جمال غراتس، الشاعر بدل رفو وجمال غراتس، يسعى في رحلته لاكتشاف روح وجمال المكان
عصمت شاهين الدوسكي
إذا كانت الحداثة الشعرية حقيقية فهي إذا مشكله كل عصر ومشكلة كل جيل في زمنه ، وكل أدب في زمنه كان جديدا حديثا في وقته عمن كان قبله ، فالأدب الزمني الشعري لم يقصر أو يحدد لزمن دون آخر ، حتى العلم والبلاغة ، وفي نفس الوقت لم يخص شعبا دون آخر ، وبقعه من الأرض دون أخرى بل مشتركا بين كل الناس ، في كل زمن ومكان فكان مثلا الفرزدق والأخطل وغيرهم يعتبرهم زمنهم محدثين وقال ابن تيميه في الشعر والشعراء كان أبو عمرو بن العلاء يقول " لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت بروايته ثم صار هؤلاء قدماء عندنا ببعد العهد منهم وكذلك يكون من بعدهم لمن بعدنا كالخريمي والعتابي والحسن بن هاني وغيرهم ص 10- 11" كل جهد إبداعي بتراكم المعرفة من خلال التجارب الشعرية المتجددة ترفع بعضها بعضاً وتمد بأسباب التجدد والتطور والإبداع ، الشاعر بدل رفو بطبيعة إقامته في "غراتس " ، المدينة النمساوية منذ عام 1991 ، مدته هذه الإقامة التي اعتبرها مدينة منحته الحب والجمال والأمان والشعر والسلام ، هذه المدينة " غراتس " عاصمة أوربا الثقافية لعام 2003 والتي تعد بدورها من أجمل المدن التاريخية القديمة في أوربا ، والتي تكفلت حكومة إقليم " شتايا مارك " وعاصمتها " غراتس " بطبع كتبه على نفقتهم وفي نفس الوقت لم تنسى " غراتس " الشاعر بدل رفو حين مد جسراً ثقافياً بينهما وبين الشرق ، إخلاصه لهذه المدينة والكتابة لها شيء يسير ، فقد منحته الأمان والسلام والجمال والحرية ، فلا يعتبر مخترعا بل إبداعاً حينما يصف " غراتس " الحبيبة .
(( غراتس الحبيبة
عشقت شوارعك
وأزقتك الحلوة
أحببت جبل قصرك
ونهرك مور العنيف ))
إن تأكيد الشعرية الحديثة برؤية خاصة خلال وصف المشاعر والعواطف اعتراف حاصل فعلاً ، ومستمر ، وهو إعادة الرؤية الإنسانية ، كونها رؤية إبداعية تشكل من التطور والتغيير لعمق المعرفة بالشيء ، وتأكيد وجود وتميز عوالم دولة متقدمة بعمران معاصر وحضارة راقية ، إن اتساع الثقافات المختلفة ، تكوًن فكراً ووعياً شاملاً ، وهو أمر طبيعي مع تطور الأمكنة والثقافة في زمانها الخاص فيها من خلال التبدل وتطور المجتمع والثقافة بين الإنسان والطبيعة والعالم ، تتجدد وسائل التعبير ومنها الشعر ، ومهما يقع أو يظهر التباين في قوة التأثير الفكري والجمالي والمكاني التي تتجلى في المدينة " غراتس " أو غيرها من البلاد المتقدمة سلباً أو إيجاباً أو تفاعلاً ، فإن الشاعر بدل رفو يعيد صياغة الأمكنة الجمالية في إطار عصري ممزوج بالمشاعر الراقية ، رغم ما يطويها من غربة وصمت وقدر كبير من الوحدة ، وهي قضية لا تخص الشاعر فقط لأنها تخص كل فرد في مفهوم وطرح الرؤية الجمالية والفكرية وتأثيرها لاستعداد المتلقي للتلقي المتجانس أو المتناقض الذي يظهر في الصور الشعرية المتجلية في حالة التجربة الشخصية ، ومن الطبيعي إن يولد الجمال والوصف على سلطة النص الذي يمثل صورة من الحقيقة التي يعيشها بقدرته المتفتحة للحياة دون انقطاع الماضي من اجل الحاضر .
(( وصفوة ترجمات الشعر
ونظم القصائد فيك ومنك
هويت صحوتك في عالم الفن
وكرهت صموتي ))
وهي صور تربط الحاضر بالماضي من خلال صحوة ما , حيث دور الثقافة القديمة ليست كالثقافة السائدة الحالية التي تعتبر الأدب بعيدا عن السلطة أو أدب يرفض السلطة ، ينطلق فيها إلى أكثر تطور أو أكثر انتشارا ويمكننا إن نميز هذه الرؤية التقليدية التي كانت سائدة في الماضي قريبا من السلطة وبعيدا نوع ما عن الفكر الاجتماعي والثقافي المتطور التي اجتاحت العالم ، فمثلا رؤية الخراب الدمار والتهجير والفساد والتقتيل لأي سبب كان , ورؤية التطور الثقافي والأمان والجمال والسلام واختيار الثانية بدل الأولى لهو اختيار متطور للفكر والمكان والحداثة والحياة عامة وهي طريقة مثلى لروعة المكان ولكن بشكل عصري متطور برؤية فكرية تحت ظل عوالم الغربة التي تغدو ( كابوساً ) والذي يرافقه رغم عذابات ( الغربة والكوابيس ) يرضخ لها من اجل الجمال والأمان والحب والسلام الذي يراه ويحس فيه في مدينة (غراتس) .
(( إذا كانت الصحوة غربة
والغربة كابوسا
وظل الكابوس رفيق عمري
فلتحي الغربة والكوابيس
إنها قدري ))
هذا القدر إيمان جديد بالجمال والمكان والزمان خاصة بالشاعر ، مكشوفة في النص الشعري وهناك قاسم مشترك بين جمال مدينة (غراتس) وبين الشاعر لسمات الحداثة في الأدب العالمي , الإبداعي , خاصة في الشعر والترجمة وكشف الأماكن والمدن المختلف بفهم وتصور غير معقد بل رديف المعاصرة التي تختزن طاقة جمالية وفكرية كامنة في الروح والفكر والقلب , يؤسس خلالها بنيه جديدة في أمكنة تتجدد كل يوم , فالشاعر بدل رفو في كل هذا المضمون له رؤيته الخاصة للأمكنة والأشياء متميزا في استخدامها الحديث في إي زمان ومكان حيث يسعى في رحلته المكانية إلى اكتشاف روح الجمال المكاني وجمال الفن الراقي ليكون صورة حية للعصر الحديث في الشعر , لخلق عميلة إبداعية للعقل وللمخيلة الجمالية .
وسوم: العدد 666