إشكالية مفهوم عصر الدول المتتابعة، التسمية والزمن
بسم الله الرحمن الرحيم
مخطط بحث
إشكالية مفهوم عصر الدول المتتابعة : التسمية والزمن
- مقدمة
أولا- إشكالية تسمية العصر
ثانيا- إشكالية زمن العصر :
1- بدء العصر
2- نهاية العصر
خاتمة
إشكالية مفهوم عصر الدول المتتابعة
التسمية والزمن
مقدمة :
عادة تقسم العصور الأدبية تقسيما تاريخيا إذ تتخذ من التغيرات السياسية التي عرفها تاريخ العرب والمسلمين في عهوده المختلفة أساسا لتقسيم الأدب العربي ، ولذلك فإن تاريخ أدبنا العربي ينقسم إلى العصر الجاهلي فالإسلامي أو عصر النبوة والأموي، ثم العباسي ثم عصر الدول المتتابعة الذي كان يسمى عصر الانحطاط أو العصر المملوكي والعثماني ، والذي ينتهي بمطلع العصر الحديث .
ومصطلح عصر الانحطاط صرف الأنظار عن دراسة العصر مع أنه عصر يمتد زهاء ستة قرون وكان فيه أعمال عظام وحوادث جسام وآداب رفيعة .
وسيناقش هذا البحث إشكالية مفهوم عصر الدول المتتابعة ، التسمية والزمن بدءا ونهاية ، إذ لايزال الاسم ، وأعني به "عصر الدول المتتابعة " مجهولا عند بعض الدارسين حتى المختصين منهم بالأدب العربي، ولا تزال بعض الجامعات تطلق على هذا العصر تسميات أخرى كعصر الانحطاط والعصر المملوكي والعثماني، كما لايزال هناك اختلاف حول تحديد مدته الزمنية .
أولا : إشكالية تسمية العصر :
قسم المستشرقون العصور الأدبية تقسيمات تتماشى وفترات التاريخ السياسي ، وهي تقسيمات انتقلت إلى العرب نتيجة التأثر والتأثير في الفكر العربي المعاصر ، وثمرة من ثمرات الصلة بالآداب الأوربية، وقد سمي عصر الدول المتتابعة بأسماء أخرى :
1- أطلق الباحثون على المدة التي تقع بين سقوط بغداد في 656هـ ومجيء نابليون بونابرت إلى مصر في 1213هـ / 1798م اسم عصر الانحطاط ، وكانوا يعنون به عصر التأخر السياسي والفكري والعلمي والأدبي، متأثرين في ذلك بدراسات استشراقية قدمها بروكلمان ونيكلسون والمستشرق الإيطالي"كارلو ألفونسو نلِّينو"( 1872-1938م) في تقسيمهم لتاريخ الأدب العربي،وبتسمية الفرنسيين الذين أطلقوا هذه التسمية على الأدب اللاتيني، وأرادوا منها الإشارة إلى تأخره الفكري والعلمي والأدبي ،وقد سمى دارسو الأدب العربي هذا العصر الذي كان بين المدتين المذكورتين بهذه التسمية متأثرين بهم، وبفكرة الضعف السياسي بسقوط بغداد على أيدي التتر،وبانحدار مستوى الأدب العربي في هذا العهد([2]) ،ثم تبين للباحثين بعد اطلاعهم على معطيات العصر الثقافية والفكرية والسياسية خطل هذه التسمية وسابقتها ،وكان ممن نبه إلى هذا الخطأ :
1- د. طه حسين ، فقد أنكر أن يطلق على العصر المملوكي - وهو جزء من عصر الدول المتتابعة - هذه التسمية وقال " مايقال من أنه كان عصرا مظلما ... هو السخف بعينه، فهو من أزهى العصور الإسلامية بالنسبة للقاهرة والبلاد العربية ، ويمكن أن يقال عن عصر المماليك بأنه عصر دوائر المعارف ، وهذا يكفيه " . ثم راح د. طه يعدد أسماء المجامع المعرفية كنهاية الأرب في فنون الأدب لشهاب الدين النويري([4]) ولسان العرب لابن منظور([6]) .ولعل اكتشافات العصر لم تكن قد عرفت بعد مما سيوضح بعد قليل .
2- وردَّ د. عمر موسى باشا و د . ليلى الصباغ هذه التهمة ، وهما مما يبحثان في العصر أدبيا وتاريخيا ، ودعَوَا إلى دراسته دراسة متأنية ومنهجية في بحوث علمية، وتفاءلا بتغيير المعطيات النقدية للمفاهيم السائدة عنه( ونقد د. نعيم الحمصي في كتابه " نحو فهم جديد منصف لأدب الدول المتتابعة " تسمية عصر الانحطاط أيضا ، وأطلق عليه اسم أدب الدول المتتابعة .
ولقد اطلعت على جهود أبناء العصر وحضارتهم فرأيت أن المسلمين في هذا العصر حاولوا التعرف على ما وراء المحيط الأطلسي – بحر الظلمات كما كان يسمى – وكانت أولى محاولاتهم على يد ملك مالي، ثم حاول ذلك فتية ثمانية من الأندلس في ذلك العهد وأطلق عليهم اسم الفتية المغرورين. وأثبت هؤلاء وجود أراض وبشر خلف المحيط الأطلسي([9]) ، وكانت مدينة فاس في المغرب كما تحدث المراكشي في كتابه المعجب حاضرة المغرب حتى دعيت بغداد المغرب وأثينا إفريقيا ، ووصفت جامعتها بأنها أول مدرسة في الدنيا ومنها شعت الحضارة الغربية في إسبانيا وغيرهامن البلدان الأوربية التي كانت متوحشة .وكانت جامعة القرويين تدرس الطب ، وقد عربت كتب أبقراط وجالينوس وديجينوس ، وألف أطباء المغرب كتبا في علل الطاعون وطرق علاجه ، وكان أطباء الأسنانم يمارسون عملهم بمهارة ، وقد استعمل لقاح ضد الجدري من بثور ودماميل العجل والناقة([11]) في عالم الحيوان والنبات كتابه مسالك الأبصار تحدث فيه عن الحيوانات وطرق معيشتها وفوائدها الطبية بصبغة علمية([13])
واكتشف آق شمس الدين مربي السلطان محمد الفاتح الجراثيم وبين أنها لاترى بالعين المجردة وأنها سبب الأمراض وسماها بذورا حية ، وكان ذلك قبل أن يكتشفها باستور([15]) .
واخترع أوليا جلبي العثماني في القرن الحادي عشر الهجري جهازا أشبه بالطائرة جربه أمام السلطان مراد الرابع وطار فيه باتجاه الريح ثماني مرات ثم صعد فوق برج غالاطة في إستانبول ونزل ميدان دوغا نجيلر فكافأه السلطان بكيس مملوء ذهبا .
أما أخوه حسن جلبي فقد اخترع جهازا أشبه بالصاروخ طار به إلى جزيرة في البحر حيث كان السلطان نفسه ينتظره فيها ليكافئه([17]) .
وفي القرن الثاني عشر للهجرة اخترع في مصر ساعة كبيرة تنبه وتعطي الوقت ودرجة الحرارة، وكان عند توت الفلكي المصري آلات غريبة متقنة الصنع ومراصد وساعات تسير بثواني الدقائق ، وقد صعب على الفرنسيين معرفة كنه الآلات الفلكية التي رأوها في دار أبي خشبة المصري في 1213هـ وراحوا يفحصونها مدة طويلة([19]) ، فضلا عن
الأعداد الكثيرة من المدارس والمكتبات العامة والخاصة في مدن الدولة الإسلامية وقراها، وهذا كله وكثير مما لم يذكر لضيق المجال يجعلنا نرفض تسمية العصر بعصر الانحطاط، بل إن المستشرقين أنفسهم كما يقول د.عمر موسى باشا قد اعترفوا أخيراً في دراساتهم أن هذا العصر ليس عصر انحطاط، وأنهم ظلموه حين أطلقوا عليه هذه التسمية بعد الحروب الصليبية مشيرين في ذلك إلى قول بروكلمان وفيليب حتي وأمثالهما ، فقد ادعى الأول أن سوريا في العصر العثماني لم تنجب شاعرا ولا فيلسوفا ولا عالما ولا منشئا من الطبقة الأولى، وكأنهم يشيرون إلى أن الأحقاد هي التي أملت عليهم ذلك .كما ذكر بين د. حسين مؤنس في حديثه عن القرن التاسع عشر الهجري أنه عصر تحدى فيه العرب والمسلمون هجمات التتر والصليبيين وردوهم على أعقابهم خاسرين ، وكانت القاهرة تزخر بالعلماء ، وقد بلغ علم التاريخ أوجه في هذا القرن([21]) . ويكفي أن نعلم أن الدولة الإسلامية في عصرها العثماني كانت تملك أراضي تفوق في مساحتها الولايات المتحدة الأمريكية بست عشرة مرة، وكانت تنفق على الحركة العلمية وقف ألفي قرية في تشيكوسلوفاكيا([23]) ، وهو من شعراء القرن الحادي عشر الهجري :
هوتِ المشاعرُ والمدارك عن معارجِ كبريائِكْ
ياحـيُّ ياقيـُّوم قد بهَـرَ العقـولَ سنا بهائكْ
ما الكونُ إلا ظلمـةٌ قَبَسَ الأشعةَ من ضيائك
وجميعُ مافي الكونِ فـانٍ مُستمَـدٌّ من بقائك
مافي العوالمِ ذرةٌ في جنْبِ أرضِـك أو سمائك
إلا ووِجْهَتُهـا إليـك بالافتقـار إلى عنـائك
إني سألتُك بالذي جمـَع القلـوبَ على ولائك
إلا نظـرْتَ لمُستَغيـثٍ عائِـذ بك من بلائك
فالطفْ به فيما جرى في طيِّ علمِك من قضائك
واسلُكْ به سُنَنَ الهدايةِ في معارجِ أصفيائك([25]) جاءت على حرف النون في مقطوعتها الأولى ، والتزم هذا الحرف في الشطر الأخير من المقطوعات الأخرى ، على حين التزمت هذه حرف روي واحد في أشطرها الثلاثة الأولى ، وهذا ما أكسبها رنة موسيقية مضاعفة :
يابرقَ شِعْبِ الأبرقين إن جُزْتَ وادي الرقمتين
سلِّـم على جد الحسين وآلـــه والصالحين
أزكى الأنــام محتِدا ومن أتانــا بالهـدى
ونـــوره لما بـدا أخجل نورَ النيِّرَين([27]):
نقعُ العجاجِ لدى هِيـاج العِثْيَرِ أذكى لدينا من دخان العَنْبَرِ
ولقا الكمي مدرَّعـا في مغفر كلقـا الغرير بمقنع ومخمر
وسيوفُنا هجرَتْ جوارَ غمودِها شوقاً لهامةِ كلِّ أصيدَ أصعر
ودم العدا متقاطـِرا متدفِّقـا كالوَيْلِ كالسيل الجِرافِ الجُوَّر([29])
وفي هذا العصر ظهرفن المسرح على يد محمد بن دانيال ، وكانت مسرحيته " طيف الخيال" تتحدث عن مشكلة اجتماعية تتعلق بالغش في الزواج ، ومسرحيته " عجيب وغريب " تحكي أوضاع المتسولين([31]) قصصا شعرية وقصائد إرشادية للأطفال قبل أن يطالعنا بمثلهما "محمد عثمان جلال"([33]) " وأحمد شوقي ؛ ونظم "سليمان الجمروزي([35]) لأن الأتراك ليسوا الوحيدين الذين حكموا في أرجاء الوطن العربي ، كما نرفض تسمية عهده العثماني بأدب العصر التركي أيضا لأن هذا المصطلح اقترن بالنعرة الطورانية التي سادت بعد سقوط دولة السلطان عبد الحميد الثاني وسيطرة الاتحاديين، وهذا العهد التركي الطوراني لم يدم إلا سبع سنوات في البلاد العربية ثم قامت الثورة العربية الكبرى وانفصل العرب عن الترك، وسبع السنوات هذه لا تعد شيئاً إذا ما قورنت بأربعة القرون التي عاشها العرب مع العثمانيين في ظل دولة واحدة تضم جنسيات شتى عربية وكردية وتركية وأوربية ….
3- ذكر الدكتور شكري فيصل في كتابه مناهج الدراسة الأدبية أن حسن توفيق العدل (1288هـ/1862م) ، وعبد الله دراز (1910م) وأحمد الإسكندري (1875-1938م) وهم باحثون مصريون في القرن العشرين اتفقوا على تسمية العصر بعصر الدول المتتابعة ، ويضيف الأخير كلمة التركي إلى التسمية فتكون " عصر الدول المتتابعة التركي" وذلك في تقسيمهم للعصور الأدبية ، وكانت عندهم :
1- العصر الجاهلي
2- عصر ابتداء الإسلام أو عصر صدر الإسلام وعصر بني أمية
3- العصر العباسي وينتهي عندهم بهجمة المغول على بغداد في 656هـ
4- عصر الدول المتتابعة ،وهو عصر يبدأ بـ 656هـ ينتهي بالنهضة الأخيرة 1220هـ
5- عصر النهضة الأخيرة ويبتدئ من 1220هـ حتى وقتنا هذا(أما د. شوقي ضيف فيسمي العصر عصر الدول والإمارات وذلك في حديثه عن عن العصور الأدبية ، فهو يقسم العصور إلى جاهلي وإسلامي ويضم معه الأموي ، ثم عباسي وينقسم إلى أربعة أقسام العصر العباسي الأول ، ثم الثاني ويقف به عند 334هـ / 945م حينما استولى البويهيون على بغداد وأصبحت الخلافة منذ ذلك الحين اسمية ، ثم يبدأ عصر الدول والإمارات كما يسميه ، ويستمر هذا إلى نزول الحملة الفرنسية على مصر 1213هـ/1798م " ليبدأ العصر الحديث الذي يمتد إلى أيامنا الحاضرة([38]) .
5- أما جرجي زيدان([40]) .
8- وكان دليل جامعة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة الأول الصادر في 1998م/ 1999م والثاني الصادر في2000/ 2001 والثالث الصادر في 2004م/2005م يحمل هذا الاسم أيضا .و كذلك كانت المملكة العربية السعودية تدرسه بهذا الاسم ([42]) بتسمية الأغلبية وسمت كتابيها بعصر الدول المتتابعة وهما " الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة "و" النثر العربي في عصر الدول المتتابعة "
واختارت تسمية عصر الدول المتتابعة،كما ذكرت في كتابها الأول " الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة " وكررته في الثاني "النثر العربي في عصر الدول المتتابعة " لأنه الاسم الأعرف والأشهرلهذا العصر ، كما أنه يشير إلى دول تعاقبت في الأصقاع العربية خلال هذه المدة: أيوبية ومملوكية وعثمانية وغيرها .
10- وفي مواقع شبكة المعلوماتية " الإنترنت " يلقانا اسم "عصر الدول المتتابعة" مشيرا إلى رسوخه من خلال تداوله وتدريسه والأسئلة عنه :
فالدكتور عبد الله الحيدري في موقع مجلس الأدب العربي الإلكتروني وبتاريخ 7/2/2006م بين أن العصور كلها تقسم تقسيمات سياسية إلا عصر الدول المتتابعة إذ يسمونه باسم عصر الانحطاط ، ويحيل إلى الكتب التي تبين غزارة معطياته في التأليف والإبداع مما نفيد منه حتى في أيامنا هذه ، ثم يقول عن هذا العصر إنه " حقبة مهمة من حقب الأدب الغنية ، وهي أدب العصور المتتابعة ، وهذه التسمية برأيي أولى من كلمة عصور الانحطاط لأن التسمية الأخيرة فيها حكم يغلب عليه التعميم وهو إن صدق على سنوات لم يصدق على سنوات أخر "([44])
وفي موقع منتديات العز الثقافية : منتدى الأدب العربي : الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة _ ونلاحظ التسمية في العنوان _ يتحدث د. هزاع عن " الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة " فيقول "من العسير تحديد أطوار الأدب في عصر الدول المتتابعة بسنوات معينة لتداخل بعضها مع بعض، ويمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في كل حقبة من حقب ذلك العصر وهي :
1- العصر الزنكي 521-579هـ
2- العهد الأيوبي 579-648هـ
3- العهد المملوكي 648-922هـ
4- العهد العثماني 922-1213هـ / 1798م
ذلك هو الإطار الزماني ، أما الإطار المكاني فهو حكم هذه الدول وهو بلاد الشام ومصر و... ويذكر من شعراء العصر فتح الله بن النحاس ت 1052هـ ومصطفى البابي الحلبي ت 1091هـ وغيرهما([46])
وفي منتدى الجديد ، وخلال الحديث عن معجم لسان العرب يذكر أنه في 656هـ قسمت الدولة العربية الكبرى واصطلح مؤرخو الأدب على أن يسموا عصرالمماليك والأتراك عصر الدول المتتابعة([48])
من هنا يتبين أن اسم تسمية "عصر الدول المتتابعة" هي الأغلب في الدراسات الأدبية وهذه التسمية غلبت على تسمية عصر الدول والإمارات ، وقدأخذت بها بعض المناهج الدراسية في هذا القرن وما سبقه في سوريا وفي السعودية وربما كانت هناك مناهج أخر تعمل بها ، وقد استعملت بديلا عن كلمة "عصر الانحطاط" التي لاصحة لها .
ثانيا- إشكالية المدة الزمنية لعصر الدول المتتابعة
وهناك مشكلة أخرى تعترض سبيل الدراسة هي تحديد الأمد الذي استغرقه العصر، فهناك خلاف حول بدايته وآخر يتعلق بنهايته ، إذ تطرف بعضهم في ذلك– برأيي - تطرفاً شديداً، وتأثر بعض بالدراسات الاستشراقية :
1- بداية العصر :
أ- فالدكتور شوقي ضيف كان يرى أن بداية عصر الدول والإمارات كما يسميه وهو عصر الدول المتتابعة كما رأينا كانت في سنة 334هـ وليس 656هـ ، وهو بهذا يبدأ العصر بمجيء البويهيين إلى بغداد وسيطرتهم على زمام الأمور فيها إذ في عهدهم صارت الخلافة اسمية، ويرى أن من الخطأ أن ننسب ذلك الضعف السياسي إلى العصر العباسي، وقد طبق مفهومه هذا في دراساته فكتب «تاريخ الأدب العربي عصر الدول والإمارات» وجعل جزءاً منه لأدب الجزيرة العربية والعراق وإيران، وآخر لمصر، وثالثاً للأندلس، وهكذا نشر ثلاثة كتب باسم واحد، وبناء على هذ ا فإنه عدّ كثيراً من مشاهير الأدباء في العصر العباسي كالمتنبي (ت354) والمعري (ت363هـ) وأبي فراس الحمداني (ت357)، وابن العميد (ت360هـ) وبديع الزمان الهمذاني (ت 398هـ) من أبناء عصر الدول والإمارات أو عصر الدول المتتابعة، وهذا ما لا أراه لأن اعتماده على الضعف السياسي لم يكن حجة قوية ، فقد شهدت الدولة العباسية عهود قوة إذ قضى السلاجقةعلى البويهيين، وجاء الزنكيون ثم الأيوبيون واعترفوا بالخلافة الإسلامية في العهد العباسي، كما كان في أيام صلاح الدين الأيوبي في نهاية القرن السادس الهجري الذي فتح بيت المقدس وأرسل إلى الخليفة يهنئه بفتحها بوصفه السلطة العليا في الدولة الإسلامية .
ويقول د. طه حسين في رده على من أدخل جزءا من العهد العباسي بعصر الانحطاط أو عصر الدول المتتابعة إنهم سموه بذلك من غير تحقيق ولا تثبت فجنوا على الأدب العباسي جناية لاتعدلها جناية ولو أنصفوا لسموا جزءا غير قليل من هذا العصر عصر الرقي والنهضة لاعصر الانحطاط والجمود " ثم يقول " ولعمري إن عصرا ينبغ فيه من الشعراء الرضي والمتنبي وأبو العلاء ... ومن الفلاسفة الفارابي وابن سينا ... ومن الأدباء الآمدي والجرجاني ... عصر ينبغ فيه هؤلاء وأمثالهم من المؤرخين والجغرافيين والفلكيين لخليق أن يكون عصر رقي ونهضة لاعصر ضعف وانحطاط في العلوم والآداب([50]) .
د - ويبدأ حسن توفيق العدل وأحمد الإسكندري وأحمد حسن الزيات ود. شكري فيصل عصر الدول المتتابعة بسقوط بغداد على أيدي التتر في سنة 656هـ حين قتل الخليفة العباسي المستعصم، وسقطت الخلافة وهو رأي وجيه وبه أخذت مناهج التعليم في البلدان العربية، يقول د. شكري فيصل " تتفق النظرية المدرسية على اعتبار سقوط بغداد في 656 هـ وحتى عهد محمد علي باشا في مصر 1220هـ مبداين لعهدين أدبيين جديدين([52]) وكان دليل جامعة الشارقة قد أخذ بهذا الرأي أيضا في تحديده للمدة الزمنية لعصر الدول المتتابعة (أما نهاية العصر:
1- فقد رأى كثير من الدارسين ومنهم د. شوقي ضيف ، ود. هزاع أن العصر ينتهي باحتلال نابليون بونابرت لمصر وكان سنة 1213هـ/1798م لأن نابليون بونابرت جلب معه المطبعة فعملت على نشر الثقافة والفكر .
2- بينما يرى آخرون ومنهم حسن توفيق العدل وأحمد الإسكندري وأحمد حسن الزيات و د. شكري فيصل أن مجيء محمد علي باشا والنهضة التي قام بها منذ 1220هـ / 1805م يعد بداية لعصر النهضة الحديثة في البلاد العربية أوبداية العهد الحديث . والزمنان كما رأينا متقاربان .
3- وأرى ربط العصر الحديث بنابليون أو بمحمد علي باشا لا صحة له لأننا لو سلّمنا بهذا نكون قد اعترفنا بالتبعية الثقافية للغرب فكأننا لم ننهض إلا بعد مجيء نابليون وبعثات محمد علي باشا إلى الغرب ،فضلاً عن أن فيه خطأ كبيراً برأيي وذلك لأن :
1- نابليون بونابرت لم يكن أول من أدخل المطبعة إلى البلدان العربية، فقد وجدت في بلاد الشام في حلب منذ سنة 1698، وقيل في سنة 1702، وهذا يعني أنها سبقت مطبعة نابليون بحوالي قرن([55]).فضلا عن أن تأثيره الثقافي لم يتعد مصر أما الأقطار العربية الأخرى فكانت ظروفها الثقافية تسير على ماكانت عليه في الماضي كاليمن والجزيرة وعمان، أما المغرب العربي فقد سيطرت عليه الفرنسة وضعف الثقافة العربية عامة .
4- محمود سامي البارودي الذي أحيا التراث الأدبي التقليدي أديب غذي بثقافات الدولة العثمانية، وقد عاش ومات في عهدها، وشارك في حروبها، فضلاً عن أن أدبه لا يمتاز عن أدب مشرق الجزيرة العربية كعُمان ونجد وسواهما، وإن ادعى المصريون غير ذلك وغالَوا في أقوالهم متأثرين بنزعتهم الفرعونية التي كانت سائدة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بل إن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم، وأحمد الكاشف وعبد المطلب كانوا من شعراء الدولة العثمانية، وإن نسبوا إلى العصر الحديث لأن تكوينهم الأدبي تم في عهدها وبين ربوعها، وقد أظهرت آدابهم انتماءهم لها بوصفها دولة الخلافة الإسلامية.
5- إن دمج القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي في العصر الحديث أضاع على مثقفينا معرفتهم بمعطيات عصر الدول المتتابعة ولا سيما العهد العثماني منه ، إذ أهمل ما يتعلق بالعهد العثماني خاصة من آداب وتاريخ بسبب الأحقاد الاستعمارية التي سطرت تاريخنا،وهي لاتنسى الحروب الصليبية في العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني، ولا تنسى أن العثمانيين وصلوا إلى النمسا وأخضعوا البلقان وغيره من الأراضي الأوربية ، ولأن دارسي الأدب الحديث يشغلون بمعطيات الأدب المعاصر في القرن العشرين خاصة فيهملون ما سبقه ويمرون عليه مرورا سريعا ، يهملون العصر العثماني وإن أشاروا إليه فبصفحات واتهامات وليس أدل على ذلم من الكتب الدراسية المبثوثة في الوطن العربي وكتاب مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني خير دليل على إهمال الأدب في هذا العصر فكيف بمعطياته الحضارية التي اشرت إلى بعضها في هذا البحث ، والدارسون مدعوون لكشف النقاب عن هذا العصر المهمل المظلوم
ومن هنا فإني أرى أن نهاية العهد العثماني، وأعني بذلك نهاية عصر الدول المتتابعة لم يكن بمجيء نابليون بونابرت ولا بنهضة محمد علي باشا وإنما كان بانتهاء الحكم العثماني على الأراضي العربية إثر الثورة التي قام بها الشريف حسين سنة 1916م، إذ كان العثمانيون خلال مدة حكمهم يدَعون للشعوب العربية أن تعبر عن ثقافاتها بلغة الضاد وكما تشاء، بل كان كثير من سلاطينهم يكتبون العربية وينظمون بها أشعارهم ومن هؤلاء السلطان سليم الأول(
([2] ) نفسه / 318
([4] ) أحمد بن علي الفزاري القلقشندي ( 756-821هـ ) مصري كان كاتب إنشاء وله مؤلفات كثيرة في الأدب والتاريخ : الأعلام 1/177
([6] ) موسى باشا ، عمر ، العصر المملوكي ، دار الفكر المعاصر –بيروت ، ودار الفكر – دمشق ، 1989م ص 36- 37
([8] ) الإدريسي ، محمد بن الشريف ، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، مجلدان مكتبة الثقافة الدينية 1414 هـ 1994م ، ج2 /548
([10] ) مقال عبد العزيز بن عبد الله بعنوان تاريخ التراث الطبي الإسلامي بالمغرب الأقصى ، في الموقع الإلكتروني ww.islamset.com/arabic/aislam : ص5
([12] ) العمري ، أحمد بن يحيى ، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ( ج2 في الحيوان والنبات والمعادن ) تحقيق عبد الحميد صالح حمدان ، مكتبة مدبولي ط2 س1996م ص 121، وينظر لذلك أيضا : بيره جكلي ، زينب محمد صبري ، النثر العربي في عصر الدول المتتابعة ، دار الضياء ، عمان ، الأردن ط2006م ص 290
([14] ) حرب، محمد / العثمانيون في التاريخ والحضارة ، دار القلم ، دمشق ط1409هـ 1989م ص 375
([16] ) العثمانيون في التاريخ والحضارة ص 391م
([18] ) الجبرتي ، عبد الرحمن ، عجائب الآثار في التراجم والأخبار ، 4أجزاء ط بولاق 1297هـ ج 1/238، 241-245، 267 ، 460 و العلبي ، أكرم حسن ، تكملة شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، تراجم الأعيان في القرن الحادي عشر الهجري ، دار الطباع ، دمشق ، سوريا ، ط1412هـ، 1991م ، ص 145
([20] ) العصر المملوكي /15 -17و 36-37
([22] ) العثمانيون في التاريخ والحضارة / 422
([24] ) إعلام النبلاء 6/348
([26] ) إعلام النبلاء 7/171
([28] ) الجور : السيل الجراف، والرعد الشديد : الفيروزآبادي ، القاموس المحيط مؤسسة الرسالة بيروت ، لبنان ط2، 1407هـ 1987م، مادة جور
([30]) الصفدي ، محمد خليل بن أيبك ، أعيان العصر وأعوان النصر ، تحقيق علي أبو زيد وآخرون ، 6 أجزاء ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ودار الفكر ، دمشق ، ط1998م ، ج 4/424
([32] ) محمد عثمان جلال (1244-1316هـ ) شاعر مصري له قصائد للأطفال وقصص مترجمة ، وله روايات مثلت : الأعلام 6/262
([34]) الجمروزي من القرن الثاني عشر للهجرة
([36] ) مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي : عرض ونقد واقتراح ، د. شكري فيصل ، دار العلم للملايين ط7 س 1996م ص 17-18 ، ونظرات في تقسيمات المستشرقين ص 324-328
([38]) تاريخ الأدب العربي عصر الدول والإمارات : الجزيرة العربية ، العراق ، إيران ط3 ص5-6، ومثله في : ضيف ، شوقي ، عصر الدول والإمارات : مصر ، دار المعارف بمصر ، ط2 ص5-6
([40] ) ذكر ذلك في الموقع الإلكتروني للمؤلف المذكور وهو : [email protected]
([42] ) د. زينب بيره جكلي سورية الجنسية لها مؤلفات متعددة في العصر هي : الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة ، والنثر العربي في عصر الدول المتتابعة ، وفتح الله بن النحاس حياته وشعره ، والحركة الشعرية في حلب في القرن الحادي عشر الهجري ، وشعر الثورات الداخلية في العهد العثماني ، ولها أبحاث منشورة عن العصر .
([43] ) ينظر ذلك في نقاش مجلس الأدب العربي بدءا من 29/12/2005م وحتى 7/3/2006م في موقع www.alwaraq.com
([45] ) موقع wwwal3ez.net/vb/showthread
([47] ) ينظر موقع www.thenewiraq.com
([49] ) ) مناهج الدراسة الأدبية / 25 و 53 – 54
([51] ) مناهج الدراسة الأدبية /18
([53] ) دليل جامعة الشارقة في 1998/1999م بقول في ص 97 " أدب العصور المتتابعة ويدرس هذا المساق الأدب العربي خلال ستة قرون حتى عصر النهضة ... " ، أي يعد بداية العصر منذ الربع الأول من القرن السابع دون تحديد السنة ، ولكن الدليل الذي صدر بعد في 2000/2001م يقول في ص 26 " أدب العصور المتتابعة : يدرس هذا المساق الأدب العربي من القرن السابع الهجري إلى عصر النهضة ... " ويؤكد هذا الدليل الذي صدر في 2004-2005م ص154 إذ يقول في أدب الدول المتتابعة : " يدرس هذا المساق الأدب العربي من القرن السابع الهجري إلى عصر النهضة الأدبية الحديثة ..."
([55] ) أفة ، أحمد ،السلاطين العثمانيون ، قونية ، تركيا ، دار النشر سانت ياينلري 1966م ص
([56] ) الأندلسي الوزيرالسراج ، محمد بن محمد ، الحلل السندسية في الأخبار التونسية ، تحقيق محمد الحبيب الهيلة ، 3 أجزاء ، دار الغرب الإسلامي 1984م ، ج 2/282 وفيه شعر للسلطان سليم الأول لما فتح مصر
وسوم: العدد 658