الربطة الأدبية تعقد يوماً دراسياً عن الشاعر يحيى برزق
مركز العلم والثقافة- غزة
عقدت الرابطة الأدبية في قاعة المؤتمرات بمركز العلم والثقافة يوما دراسيا حول: "يحيى برزق شاعرا مبدعا". وذلك بحضور مجموعة من الباحثين والأدباء والمهتمين.
وأشار رئيس مركز العلم والثقافة أ.د. كمال أحمد غنيم إلى حرص مركزه على تفعيل المشهد الثقافي على كافة المستويات، من خلال تاريخ المركز الحافل بالنشاطات والفعاليات المتميزة، ومن واقع خطته السنوية المعتمدة، التي حرصت على التنوع، ومخاطبة الفئات والشرائح المجتمعية المختلفة، عبر لجان متعددة تهتم بالطفولة والمرأة والشباب والطلبة والأدباء والمثقفين، ومن خلال نوافذ معرفية متعددة من الأيام الدراسية والمؤتمرات والإصدارات العلمية والأدبية والندوات والمخيمات الثقافية ومشاريع تحدي القراء وتنمية الإبداع، آملا من الله عز وجل أن ينجح المركز في تشبيك علاقاته بالمؤسسات الأخرى، حرصا على التكامل، وتبادل الخبرات. وأكد على أن اليوم الدراسي عن الشاعر الكبير يحيى برزق الذي عرف شعره قبل أن يشتهر اسمه يأتي في سياق رسالة المركز في الاهتمام بأدباء الحق والخير، ونشر إبداعاتهم، وتسليط الضوء على ما تميزوا به، ضمن رحلة كبيرة من الفعاليات الأدبية منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان.
دالّ النسر
وتناول الباحثون في اليوم الدراسي الجوانب الإبداعية للشاعر يحيى برزق، وفي ورقة عمل قدمها الباحث د. خليل قطناني من نابلس بعنوان : "دالّ النّسر قناعا فنيّا: قراءة تطبيقية في قصيدتي عمر أبي ريشة ويحيى برزق"، استهدف بالدرس نصين شعريين لشاعرين معاصرين؛ بغية التعرف إلى المشاكلة الموضوعية واللغوية بينهما، من خلال المقاربة النقدية لدال النسر في النصين بوصفه قناعا فنيا، من حيث تقنية التوظيف، والحفر فيما وراء هذا التوظيف من الخلفيات الذاتية والوطنية والسيميائية. وليس الحكم الفني على الشاعريّة هدفا بحد ذاته، بل إن الاستكشاف والمرواغة والاشتباك مع نصوص شعرية وفق رؤيته يفتح التأويل، ويطرح بدائل وقراءات مستمرة، ومن هنا جاءت الموازنة بين الصورة المشهدية للنسر في القصيدتين، وتجلي الخفاء فيهما انعكاسا على الذات الفردية والجمعية، ومحاولة اقتناص سيمياء اللغة فيهما.
المفارقة التصويرية
وقدمت مريم برزق من اسطنبول بحثا محكما بعنوان "المفارقة التصويرية في شعر يحيى برزق"،
تناولت الشاعر الفلسطيني الراحل "يحيى برزق" في أعماله الكاملة "الكناري اللاجئ" من حيث المفارقة التصويرية بأنواعها المختلفة وقد خلصت الدراسة إلى أهم النتائج، ومن أبرزها ما يلي: ظهور المفارقة التصويرية في شعر يحيى برزق كإحدى الوسائل الأسلوبية التي لجأ إليها في التعبير عن رؤيته بما منحته هذه المفارقة من دلالات خصبة تولدت عنها، وجاءت هذه المفارقة في ديوانه متعددة الأشكال والأنواع حيث بدت جليَّة وواضحة عنده في التعبير عن بعض تجاربه الشعرية، كما أنها حملت عبءَ التشكيل الجمالي في الصورة وساهمت في إضاءة المعنى وتكثيف دلالته. وأكدت أن الشاعر وجد من قضايا الأمة والواقع العربي مُتسعاً لتناول المفارقة اللاشخصية في قصائده، ومفارقة الاستخفاف بالذات بما يطغى فيها من جوّ السخرية، ومفارقة التنافر البسيط، والمفارقة الدرامية، والمفارقة ذات الطرفين المعاصرين، والمفارقة ذات المعطيات التراثية.
الشاعر الإنسان
وتناولت الباحثة أ.سامية سكيك ورقة عمل بعنوان "يحيى برزق الشاعر الإنسان"، استعرضت فيها أبرز محطات حياة الشاعر، والتحديات التي واجهها، وأكدت أنه توفي في 14 يناير 1988، ولم يكن قد طبع أي ديوان، لكن زوجته الفاضلة التي عاشت كل قصائده جمعت أوراقه المبعثرة، وسلّمتها لابنها مخلص، لعلمها باهتمامه بتراث والده، فعمل سنوات على جمعها والتدقيق بها ومقارنتها بالنصوص الأصلية المنشورة في الصحف، حتى استطاع جمع قصائد وطباعته في مجلدين كبيري بعنوان "الكناري اللاجئ". ونقلت عن الشاعر قوله: "لقد كان لي في غزة بيت من الحجر آوي إليه، فاغتصبه العدو، ولي الآن آلاف أبيات الشعر، وقد تخيرت منها مجموعة أسميتها «أول الغيث» ليضمها بيت من الورق... فأبيات الشعر لا تقي حرّاً ولا قرّاً وإنما تبحث عن مأوى. ولو فقد صاحبها المأوى!!». وأكدت أنه على الرغم من حرصه الشديد على إصدار هذا الديوان، رفض رفضاً قاطعاً عروضاً كثيرة ومتكررة من جهات عدة لنشر قصائده وطباعة ما يريده من دواوين خشية من الاحتواء، الذي ما كان يرتضيه أبداً.
لغة القصيدة
وقدّم الباحث أ.حسين درواشة بحثاً بعنوان " لُغةُ القصيدةُ الثوريَّةِ المقاتلة ومضامينها الخطابية ودلالاتها في ديوان الكناري اللاجئ "، التي بيّن فيها أن الشاعر يحيى برزق صاحب كلمة ثورية حرة، امتلك ناصية التعبير الثوري المقاوم، فأبدع في حياكة لغة الخطاب ورسم الصورة الشعرية، التي تحوي في طياتها روح الثورة والمقاومة في حالة الغربة والتشرد واللجوء تحت وطأة آلة القتل والسحق الصهيونية، ورسم البحث ملامح القصيدة الثورية المقاتلة، ومضامينها ودلالاتها في ديوان الكناري اللاجئ ليحيى برزق، وذلك من خلال الحديث عن حياة يحيى برزق والأدب الثوري عنده، ومن ثم الكشف عن مضامين القصيدة الثورية المقاتلة وذلك بإجراء مقاربات دلالية لها، وتوضيح معالم الثورة وأعمالها وأفعالها ومعانيها في ثنايا خطابه الشعري، وبيان لغة القصيدة الثورية المقاتلة ودلالاتها من خلال السياق الشعري، والحديث عن أبرز الظواهر اللغوية في بنية الخطاب الثوري عند برزق.
الغربة والحنين
وتناول الباحث أ.محمد دراوشة بحثا بعنوان " الغُرْبَةُ وَالحَنِينُ فَي شَعرِ يَحْيَى محمد بَرْزَق"، التي أكد فيها أن ظاهرة الغربة والحنين من الظواهر الواضحة البارزة في تاريخ الأدب العربي على مر العصور، وشعراء فلسطين القابعة تحت براثين الاحتلال عبروا عن قضية وطنهم الذي عمل الاحتلال جاهداً على طردهم منه؛ لأنه يعلم دور الشعراء في تحرير الوطن، وفضح جرائم الاحتلال عربياً وعالمياً . وبيّن أن الشاعر يحيى محمد برزق شاعر فلسطيني عاش خارج وطنه لفترة طويلة، وفي عدة بلدان، وتناول البحث نماذج متعددة للغربة والحنين في شعر يحيى برزق، وأكد الباحث في نهاية ورقته على ضرورة الاهتمام بشعراء فلسطين الذين لا ينتمون لحزب أو فصيل معين، مثل الشاعر يحيى برزق. وأكد على ضرورة عمل معجم لشعراء وأدباء فلسطين، من أجل إظهار أعمالهم الأدبية.
قصائد مسموعة
وقد حظي اليوم الدراسي بهدية مميزة غير مسبوقة تمثلت في عرض تسجيل نادر للشاعر يحيى برزق وهو يشدة بقصيدة "القدس"، وقد قامت أديبات الرابطة الأدبية في مركز العلم والثقافة بإلقاء قصائد الشاعر على مسامع الحاضرين، في مشهد فني يؤكد على حضور الشاعر في وجدان الأجيال، وقمت بإلقاء الصائد الأديبات: الشاعرة حنين خليل، وهديل حمدان،و ولمى أبو عوض، وديما حميدة، وفرح عطوان، ورنا حمدان، وسجى الجديلي، وضحى البابلي، وندى الجديلي، ونور الهدى العيسوي، والشاعرة إيمان ياسر المجدلاوي.
كلمة العائلة
وفي ختام اليوم الدراسي وبعد تلاوة التوصيات، ألقت أ."مها يحيى برزق" كلمة باسم عائلة برزق، شكرت فيها الرابطة الأدبية على هذا الجهد العلمي المميز، وتحدثت عن والدها الشاعر والإنسان، وذكرت الطقوس التي كانت ترافقه في كتابة الشعر، وكيف كانت والدتها حفظها الله هي الناقد الأول، الذي يتلقى القصيدة ويناقش معانيها. وبينت أن الشاعر يحيى برزق حظي ببيئة علمية مؤثرة، لأن والده كام يمتلك مكتبة ضخمة، ولما كان يحيى برزق مريضا منذ طفولته، كان يلازم البيت دائما، وكانت مكتبة والده هي رفيقه الدائم، مما ترك أثرا كبيرا عليه، وعلى أبنائه التسعة من بعده. وذكرت أن اسمه "يحيى" كان بناء على رؤيا رآها والده في المنام، حيث كان أبناؤه الذكور يموتون، فرأى والده محمد برزق في الرؤيا من يطلب منه أن يسمي ابنه يحيى ليحيا، وحدّث بالرؤيا وتوفي قبل أن يرى يحيى. واستعرضت برزق أسماء الأدباء والمفكرين الذين نهلوا من علم جدها ووالدها، وأكدت أن الشاعر كان مرهف الأحاسيس، مما سبب له المرض المزمن بسبب تأثره بالنكبة الثانية عام 1967، وصورت حالة الفرح الطاغي التي انتابته ببزوغ انتفاضة عام 1967، وعملية شراع الجليل، الذي أكد من خلالها على نبوءته باقتراب النصر ورحيل الاحتلال. وأكدت على المعاني السامية التي تميز بها يحيى برزق، ومنها شعوره الكبير بالغربة، ورفضه الحصول على جنسية عربية أخرى، تمسكا بقضيته، منتميا لفكرة العودة. وصورت مها برزق اللحظات الأخيرة التي سبقت وفاته، حيث حرص على الاتصال بأبنائه في البلدان المختلفة. ثم أكدت في الختام على شكر الأدباء والباحثين، الذين أسهموا في تجلية شعر والدها، ونقلت تحية خاصة من والدتها للقائمين على اليوم الدراسي.
وسوم: العدد 666