"خذلان الشتاء" ... ودفء الوطن

clip_image001_97e00.jpg

من الجميل أن ينحى القلم إلى ذلك التّوجه الأدبيّ الراقي، ويتكلم بلسان المشاعر والعواطف الدّفينة في دواخلنا، ويعلو بثقافة المجتمع والإنسانيّة. إنَّ صاحب الفكر مهما بلغ من العمر، يقع على عاتقه همٌّ كبير ومسؤوليّة عظمى في تغيير واقع مجتمعه إلى الأفضل والأحسن، والسّير به قُدمًا للإرتقاء بفكر أبنائه وأجياله. إنَّ تجربة خوض "شهد محمد" تلك الفتاة المبدعة الكرميّة غمار الكتابة، جاءت بدافع الرّغبة عن التعبير المباشر عمّا يختلج في نفسها، ورسم الصّورة البلاغيّة الحميمة التي رأتها حقيقة إبّان طفولتها. عاشت ظروف القمع والإضطهاد النفسيّ، وتولّد لديها الحقد المؤلم عندما تمّ إعتقال أخيها وأسره، وما آلت إليه أحوال معيشتهم بعدها. أفضت هذه التّجربة إلى عملها الأول "خذلان الشتاء" والتي يُرشّح أنها من صنف الرّواية القصيرة، الصّادرة عام 2015 وتقع في 53 صفحة. لقد احتوت على جميع المكوّنات الضّروريّة والمضامين الواقعيّة المتسلسلة بالإضافة إلى عنصر التّشويق، كذلك حراك العاطفة المتواصل في جميع أحداث الرّواية، والذي قتل عند الكاتبة جمال الطّفولة وأقحمها في عالم الكبار، أمّا الخلاصات والحِكم ففاقت بالعطاء سن الأديبة الشّابة.

من خلال الرّواية، يلاحظ أنَّ الأقلام الفلسطينيّة باتت تُسَخّر أنفاسها لنقل الهموم والآلام والعذاب التي يحياها الشّعب منذ أبد بعيد. في الوقت الذي يتعرّض له الفلسطينيّ اليوم إلى هجمة شرسة تطال كرامته، أرضه، أشجاره، وتطال الهجمة كذلك ثقافته وفكره الحر. يقف الأديب وقفة "شهد" الشّاهدة على جرائم العصر، في الدّفاع بشرف ونبل عن وطنه وإنسانه، ويُمثّل بارقة أمل له. هذا الوعي والنهضة الأدبيّة والإرتقاء بالمشهد الثقافيّ عند الشّباب الفلسطينيّ، من طلاّب وكتّاب وشعراء المستقبل، الذين يبدون إهتمامات وإبداعات بما يسطّرون بأقلامهم، كلمات تعكس ثقافة شبابنا وشاباتنا.

"خذلان الشتاء" حكاية واقعيّة من حكايا شعبنا المتواصلة دون توقّف، لكن المدهش في ذلك والمثير للإهتمام، أنَّ هذه الرّواية جاءت لتعبّر عن ضغط الأحداث السّياسيّة المتلاحقة في بلادنا على الأفراد، وتورثهم إكتئابًا ومشاكل نفسيّة نحن في غنى عنها، أسوة بباقي شعوب العالم. أمّا "شهد" فانطلقت معبّرة عن آلام ومعاناة عائلتها، كصورة مصغّرة من آلام وطنها. تنتزع حروفها من بين سلاسل القيود التي تُفرض عليها، بسبب الحصار والدّمار ومصادرة الأرض والأفكار. فما أصعب أن تصبح أفراحنا موسميّة في وطننا، وتصبح أحزاننا دائمة، ويلفح وجوهنا لهيب الفرقة وغياب الكلمة والجهود الموحّدة.

نحن في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة من الزمن، أحوج إلى العقول الواعدة والأقلام الشّابة الطّاهرة، التي تساعد على تضميد جراحنا وجمع شملنا في بوتقة واحدة، والحفاظ على هويتنا من الضّياع والإندثار. إنَّ يراعك يا "شهد" تحدّى غطرسة الظلم والطّغيان، وأثبتي للقاصي والدّاني أنَّ حماية الوطن وشعبة، هو عهد علينا من المهد إلى اللّحد في كل الأزمان. أمّا لغتكِ البسيطة والمشوّقة، وحِسّكِ العميق المرهف إعتلى القلوب والأذهان. وقد حملت في وجدانكِ، كغيركِ من المواهب الصّاعدة، شعاعًا ساطعًا لا نريد أن يعترض سبيله المعوّقات، أو الإصطدام بنظرة ذكوريّة موروثة تحدّ من إنتاجه، ناهيك عن رؤية المجتمع أو الرّقابة السّياسيّة. ونحن أيتها الأديبة الواعدة نتطلّع بشغف إلى أعمال قادمة فيها من المفاجآت والأفكار العظيمة.

وسوم: العدد 661