محمد عبد المطلب.. التجدد والتألق الِدائم

clip_image002_b24ed.jpg

استضاف صالون عبد الناصر هلال الثقافي الناقد الكبير د. محمد عبد المطلب وتلامذته بمناسبة حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في النقد التطبيقي مساء الجمعة 11 مارس 2016 بمقر الصالون بحدائق الأهرام بالجيزة.

وقال مدير الصالون د. عبد الناصر هلال: هذه ليلة مباركة أنحني فيها شخصياً أمام شيخي الذي صنع مني إنساناً يعرف قيمة الإنسان.

هذا الرجل الذي نجتمع نحن أبناؤه من أجل أن نجلس أمام وجهه المضيء فكم أعطى.. هو الذي جعل من البلاغة منهاجاً جديداً نقرأ به أنفسنا في المقام الأول قبل أن نقرأ النصوص التي في وريقات بحبر جاف.

علمنا أن البلاغة ليست كتباً وإنما هي حياة، فأدركنا أن لكل مقام مقال.. ألبس عبد القادر الجرجاني عباءة شومسكي فقرأنا من خلفه نصاً عربياً بأدوات عربية.

لك الشكر يا سيدي.. لم ألج إلى قصيدة حية إلا عندما قرأت كتابك اليقين وإنجيلك الرائع "بناء الأسلوب في شعر الحداثة"، فتعلمت وأدركت أنك علمتنا كيف نفك السحر، وكيف نتزوج قصيدة هي مراوغة بالدرجة الأولى.

علمتنا الصبر.. هؤلاء هم أباؤك جاءوا يقولون لك لقد ازدانت بك جائزة عربية تأخرت على عطائك الكثيف.. أنت الشاب الذي تفجأنا كل يوم بعجزنا أمام الكتابة.. لم يزل عطاؤك نبراساً لنا.. حقاً عندما جاءتك الجائزة لم تضف لك شيئاً لأنك أنت الذي أضفت لها.. لم تنشغل بمناهج النقد كثيراً ولا الثرثرة في مجال النظرية المفرط.. وحبست أنفاسك طويلاً لكي تفتح لنا حانة من التدريب لنقرأ النصوص عن قرب ولا نضيع أوقاتنا في قيل وقال وإنما: ماذا يقول النص؟

أقمنا معه علاقة عاطفية لكي نصل إلى حالة من التصوف في قراءته.. نأخذه برفق.. نتحاور في وشوشة وهزهزة حتى يبوح لنا بما لديه من معان كثيرة.

اسمح لي أن أنحني أمامك طويلاً ليس نفاقاً لك لأنني لا أعرف النفاق.. أنت الأستاذ الوحيد الذي فتحت لي طريقاً طويلاً من خلفك.. علمتني كيف أحب الناس وكيف أحب الشعر وكيف أحب الحياة.

أعطيت بلا حدود.. نجتمع اليوم لنقول لك: أنت الشاب المتوقد يا شيخنا.. هذه ليلة طوقتني بتشريفك لي وكنت مصراً على أن يكون قرينك وصديقك اللدود الجميل الذي يعرف كل شيء عنك أستاذنا أيضاً الذي منحني درجة الدكتوراه.. تعلمت منه المثابرة وتعلمت منه الخلق القويم أستاذي الدكتور يوسف نوفل.. حقاً إنها ليلة جميلة مباركة في ظل هذين العلمين الذين مهدا الطريق لنا لكي نسير.. لكم الشكر جميعاً من جاء من أقاصي الشمال د. محمد الدسوقي ود. أسامة البحيري، ثم طوقني بالتشريف الصديق الحبيب د. علاء رأفت عميد دار العلوم ومن منبرك ومن حومتك تلميذك د. عبد الناصر حسن ثم المؤرخ الأدبي الصديق محمد الشافعي وابن كليتك وأخو صديقك الراحل د. عبد اللطيف عبد الحليم وهو الصديق لي د. عبد الله عبد الحليم وكيل كلية الآداب جامعة حلوان، والشاعر الكبير رفعت سلام ومحمد التونسي وعبد الرحمن هاشم ود. رشا غانم ود. أحمد النبوي ود. محمد الشوبكي ود. عبد الله ود. عشري وابنك من اليمن صفوت البردان، ود. شوقي الدهان وعمرو الذي تجشم عناء المجيء وشاعر العامية الجميل محمد شحاتة وزوجته الفاضلة.

كما شرف الصالون الفنانة داليا عبد الوهاب مطربة الأوبرا والعازف الموسيقار د. ناجي نجيب.

ومن جانبه قال د. يوسف نوفل: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسعد الله مساءكم وأبدأ بتوجيه الشكر للأخ الدكتور عبد الناصر هلال فقد صنع موقفاً جميلاً سنؤرخ به جميعاً في حياتنا وقد أتاح لي أن ألتقي بالأخوة الأحباب.

د. عبد الناصر اليوم صنع شيئاً كبيراً أولاً الاحتفاء بما سعدنا به جميعاً وبما تسعد به مصر من فوز جدير مستحق ومتأخر حيث فاز د. محمد عبد المطلب بهذه الجائزة المرموقة وشعرت يومها أننا جميعاً الفائزون بهذه الجائزة لأنه يمثل النموذج الذي سرنا عليه جميعاً.

وإن شخصية المحتفى به هي صانعة هذا الجمع الذي لبى النداء وهو هكذا منذ التقيته في عام 1960 في دار العلوم.

شخصيته مركزية محورية دائماً وقد كان أطول واحد في الدفعة ومن أكثر الطلاب أناقة وانجذب إليه الجميع طلاباً وطالبات.. وهكذا ظل محمد عبد المطلب.. لماذا؟ لأنني لم ألحظ عليه حقداً أو عداءً لأحد.

في الكلية ظهر نجمه المحبوب وبعد الدراسة قرر القدر ألا نفترق فعملنا في مدرسة الليسيه وتركنا جميعاً الليسيه وظل هو بها إلى أن صار مديرها، ومضت السنوات وشاء القدر أن يجمعنا في جامعة عين شمس هو في كلية الآداب وأنا في كلية البنات ولاحظت أن الله جمع بيننا أيضاً في منهجنا النقدي فكانت أفكارنا واحدة وخطنا واحد.

والذي صنع من محمد عبد المطلب هذا الصنيع الذي جعله في قمة الحبكة النقدية العربية وفي مقدمة النقاد العرب عن أصالة هو أنه ليس نقالاً وليس من النوع الذي تختلط لديه الترجمة بالنقل وأزعم أنني أشابهه في ذلك.

إذن، لماذا أبدع محمد عبد المطلب واختصر عشرين عاماً بينه وبين بعض الناس ثم فاقهم وبزهم؟ أتدرون لماذا؟ أنا أعلم جيداً مواعيد محمد عبد المطلب وهي تذكرني بما قاله نجيب محفوظ عن نفسه في حديث لمجلة الكاتب سنة 64 أو 65 قال إنني مع القراءة والانتاج أعاند عناد الثيران.

هذا ما رأيته بعيني ولمسته مراراً.. هو منضبط يبدأ بالجلوس إلى مكتبه للقراءة في الخامسة ويظل يعمل بجدية إلى العاشرة إلى أن ينتقل إلى مشاهدة فيلم من الأفلام القديمة.

عناد الثيران هذا، هو الذي جعل محمد عبد المطلب يتفوق على الزمن ويفوق أساتذته، ومن حسن حظه أنه حين التحق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب دخل هذا القسم وفيه عمالقة النقد الأدبي وذلك أظهر العوامل في صنع محمد عبد المطلب وعلى رأسهم عز الدين إسماعيل الذي اكتشف مواهبه فاحتضنه، وعبد القادر القط وإبراهيم عبد الرحمن.

الشاهد أن عز الدين إسماعيل وكان يرأس تحرير أكبر المجلات الثقافية وقتها  وهي مجلة "فصول" فتح لمحمد عبد المطلب مجالاً للكتابة وقال له إذا اقتصرت على دراسة البلاغة فستكون مثل سائر البلاغيين الجامدين المتجمدين المتحجرين لكن خذ البلاغة والأسلوبية لعبد السلام المشدي وبالفعل فتح له آفاق التنوير النقدي وانطلق محمد عبد المطلب على صفحات فصول مختصراً للزمان وهو عين ما قاله رفعت سلام "أنا لم أعرفك إلا عن طريق فصول" وأعتقد أن محمد عبد المطلب يعتز بهذه الفترة ويعتز بأساتذته وعلى رأسهم عز الدين إسماعيل.

وقال د. علاء رأفت عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة: إن تتويج أستاذنا وشيخنا وقدوتنا د. محمد عبد المطلب بجائزة الملك فيصل العالمية يعد تاجاً على رأس دار العلوم بامتدادها وأبنائها الذين يرفعون لواء النقد والنحو واللغة.

إن كل من ينتمي إلى العربية ليعترف بأن محمد عبد المطلب من الأساتذة والنقاد الذين وهبوا أنفسهم في محراب العلم ولم ينتظر جائزة يوماً من الأيام والمشهور أنه بلاغي وناقد وقد حفلت به دار العلوم أستاذاً للنحو والأدب والبلاغة وعرفنا به أستاذنا الدكتور محمد حماسة يرحمه الله.

استفاد من العمل مع الأجانب وطبق دقتهم في حياته فهو قيمة وقامة كبيرة يحترمها ويقدرها كل من ينتسب إلى رحم العربية شرفها الله.

وقال د. عبد الناصر حسن رئيس قسم اللغة العربية بآداب عين شمس:

منذ الوهلة الأولى وفي أول مقابلة معه انفتحت نفسي له وأنا تلميذ صغير في جامعة عين شمس فكان هادياً لي ومعيناً وموجهاً وربما لا يعرف كثير من الناس أن د. إبراهيم عبد الرحمن كان هو المشرف الرسمي على رسالتي أما د. عبد المطلب فكان هو المشرف الحقيقي نظراً لظروف كثيرة انشغل فيها د. إبراهيم عبد الرحمن سواء في الماجستير أو الدكتوراه.

وقال د. عبد الله عبد الحليم وكيل كلية الآداب جامعة حلوان: لقد كتب العقاد في مقدمة ديوان الجارم عن المدرسة الدرعمية وذكر بالإسم الشاعر محمد عبد المطلب وحفني ناصف وعلي الجارم وأتصور بالأصالة وبالمعاصرة وبالجمع الحسن بين الإثنين أن الوحيد من نقاد الأدب الذي جمع بين الإثنين فأبان وقدّم وعلّم وبخلاف آخرين تقرأ الكتاب لا تفهم منه شيئاً أما أستاذنا د. محمد عبد المطلب تقرأ له قراءة ثاقبة فتزداد ثقافة وتقرأ مرة ثانية فتعرف قيمة الرجل وكيف يكتب وكيف يفكر وهذه هي القيمة الحقيقية للأستاذ الحقيقي.

وقال الشاعر الكبير رفعت سلام: حدث أن درّس محمد عبد المطلب لابنتي في إحدى سنوات دراستها بالكلية شعر الحداثة ضارباً المثل بشاعرين هما صلاح عبد الصبور ورفعت سلام والأبناء غالباً لا يعترفون بقيمة آبائهم الأدبية فجاءتني البنت مدهوشة تسوق إليّ هذا الخبر بعد تساؤلات زميلاتها عن اسمها بالكامل.

هو الأكاديمي الذي أدخل الحداثة الشعرية في كليات الآداب المصرية وليس عين شمس فقط لما أصر ذات يوم على أن يكون مشرفاً على رسالة الدكتور محمد الجزار كأول رسالة علمية مصرية تناقش شعر الحداثة.

يوم مناقشة الجزار كنا في الثلاثينيات من عمرنا وانظر ماذا يعني أن تجد شعرك في هذه السن يناقش في رسالة دكتوراه في كلية آداب عين شمس!

وجاءت بعدها كلية البنات مما شجع آداب القاهرة لفتح هذا الباب وكذلك جاءت حلوان.

هذا الدور الريادي هو في الحقيقة دور جزئي قياساً إلى دور آخر أهم هو.. كيف تكون أستاذاً أكاديمياً متعمقاً في تخصصك وفاعلاً في الحياة الثقافية والأدبية؟ تلك هي المشكلة، فالقدرات الفذة تظل محصورة داخل أسوار الجامعة وما يخرج منها إلى الساحة الثقافية قليل.. هذه المعادلة الصعبة التي لم يحلها كثيرون في نصف القرن الأخير حلها محمد عبد المطلب.

إذن التعمق في التراث العربي والامتلاك الواعي لمناهج الحداثة الغربية في آن واحد، بحيث لا نتبنى مناهج التراث بشكل أعمى ولا نتبنى مناهج الحداثة منقطعين عن السياق التراثي العربي هو أحد الدروس المهمة التي نتعلمها من محمد عبد المطلب.

كذلك القاريء للحركة الثقافية يدين له بالكثير الذي قدمه وبخاصة إيضاح كثير من التباسات هذه النصوص الحداثية.

وقال د. محمد عبد المطلب معقباً على كلمة الشاعر رفعت سلام: مصداقاً لكلام رفعت فأنا في حياتي لم أكتب إلا عن شاعرين امرىء القيس ورفعت سلام وفق رؤيتي في الربط بين القديم والجديد وأن لا جديد لمن لا قديم له، ورفعت هو الذي قادني إلى الحداثة.. أعترف بهذا أمام الجميع.

وقال الأستاذ محمد الشافعي: أعتقد أن مفتاح شخصية محمد عبد المطلب هو الحب، وبعيداً عن حب الحسان له، فهو إذا كتب تجده يكتب بحب، وإذا قرأ فهو محب، يمتلك فكرة موسوعية التلقي ولذلك يمدنا بموسوعية الانتاج.

ولقد اقتربت من كبار وتلامذة فوجدت التلامذة يخشون أساتذتهم لكن تلامذة عبد المطلب يحبونه بصدق وهذا من آثار حبه لهم.

وقف على أرض صلبة من التراث وتعامل مع الوافد الأجنبي ليس موقف موظف العلاقات العامة الذي يروج للحداثة وإنما موقف الندية المشبعة بحبه للتراث.