سلسلة قراءاتي لكتاب "في صحبة مالك بن نبي" لعمر كامل مسقاوي 20

مالك بن نبي .. إختلافي مع الأستاذ عمر كامل مسقاوي 

إنتهيت منذ مدة قصيرة من قراءة كتاب "في صحبة مالك بن نبي، مسار نحو البناء الجديد"، للأستاذ عمر كامل مسقاوي، دار الفكر، الطبعة الاولى 1434 هـ - 2013، الجزء الأول من 598 صفحة، والجزء الثاني، من 1324 صفحة.

وقد سبق لي أن خصصت مقالا للأستاذ كامل مسقاوي، بعنوان " مالك بن نبي .. تحية تقدير للأستاذ عمر كامل مسقاوي "، بتاريخ الثلاثاء 20 جمادى الثانية 1437، الموافق لـ 29 مارس 2016، أشيد بخصاله ومناقبه تجاه ماقدمه لبن نبي. واليوم أضيف بعض الملاحظات التي كانت تراودني منذ إنتهيت من قراءة الكتاب، وتعمدت تأخيرها، وهي..

إستفدت كثيرا من قراءة الجزأين، لما إمتاز به من ربط كتب مالك بن نبي من الناحية الزمنية. فهو يعرض أفكار الكتاب ويعرض معه الظروف الزمنية التي أحاطت به، فيتمكن القارئ من الوقوف على الظرف الزمني الذي طرح فيه الكتاب، وكتبت أثناءه أفكار مالك بن نبي.

من ناحية أخرى يرى أن كل كتب مالك بن نبي متسلسلة ومتناسقة فيما بينها، وأنها إمتداد لبعضها بعضا، وذلك من خلال أول كتاب إلى آخر كتاب.

وفي هذه النقطة بالذات يرى صاحب الأسطر، رأيا يخالف تماما ماذهب إليه الأستاذ عمر كامل مسقاوي، ويقول..

لايوجد هناك تسلسل في بعض كتب مالك بن نبي. فكتابه " الظاهرة القرآنية " و "لبيك" ، لايمكن إدراجهما ضمن التسلسل الفكري لكتب ين نبي، والسبب في ذلك، أن هذا النوع من الكتب..

لم يتكرر بل كتب مرة واحدة فقط، ولم يعد إليه بن نبي طيلة إنتاجه الفكري. وقد كتبت في عرضي لكتاب "لبيك" فيما أتذكر، أن القارئ يشعر وهو يقرأ الكتاب، أن بن نبي يسعى للإنتهاء بسرعة من " لبيك "، حتى لايعود إليه من جديد، وكأنه يحمل ثقلا يريد أن يتخلص منه.

فلا يمكن إذن إدراج " الظاهرة القرآنية " و "لبيك"، ضمن التسلسل الفكري للكتاب، لأنها لم تتكرر، وكان باستطاعته أن يعود لهذا النمط من الكتابة والتفكير، وهو يملك أدواته، وسبق أن أبدى براعة في هذا النوع من الكتابة والفن.

ويبقى السؤال يراود القارئ المتتبع، دون أن يجد له إجابة.. لماذا بن نبي لم يعد لهذا النمط من الكتابة؟. ولماذا كان هذا النوع من الكتابة في بداية حياته وإنتاجه، ولم يكن في أواخر حياته؟.

وصاحب الأسطر لن يتطرق للمذكرات، وكتب المناسبات "كالفكرة الإفريقية الأسيوية" ، وكتاب " الكومنويلث الإسلامي ".

وما يستحق ذكره في هذا المقام، أن الكتاب الأخير الذي ألفه بن نبي بعنوان " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " وقد كتبه في السنة ماقبل الأخيرة من وفاته سنة 1972، باعتباره توفى سنة 1973، هو الذي يعبّر عن التسلسل الفكري الممتد عبر عقود من الزمن، لأنه عصارة فكره وخلاصة كتبه، ويدل الكتاب بحق أن بن نبي ظلّ وفيا لأفكاره، وأمينا للخط الفكري الذي رسمه منذ أول كتاب ألفه سنة 1948 أو سنة 1946 .

وهنا يشير صاحب الأسطر إلى ملاحظة إسترعت إنتباه القارئ المتتبع، مفادها أن إنتقال مالك بن نبي إلى سورية، والحرية التي لمسها، والرعاية التي أحيطت به من طرف تلامذته ومحبيه، والتسهيلات المادية التي وضعت تحت تصرفه، كما هو مبين في كتاب " في صحبة مالك بن نبي "، ساهمت بشكل كبير في صياغة كتاب " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " ، الذي يعتبر وصية بن نبي .

من زاوية أخرى وجب التأكيد على نقطة مفادها.. يمكن لقارئ بن نبي أن يتغاضى عن بعض كتبه لأسباب عدة، لكن لايمكن للقارئ أن يتجاهل كتابه " الصراع الفكري في البلاد المستعمرة "، لأنه الجوهر الأساسي لكتبه وأفكاره. فكل كتب بن نبي، ومقالاته، ومحاضراته، ومذكراته، ودفاتره ،ووصاياه، مبنية على الصراع الفكري. ومن لم يقرأ الصراع الفكري "، ظل جاهلا لمالك بن نبي ولو قرأ السلسلة كلها. لذلك المطلوب من القارئ لبن نبي، أن يحرص على الكتاب، ويعيد قراءته من حين لآخر، ويسعى أن يطبق بعض مافيه بما استطاع وقدر عليه.

كم أتمنى أن يكون التوفيق حليف الأستاذ عمر كامل مسقاوي في ماذهب إليه، وأن تصدقه الأيام، وليعذرنا إن خالفناه الفكرة هذه المرة. وله منا بالغ التحية والتقدير على ما أنجز وقدّم في سبيل النهوض بفكر مالك بن نبي، رحمة الله عليه.

وسوم: العدد 668