموض والتصنع، حتى يبدو أقرب إلى الحياة اليومية، ولكنه أيضا يجب أن يكون بالفصحى لغة الأم، ولا يضير -كما ذكرت- الواقعية في شيء أن تتكلم الشخصيات بالفصحى لأن الواقعية هي واقعية الحدث والتصرفات لا واقعية اللغة، يقول ناصر الظاهري في قصة له في " عندما يدفن النخيل " :

-         كيف أصبحت اليوم؟؟ أمس شليت لك عشاء، ودقيت عليك الباب، ما حد فتح لي.

-         هيه، أمس نمت قبل صلاة العشاء، لعن الله إبليس ما وعيت إلى نصايف الليل.

-         ها بعد ما خلصت من الدائرة، الناس تسلمت غوازيها من سنين محَدّ إلا أنت(167).

ومنهم من أنطق الشخصيات غير العربية بمثل ما تتكلم به في المجتمع الإماراتي من لغة مكسرة مثل : "أرباب أنا مسكين ماما في موت، أنا يريد إيتكيت يروح بلاد(168)".

وبعضهم يدخل بعض العبارات العامية في لغة السرد أيضا مثل " وأحيانا يعرض علينا "ببلاش(169)"، ومثل "هيه، إللي ما خد قلبك يتهنا به(170)"، ويدعي هؤلاء أنهم بذلك يضفون جوا من الحيوية على النص، وقد سمح الجاحظ بذلك وعده طرفة عوام أو ملحة تجمل الأسلوب ولا أرى ذلك بل أعده يهبط بمستوى القصة لغوياً وفنياً.

ومنهم من لجأ إلى ما سمي باللغة الثالثة، وهذه تقرأ بالعامية كما تقرأ بالفصحى ولكن الناس يقرؤونها باللغة الشعبية من ذلك قول علي أبي الريش في رواية الاعتراف " عسى الله يصلح الحال (171)".

ومنهم من سكن أواخر الكلمات مهما كانت حركاتها في سياق ركيك يحوي الفصحى والعامية، فكأنه مزيج لا قانون له ولا نظام كالحداثيين العبثيين.. ومنهم ناصر الظاهري في قوله: " فترة العصر تكون الساحة المحيطة بدار السينما سوقا مكتظا بالناس أشكالا وأجناسا، سراويل وعمائم، بناطيل وقمصانا، كنادير وغتر، ملابس عدة وأل عدة(172)".

إن الغاية من الأدب أن يسمو كاتبه بالجماهير وأنصاف المتعلمين إلى المستوى الذي يتذوقون فيه آدابهم، لا أن يهبط بلغتهم إلى الحضيض(173)، فضلا عن أننا في عصر التجمع لا التفرق واختلاف اللهجات يسبب عائقا بين وحدة العرب ولا سيما إن تأصلت هذه في البلاد، وغدت كالإنكليزية والفرنسية المتفرعتين من اللاتينية، ذلك لأن الفصحى يفهمها العرب قاطبة خلافا للعامية، ولكل بلد عاميته، ولكل مدينة أحيانا لهجتها وكلماتها التي تنفرد بها، أما ما قيل من ضعف اللغة العربية في الإمارات فإن على الأدباء والمثقفين فيها عامة ألا يكونوا معول هدم للغتهم بهجرهم لها، وبسخريتهم منها، إذ أستغرب أن يسخر علي أبو الريش من مدرس اللغة العربية في روايته نافذة الجنون إبان حديثه عن طالب يكرهه لشدته ولنصائحه، وكانت أمه تمنعه من الهرب أو ترك المدرسة وهو يتمنى أن " تبيد هذه الجرثومة المدرسة من رأسها ليصلح العالم (174)".

فضلا عن أن بعض المتهجمين على العربية الفصحى يقلدون – وهم الذي يدعون كراهية التقليد - النقاد الغربيين في هجمتهم على اللغة وهم يحسبون أنهم يأخذون بأحدث الآراء النقدية والاجتماعية، وبذلك يهدمون تراثهم بأيديهم عن وعي أو عن غير وعي.

ثم إن على كاتب القصة أن يحدد جمهوره وهدفه، فإن كان يكتب للعامة دون أن يهدف إلى رفع مستواها الأدبي فله ذلك شريطة ألا يعد قصته من الأدب العربي.

 ومما يدخل في قضية اللغة لجوء كتاب الحداثة غالبا إلى الأسلوب الرمزي أداة تعبير بحيث يصعب استخلاص الفكـرة أحيانا إلا لمن تمرس على هذا الأدب، وكشـف عن الرمـوز، وقد كثر هـذا في روايـات   علي أبي الريش ولا سيما في تل الصنم وثنائية مجبل بن شهوان، يقول في هذه :

  " يتهاوى مجبل، يلتصق بالتراب، رائحة زكية تتسلل إلى أنفه، رئته، ينهض، يصرخ قائلا يكفيني هذا، رائحة التراب تساوي تورم الجهات الأربع، المكان صار دامسا لكن نقطة ضوء تنسل من جهة ما، ينهض مجبل يشخص بصره، يسمع همسا، يا مجبل أنت القابض على جمر اللوعة لن ترحمك الجهات لكن قلبك المعجون بالصبر هو الأبقى، مجبل يتلفت، ينظر إلى مكان بصيص النور، لا يرى شيئا، ما هذا؟ الأشياء الجميلة تتلاشى بسرعة، ولا يبقى سوى الظلام، يبقى الوغد. كم أكره الظلام، اثنان ثالثهما الضعف، لن أكون ضعيفا، لن أخبئ رغبتي في أن أكون أنا وليس هم، لكنه يفيق على لطمة قاسية يتبعها صوت هادر. مجرم، أنت مجرم، وستظل مشردا منبوذا، الحثالات لا تستحق الحياة، الطفيليات موطنها النجاسة. في هذه المرة لم يتهاوَ مجبل بل ظل واقفا سامقاً كشجرة اللوز، ثم انحنى ليأخذ قبضة من التراب قائلا: " الجدران العالية لا تضرم إلا بالأحجار الضخمة .. لن أركع(175) ".

فالكاتب يعبر عن حبه لوطنه بالتصاقه بالتراب وشمه رائحته، وحبه لوطنه يكفيه، ونقطة الضوء " الثورة " تنسل من جهة ما. وجمر اللوعة الألم الذي يحسه، والوغد هو التقليدي، وكذلك الحثالات وأماكن النجاسات، ولئن خوطب هو بها فلأنه لا زال يحمل منهم عقدة الخوف، فهو يبدو مثلهم في بعض الأحيان. وأما الأحجار الضخمة فيقصد بها نفسه ورفاقه الثوار الذين يقضون ويحرقون الجدران العالية التي تقف حاجزا دون تحقيق مبادئهم..

وبعض الرموز عنده غدت هلوسة وهذيانا، ينفث فيها الفجور يصفه ويطيل في وصفه حتى تشمئز النفس، أو يشير إليه، وبعضهما حوى كلمات بذئية من مثل الحثالات والقاذورات(176) والبصاق(177)، والجرذان والذبابات والكلاب والفئران والحشرات والأفاعي السامة(178) والأذناب والقرون(179) ويقول مثلا ( إنها كانت تنتقي عباراتها من وحل القاذورات وتحثوها في وجهي، والنساء سافلات عاهرات، والرجال أنذال سفلة(180))، ويقول " يصرخ مجبل قائلا: ( أنت الوحيد في هذا العالم لم يطلّق الحقيقة ولم يشرب كثيرا من قارورة الحلم الوردي، لكنك مع ذلك لم تنج من بصاق المارة الذين يغسلون الوجوه برذاذ سعالهم، دون أن يلتفتوا إلى من يقف على النواصي بانتظار مجيء شيء ما، هذا الشيء حتى أنت يا مجبل تجهل ما هو .. يا لهذا الرأس، كم يحمل من صور(181)".

نحن نعلم أن الأدب يأتي لنشر الفضيلة لا الرذيلة، وأسأل الآن: ما الذي سنعلمه لأجيالنا، لا سيما أن المراهقات والشبان الصغار هم الذين يقرؤون القصص فأي مفردات وأفكار سيحملونها، إن كتّاب الحداثة يجعلونهم ينظرون إلى أهليهم على أنهم حثالات وقذارات.. فأي تربية هذه، وكيف سييرّ حداثي أهله، وكيف سيتعاون مع أبناء وطنه إلا إن كان هداما مثله..

لكن هناك بصيصا من نور لدى كتاب إسلاميين اتخذوا الرمز وسيلة للتعبير في شفافية معبرة، فشيخة الناخي في قصتها " انكسارات روح(182) " تتحدث عن الجرائم التي يتعرض لها المسلمون ولا سيما النساء، في أسلوب رمزي بديع على نحو قولها ( الممارسات الجنونية التي جعلت الوحش يغرز أنيابه القذرة في أعماق الفتيات العاجية ) كما أشارت بالرمز أيضا إلى ضرورة مقاومة " العبث الجنوني بنفحات الإيمان، ولئن تطايرت الأشلاء فإنها ستبقى رمزا يعبق برياحين الجنة ".

وأما الأخطاء اللغوية والنحوية في القصص الحداثية فحدث ولا حرج عن النحو الذي لم يراع حقه، واللغة التي قصمت على أيديهم، وعن استعمالات المفردات الأعجمية التي لا يفهم بعضها ويريد صاحبها أن يبدي ثقافته الغربية ليقال عنه إنه متطور، فمن الأخطاء الشائعة قولهم: " اعتبروا بيع الأراضي(183) "، والصحيح عدوا بيع الأراضي، و " رغم الفاجعة(184)" والصحيح على الرغم من الفاجعة، وتواجه " نفس الظروف(185) " والصحيح     ( تواجه الظروف نفسها)، وفي (مشاركة إخوانها وخاصة من الذكور(186) ) والصحيح ( في مشاركة إخوانها من الذكور خاصة، أو ولا سيما من الذكور ).

ومن الأخطاء اللغوية غير الشائعة " ليس لي إسهام في صنع شيء ذا قيمة(187) " والصحيح ذي قيمة، و "الحياة بالنسبة لي وجود ائتلاف ليس وجود تراكمي(188) " والصحيح ليس وجودا تراكميا " و " تتحاشى غضب أبوك (189)" والصحيح أبيك.

 وهناك التقديم والتأخير اللذين يشوهان سياق الكلام مثل " لكنه رفع بصره فيّ الحمار(190) " .

ومنها ما يتعلق باللهجة كإدخال ياء إلى المخاطبة المفردة مثل " أنت التي زرعتيه في صدري وانبريتي    أنت "(191) والصحيح زرعته – وانبريت.

ومنها استعمال المفردات الأعجمية مثل " البرجوا زيون – والدبلوماسية(192)، والديماجوجية، والأخيرة لم أفهم معناها وقد وردت في قول علي أبي الريش " وصك أذنيه صوت المزامير والزمجرة الغوغائية والحركة الديماجوجية(193) " وكأنها توحي، وإيماءاتهم كثيرة مع الأسف، بكثرة الحركة.

ومنها استعمال الأسلوب الأعجمي الشبيه بالمترجم مثل " كم هو العالم قبيح(194) " وكم الخبرية يأتي تمييزها مجرورا لا ضمير رفع.

الخاتمة

          تبين لي بعد هذا التجول مع القصة الإماراتية أنها خاضت مجالين اثنين هما المجال الاجتماعي والسياسي، وقد عالجتها من وجهة نظر المدرسة الواقعية النقدية حينا، والواقعية الجديدة أو الحداثة حينا آخر، وأبانت عن إيجابيات وسلبيات، وكشفت عن أوضاع المرأة وعن التغير الحضاري الذي برز في المجال التعليمي، وفي السياحة، وفي انتشار المخدرات، وفي ظواهر في الريف والمدينة، كما تحدثت عن العمالة الوافدة، وعن البحر وأثره في القصص. ولا سيما في حديثها عن الغوص ومعاناته.

وقد تبين لي أن معالجة القصة لأوضاع المرأة كان ينحو منحى غربيا متأثرا بالثقافات الوافدة إلا أن بعض الأقلام كانت تنطلق من مفاهيم المجتمع الإماراتي.

أما في المجال السياسي فقد دعا الكتاب إلى مقاومة الاستعمار، وأفادوا من كفاح الماضي في الدعوة إلى مقاومته، وتحدثوا عن القضية الفلسطينية، وعن مآسي العرب والمسلمين المعاصرة.

أما كتاب القصة الواقعية الجديدة فقد تحدثوا عن الطبقة الكادحة وكشفوا عن واققها المرير ودعوا إلى الثورة على هذا الواقع، تماما كما فعل أمثالهم في الغرب، مع أن المجتمع الإماراتي ولا سيما بعد ظهور البترول لم يعد يعاني كما كان يعاني بالأمس، ولكن التقليد للأدب الغربي أورثهم هذه النبرة البائسة المتشائمة الثائرة.

وانتقل الحديث بعد ذلك إلى القصة الحداثية وبين أنها تهاجم الدين والتقاليد والتاريخ والتراث، وتتحدث عن الشك والقلق، وتصف المجون بصراحة مستنكرة، وتدعو إلى الثورة لتغيير الواقع، وقد سادت فيها نزعة جدلية في نظرة مادية للحياة.

وكان الأسلوب عند هؤلاء الحداثيين رمزيا في معظمه، ويقوم بعضه على تداعي الأفكار، ويبدو بناؤه الفني مفككا، وإن كانت تربطه وحدة معنوية، إلا أن هذه الوحدة لم تكن محكمة بسبب غموض الرمز.

أما اللغة فحدث ولا حرج عن ضعفهم في أدائها، وهجومهم على الفصحى، ونشرهم للعامية والأساليب الغربية فيها.

وأخيرا بعد هذا المطاف الطويل الذي أنفقت من أجله أوقاتا ثمينة، وأتعبت به جسدا مضنى أتوجه إلى كل مخلص أن يعي دوره الثقافي في هذه الحياة ليوقف مد الحداثيين المهدم، أو يسدد خطواتهم .. لقد قلدوا الغرب وجاؤوا بفكره إلى هذا البلد الطيب ونشروا فيه فكرا غير فكره، وعقيدة غير عقيدته، حطموا الثوابت الدينية والتراثية واللغوية، وجذبوا إليهم طبقات فقيرة، غير واعية، ودعوا إلى تحرير المرأة، ولم يميزوا بين التحرير القائم على العلم والفضيلة، وذلك الذي يستند إلى التفلت، وحبذا لو قامت الرقابة الإعلامية بإعادة، النظر في هذه القصص قبل أن يفوت الأوان، والعربات الفارغة التي تصدر ضجيجا مزعجا يجب أن توقف أو يوضع لها قانون يسكت صخبها المؤذي.

الهوامش

1-  نجم : محمد يوسف. فن القصة ط 1996 دار صادر بيروت – دار الشروق – عمان ص9.

2- رشدي: رشاد : فن القصة القصيرة ط 3 سنة 1984 دار العودة – بيروت، ويعرف التعريف من خلال عرض المؤلف لعناصرها ص 9، 50، 82، 97. و مريدن: عزيزة: القصة والرواية ط 1400ه/1980م. دار الفكر – دمشق – سوريا ص 74. وفن القصة ص 9.

3- القصة والرواية /12-14.

4- ولدت شيخة الناخي في الشارقة في سنة 1952 من أسرة علم وأدب، فوالدها مبارك الناخي شاعر، وقد حصلت على إجازة في الأدب العربي من جامعة العين، ثم على دبلوم في التربية. كانت مديرة الغبيبة الثانوية الأولى في الشارقة ثم استقالت سنة 2002م ، وهي عضو في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ورئيسة اللجنة الثقافية في أندية فتيات الشارقة. صدر لها مجموعتان قصصيتان هما الرحيل، ورياح الشمال ينظر لترجمتها في بحث نشرته الباحثة في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها تحت عنوان القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية جـ2، م14، ع23 شوال 1422هـ / ديسمبر 2001م ص 1297. وينظر لها أيضا في مجلة الرافد ع22 أبريل 2000م وعبد الملك بدر: القصة القصيرة والصوت النسائي في دولة الإمارات العربية منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة.

5-  أبو شعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية ط سنة 1998م : اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة ص 11، و: ملكاوي: ثابت: الرواية والقصة في الإمارات. نشأة وتطور منشورات المجمع الثقافي في أبوظبي – الإمارات العربية المتحدة ص 25.

6- علي أبو الريش كاتب قصصي من رأس الخيمة في الإمارات – صدر له مجموعة قصصية بعنوان "ذات المخالب"، وروايات هي السيف والزهرة والاعتراف، وثنائية مجبل بن شهوان، ونافذة الجنون، ورماد الدم، وتل الصنم، وقصصه تنـزع منـزعا وجوديا كما أشار إلى ذلك د. الرشيد بو شعير: ينظر له في مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية ص 16، وله مسرحيتان هما الرسالة وجزر السلام، و: ابن ماجد يحاكم متهميه. ينظر لذلك: وحدة الدراسات في دار الخليج للصاحفة والطباعة والنشر: شجرة الكلام وجوه ثقافية وأدبية من الخليج. كتاب الخليج – الشارقة 2000م ص 44.

7- مدخل إلى القصة القصيرة / 32.

8- نشاوي: نسيب: مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر: الاتباعية – الرومانسية – الواقعية – الرمزية. ط 1980 مطابع ألف باء الأديب. دمشق ص 323، و: هلال : محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث. ط سنة 1987م. دار العودة – بيروت – ص 4-32-315.

9- دائرة الثقافة والإعلام: أبحاث الملتقى الثاني للكتابات القصصية والروائية جـ 1 سنة 1992م – الشارقة – اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. ص16 – والرواية والقصة في الإمارات نشأة وتطور /25.

10- أبو الريش: علي: الاعتراف " رواية " ط 1982: مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر والتوزيع – أبوظبي – الإمارات العربية المتحدة – ص 25.

11- الظاهري: ناصر: عندما تدفن النحيل – ط 1990 : منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ص 87.

12- ناصر الظاهري: كاتب قصصي من الإمارات صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "عندما تدفن النخيل" سنة 1990. ينظر لذلك في مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية ص 16.

13- ينظر لذلك رواية الاعتراف 74 و 141.

14- ينظر لذلك رواية الاعتراف /44.

15- الناخي: شيخة ، المجموعة القصصية الرحيل ط 1922: منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ص 43 .

16- أمينة عبدالله بوشهاب إحدى رائدات الأدب في دولة الإمارات. ولدت في عجمان سنة 1380هـ وتنـزع في قصصها منـزعا إنسانيا. ينظر لترجمتها الشباط: عبدالله أحمد في أدباء من الخليج العربي ط 1406هـ -1986م – الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع، مطابع الفرزدق التجارية ، الرياض – السعودية           ص 48-51.

17- اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: مجموعة كلنا .. كلنا  نحب البحر القصصية – ط 1986م – الشارقة ص9.

18- الرحيل /25.

19- د. مانع سعيد العتيبة ولد في سنة 1946م ودرس الدكتوراه في الاقتصاد، وهو شاعر وكاتب روائي، كان وزيرا للنفط في الإمارات وقد شارك في تطوير بلاده اقتصاديا وكان له مؤلفات اقتصادية منها : البترول واقتصاديات الإمارات العربية المتحدة – ومنظمة الأوبك وقد شارك في تكوينها، ومقالات بترولية، كما شارك في تمثيل بلاده سياسيا، وتعرض خلال ذلك إلى محاولات قتل من الأعداء، له أربع وأربعون ديوان شعر مطبوع ودواوين أخر تحت الطبع منها المسيرة" ملحمة شعرية تتحدث عن تاريخ الإمارات، واحات من الصحراء، على شواطئ غنتوت- بشاير – لماذا، أم البنات .. ، ينظر صحفات أغلفة دواوينه إذ سجل في عليها أسماء دواوينه. وينظر لسيرته الذاتية في كتاب حنظل: فالح: الدكتور مانع سعيد العتيبة في الاقتصاد والسياسة والأدب: دراسة في التفاعل بين قوى السوق النفطية وقوى السياسة الدولية من خلال سيرته الذاتية: والكتاب كله في سيرته الذاتية وينظر له أيضا في شجرة الكلام ص 28 ورواية كريمة ط 1999 في أبوظبي.

20- الاعتراف / 61.

21- الرحيل /51.

22- كلنا .. كلنا .. كلنا .. نحب البحر /87.

23- عبد الرضا السجواني: كاتب قصصي من الإمارات صدرت له ثلاث مجموعات وهي ذلك الزمان 1978- وزلة العذارى 1981 والرفض 1992، ينظر له في مدخل إلى القصة الإماراتية ص16.

24- أبحاث الملتقى الثاني /133.

25-  محمد المر: كاتب قصصي وأدب رحلات رفيع، وهو من دبي، كان من أبرز الكتاب في الإمارات منذ السبعينات ومن أغزرهم إنتاجا، صدرت له أول مجموعة قصصية بعنوان (حب من نوع آخر) سنة 1982م ،ثم أخذ يصدر في كل سنة مجموعة جديدة، وقد نشرت قصصه في ثلاثة مجلدات ثم نشرها ثانية سنة 1992 أكثر في كتاباته من الحديث عن الظلم الاجتماعي ومشكلات المرحلة النفطية. ينظر لترجمته في مدخل إلى القصة القصيرة الاماراتية/15 ، وشجرة الكلام /36و : المحمد : أحمد عباس : القصة في دولة الخيج العربي ط 1998 : درا طلاس – دمشق – سوريا – ص 147.

26- ماجد بو شليبي كاتب قصصي من الإمارات أشار إليه د. الرشيد أبو شعير في كتابه مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية ص 17.

27- كلنا .. كلنا /134.

28- كلنا .. كلنا /41.

29- سلمى مطر سيف: كاتبة قصصية من الإمارات صدر لها مجموعتان قصصيتان هما عشبة سنة 1988 وهاجر سنة 1991، وتركز قصصها على وضع المرأة وتعده مقياسا لرقي المجتمع أ وانحطاطه، ينظر لها في القصة في دول الخليج العربي ص 15 وشجرة الكلام /119.

30- عبدالله : راشد: شاهندة: رواية، ط 1998م اتحاد كتاب وأدباء الإمارات- الشارقة، ص/68.

31- مجلة الإصلاح الاجتماعي ع 182، تاريخ 10/4/1992م – ص 50.

32- عبد الرحمن العبادي شاعر من دبي ولد 1952م ، وهو عضو في رابطة الأدب الإسلامي. له ديوانا شعر ينظر له في كتاب: رابطة الأدب الإسلامي ، مكتب البلاد العربية: من الشعر الإسلامي الحديث مختارات من شعراء الرابطة. ط سنة 1409هـ - 1989م. دار البشير للنشر والتوزيع – عمان – الأردن ص 375.

33- كلنا .. كلنا .. /55.

34- صالحة غابش ولدت في 1960 وحصلت على الليسانس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية وهي شاعرة وكاتبة قصصية، ولها ديوان بعنوان بانتظار الشمس. وهي الآن عضو بارزة في أندية فتيات الشارقة وقد التقيت فيها معها عدة مرات (الباحثة) وينظر لها أيضا في شجرة الكلام /100. وفي : جابر: عدنان بلبل: مختارات من الشعر العربي الحديث في الخليج والجزيرة العربية: مقر الأمانة العامة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في الكويت ط 1996 مؤسسة الجائزة الكويت ص 73.

35- مبارك: إبراهيم : الطحلب: مجموعة قصصية ط 1986.

36- إبراهيم مبارك: كاتب قصصي من الإمارات صدرت له ثلاث مجموعات وهي الطحلب 1989، وعصفور الثلج سنة 1992، ودخان 1998 ، ينظر له في مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية ص 16.

37-  ظبية خميس المسلماني ولدت في سنة 1958 وحازت على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة أنديانا     في أمريكا. لها دواوين شعرية منها أنا المرأة. موت العائلة، ينظر لها في مختارات من الشعر العربي الحديث في الخليج 57.

38- كريم معتوق: شاعر وكاتب قصصي، حضرت له المهرجان الشعري الأول برواق عوشة بنت حسين الثقافي وكان في 1996 وهو أمسية شعرية تتحدث عن القضية الفلسطينية، وقد طبعت قصائد هذه الأمسية في كتاب بعنوان (لنتوحد مع الشعر) وهو اسم المهرجان، وكان له فيها قصيدتان الأولى بعنوان قصة موسى وهي قصيدة رمزية والثانية بعنوان الضيف. ينظر لهما في الكتاب المذكور لنتوحد مع الشعر تقديم مجموعة من الشعراء العرب: رواق عوشة بنت حسين الثقافي سنة 1996م دار القراءة للجميع للنشر والتوزيع – دبي – الإمارات ص 112و120، وينظر له في كتاب شجرة الكلام ص 131.

39- من المجموعة القصصية الطحلب /75.

40- أبحاث الملتقى الثاني /133.

41- كلنا.. كلنا.. /65.

42- كلنا .. كلنا ../123.

43- غباش: محمد عبيد: مزون: رواية . ط الإمارات العربية بالمتحدة (د.ت) ص 40.

44- نفسه /42.

45- الاعتراف /113.

46- الناخي: شيخة: المجموعة القصصية رياح الشمال ط1992 منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ص75.

47- أبحاث الملتقى الثاني 1/75.

48- ناصر جبران: شاعر كاتب قصصي من الإمارات صدر له مجموعة قصصية سنة 1989 بعنوان ميادير ينظر لترجمته في مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية /16 وشجرة الكلام /80.

49- عندما تدفن النخيل /7.

50- من المجموعة القصصية  الطحلب/19.

51- أبحاث الملتقى الثاني 1/73.

52- كلنا كلنا ..

53- كلنا كلنا .. / 34.

54- شاهندة /46-47 و94-95 .. ومثلها في قصة مزون إلا أن عبد الرحمن لم يغرق فيها.

55- كلنا.. كلنا.. /147.

56- المجموعة القصصية: الطحلب /9.

57- سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة ولد في 1939 ودرس التاريخ في جامعة إكسترا في بريطانيا، وهو حاليا أستاذ زائر فيها؛ له إنجازات ثقافية وتجارية وصناعية وزراعية وسياحية هامة في الشارقة.وله مؤلفات كثيرة معظمها تاريخية. ينظر لترجمة في كتاب السيرة الذاتية لصاحب السمو ص 7.

58- وذلك في: سمو الشيخ القاسمي سلطان بن محمد : الشيخ الأبيض ط 1996 – الشارقة – دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر ص5.

59- ينظر قوله هذا في سمو الشيخ د. القاسمي: سلطان بن محمد ط 1420هـ / 2000م ، مطبعة مدار للطباعة – الشارقة – الإمارات.

60- سمو الشيخ د. القاسمي: سلطان بن محمد: الأمير الثائر: ط 1998 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ويشبهها في ذلك قصة "الشيخ الأبيض" الذي قاوم الاستعمار الإنكليزي هو وسيده في جنوبي الجزيرة العربية، كما بين أطماع الفرنسيين فيها بالجزيرة العربية.

61- ؟

62- ؟

63- علي عبد العزيز شرهان: كاتب قصصي من الإمارات له مجموعة قصصية تدعى "الشقاء" صدرت سنة 1992.ينظر لذلك مدخل إلى القصة الإماراتية ص 16، وفي كتاب القصة في دول الخليج العربي: موضوعاته تركز على مرحلة ما قبل الاتحاد في اتجاه عاطفي واجتماعي وفلسفي ينظر له في ص 147 و ص 150.

64- مزون /133.

65- كلنا .. كلنا /102.

66- كلنا .. كلنا /107.

67- من مجموعة رياح الشمال /45.

68- كلنا .. كلنا .. /31.

69- سعاد العريمي: كاتبة قصصية من الإمارات صدر لها مجموعة قصصية بعنوان طفول سنة 1990، ينظر لها : مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية ص 16.

70- الطحلب /93.

71- معتوق : كريم: حدث في استانبول منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة – الإمارات العربية المتحدة ص 14-54-87-88-91-92-169.

72- حدث في استانبول /110-111.

73- نفسه /146.

74- في مقابلة معها في 31/10/2000م، وكنت أعدّ لبحث عن قصصها.

75- رياح الشمال /27.

76- مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية /324-329.

77- قصاب: وليد: الحداثة في الشعر العربي المعاصر  حقيقتها وقضاياها رؤية فكرية ونقدية: دار القلم. دبي – الإمارات العربية المتحدة ص43.

78- الأطرش: محمود إبراهيم: اتجاهات القصة في سوريا / دار السؤال – دمشق – سوريا ص 241.

79- من المجموعة القصصية الطحلب ص 67.

80- إشارة إلى قوله تعالى: "هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين، فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق، يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون " (يونس /22-23).

ويخاطبهم المولى تعالى بقوله: " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون.(الأنعام /63-64).

فالذين يشركون ويتهجمون على الدين يذكرون الله في أوقات الحرج لأنه أودع في فطرة كل مخلوق، وعندما ينجون يعودون إلى كفرهم وإلى بغيهم وينسون وعودهم ومواثيقهم معه، وقد أفاد الأديب من هذه الفكرة للتنديد بالأغنياء وعهودهم.

81- الطحلب /59.                                                82- كلنا .. كلنا /138.

83- كلنا .. كلنا /114.                                           84- الحداثة /3.

85- الحداثة /156.

86- مجلة الأدب الإسلامي م7 ع8 سنة 1421 هـ بعنوان ظاهرة الأدب المكشوف في كتب التراث، د. رجب البيومي ص 59.

87- الحداثة /57.                                                 88- الحداثة / 173.

89- أبو الريش: علي: ثنائية مجبل بن شهوان، الحب، الغضب "رواية" ط 1997: مطابع مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر ص /15.

90- نفسه /43 ومثلها /173،185.                                91- نفسه /171.

92- أبو الريش: علي: نافذة الجنون رواية ( لا معلومات عن المطبعة ولا عن تاريخ الطبع ) ص /32.

93- نفسه /61.                                                   94- نفسه /84

95- نفسه /116

96- أبو الريش: علي: تل الصنم "رواية" مطابع مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر والتوزيع – أبوظبي – الإمارات (د.ت) ص 71.

97- نفسه /109.                                                 98- الطحلب/55.

99- سارة النواف.                                       100- كلنا .. كلنا /26.

101- نافذة الجنون /31.                                          102- نفسه /47-48.

103- نفسه /80-81.                                            104- نافذة الجنون /123-125.

105- ثنائية مجبل بن شهوان/320.                               106- نفسه /351.

107- نفسه /47.                                                 108- نافذة الجنون /41.

109- نافذة الجنون/.100                                         110- نافذة /26.

111- نفسه /36-38.                                            112- ثنائية مجبل/124-125.

113- تل الصنم /28-30.                                        114- تل الصنم /86.

115- نفسه /75.                                                 116- تل الصنم/29.

117- نافذة/76.                                                  118- نافذة /139.

119- نافذة /139.                                                120- تل /45.

121- نافذة /139.                                                122- نفسه/81.

123- ثنائية /47.                                                124- ثنائية /404.

125- الحداثة /163.                                              126- ثنائية/33-34.

127- نفسه/37.                                                  128- نفسه /33.

129- نفسه /252.                                               130- نفسه/108.

131- نفسه/182.                                       132-  نافذة /64.

133- نافذة /80.                                                 134- تل الصنم /79-80.

135- تل الصنم / 65.                                           136- نفسه / 79-80.

137- نفسه/78.                                                  138- شاهندة/77.

139- الاعتراف /67-68.                             

140- جريدة الخليج ع 5195 س 1414 هـ/1993م.              141- سورة البقرة /189.

142- تل الصنم.                                                  143- نفسه /6.

144- نفسه /29.                                                 145- ثنائية مجبل/343.

146- تل الصنم/35-36.                                         147- تل الصنم /49-50.

148- نافذة الجنون/114.                                         149- نافذة /9.

150- ينظر لثورتهم هذه  في المنتظم12/287-321 و 13/16-44، وفي تاريخ الطبري 11/378.

151- نافذة /130-133.                                         152- نافذة /27.

153- نافذة /86.                                                 154- تل الصنم /40-41.

155- نفسه /62-63.                                            156-  ثنائية /15.

157- نفسه /134.                                              158-كما في ثنائية /10-31-68-286-288.

159-  نافذة /103.                                               160- نافذة /59.

161- نافذة /60                                                  162-  فن القصة القصيرة /100-103.

163- النقد الأدبي الحديث/614-627.                           

164- أبحاث الملتقى الثالث للكتابات القصصية والروائية في دولة الإمارات العربية المتحدة من 2-4 فبراير سنة 1993م جـ2 ط1 سنة 1994م منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ص 165.

165- مريم جمعة فرج: من أوائل الأديبات اللواتي كتبن القصة في الإمارات إذ بدأ إصدارها منذ بداية السبعينات، أصدرت مجموعتين قصصيتين إحداهما بعنوان فيروز سنة 1988 والأخرى بعنوان ماء سنة 1998وقد تحدثت عن العلاقات الاجتماعية في مجتمع الإمارات، ينظر لترجمتها في مدخل إلى القصة القصيرة /15-16، والقصة في دول الخليج العربي/149، وشجرة الكلام ص 104.

166- كلنا .. كلنا /145.

167- عندما يدفن النخيل /16-17 ومثلها في قصة الرحيل لسعاد العريمي /31.

168- نافذة الجنون /103.                                        169- عندما يدفن النخيل /23.

170- الاعتراف /41.                                             171- الاعتراف /41.

172- عندما يدفن النخيل /41.                                    173- القصة والرواية /51.

174- نافذة الجنون/23.                                           175- ثنائية /9-10.

176- كما في ثنائية /10-31-68-286-288.                  177- نفسه /405.

178- نافذة الجنون/39-41-50-61-82-173، وثنائية /31-44..      

179- نثائية /67.                                                180- ثنائية / 451.      

181- ثنائية /7.                                                  182- رياح الشمال /27.

183- نافذة الجنون /110.                                        184- نفسه /5، ومثلها في الاعتراف/59.

185- الاعتراف /65.                                             186- الاعتراف /65.

187- مزون/40.                                                 188- ثنائية /8.

189- نفسه /38.                                                 190- نافذة /5.

191- ثنائية /275.                                               192- حدث في استانبول /144.

193- الاعتراف /59.                                             194- تل الصنم /56.

المصادر والمراجع

1-القـرآن الكريـم.

2- أبحاث الملتقى الثالث للكتابات القصصية والروائية في دولة الإمارات العربية المتحدة من 2-4 فبراير سنة 1993، حـ 2 ط1 سنة 1994 منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

3- أبحاث الملتقى الثاني للكتابات القصصية والروائية جـ1 دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة – اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ط 1992.

4- اتجاهات القصة في سوريا د. محمود إبراهيم الأطرش دار السؤال – دمشق – سوريا ط سنة 1982.

- أدباء من الخليج العربي عبدالله أحمد الشباط الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع ط سنة 1406 – 1986 (مطابع الرزدق التجارية – الرياض).

5- الاعتراف " رواية " علي أبو الريش: مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر والتوزيع – أبوظبي – الإمارات العربية المتحدة ط سنة 1982.

6- الأمير الثائر " رواية " سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي. الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1998.

7- تارخي الأمم والملوك : محمد بن جرير الطبري. دار الفكر.

8- تل الصنم " رواية " على أبو الريش مطابع مؤسسة الاتحاد للصحافة  والنشر والتوزيع أبوظبي – الإمارات (د.ت).

9- ثنائية مجبل بن شهوان: الحب، الغضب " رواية ": علي أبو الريش. مطابع مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر والتوزيع ط 1997.

10- الحداثة في الشعر العربي المعاصر حقيقتها وقضاياها. رؤية فكرية ونقدية : د. وليد قصاب دار القلم – الإمارات العربية المتحدة – دبي.

11- حدث في إستانبول: " رواية " : كريم معتوق منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الشارقة – الإمارات العربية المتحدة.

12- الشيخ الأبيض سمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي ط سنة 1996  - الشارقة – دار الخليج للصحافة الطباعة والنشر.

- الدكتور مانع سعيد العتيبة في الاقتصاد والسياسة والأدب: دراسة في التفاعل بين قوى السوق النفطية وقوى السياسة الدولية من خلال سيرته الذاتية: د. فالح حنظل.

13- الرحيل محموعة قصصية شيخة الناخي: منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ط1 سنة 1992.

14- الرواية والقصة في الإمارات : نشأة وتطور: ثابت ملكاوي منشورات المجمع الثقافي في أبوظبي – الإمارات العربية المتحدة.

15- رياح الشمال مجموعة قصصية شيخة الناخي: منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ط سنة 1992.

16- شاهندة " رواية " راشد عبدالله، ط3 إصدار اتحاد كتاب وأدباء الإمارات سنة 1998 – الشارقة.

- شجرة الكلام وجوه ثقافية وأدبية من الإمارات (كتاب الخليج – الشارقة سنة 2000م وحدة الدراسات دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر – الشارقة – الإمارات.

17- السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لم تذكر معلومات أخرى عنه – والكتاب يحوي سيرته باللغتين العربية والإنكليزية.

18- الطحلب " محموعة قصصية " إبراهيم مبارك ط 1986.

19- عندما تدفن النخيل: ناصر الظاهري منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ط1 سنة 1990.

20- فن القصة : د. محمد يوسف عجم دار صادر بيروت ودار الشروق – عمان ط1 سنة 1996.

21- فن القصة القصيرة رشاد رشدي: دار العودة – بيروت ط3 سنة 1984.

- القصة في دول الخليج العربي دراسة في النشور والتطور د. أحمد عباس المحمد – دار طلاس – دمشق ط سنة 1998.

22- القصة القصيرة والصوت النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة : بدر عبد الملك – منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة ط سنة 1995.

24- القصة والرواية : عزيزة مريدن. دار الفكر – دمشق – سوريا ط 1400هـ سنة 1980م.

- القضية د. سلطان بن محمد القاسمي مطبعة مدار للطباعة – الشارقة – الإمارات ط سنة 1420هـ سنة 200م.

25- كريمة " رواية " د. مانع سعيد العتيبة – أبوظبي ط1 سنة 1999م.

26- كلنا .. كلنا .. كلنا نحب البحر : مجموعة قصصية ط اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة ط1 سنة 1986م.

27- لنتوحد مع الشعر: تقديم محموعة من الشعراء العرب: رواق عوشة بنت حسين الثقافي – دار القراءة للجميع للنشر والتوزيع – دبي – الإمارات ط 1 سنة 1996.

28- مختارات من الشعر العربي الحديث في الخليج والجزيرة العربية مراجعة عدنان بلبل جابر، إعداد مقر الأمانة العامة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين. للإبداع الشعري في الكويت ط مؤسسة الجائزة – الكويت سنة 1996م.

29- مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر: الإتباعية – الرومانية الواقعية – الرمزية – د. نسيب نشاوي ط مطابع ألف باء – الأديب . دمشق سنة 1980م.

30- مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية، دز الرشيد أبو شعير ط سنة 1998م، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة.

31- مزون " رواية " محمد عبيد غباش ط الإمارات العربية المتحدة (د.ت).

32- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ابن الجوزي ت محمد عبدالقادر عطا و مصطفى عطا – مراجعة نعيم زرزور – دار الكتب العلمية – بيروت – ط سنة 1412هـ سنة 1992م.

33- نافذة الجنون " رواية " : علي أبو الريش ( لا معلومات عن المطبعة أو تاريخ الطبع.

34- نحو مذهب إسلامي: د. عبد الرحمن رأفت الباشا.

35- النقد الأدبي الحديث: د. محمد غنيمي هلال . دار العودة – بيروت ط سنة 1987.

الدوريات

1-جريدة الخليج الثقافي – ع 5195 – 1414هـ – سنة 1993م.

2- مجلة الأدب الإسلامي م7 – ع28 سنة 1421 – ص 95 – بعنوان ظاهرة الأدب المكشوف في كتب التراث د. رجب البيومي.

3- مجلة الإصلاح الاجتماعي ع 182، تاريخ 10/4/1992، قصة صوت على الهاتف لعبد الرحمن العبادي.

4- مجلة الراف ع22، أبريل 2000، هي 3

5- لقاء مع شيخة الناخي في 31/10/2000م.

6- مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها.

-    جزءان جـ2، م14، ع23، شوال 1422هـ- ديسمبر 2001م ( بعنوان القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القسة الإماراتية : د. زينب بيره جكلي ص 1297.

وسوم: العدد 656