خذلان الشتاء والحزن الدائم
قراءة ( خذلان الشتاء ) للكاتبة الصغيرة شهد محمد، الصادرة عن المكتبة الشعبية في نابلس فلسطين عام 2015، وتقع في 53 صفحة من القطع المتوسط.
الحياة موسمية الفرح دائمة الأحزان.
يا لهذه النفس الصغيرة التي يتمدد في عمرها مارد القهر، فيخطف من طفولتها العفوية والعبثية، وتكبر قبل أوانها، تعيش ظلم المحتل وحزن الفراق على غياب من أسروا ...وتكتب من أوجاع الغربة وآهاتها وقيد السجان وظلمه، قصة عذاب يعيشها الشعب الفلسطيني بكل تفاصيلها، فحين يعترف الكاتب ببكائه لا بد وأن يكون قد اختزن الكثير من مشاعر الألم والخوف، وقد حرص على أن لا يبكي الآخرين، إلا أنهم يبكون، لأنهم يعيشون نفس المعاناة، فينزل دمع الكتابة على أسطر التحدي فيزيدها حقيقة..فالكاتب ابن بيئته، ولو تخيرنا الكتابة لاخترنا ما نكتب وما نفكر في سرده وتوثيقه على صفحاتنا.
الطفلة الواعدة شهد محمد خذلها الشتاء وخذلها الفرح، فخذلت طفولتها وآثرت أن تكبر الحياة القاسية والأحزان المستديمة في ثنايا أيامها، وفي معظم صفحات كتابها ..لتكون شاهدا على أوجاع وطن وعذابات مواطن.
من الملاحظ في كتابة القصة أن الكلمات كشفت للقارئ عن نفسية متعبة مرهقة، عانت الكثير وبذلت جهدا غير خفي، لتكتب بمشاعر فياضة ذات أحاسيس مرهفة، فلا ننسى أن كاتبتنا باحت بما يختلج في صدرها، وهي في عمر لا يتقبل إلا ما يرى وما توحي إليه أفكاره، وما يراه مناسبا لميوله ومكنونات روحه.
وقد تجلت النزعة الوطنية المتمثلة بالأسر والسجن والتعذيب في القصة، وسيطرت عاطفة الأمومة والأخوة على معظم الصفحات، تعمدت طفلتنا اختيار كلمات قاتمة تتمثل في الدمع والوجع والحزن والإنكسارات، والبؤس والصراخ والظلام الدامس والبكاء والرعب، وقد اختارتها بعناية ودقة حيث تناسبت مع الأفكار المطروحة، مع استعمال بعض المفردات العامية لإثراء الخطاب الموجه، وحزن العائلة المتمثل ببكاء الأمّ وصراخ الأطفال، ودعاء الآباء.
أبدعت الكاتبة الصغيرة في رسم صور حقيقية لناقلات الجند وطائراتهم وأعقاب بنادقهم واختبائهم خلف أجساد الأسرى، وصورة معاناة الأسرى خلف القضبان، وظلام السجن، مكبرات الصوت، والصقيع والبرد أثناء تفتيش الجنود للبيت، وانتظار الأفراد خارجه يجتاحهم البرد والخوف، ويشاهدون غطرسة المحتل وتعمّده الاهانة والنيل من الشباب، وتحدي الأهل والتصميم على زيارة أبنائهم رغم كل الصعاب .
امتازت جمل الكاتبة بالعمق والعفوية، إضافة إلى دقة الملاحظة، ففتحت للقارئ مشاهد حية، لا يستثني منها أي مشهد لأهميتها، سردت أحداث القصة بتسلسل وتناغم مع إعطاء أهمية كبرى لتحرك الأشخاص ومعاناتهم.
أثرت الكاتبة قصتها ببعض المعلومات عن مدينة طولكرم، وعدد المستوطنات، ووصف زيارة السجين والمعاناة الملازمة لتلك الزيارة، وصفت حفل زفاف شقيقها ولون فستانها وبعض المداعبات من قبل الأهل، وهنا يتبين أن طفلتنا الكاتبة رسمت مساحة كافية لتوضح بها بعض حكايا ويوميات الفلسطيني، لقد أصاب الشوق والفقدان قلب الأمّ فأمسيا لها مرضا، وراحت تتساءل الطفلة هل يستطيع الطبيب تشخيصهما؟ وأخذت تحلل أن سبب مرضها بالسرطان هو الفقد والشوق حتى توفيت..يالقلب الأمهات حين يتفطر ألما على فراق أبنائهن .
عطرت كاتبتنا بعض صفحات قصتها بالأمل، وذلك بخروج أخيها من السجن، وزواجه ممن أحب، وانجابه الأطفال، ولكن خذلت الأمل فينا بموته، فكان للكاتبة ما أرادت، وهو تسليط الضوء على أوضاع العائلات ومعاناة أبنائهم في الأسر.
وسوم: العدد 661