رواية لنّوش والتّربية الحديثة

clip_image002_f5ecf.jpg

قبل أيام معدودة، أحتفل بميلاد لينا الأول، حفيدة الروائي الشيخ جميل السلحوت، أعادني الاسم إلى الرواية التي حملت اسم دلعها (لنّوش)، وهي رواية لليافعين صدرت عن دار الجندي للتوزيع والنشر عام 2016 ، والتي تقع في (45) صفحة من القطع المتوسط، حملت الكتاب بين يدي، وسعدت كثيرا بذلك الوجه الذي أطل مرحبا بي، شدني إليه ثم سألني: أتعرفينني؟

أجبت على الفور: نعم، أنت لينا (لنّوش) حبيبة جدك الذي رأى في قربك السعادة، وفي بعدك العذاب.

ترى لِمَ وضع الكاتب الفعل الماضي (أسعدني) قربها، والفعل المضارع (يعذبني) بعدها في صفحة الإهداء؟

لقد سعد الكاتب عندما شهد ولادة لنوش، حينما سافر إلى أمريكا، ورآها تكبر أمام عينية شهورا معدودة، ثم عاد إلى الوطن دونها، لذا نجده لا زال يتعذب في غيابها، من أوّل لحظة مشاهدة، أحسّ في قسماتها الحياة.. وفي عيونها الأمل، وراح يرسم لها طريق مستقبل حافل بالقدرات العقلية المختلفة، كفهم المقروء والاستيعاب والتحليل والتركيب والحفظ، ومن خلال الحوار، لوحظ أن الجميع يحبّ شخصية لينا، ويعزز ثقتها بنفسها، فتحسّ من خلال إجاباتها وإثارتها للأسئلة، أنها أكبر من عمرها.

يرى الكاتب وفق أسس علمية حديثة، أنّ نشأة الطفل وتعلمه، تبدأ وهو جنين في رحم أمّه، لأنّه يفهم ما يسمعه من آيات أو موسيقى، مما يساعد على تكوين شخصية بناءة وفعالة، تساهم في إصلاح المجتمع، وتؤثر قدراته وشخصيته وثقافته وسلوكه المهذب في تنشئة مجتمع راق متطوّر، يواكب الحياة العلمية والتكنولوجية الحديثة، ولا ينفرد بالتخلف عن المجتمعات المتحضرة، وهذا ما يريد الكاتب ايصاله، فالبيت هو المنشيء الأول للطفل، وشتان ما بين البيت الصالح المثقف الذي يعالج الأمور بحكمة وروية، وفق رؤية واضحة، يخطها الزّوجان بالحبّ والحنان والواجبات والتكافل، وتذويت الشعور بالأمن والاحترام والثقة والشجاعة والانتماء في أفراد أسرته، والبيت الذي يترك القطيع دون رعاية، ويساعده على الفلتان.

ما لا شك فيه أن الرواية، أخذت على عاتقها إدراج الكثير من القيم والنظريات التربوية الحديثة، والتي من شأنها رفع مستوى الطفل الثقافي، كالموسيقى والآداب المختلفة، من شعر وأناشيد وقصص تربوية ودينية هادفة، كالقصص والحكايا التي كانت تستمع إليها لينا من أمّها منذ كانت في رحمها، ومن أبيها وجدّها وجدّتها بين الحين والآخر، إضافة إلى البحث العلمي وتقصي الحقائق، كما حدث في قصّة النبي سليمان والثعبان الذي لم يخرج من وطنه، وتقصّيه حقيقة الأمر بعد أن طلب من الله إحيائه، حيث قال له يا نبي الله، إن حرق الأبدان أهون علي من ترك الأوطان! وهذه القصّة تعزز قيمة الانتماء للوطن في نفوس صغارنا، مهما كلف الأمر.

لقد أحسن الكاتب اختيار البيئة الصّفيّة، في عرض الأفكار المختلفة أثناء عملية السرد والحوار في الرواية، لأن المدرسة المكان الثاني والطبيعي المناسب للتربية والتعليم.

لقد تميزت المعلمة (ديمة) بالفطنة وحسن الاصغاء، وإبداء الرأي والتعلم من الآخر، إضافة إلى التنبه إلى الأطفال الموهوبين، والمميزين بقدراتهم ومواهبهم وميولهم الاجتماعية والعلمية والأدبية، واستغلالها في رفع المستوى التعليمي في المدرسة، واغتنام فرصة التعرف على الأهالي، واشراكهم بالعملية التعليمية، الا أن المعلمة في الرواية، ذهبت إلى أسرة لينا لتتعلم منهم، وتستفيد من تجربتهم في التعامل مع لينا، وتطمح أن يكون مولودها المنتظر بذكاء ابنتهم وقوة شخصيتها، وغزارة معلوماتها، ومساعدتها على إيجاد طرق سهلة للتعامل مع الطلاب، ولتنتفع منها في دراساتها الجامعية العليا.

لقد تمخض عن زيارة المعلمة لأهل لينا، رؤيا مستقبلية مشرقة لوليدها، فقد شاهدت بأمّ عينيها كيفية التعامل مع الطفل، وكيف نشأت لينا منذ كانت في رحم أمّها، حتى اليوم، فقد وجدت بيتا آمنا مثقفا أحفادا وأجدادا، عملوا على التنوع الثقافي لدى ابنتهم، وتعزيز قدراتها القرائية بإنشاء مكتبة لها، جعلت منها قارئة وكاتبة تجيد السرد والتعبير، وتطرق الكاتب إلى عدم إغفال البرامج والألعاب الالكترونية الهادفة، أو الحد من قدرات أطفالهم وذكائهم في استخدامها، والإصغاء لهم والعمل على ايجاد حلول للمشاكل التي تعترض سير حياتهم.

لقد صاغ كاتبنا رواية متخيّلة حول الطفل وحقوقه وواجباته في المجتمع، فالتربية والتعليم أساس للمجتمع المتحضّر، ورأيت في الرواية أسلوبا مشوقا في عرض المبادئ التربوية التي نفتقد أكثرها في مجتمعنا، ونرجوا أن نسقي ما زرعناه بأيدينا، لتثمر فلا نفقد الأمل في نموها من جديد.

لقد أخذ كاتبنا تفاصيل روايته من براءة وابتسامة حفيدته التي بلغت عامها الأول، هذا حال الأحفاد يأخذون عقولنا بلا استعداد، ويخترقون جدار قلوبنا بلا دفاع، ويلونون حياتنا بالسّعادة، ويزينوها بالضياء، ويخلدون أسماءنا وذكرانا على مدى الأيام.

انتهت جولتي في الكتاب، أقفلته فأطلت لنوش بابتسامتها وسألتني ثانية:

ماذا ستقولين لجدي؟

سأقول له ما علمني إيّاه جدي "زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون."

وسوم: العدد 676