النثر العربي في عصر الدول المتتابعة 6
الفصل الرابع
الفن المسرحي في عصر الدول المتتابعة
أولا – بذور المسرح في عصر الدول المتتابعة :
ظهرت بوادر المسرح في أدبنا العربي منذ العصر المملوكي إذ كتب محمد بن دانيال([1]) ، ثلاث تمثيليات تعتمد على خيال الظل هي " طيف الخيال، وعجيب وغريب، والمتيم والضائع الغريب " ، وهي في مجملها نقد اجتماعي لعادات وتقاليد كانت سائدة كالشحاذة والزواج من غير الكفء ، وقد أشرك الحيوانات في مسرح الدمى ،كما شارك في تمثيل مسرحيته طيف الخيال التي تتحدث عن غش الخاطب وعدم رؤية الفتاة عند خطبتها ، والنتائج السلبية من جراء هذه المفاسد .
وقد نفر الناس من مسرحه هذا لاحتوائه على عبارات نابية ومنافية للدين والخلق ، وعد المسرح لذلك فنا لاهيا للشعب لا فنا أدبيا ، وإن كان مكتوبا بالشعر ، مما أثر في نظرة الناس إليه ، وإذا أضفنا إلى ذلك نظرة المجتمع إلى المسرح اليوناني، إذ يتحدث عن فكر وثني بعيد عن معتقد المجتمع الإسلامي ، أدركنا الموقف السلبي من هذا اللون الأدبي ، وسبب إهماله –أدبيا- بعد ظهوره ، وإن كان بقي وجوده في المجتمع وسيلة للتسلية ، إذ يذكر لنا الرحالة الدانمركي كارستين في حديثه عن رحلته إلى القاهرة حوالي (1194هـ/1780م) أنه رأى فيها فرقة تمثيلية أثارت دهشته لأنه لم يتوقع أن يرى هذا في مصر، وكان فيها ممثلون مسلمون ونصارى ويهود، وينم مظهرهم عن نجاح مهمتهم، وكانوا يمثلون في فناء دار تحت الهواء الطلق، ويقيمون حاجزاً لتغيير الملابس. كما شاهد عند إيطالي متزوج في مصر ملهاة تمثل بالفصحى،وكان دور السيدة يؤديه رجل بزي امرأة، وكان موضوعها يدور حول امرأة تجتذب المسافرين إلى خيمتها ثم تسلبهم أمتعتهم وقد استاء المشاهدون من تكرار الحدث فصرخوا منددين، فأجبروا الممثلين على التوقف ولم تكن المسرحية قد شارفت نصفها ([2]).
كماوجد في العصر العثماني فرقة "المُحَبَّظين" ولعلها "المُحَبَّذين" التي كانت تتنقل بين البيوت تمثل هزليات لتسر الناس في مناسباتهم، كما في حفلات الـزواج والختان، كمـا كانـت تمثل أحياناً في ميادين القاهرة، ومما مثلته مسرحية تتحدث عن باشا كان يطالب فلاحاً بديونه التي بلغت ألف قرش، ولم يستطع الفلاح أداء دينه فسجن فجاءت زوجته إلى شيخ البلد، ودفعت له رشوة لينقذ زوجها، فأرسلها إلى الناظر، فتزينت وذهبت إليه وابتسمت له، ورجته وألحت عليه ووعدته بمكافأة حين ينقذ زوجها.وقد أراد ممثلوها منها تنبيه الباشا إلى سلوك القائمين على أمر الضرائب([3]).
وأرى أن هذه المسرحية مكتملة العناصر، ولعلها ومثيلاتها تنم عن وجود الفن المسرحي في العصر العثماني في الأوساط الشعبية، كما وجد أمثالها في العصر المملوكي .
وهذا دليل على أن المسرحية نصا وفنا كتب باللغة العربية الفصحى كانت موجودة لتسلية العامة في القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، لكنها كانت تعد فناً مبتذلاً يستنكره المجتمع العربي الإسلامي، ولهذا لم أر في كتب تراجم القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الهجري ،كخلاصة الأثر وسلك الدرر وحلية البشر ما يشير إلى الاهتمام بها أو الترجمة لمؤلفيها، مع أن القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي كان قد تكاثر فيه المسرحيون .
إلا أن إشارات بسيطة ذكرت في ترجمة ابن النقيب الدمشقي([4])، تتحدث عن حسن تخيله، إذ كان يتخيل تشابيه عجيبة، ويمثل من خلالها النباتات والحيوانات أناسا متحابين عله يكون فاتح باب التمثيل كما يقول ([5]) مما يشير إلى مقدرته في هذا المجال الذي يشابه ما يفعله أصحاب الرسوم المتحركة للأطفال اليوم من إنطاق الزهر والحيوان في مشاهد تمثيلية .
من ذلك مثلا أنه تحدث في أسلوب جمع الشعر إلى النثر عن مشهد تمثيلي لحديقة ورد ذهب إليها الشاعر مع صحبه، وراح يطوف بين الورود التي سبته بمحاسنها، ثم رأى شجيرة فاتنة تبدو كطفلة غريرة، وعليها وردتان معتنقتان، وقد برزت واحدة كما قال على أترابها، وحطت عن نقابها وبلغت ميعة شبابها، والأخرى قريبة عهد، وحليفة مهد، لم تعدُ برعومتها، فقال مرتجلاً:
مُذ أتيت الورد أبصرت فيها
طِفلة لم تزل تعانق طفلا
طاف من حولها الجُناةُ فنادت
من يروم اغتصابها الطفل (طف لا)
فابتهج صحبه لما سمعوا منه هذا الوصف، فتابع متحدثا عن الوردة الكبيرة الأم، وعن صغيرها البرعم الذي كان يقبلها، وكان النسيم يغار فيبعده عنها غيرة عليها ، ثم تناثرت أوراقها بالنسيم فيتَّم صغيرها، لكنه ابتسم وتفتحت أوراقه فعجب الشاعر من يتيم يبتهج بعد فقد أمه ، وقال :
فما رأيت يتيماً إثر والدة
يبدي ابتساماً سواها إثر فرقتها ([6])
وقد رأى د.عمر موسى باشا في هذه التخيلات بذوراً للمسرحية في العهد العثماني ودرسها في أربعة مشاهد يحكي الأول ذهابه وصحبه إلى الحديقة، والثاني حديثه عن شجرة الورد، والثالث مشاركة صحبه له في التمتع بالشعر الذي ارتجله فيها ،ثم حديثه عن الوردة الأم وبرعمها .
ولعل حديث ابن النقيب أيضاً عن الشحرور النازح هو أقرب من سابقه إلى الفن المسرحي لما فيه من حوار واضح، إذ قال للشحرور :
( - ما هذا الفنن ؟ وعلام هذا الشجن .
فقال: أما الفنن فمنصة، وأما الشجن فعَنْ غُصَّة .
فتلكأْتُ تلكؤ الشاك، وقلت: من وشاك؟
فقال: لبست ملاءة الربيع، وكتمت الغرام لو أستطيع .
فقلت لأمر ما خضَّبَتْكَ الغِيد، وأعارتْك حليَ الجِيْد؟
فقال: بل موّهت النحول، وأخفيت عنوان الذبول …
فلما نعمت بمطارحته … قاولته بلسانه وقلت:
إيهِ فيما نحن فيه … فزدني من ندامك، وأصخ لتَرْنامك … فلا بعدك معْبَد ولا دونك غريض.
فقهقه وأنشد :
خذ بنا في محاسن الأوصاف
فهي نَقْل ما بين أيدي الطِراف
وانتخب للنِّدامِ كل حديث
من قصار الفصول داني القطاف
وتنقّل من الدعابة للجدّ
وخيّم حيث المعاني اللطاف ([7])
وقد داخل هذه المطارحة التمثيلية حركة وحوار وتصوير، أبدى من خلاله آداب النديم وهي أن يكون مسلياً بحديثه، وأن ينتقل بين الجد والهزل،والشعر والنثر حتى يتمنى جليسه أن يطول مقامه معه، فيطلب من الآخرين أن يسمعوا منه كما استمع إليهم.
وذكر د.عمر موسى باشا أن الشاعر قد يكون قرأ " منطق الطير" للشاعر الفارسي فريد الدين النيسابوري (ت607هـ)([8])، وأرى أنه قد يكون تأثر أيضا بحديث الهدهد وسليمان في القرآن الكريم ، وبما خلفه أبو العلاء المعري في غفرانه ، وابن غانم المقدسي من أحاديث الزهور والحيوانات في قصته كشف الأزهار عن حكم الطيور والأزهار.
على أي حال فإن الفكر العربي لم يعد في ذلك العصر يستبعد التمثيل، وقد اطلع عليه منذ العصر المملوكي، ولكن د.محمد يوسف نجم يصرّ على أن ماوجد كان بذورا أولى للفن المسرحي، مع أنه كان عملا مسرحيا زاخرا بالحركة وبالصراع، وناقدا للمجتمع بأسلوب ساخر أو مضحك في كثير من الأحيان ([9]، بينما يعد أمثاله لدى مارون النقاش([10]) عملا رائداً للفن المسرحي في العصر الحديث ، وإن كان يرى أن أول عمل جدي للفن المسرحي كان على يد يعقوب صنوع([11]) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر([12]).
وهنا يجب أن نميز بين المسرح والفن المسرحي ، فكلاهما عرفا عند محمد بن دانيال شعراً وتمثيلاً ولكن التأليف المسرحي خفت صوته على ما يبدو إلا في الأوساط الشعبية إلى أن كتب مارون النقاش نصوصاً مسرحية كالبخيل، وهارون الرشيد ومثله أمام شخصيات كبرى في الدولة العثمانية فعرف فنه ، وسمح له بمزاولته ونشره فشهر.
وكان مارون النقاش الذي كان قد اطلع على المسرح الإيطالي إبان رحلة تجارية له إلى إيطاليا فعاد ليقلده، وألف مسرحية البخيل الاجتماعية، ثم مسرحية (هارون الرشيد أو أبو الحسن المغفل) كان هو ويعقوب صروف وأمثالهما من رعايا الدولة العثمانية وكانت هذه منذ عهد السلطان سليم الثالث(1789م-1808م) تنزع منزعا تجديديا، وقد سارت عليه حتى عهد سلطانها مراد الخامس (1293هـ-1876م) وذلك لتطوير البلاد على أسس غربية لئلا يسبقها الغرب الذي كان يتحالف ضدها ، ولذلك أنشأت النظام العسكري الجديد([13])، وكان محمد علي باشا جندياً من جنودها أرسلته مع الحملة العسكرية لمحاربة الفرنسيين، وبهذا تعد سياسته من سياستها ، وكان يعمل على تطوير مصر ،ويحتم على من يدخل في خدمته من الإفرنج أن يتزيا بالزي العربي المصري، وأن يتكلم اللغة العربية، ويؤلف بها أو ينقل كتبه إليها([14]).
ولعل هذا مما لم يتنبه إليه الدارسون الذين لم يطلعوا على كتب تراجم العصر العثماني إذ أهملت دراسته، ثم نسبت إليه الجهالة والجمود.
لقد وجد المسرح في العصر العثماني ومثل فيه، وكانت هناك مسرحيات تركية تمثل على أرض الدولة في قسمها التركي ، وربما كان أصحابها قد اطلعوا على المسرح الغربي، وكان شناسي أفندي )1824-1871م) قد ترجم أندروماك، وضياء باشا (ت 1880) ترجم طرطوف لموليير، وكتب نامق باشا مسرحيات وطنية وهذا يعني أن المسرحية عرفت في الأراضي التركية وكان أحمد أبو خليل القباني([15]) أول مسرحي في سوريا من أسرة تركية كانت تقطن قونية ثم هاجرت إلى دمشق ،وربما كان قد سمع من أسرته عن المسرح التركي أو اطلع على جهود مارون النقاش المسرحية، إذ مثل هذا لأول مرة في بيروت (1847) مسرحية البخيل، ثم مثل في دمشق (1868م)، فراح القباني يكتب مسرحياته ويدمج فيها مثله الشعر مع النثر والغناء مع الحدث، وربما كان لثقافته واطلاعه على كتب التراث كألف ليلة وليلة أثرها في فنه المسرحي أيضاً([16]).
أما في مصر فقد أحضر نابليون بونابرت معه فرقة تمثيلية كانت تمثل باللغة الفرنسية، ثم افتتح محمد علي باشا بعد ثلاثين سنة من الحملة الفرنسية على مصر مسرحاً في القاهرة، وكان يمثل فيه أجانب ثم أنشأ مسرح القاهرة ، ثم ازداد عدد المسارح فكان لابد من وضع قانون خاص بهم، ويبدو أن الأجانب أحدثوا فيه مخالفات ما، ولذلك نرى أن أول قانون يتعلق بالمسرح قد نص على أنه ( يوضع تحت رقابة السلطات المحلية أياً كان مالكه، وكل من يضمّن تمثيله أو حواره شيئاً مما يمس الاحترام الواجب أداؤه للجمهور يحاكم ويوضع في السجن عقب انتهاء التمثيل مباشرة، ووضعت شرطة لتنفيذ الشروط([17]) ).
وهذا النص الصريح يوصلنا إلى موقف الدولة العثمانية من المسرح والتمثيل.
ثانياً – النشاط المسرحي في العهد العثماني وموقف الدولة منه :
كما ذكرت وضعت الدولة شروطاً للمسرح ولما يمثل فيه، وهددت بالسجن إن انتهكت الحرمات التي يجب احترامها وتعد كلمة (مما يمس الاحترام الواجب أداؤه) من جوامع الكلم، فهي تعني ضرورة احترام الدين والعقيدة، واحترام السلطة وسيادتها، واحترام الأخلاق العامة الاجتماعية، وكان هذا القانون على ما يبدو قد صدر بعد انتهاكات تناقلها الناس إذ كان يحضر بعض ضباط الباشا، وكانت المقاصير تعج بالنساء ولم تكن ثمة امرأة سافرة، وواضح أن الدولة لم تغلق هذه المسارح ولكنها قيدت نشاطها بما لا يمس الحدود المشروعة ،ويبدو أن من بين الشروط الموضوعة أن يحصل الفنان أيضا على إذن يسمح له بالتمثيل ، فقد مثل مارون النقاش مسرحيته البخيل أمام بيته ثم سمح له بإقامة مسرحه واتفق سليم خليل النقاش مع الحكومة المصرية على التمثيل ،وحصل يعقوب صنوع على إذن من الخديوي إسماعيل حتى يمثل([18])
وكان مارون النقاش قد أعلن أن هدفه من المسرح هو (تهذيب الطبايع بحكايات ظاهرها جد ولعب ومزاح، وباطنها حقيقة وصلاح … وأن المتعة الفنية كانت للوعظ الذي يهذب الأخلاق) ، وقد اشترط في الرواية (أن تجلى بها الفضيلة لتميل الناس إليها، وتبدو الرذيلة تحت برقع الأدب مع عواقبها الوخيمة ليرى الناظر شناءتها وشناعتها فيتجنبها ويأنف من الإتيان بها) ([19]) .
ولم تعترض عليه الدولة آنذاك لأنها كانت تدع للشعب العربي أن يؤلف ما يشاء بلغته شريطة ألا يمس العقيدة والخلق والسياسة المتبعة، وقد درب أصدقاءه على التمثيل وحضر قناصل الدول الأجنبية عرض مسرحياته الأولى ، ونجح في عمله نجاحاً شجعه على المتابعة، فأنشأ مسرحاً في بيته([20]).
ولكن مارون لم يلتزم الشروط والقوانين الإسلامية في الدولة العثمانية، إذ نراه يطعن بشخصيات من تراثنا الإسلامي ليشوه صورتها في نظر الأجيال، وقد اختار "هارون الرشيد" بطلاً لمسرحيته "هارون الرشيد أو أبوالحسن المغفل" وتأثر فيها بقصص ألف ليلة وليلة فجعله زير نساء، وجعل مجالسه مجالس خمر ومخدرات .
وعلى الرغم من أن أدوار النساء مثَّلها شبان مرد نجحوا في تنكرهم، إلا أنها تركت انطباعاً سيئاً عن هذا الخليفة الذي عرف في التاريخ الإسلامي أنه كان يحج سنة ويغزو سنة، وأنه أقض مضاجع البيزنطيين ، ومعركة هرقلة تشهد له ، وقد مات في طريق الغزو، وقد كرر مارون تمثيل هذه المسرحية ،ودعا إليها القناصل ووجوه الدولة العثمانية الذين كانوا في بيروت، كما حضرها الوالي عزيز باشا وأعيان المدينة، والمستشرق الإنكليزي دافيد أركيو هارت، وأعيد تمثيلها في (1850) وحضره ثلاثة من العلماء الوقورين وهم مفتيان وقاض، وعرض خلال التمثيلية فصل مسرحي فكاهي تحدث عن الخيانة الزوجية وقد انتقد المفتي بشدة إجرام الزوجة وبلاهة الزوج، وقابل الجمهور حملة المفتي بعاصفة من الضحك مما ساعد على نجاح المسرحية نجاحاً كبيراً يعزى في المقام الأول إلى تعليقات المفتي ([21]) .
ولعل هذا النقد جعل الدولة تغض الطرف، بل تعطي مارون النقاش أمراً يسمح له بإنشاء المسرح، وهذا يدل على موقفها من هذا اللون الأدبي، وفعلاً أنشأ مارون النقاش مسرحه إلى جوار بيته، وقدم فيه مسرحية (الحسود السليط) في (1853م)، وهي مسرحية اجتماعية عصرية .
وكان أخوه وتلميذه نقولا النقاش([22]) يساعده في عمله وكان هذا على علم بالفن المسرحي، وقد ألف كتاباً عنه سماه أرزة لبنان تأثر فيه بالفن المسرحي الإيطالي ، ومثل مسرحية الحسود في يوم مولده، وحضر مسرحيته الوالي عزيز باشا وأعيان بيروت، ولم يعترض عليه أحد أيضا([23])،
وفي مصر كان يعقوب صنوع أول مسرحي قدم هذا اللون الفني على أرض الكنانة، ولكنه قدم معظم مسرحياته باللغة العامية ليتقرب بزعمه إلى عقول الناس، وأعجب الخديوي إسماعيل بمسرحه على الرغم من أنه أدخل العنصر النسائي في التمثيل، وكان الخديوي يتوجه بمصر وجهة غربية، ولكنه منعه من التمثيل عندما مثل مسرحيته (الوطن والحرية) وانتقد بها سياسة الخديوي في السراي، والمسؤولين في الحكومة، وسخر من قائد حملة الحبشة، كما ندد بتعدد الزوجات وبزواج البنات دون استشارتهن مما شجع علماء الأزهر على نقده ،فأغلق مسرحه بعد عامين، بعد أن عرض فيه مئة وستين مسرحية منها اثنتان وثلاثون من تأليفه، وكان كبار رجال البلاط والدولة يحضرون مسرحه([24]).
ويفهم مما رواه د. محمد يوسف نجم أن مسرحه حوى مخالفات شرعية، ذلك لأن أحد الممثلين كان يحب الممثلة حباً جماً، وصدف أن كان دوره معها يمثل دور المحب العاشق فقال لها "إنني أقضي الليل مسهداً أفكر فيك فأشفقي على العاشق المتيم وافتحي صدره للأمل في أن يصبح يوماً ما عبدك الولهان"، ثم اقترب منها وهمس في أذنها: "شكراً للمسرح الذي يخضع كبرياءك ويجبرك على أن تتقبلي مني هذه المطارحة بالحب أمام ألوف من الأشخاص" وعند ذلك نسيت الممثلة أنها تقف على المسرح وصفعت الممثل على وجهه صفعة قوية وهي تكاد تتميز من الغيظ، والتفتت بعد ذلك إلى الجمهور وقالت بغضب "إن أحاديث الغرام التي سأبثها إلى هذا الشاب المغرور الأبله لا تصور أبداً عواطفي الحقيقية نحوه لأنني أكرهه كرهي للعمى، ولكن موليير مصر [يعقوب صنوع] هو الذي وضع هذا الكلام الجميل لأتفوه به"([25]).
توقف العمل المسرحي مدة من الزمن لأنه اتخذ وسيلة لتشويه صورة الحكام، ولنشر الرذائل والفساد، ثم جاء سليم خليل النقاش من لبنان وطلب أن يسمح له بالتمثيل، فشرط عليه الخديوي إسماعيل (أن يحافظ على القواعد الصحيحة ويحيد عن كل ما من شأنه الإضرار بالآداب العمومية، وأن يفرغ جهده في الإتيان بالأمور المفيدة)، فصار يراعي الأخلاق العامة، ويدرب الرجال ليمثلوا أدوار النساء، وكان يواجه في سبيل ذلك صعوبات كثيرة، وكان يستعين بالموسيقى لتخفيف حدة الفرق بين أصوات الذكور والإناث، كما أنه جعل في قاعة العرض أماكن مخصصة للعائلات . إلا أن مسرحه لم يدم إلا سنة واحد، ثم أغلق بعدما أدخل العنصر النسائي في التمثيل ([26])،
ثم جاء أبو خليل القباني ، وكان قد اطلع على مسرح مارون النقاش الذي مثل في دمشق أو سمع به في بيروت فحاول أن يقلده، ومثل في 1282هـ/1865م وفي بيت جده ( ناكر الجميل ) وهي أول مسرحية له ، فأعجب بها الوالي صبحي باشا لأنها تدعو إلى مكارم الأخلاق، وشجعه على مواصلة الدرب، كما شجعه الولاة من بعده مثل مدحت باشا، إذ وفر له هذا الأموال لإنشاء المسرح في 1878م، وأمر أن يعطى تسعمئة ليرة ذهبية لهذه الغاية، فأنشأ مسرحه وألف له روايات وطنية، وتعاون مع إسكندر فرح ، ودعا المشايخ لحضور مسرحه، فمثل رواية الشاه محمود، واستعان بامرأتين من لبنان، وبفتيان مرد فأعجب به الوالي، وأقبل الأهلون على مسرحه، وكان لا يجني من عمله الربح لأن معظم الداخلين من المسؤولين إلا أنه استمر في تمثيله ليبث المبادئ القومية ومكارم الأخلاق، ولكن هذه المكارم اصطدمت /فيما أرى، بظهور النساء على المسرح واختلاطهن في التمثيل، ولهذا استنكر الشيخ سعيد الغبراء عمله واشتكى إلى الوالي مدحت باشا، فلما لم يجد أذناً صاغية ذهب إلى إستانبول، وانتهز فرصة صلاة الجمعة فخطب، والسلطان عبد الحميد الثاني في المسجد، مبيناً خطر هذه البدعة التي تهدد عقيدة المسلمين وتحدث الفتن (ومما قاله مستغيثاً: أدركنا يا أمير المؤمنين فإن الفسق والفجور قد تفشيا في الشام فهتكت الأعراض وماتت الفضيلة ،ووئد الشرف، واختلطت النساء بالرجال) فصدرت الأوامر السنية إلى حمدي باشا وإلى الشام الذي خلف مدحت باشا بعد انتهاء ولايته بمنع أبي خليل من التمثيل وإغلاق مسرحه ([27]). وكان ذلك في (1884م).
وهنا نرى أن السبب لم يوجه إلى الفن الأدبي، وإنما وجه لاختلاط النساء بالرجال، فقد حوى مسرحه أربع نساء مثلوا مع اثني عشر رجلاً ،وهذا ما لا يقبله الشرع الذي صان المرأة من الاختلاط غير الشرعي، ولكن د.محمد يوسف نجم اتهم الدولة بالرجعية حين قال : (وتروي المراجع السورية أن حملات الرجعية توالت على أبي خليل فكان يسترضيهم بالرفق حيناً وبالرشوة أحياناً ثم ثارت ثائرة هؤلاء الشيوخ ولاسيما بعد انتهاء ولاية مدحت باشا على سوريا) ، كما قال (تحركت بعد النجاح المغري الذي لاقاه القباني عناصر الرجعية لمحاربة بدعة التمثيل..) ([28]) .
وهنا نرى أن الدولة العثمانية لم تمنع التمثيل إلا لما فيه من انتهاكات، ذلك لأن ولي الأمر مكلف بمنع الفساد أو الاقتراب منها، وكان بعض الولاة يتغاضون عن ذلك .
وأمر آخر هو أن نجاح القباني وتعاونه مع إسكندر فرح جعلاهما يفكران في توسيع التمثيل ولهذا توجها إلى المسرحيات التي عرفت من قبل، ولكن اختيارهما وقع على مسرحية (هارون الرشيد أو أبو الحسن المغفل) ولا أظن الأمر صدفة، ولذلك ضج الشيوخ، ورفعوا الاحتجاج إلى الدولة العثمانية فصدر الأمر بمنع التمثيل في سوريا) ، فتوجه القباني إلى مصر وقدم فيها مسرحيات اجتماعية وتاريخية، مبتعداً إلى حد كبير عن التاريخ الإسلامي، إذ كانت عناوين مسرحياته آنذاك (أنس الحلبيس، نفح الربى، حمزة المحتال، عفة المحبين أو ولادة، عنترة، ناكر الجميل، الشيخ وضاح وقوت الأرواح، الأمير محمود وزهر الرياض) وجميعها من تأليفه، كما مثل لغيره (مجنون ليلى، عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة، عايدة، الخل الوفي، الانتقام) وكان في مسرحه امرأتان قدمتا معه من سورية، وقد احترق مسرحه مرتين، أولاهما (1897م) والثانية في (1900)، ولعل الغيرة على الدين كانت سبباً في حرقه حينما لم يستطع الغيورون بسبب وجود الإنكليز في البلاد أن يوقفوا الفساد الناجم عن الاختلاط في المسرحيات، وعن مزج المسرحية بالرقص والغناء، ولهذا عاد القباني إلى دمشق فقيراً، فأشفق السلطان عبد الحميد الثاني عليه ورد إليه ثروته، وعين له راتباً يكفيه وأسرته إلى أن مات (1902م).
أما إسكندر فرح فقد مثل مع سلامة حجازي ([29]) مسرحيات اجتماعية أو مقتبسة من التاريخ الجاهلي والمعاصر والأوربي وابتعد عن التاريخ الإسلامي،وكذلك فعل سليمان القرداحي (1882-1990)، ثم ما لبث هؤلاء جميعاً أن تطرفوا تطرف من سبقهم فألحوا على تشويه صورة هارون الرشيد ومثلوا في الإسكندرية (هارون الرشيد أو غرام الملوك)، ومسرحية (هارون الرشيد المعروفة بالصياد)، و (هارون الرشيد أو أبو الحسن المغفل) .
ثم جاء يوسف الخياط ومثلت فرقته رواية الظلوم 1878 التي حضرها الخديوي إسماعيل فظن أنه يندد بسياسته فطرده من مصر مع أن الخديوي كان ممن يشجع على المسرح، فعاد إلى سوريا وانقطعت أخباره مدة ثم عاد إلى القاهرة ليمثل مسرحية (أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد) فانقطعت أخباره مرة ثانية ولعل الخديوي إسماعيل قد تنبه إلى مآرب هؤلاء بعدما انتهكت حرمته فصار أكثر مراقبة للمسرح من ذي قبل، ولكن يوسف عاد بعد الاحتلال ومثل (الظلوم) و (هارون الرشيد) معاً وكأنه بذلك يحاول أن يرد اعتباره وكان ذلك في (1885) ولكن أخباره انقطعت ثالثة، ثم ظهر في الأرياف ليبث فكره في مسرحه في 1886، ثم توقف مسرحه مرة رابعة 1890 وهذا يشير إلى ملاحقته والترصد لمكائده، حتى منعته السلطة تحت الضغط، وظل مسرحه متوقفاً حتى مات 1900 ([30]).
وهنا أعجب من شدة إلحاح مارون النقاش وسليم النقاش ويعقوب صنوع، وإسكندر فرح وسليمان القرداحي، وأبو خليل القباني، على تشويه صورة الخليفة هارون الرشيد، ولو أنهم اتخذوا المسرح كما قالوا لتهذيب الأخلاق ونشر الفضيلة لما تصدى لهم أحد، ولذلك شددت الدولة العثمانية رقابتها على المسرح وشرطت في 1902 مراقبة الجرائم السياسية والروايات التمثيلية ، وطالبت أن ترسل هذه إلى الآستانة لتراقب هناك قبل تمثيلها، وقد علق ناقل الخبر على ذلك (وأظن أن بعد هذه الأوامر لا تقوم للمسارح قائمة في بلادنا… ولا يخفى أن الروايات في بيروت من أهم الموارد التي تعتمد عليها جمعيات البر في إعالة الفقراء والمعوزين) ([31]) ،ولو كان أصحابها قصدوا بها الخير والصلاح والفضيلة كما قالوا لما ضاقوا بذلك ذرعاً ولسروا لمنع الفساد في الدولة، لأن الدولة لا تمنع حتى النصارى من التمثيل لصالح الجمعيات الخيرية إن لم يكن في ذلك ما يمس الدولة بسوء فقد ذكر أن (الجمعية الخيرية للطائفة المارونية في بيروت قد سعت بغيرتها المشهورة لمساعدة الفقراء فأحيت بالأسبوع الماضي ثلاث ليال تحت حماية دولة الوالي مثلت بأثنائها رواية (مي) الشهيرة وجعل دخلها للفقراء) ([32]) .
كما ساعد الولاة المؤلفين على التأليف المسرحي، فوالي سوريا راشد باشا أعجب بروايات الشيخ إبراهيم الأحدب ([33]) المؤلفة والمقتبسة من التاريخ والمترجمة كرواية إسكندر المكدوني، ورواية السيف والقلم والمعتمد بن عباد وغيرها، وقد طلب منه أن يعلم رواية المكدوني إلى جوق من الممثلين لتمثل في حفل ختان ابنه في دمشق ففعل الشيخ ذلك وكان لتمثيلها استحسان وصدى حسن في نفوس السوريين ([34]) .
والمتصفح لكتاب المسرحية في الأدب العربي الحديث (1847-1914)، وهو كما نرى العهد الذي كان فيه العثمانيون يبسطون ظلهم على الأراضي العربية، ير ما ينيف عن ثلاثمئة مسرحية نثرية ألفت أو مثلت في هذا العصر حتى لا تكاد تخلو سنة من تمثيل مسرحية أو أكثر مؤلفة أو مترجمة، لما يزيد عن عشرين كاتباً بينهم مسرحيون وامرأة هي زينب فواز التي ألفت مسرحية (الهدى والوفاء)، وشعراء كحافظ إبراهيم في مسرحيته جريح بيروت التي تتحدث عن ضرب الطليان لبيروت 1912 ،وأحمد شوقي الذي له علي بك الكبير وقد ألفها في 1893، وكتّاب مثل مصطفى كامل الذي ألف فتح الأندلس 1893، وخليل اليازجي الذي ألف في 1876م المروءة والوفاء، وإبراهيم رمزي الذي ألف المعتمد بن عباد في 1892، وبطرس البستاني الذي ألف داود الملك في 1906م ، ونجيب الحداد الذي ترجم حلم الملوك لراسين ، وقد حافظ بعض المترجمين على الأصل وتصرف آخرون قليلا أو كثيرا .
واستمدت المسرحيات مادتها من القصص الديني كآدم وحواء، ومن التاريخ العربي الجاهلي كعنتر، وزيد بن مكدم وربيعة، ومن التاريخ الإسلامي كصلاح الدين والسلطان محمد الفاتح والأميرية، وفتح الأندلس وقصد مؤلفها (أن يمجد العرب والمسلمين ويلمح إلى الجهاد في سبيل طرد الدخلاء من مصر ويشيد بمكـانة الخلافة العظمى في نفوس المصريين قاطبـة) ([35]) . وهناك مسرحيات من التاريخ المعاصر مثل نابليون بونابرت، ومقاتل مصر أحمد عرابي،ومن القصص الشعبي كهارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب، ومن المجتمع مثل الشاب الجاهل السكير والهوى والوفاء، فضلاً عن مسرحيات من الملهاة أو الهزليات كالبخيل والسليط الحسود، والجهلاء المدعين بالعلم.
وكان المسرح منتشراً في أواخر القرن التاسع عشر في بلاد الشام ومصر تقوم به جمعيات وأندية في البلاد ففي مصر كان هناك مسارح للجمعية الخيرية الإسلامية في المنيا وجمعية السراج ونزهة العائلات، وجمعية الرابطة الإسلامية، وجمعية الترقي الأدبي، فضلاً عن المدارس الخيرية التي يمثل فيها مسرحيات تبث الروح الوطنية في ظل المستعمر وقد مثلت مسارح النوادي والجمعيات والمدارس في مصر على مدى ستة عشر عاماً بدءاً من 1886-1909 وفي لبنان كان هناك مسرح البطريركية في بيروت والمدرسة الأسقفية للروم الكاثوليك وكانتا تهتمان بالتاريخ العربي وكان ريعها للفقراء غالباً.
وهذا يدل على وعي الدولة والشعب بأهمية المسرح وإعجابهم به والإفادة منه .وعلى كثرة المسرحيات في ذلك العهد.
وبهذا يرد على د. شوقي ضيف الذي قال إن الجو الأدبي في ذلك العهد " كان خاليا من هذا المسرح إلا من محاولات ضيقة ، وكانت اللغة العامية تطغى على المسرح المصري ، ولم تكن تمثل عليه مسرحيات حقيقية، إنما كانت تمثل عليه مسرحيات مضحكة على نحو ماهو معروف عن كشكش والكسار ، ومن قبلهما كان سلامة حجازي ، وكان مسرحه إلى الغناء والتلحين أقرب منه إلى التشخيص والتمثيل ، فلما طلع شوقي في أواخر حياته بمسرحياته الفصيحة عدوا ذلك منه عملا بديعا، وخاصة أنهم رأوه يتبع إلى حد بعيد سنن المسرحيات الأوربية "([36]) .
ثالثا – المسرحية فنيا :
سأدرس مسرحيتين سجلتا باللغة الفصحى :
1- مسرحية([37]) أبي الحسن المغفل وما جرى له مع الخليفة هارون الرشيد ، لمارون النقاش ، ومثلت في 1849م ، وهي من الملهاة([38]) .
2- مسرحية السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم لفرح أنطون([39]) ، و طبعت في 1914م ، وهي من المسرح التاريخي الجاد ، أو من المأساة .
وهما تلقيان الضوء على تطور هذا الفن الذي تأثرت أوائله بالمسرح الغربي بعد التمازج الثقافي بين الأمم في عهد الدولة العثمانية .
1- مسرحية أبي الحسن المغفل وما جرى له مع الخليفة هارون الرشيد :
تقع هذه المسرحية في اثنتين وستين صفحة ، وتتألف من ثلاثة فصول ينقسم كل منها إلى مشاهد متعددة ، وموضوعها مقتبس من الحياة اليومية ، وشخصياتها من عامة الشعب ، وقد أضيف إليها شخصيتا هارون الرشيد ووزيره جعفر وبعض أفراد المملكة وهي شخصيات مساعدة على إبراز النكتة في المسرحية .
أ- موجز المسرحية
تبدأ المسرحية بعرض مشهد لبيت أبي الحسن ، وهو بيت متواضع ينم عن فقر صاحبه، كما يشير حديثه إلى فقر في مستواه العقلي ، فهو يتوهم أنه سيصير خليفة على بغداد،وأنه سيخلط الأمور بلا وعي ولا اتزان ، وهو يخاف من الخليفة هارون الرشيد ويسميه دادا مصطفى ويزعم أنه ساحر، بينما يأنس لوزيره جعفر .
هذا على الصعيد السياسي ، أما على الصعيد الاجتماعي فإنه كان يحب دعدا أخت عثمان وقد اتفق مع هذا على أن يزوجه ابنته سلمى مقابل زواجه من دعد ، ويبدو من حديث عثمان مع أخته أنه لن يُتِم الأمر وإنما سيحتال عليه مستغلا سذاجته .
ويقدم الخليفة هارون الرشيد إلى دار أبي الحسن فيظهر هذا امتعاضه من دخوله عليه بلا إذنه، ويرحب بوزيره، ثم يطلب من الخليفة أن يساعده في الزواج من دعد فيثني عليهم لاختلاط أسرتيهما ويذكر أن اختلاط النساء بالرجال لا حرج فيه ، ثم يصحبهما لشرب المدام
وفي مشهد آخر يتشاجر أبو الحسن مع أخيه سعيد لأن الثاني يرغب في الزواج من دعد، ويصلح الخليفة بينهما ، ويعد الخليفة سعيدا بها سرا ، ويتفق الخليفة مع جعفر على مداعبة أبي الحسن المغفل بتدبير حيلة يؤخذ بها أبو الحسن إلى القصر وهو مخمورلايعي ليصير خليفة في يومين ،ومعه خادمه عرقوب الذي سينصب وزيرا له ، ليرى كيف سيتصرفان باسمه ، وفي القصر يوهم عرقوب أبا الحسن أنه كان خليفة منذ أربع سنوات، ويلبسه التاج والصولجان، ويقدم الخليفة في زي درويش ساحر، فيضرب بالرمل ،ويخبره أن العجم جمعوا لمحاربة الدولة فيخاف أبو الحسن ويتمنى أن يهرب ،ثم يفضل البقاء في القصر لينعم بالترف، ولكنه كان قلقا وكان يسأل من يقدم : من أنا ؟ ثم يدعى بوصفه الخليفة إلى مجلس طرب يضم زبيدة زوجة هارون الرشيد وجواري معها، وهناك يشرب الخمر.
ويقدم عثمان وسعيد إلى الخليفة ليشتكيا في أمر زواج ليلى ،فيكتب لهما أبو جعفر ورقة تسمح لسعيد بالزواج منها ، ولعثمان بالزواج من سلمى، ويدور حديث بين جعفر وعرقوب يبيع الثاني خلاله وزارته إلى جعفر ويكتب صك الزواج ( في سنة 185هـ حينما باع عرقوب وزارته بقيمة دنية) ، ويخبر عرقوب الخليفة المزعوم أبا الحسن ببيعه فيتمنى هذا أن يبيع الخلافة أيضا، ويحاول أن يهرب تحت وهم الخوف من العجم، ولكن مقدم جوقة طرب جعلته يعدل عن محاولته.
ولما عادت أم الحسن من الحج ولم تر ابنها في المنزل قلقت عليه، ثم فوجئت به بعد يومين في مخدعه يغط في نوم عميق ، وعندما استيقظ من تخديره راح يسأل: أين أنا ؟ أين القصر والخدم ؟وتظن أمه أنه فقد عقله تماما، وتحاول أن تقنعه أنه أبو الحسن الرجل الفقير فيغضب ويهم بضربها، ثم يرى في جيبه ورقة أرخها عثمان سنة 185هـ حينما باع عرقوب وزارته، ويدعي كاتبها أن سعيدا سحر أبا الحسن بسحر بهرام، فيطلب أبو الحسن من عثمان أن يشتري له بخورا لفك السحر،وهنا يقدم الخليفة ويقول لأبي الحسن:(يكفي يارجل شقشقة لسان ، يكفي تدعي كرسي ملك الزمان)، ويخبره بحقيقة المداعبة، ويصلح بينه وبين أخيه ويرش الوزير الدنانير،ويصفع أبو الحسن عرقوبا ولكن هذا لا يبالي فقد كان مشغولا بجمع الدنانير .
ب - دراسة المسرحية :
استهلت هذه المسرحية بما ينم عن شخصية أبي الحسن ، وتبدو غفلته من حديثه مع خادمه عرقوب ، وقد عرفنا الاستهلال على رغبة أبي الحسن وعلى الشخصيات الكبرى وموقف أبي الحسن منها ، لكنه حوى حشوا يشير إلى كراهية أبي الحسن لإمام الجامع مما لم يوظف لخدمة المسرحية ، كما يبدو من خلاله رغبة أبي الحسن في صرف يعقوب عن عمله خلافا لما في المسرحية من اعتماده عليه اعتمادا كبيرا ،ومن هنا كان الاستهلال يتأرجح بين القوة والضعف .
وحوادث المسرحية تدور في الإطار التاريخي،فالخليفة هارون الرشيد عرف عنه حبه للمرح، ولكن المؤلف جعله يحب اللهو والخمر، بل وتحوي مائدة طربه الخمر والمخدرات ، خلافا لما ورد من سيرته عند العرب والمسلمين([40])، وبهذا يكون الكاتب قد أعمل مخيلته في النص التاريخي دون أن يتقيد فيه حتى بالإطار العام للشخصية ، آخذا برأي من سمح بالتصرف فيه بالملهاة دون قيد أو شرط، وقد دفع عنه المؤاخذة حين جعل ما يجري يدور حول مجذوب ، وحول هذا يدور الصراع في المسرحية :
فأبو الحسن المغفل على الصعيد السياسي: يود أن يصير خليفة ، ولما حقق له الرشيد مراده كان دائم القلق وكان يسأل : من أنا ؟ فيثير الضحك عليه ،وكان في منصبه يخاف من الأعاجم ولكنه يحب اللهو والمرأة أيضا فيدعو تصرفه إلى الخلاص من الأعاجم ثم تمسكه باللهو وتغزل الحارس به وهو يظنه فتاة – إلى التندر والضحك والسخرية .
وعلى الصعيد الاجتماعي: كان قد طلق زوجته وهو يريد الاقتران من دعد مما جعل عثمان يستغل سذاجته ليتزوج ابنته سلمى ، وأدى هذا به إلى شجارات وخصامات وشكوى للخليفة
وتبدو الحوادث غير منطقية تماما في المجتمع الإسلامي ،فهو يتَّهم الخليفة بشرب الخمر ووجود المخدرات على مائدته، ويجعله يثني على الاختلاط بين الجنسين بقوله " حقيقة يادعد إن أبا الحسن مستقيم نظرا لاتحاده مع عيلتكم ، ودخول الرجال على الحريم ، فهو بهذا الشأن صاحب الفضل ...وذلك لأنه يظهر بنته على أخيك وهو شاب فعن ذلك يجب الشكر له"([41])
كما وصف الخليفة بالساحر المريد والعفريت الشديد وجعله يضرب بالرمل ، ويحفظ جيدا سورة النمل !! وأنه يدخل البيوت بلا استئذان وفيها حريم .
وكأن الأديب أسقط أفكاره على هذه الشخصية وجعلها تنطق بما يريد .وقد انتقد د.شوقي ضيف هذه الطريقة بقوله " من حق الممثل أن يفسر التاريخ تفسيرا جديدا ما دام هذا التفسير لا يصطدم بحقائقه الكبرى ، وما دام لايخرج به عن إمكانيات الوقائع التاريخية الكبرى"([42]) .
ولم يكتف مارون بمخالفة الواقع التاريخي وإنما خالف أيضا الأعراف الفنية المتعارف عليها حين أنطق شخصياته بكلمات نابية ليضحك الجمهور، كما جعل المغفل يحاول أن يضرب أمه، وإن الفن ليرتفع بالذوق العام ولا يهبط به. وكان مارون قد رغب في المسرح للتهذيب فأخفق في دعواه .
وجاءت حوادث المسرحية مفصلة ، فقد أوضح الجزئيات ليوضح القلق الذي كان يعيشه أبو الحسن فيثير بذلك الضحك كما في قوله " أنت تقول إن خلافتي هي من أعوام جزيلة ،وأنا مفتكر أني كنت أبا الحسن من أيام قليلة ، أنسيت حين كنا على الدجلة مع الدراويش " ، ويقول لإسحاق : إسحاق، كن معي صادقا ولك مني الإنعام والثنا،وأخبرني على الصحيح من أنا ؟".
وعلى الرغم من أن النقاش قال عن مسرحيته " إنها مكتوبة ببيان عربي رفيع تتخللها اشعار تنشد إنشادا لتكون وسيلة جذب للمشاهدين "([43]) فإن أسلوبها يبدو متهافتا ، حتى السجع فيها بدا غير متقن ، وفي المسرحية كلمات عامية مرذولة مثل " لابق لي ، لابق لي جنسي ملايم لجنسه" وإيراد مثل هذه الكلمات باسم الواقعية يؤثر على لغة المتلقي ، ذلك لأن الأدب ينفذ إلى عقل المشاهد، وهذا يتطلب من الفن أن ينمي لغته ، كما أن العامية ليست أقدر على التعبير من الفصحى، والواقعية تتحقق بالموقف والفكرة لا باللغة ، وقد ترجمت مسرحيات أجنبية وبقيت تحكي الواقع بتصرفات شخصياتها وحوادثها.وإن الفصحى لتتطلب منا آدابا رفيعة لامبتذلة([44]).
وهذا نموذج من أسلوب المسرحية :
"يقول أبو الحسن لعرقوب : اعلم أن دادا مصطفى كشف لي عن الأسرار ، وأعلمني بأن مصيبتنا هي من سحر أدخله علينا ساحر من كهان عبدة النار الأشرار ، وذلك بسعي أخي سعيد عديم الوفا ... وأمرني لكي أشتري بخورا من كبريت وكمية وافرة من حنتيت ومنتيت .
- عرقوب : آه هذا ينفع لتمويت العفاريت .
- أبو الحسن : إيوا ، ومقصوده به ليأخذ لنا عن الماضي بالتار، ويحمينا بالمستقبل من الأخطار .
- .....
- عثمان : أنا الشريشي المعلم أنا الحكيم المعــزم
لقد نقذتــك جهرا من سحر بهرام قهرا
فكن لفضلي شهيـدا واحذر أخاك سعيـدا "([45])
فالعبارات ركيكة والسجع لم يزدها إلا ضعفا ، وفي النص كلمات غريبة ، ولهجة غير فصيحة كإبدال الثاء تاء في (التار بدلا من الثار) ، وأخطاء في التراكيب مثل (وأمرني لكي أشتري )والصحيح (أن أشتري)، وفيه دمج الشعر بالنثر ، وفي الشعر أخطاء مثل ( نقذتك بدلا من أنقذتك ) وأراد بوجوده أن يجذب المشاهدين ، ولكني أرى أنه لم يحقق مراده .
2- مسرحية السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم :
ألفها فرح أنطون ،وهي برأيي من المسرح التاريخي الجاد ، وقد يصنفها بعض الدارسين من المأساة .
وتحكي عن أخلاقيات السلطان صلاح الدين وانتصاره العظيم في حطين وفتح بيت المقدس (أورشليم) مما مهد للقضاء على الصليبيين في الدولة الإسلامية .
وكان مؤلفها قد رمى منها التنديد بالمستعمر الغربي الذي استعمر أراضينا منذ القرن التاسع عشر.
أ- موجز المسرحية
استهل المؤلف مسرحيته بمقدم رسولين من جوانا ملكة صقلية ، أحدهما يدعى بلونديل والآخر هنري ، وكانت جوانا تطلب من صلاح الدين مساعدتها ضد أعدائها،كما قدم إلى القصر الراهب برنت في اليوم نفسه ، وقد جذب هنري قلب فخر الدين بن صلاح الدين وإياز أكبر قواد صلاح الدين، وكانت رقة معاملته مبعث شك لدى صلاح الدين ، كما كان ميمون المجذوب يشتم منه روائح المكر والخديعة.
كان هذا المملوك هو ماريا أخت رنولد صاحب الكرك ، وقد صحبت الأمير بلونديل لتنفذ مأربا سعت إليه، وكان برنت قد خطبها من أهلها لكن رفضهم جعله يرحل عن ديارها ويترهب . ويفهم من كلام ماريا أنها جاءت تسعى إلى الزواج من صلاح الدين علها تكفه عن محاربة النصارى، فإن لم تستطع فالقتل لمن علا شأنه وتعاظم أمره . ويحاول برنت أن يجنبها عواقب هذا الخطر فيخفق، فيوعز إلى أخيها رنولد صاحب الكرك أن ينقض الهدنة بينه وبين المسلمين عل الحرب تحول دون مرادها وتقضي على عدوها ، ويقبض رنولد على قافلة حجاج للمسلمين بها أخت السلطان صلاح الدين فتثور ثائرته ويسير جيشه ويشتبك مع النصارى في معركة حطين يقتل فيها منهم ثلاثون ألفا ، ويقبض على الملوك وفيهم رنولد أخو ماريا، ويتابع صلاح الدين فتحه حتى يعيد بيت المقدس ، وتحاول ماريا بطرق شتى أن تنقذ أخاها من القتل ،وتعد إياز في الزواج منه إن ساعدها في ذلك ، ويكاد صلاح الدين يوافق لولا أن رسالة أوقعها برنت في أيدي المسلمين تصف نيله من الرسول صلى الله عليه وسلم ورغبته في الهجوم على أرض الحرمين الشريفين وتحريض النصارى لحرب شعواء ، وكانت غاية برنت من ذلك أن يصد ماريا عن الزواج من مسلم ، فيقتل صلاح الدين رنولد ويجن جنون ماريا فتعزم على الانتقام ، وتأتي إلى صلاح الدين مع بلونديل متنكرين ، فيدخل ميمون وهو فزع على مصير السلطان ، ويحذره من القادمين، وتسل ماريا سكينها ويهجم المسلمون للدفاع عنه ... ويعفو السلطان عن المرأة ويقتل مرافقها ، وفي هذه الأثناء يدخل برنت إلى السلطان ليطلب منه عقد الصلح مع النصارى ، كما حذره من ريكاردوس الملقب قلب الأسد ، ولكن البريد يقدم من الشام مخبرا بموت ريكاردوس غرقا في النهر وتشتت جنده ، فيقطع برنت الأمل من الانتصار على المسلمين ، ويخلع ثياب الرهبنة ويأخذ ماريا وهو يقول لها :" هلمي نفعل ما نشاء ما دام الأمر فوضى ،ويقول لصلاح الدين : سيأتي أحفادنا بثياب غير ثيابنا لأخذ الثأر، فيقول صلاح الدين للحاضرين : أسامعون أنتم أيها الناس هذا الإنذار ، حذار أن تغفل لكم عين او تهن لكم عزيمة ، إن الله مع كل قوم يذودون عن حماهم، وإن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم([46]) " .
ب - دراسة المسرحية :
1ً- الحوادث :
كان استهلال المؤلف لمسرحيته مفتاحا ضروريا لمعرفة الجو العام للمسرحية، إذ زرع فيه نويات صغيرة لأفعال كبيرة، وكان فيه مسح أولي لكل عناصر البناء من شخصيات وحوادث وأفكار ، كما عرفنا منه الصراع بين المسلمين والصليبيين ، ورغبة المسلمين في الجهاد، وتعرفنا على الشخصيات الهامة.
وكان مجيء الرسولين ممهدا لصراع درامي([47]) كان يفور في أعماق الإنسان والمجتمع ،وهذا الاستهلال يوحي بفكرة واحدة هي هذا الصراع الذي تكرر الإشارة إليه داخل العمل القصصي ، والروائي الناجح من يقدم أجزاء من بنية القص ولا يصرح بها كلها([48]) .
ويتكون البناء الدرامي([49]) لهذه المسرحية من أربعة فصول أو وحدات بنائية محددة ، وتقسم هذه الوحدات إلى مشاهد ترتبط مع بعضها بعضا برابط السببية، وتتكشف حكمة السلطان صلاح الدين من رغبته في إبعاد المملوك هنري عن القصر بتحريره بعدما شك في تصرفاته،ويبدأ الصراع برفض هذا المملوك الحرية، وتتضارب العواطف والآراء، وتقف عوائق خارجية دون تحقيق الآمال، ولم يك منشأ هذا الصراع عنصر حب خيالي فحسب ، وإنما كان إخلاص كلًّ لدينه سببه الأكبر :
1- فالسلطان صلاح الدين الأيوبي يمثل الفكر الإسلامي القوي ، وعزة السلطنة وشموخها، والإخلاص في العمل لله سبحانه، مع ذكاء شديد وحذر في التصرفات ، وصدر حليم واسع وحزم صارم في آن واحد،وبين هذا الحزم والرحمة ينشأ صراع يوجه لخدمة الدولة الإسلامية .
2- وماريا امرأة قدمت متنكرة بزي المملوك هنري ، لتنقذ بلاد النصارى ولا سيما مملكة أورشليم ( بيت المقدس ) خوفا من أن تسقط بأيدي المسلمين ، ولذلك حاولت أن تتقرب من السلطان لتتزوجه علها تتمكن منه فيجعل أخاها حاكما عليها ، أو تقتله إن استولى عليها وأبى، وكانت تصرفاتها موجهة لإحدى الغايتين .
3- وبلونديل قدم معها وساعدها على دخول القصر ، ولكنه كان يحذرها من مغبة تصرفاتها خوفا أن تعاقب أو يخسرها بزواجها من السلطان وهو المحب لها ، ولذلك كان يسألها باستمرار عن موقفها منه ، وكانت تقول له " إنك لاتجهل أن أعظم خطر الآن في المشرق على إمارتنا وعلى مملكة أورشليم أمر هذا السلطان صلاح الدين ، فإذا عجز الرجال عن التغلب عليه فدعوا النساء تفعل ، لا أسألك إلا أن تكون مني على ثقة ، وأن تبسط لي من حريتي ما أشاء فلا يكون إلا ما تشتهي على قدر استطاعتي([50]) " .
4- وأما برنت ،أو الأمير برنارقبل أن يترهب، فكان يحبها حبا جما . ولكن امتناع أهلها عن تزويجه جعله يترهب ويسعى لأن يقيم مملكة في السماء ومملكة في الأرض بالعمل لصالح دينه ، وكان أشد ما يخافه أن تقع ماريا في أيدي المسلمين ، أو تتزوج منهم ، وقد هددها إن قبلت الزواج منهم بكتاب أرسله أخوها وفيه عزمه على غزو الحرمين الشريفين ، وطعن بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وفعلا نراه يسلم الكتاب إلى المسلمين فيقتل صلاح الدين أخاها فتسعى للانتقام منه ، ويحرض برنت النصارى لحرب المسلمين واستعادة أورشليم فيقدمون بقيادة ريكاردوس قلب الأسد ، ولكن هذا يغرق فيتفرق جنده ، فيضجر برنت من هذا القدر ويخلع ثياب الرهبنة ويأخذ ماريا إلى بلادهما ، ويهدد المسلمين بجيل من الأحفاد يقضي عليهم بأسلوب جديد .
وهكذا مثل صلاح الدين الفكر الإسلامي ، ومثلت ماريا وصاحباها الفكر الصليبي .
ويتطور الفعل الدرامي([51]) مع مسيرة الحوادث وتأزم الصراع ، وتعلو النبرة شيئا فشيئا ليصل الصراع إلى أوجه إثر انتصار المسلمين في حطين ثم فتحهم لبيت المقدس ، ويبلغ التوتر الدرامي ذروته حين تحاول ماريا جهدها أن تنقذ أخاها فتخفق ، فتعزم على الانتقام وتقتحم مجلس صلاح الدين مع بلونديل ، ويلحقها ميمون محذرا السلطان وتستل سكينة فيسارع الحضور لإنقاذ السلطان، وتتوقف ويقتل مرافقها وتبدأ الأزمة بالانفراج ، والحبكة بالهبوط بمقدم برنت وغرق ريكاردوس ثم تنتهي المسرحية بخروج برنت يائسا من النصر ، عائدا إلى بلاده مع ماريا .
ومن خلال هذا الصراع تتضح العواطف ويعيش المشاهد أو القارئ في جو انفعالي بين الشفقة والخوف وبذلك تتطهر النفس البشرية من نوازع الشر والعنف والانفعالات السيئة ، فصلاح الدين يستحق أن يمجد لا أن يقتل ، وماريا تقع تحت الضغوط الدينية والضغوط الاجتماعية فيشفق عليها صلاح الدين فلا يقتلها، ولكنه لا ينفذ مأربها فحرمة الدين والحرمين الشريفين والرسول صلى الله عليه وسلم أقوى من كل شيء ، وهو يسلم أمره إلى الله بعاطفته الإيمانية القوية ، والمسلمون يخافون غدر الفتاة ومكرها ، وبلونديل وبرنت يخافان أن تتزوج مسلما ... وبين عواطف الخوف والشفقة تقوم المسرحية بعملية التطهير وتجعل المشاهد يتلقى درسا لاينساه في المروءة والإيثار والإخلاص لله سبحانه في العمل ، فيحس بالسعادة والراحة ، وهذا هو التطهير([52]) .
وكان عنصر المفاجأة في المسرحية قد ساند فكرة التطهير ، وقد بدا باكتشاف أن هنري هو أنثى لا عبد مملوك ، كما بدا في عزم صلاح الدين على قتل الأخ بعدما كاد قلبه يلين وذلك بالكتاب الذي سلمه برنت ، كما كان غرق قلب الأسد مفاجأة أخرى أنهت الصراع ، وكان موقف برنت من هذا القدر المفاجئ مفاجئا أيضا ، إذ نراه ينسى رهبنته ويقول لماريا ( قد دعوتني يوما إلى العودة معك إلى بلادك ، فهلمي مادام الأمر فوضى ، هلمي نفعل نحن مانشاء كما نشاء([53]) .
وقد حققت المسرحية بذلك مبدأ العدالة([54]) ، فالسلطان الفاضل نال جزاء عمله بفتح البلاد وترسيخ مبادئه السامية ، وصاحب الكرك الغادر كذلك نال عقابه ، وخسر اللئيم الحاقد وعاد إلى بلاده خائبا.
والكاتب لايتقيد بقانون الوحدات الثلاث وحدة الزمان والمكان والموضوع ، فمجرى الحوادث يمتد من أمد يسبق معركة حطين 583هـ إلى مابعدها بسنة ،إذ تشير المسرحية إلى أن ماريا بقيت في الدير مختلة العقل سنة بعد مقتل أخيها .
وكذلك لايتحد المكان بل يتوزع بين قصر صلاح الدين في مصر ومعركة حطين وفتح المقدس في فلسطين .
أما وحدة الموضوع فقد تحققت ، وسارت بشكل منطقي ، فمجيء الرسولين سبب الحديث عن ماريا وما دار حولها ، ووجودها في القصر وترهب برنت جعلاه يحرض أخاها للاعتداء على القافلة التي سببت معركة حطين ،ومن ثم مقتل أخيها وعزمها على الانتقام وإخفاقها في ذلك .
وقد حافظ المؤلف على الخطوط العامة للتاريخ ، وأضاف العنصر الخيالي " ماريا وما دار حولها " ، وكانت الحبكة الخيالية لاتقل في تماسكها عن العنصر التاريخي الحقيقي ، بل إن هذا العنصر أوضح الصراع وعواطف الانتقام ، وجسد الحقد الصليبي والرغبة في استعمار الأراضي الإسلامية .
والكاتب في عرض موضوعه لايعمد إلى الجزئيات لأن همه كان في تقديم الفكرة لكلا الطرفين ، فالمسلمون يرون في فتح بيت المقدس وسيلة لرفع كلمة الله في الأرض ، والنصارى يرون هذا أيضا بالنسبة إلى دينهم، ولذلك يقول بلونديل إن امتلاكنا هذه البلاد فرض علينا ومهما يصيبنا في سبيل ذلك فلا بد من قضاء هذا الفرض . وماريا تقول إن أعظم خطر الآن في المشرق على إمارتنا وعلى مملكة أورشليم استفحال أمر هذا السلطان ، شعوبنا في المشرق لاهمة لها إلا في بقاء أورشليم في ملكنا .
ولكن ماريا هذه تذبذبت فكرتها عندما قبض على أخيها، فالصدمة والخوف جعلاها تقول لبلونديل :" أنتم تسوقون الأمم على الأمم والشعوب على الشعوب اقتتالا حول الأوهام والأسماء وطاعة لأوامر الرؤساء ، فرض عليكم أن تملكوا هذه البلاد ، وفرض على أهلها أن يذودوا عنها فهلموا الآن واملكوها إن كنتم تستطيعون ، قد يقال هذا عن أرض لا ناس فيها في القمر والمشتري ... أما الأرض التي يسكنها العباد وتحتوي في بطنها على قبور الآباء والأجداد وعلى ظهرها خدور النساء وأسرَّة الأولاد فهي حرام حرام ، واليد التي تمد للقبض عليها إنما تقبض على النار أو القتاد([55]) ، أو تقول إن القدس كلها لاتعدل عندي الآن رأس أخي([56]) .
وبذلك يكون الكاتب قد أسقط فكرته عن الاستعمار الغربي على شخصياته، وهو يرى أقدامه توطد في أرجاء البلدان الشرقية ، وراح يدعو الوطنيين في مقالاته للتعاون لطرد الدخلاء([57]) .
2ً– شخصيات المسرحية
الشخصية البطل هي صلاح الدين الأيوبي وهو سلطان يحكم الشام ومصر تحت إمرة الخليفة ، ويتمتع بتقوى شديدة وبأخلاق سامية ن فهو يشكر الله ويتواضع له وهو في عزة النصر ، وهو متسامح حتى مع من حاول الإيذاء به، وهو يكرم الملوك ويؤمنهم إلا من تطاول على الإسلام ، ويجلس عدوه إلى جواره ، ويقول له : إنك ضيف صلاح الدين ، ويسقيه بيده ويطعمه ، وقد كاد أن يعفو عن صاحب الكرك الذي أسر أخته لولا كتاب برنت ، وكان قتله انتقاما للإسلام ونبيه ولأرض الحرمين الشريفين ، لاانتقاما لنفسه .
وهو ذو عزيمة ماضية ، يكرم الفرسان الشجعان، كما يكرم المرأة لضعفها ويعفو عن سيئاتها على الرغم من تكشف عدائها الشديد له ، وقد جعلت معاملته الحسنة قلبها يرق، وأعجبت به لولا أنه قتل أخاها .
أما الشخصيات الأخرى فقد رسمها الكاتب بما يناسب أدوارها، فماريا مثلا قدمت لتنفذ مأربا سياسيا ولهذا بدت جريئة في مواقفها كلها : في إلحاحها على البقاء في القصر ، وفي رغبتها في الانتقام ودخولها لتقتل صلاح الدين .وبرنت الراهب مثل دور المحرض الديني- السياسي.
3ً الحوار :
كان الحوار يرسم هذه الشخصيات من خلال الأحاديث الثنائية أو الجماعية ، وأحيانا من خلال الحوار الذاتي ، وقد ندر الأخير وبدا في الأزمات النفسية فحسب، من ذلك قول السلطان صلاح الدين لنفسه حين أصر هنري على البقاء في القصر :" إذا اجترأت الممالك على سادتها فقد لزم العدل ، والعدل فوق الرحمة ، ثم يتوجه إلى الغلملن ويقول ... "
فالكاتب هنا يستقرئ مشاعر السلطان الذاتية تجاه الفتى الجريء ، ثم يعود إلى الواقع الداخلي يستفتيه في أمر هذا الفتى ، وكأن المؤلف متفرج يسمع وينظر ما سيكون، ثم يأتي الحل الجازم" شدوا وثاق هذا الخادم "([58]) .
وقد تكون النجوى الذاتية دعاء يناجي به العبد ربه ، يقول صلاح الدين في دعائه :" اللهم عونك وسترك ، اللهم غفرانك ورحمتك ، اللهم احفظنافي الآخرة كما حفظتنا في الأولى ، اللهم حوالينا لاعلينا([59]) "
ويتميز حوار هذه المسرحية بالإيجاز والتركيز ،من ذلك الحديث الذي جرى بين برنت وماريا :
- ماريا ، أحق أنك مَنْ ذكرت ، ويلاه مافعلتَ بنفسك ؟ وما تعمل ؟ وأين تقيم ؟
- فليكن همك في إنقاذ نفسكِ ، أما أنا فإني بحمل همي كفيل .
- ماريا بشيء من الاستغراب : ومم أنقذها ؟
- من غضب الله المقبل ، فرِّي من هذا القصر قبل أن تسد في وجهك أبواب الفرار.
- وما في الأمر ؟
- في الأمر أن الأرض ستزلزل زلزالها وتخرج أثقالها ، إن الشعوب ستثب على الشعوب وثبة الجبال على الجبال ، والويل لمن يلقي بنفسه بين شقي الرحى كما تفعلين
- ولكننا في هدنة .
- الهدنة ، الهدنة ؟ هذا ما نسعى جميعا إلى هدمه، في الجانبين قد نقضت الهدنة أو تكاد([60]) "
فالحوار جاء بعبارات قصيرة ، ومركزا ينم بتساؤلاته الكثيرة عن انفعالات شتى وعن جهل أحد الطرفين بما سيكون وإنذار برنت مما سيكون من خطر بعد أن عزم الصليبيون على نقض الهدنة .
وقد يطول الحوار ليؤدي فكرة أو يصف موقفا فيكون جزءا من الحدث يدفع به نحو التطور ، ويكشف عن نفسية قائله وأفكاره كما في حديث برنت مع ماريا إذ طلب منها أن تعود إلى وطنها فأجابته :
- أتعود إن عدت ، إني الآن مطلقة الحرية ولا سلطة لأهلي علي .
- كفى كفى إني لك ناصح لامستعط ، لاأجرب هذه التجربة مرة أخرى ، قد أصبحت لك كارها كراهتي لأعدى أعدائي . نكوصا أيها الأصاغر الذين يجوز عليهم ذل امرأة ويطأطئون الرؤوس تحت نيرها ، كم في الدنيا من عظائم الآمال وكبائر الأعمال ما يشغلنا عن سم هذه الحشرة ، قد صارعت نفسي فصرعتها وصرفت مجراها إلى أمورأخرى ، إني الآن أبني مملكة في الأرض وأخرى في السماء فلا أبيعها بفتر أو ذراع من جسم امرأة ([61]) "
فهذا الحوار وإن طال حدد لنا علاقة المتحدثين ، ومسلك برنت في حياته بعد أن أخفق في حبه ولم يعد يثق بامرأة ، ورغبته في أن يبني _حسبما يقول _ مملكة في الأرض وأخرى في السماء .
4ً – لغة المسرحية
اهتم فرح أنطون باللغة المسرحية فكانت لغة فصيحة توفرت فيها عناصر الجمال التعبيري والتصويري ، ذلك لأن من شروط المأساة أن تكتب بلغة رائقة ناضرة ، يقول درايدن : "إن من حق المعنى الجميل أن يختار له اللفظ الجميل([62]) " ويقع العبء الأكبر من جذب المسرحية للمشاهد على اللغة ، ولذلك يجب أن تكون محببة، وأن تشد المشاهدين على المتابعة .
وأسلوب المؤلف في هذه المسرحية ينفذ إلى القلوب بلغته المصورة العذبة الجرس ،يقول مثلا :
" ميمون :- ولكننا والله في حاجة إلى الأفعال لا إلى الأقوال، إن سيوفنا أصبحت ظمأى للأعناق والهام ، ورجالنا ملوا الإقامة بين النساء في الدور والخيام ، وجيادنا أضرَّ بها فرط الجِمام([63]) " .
فالكاتب هنا اعتمد على العنصر التصويري والموسيقي معا ، فالسيوف ظمأى للأعناق والرؤوس (استعارة) ، والخيول أضر بها طول الراحة ( استعارة )، والسجع بحرف الميم المردوفة أكسب العبارات نغمة عذبة .
ويقول أيضا مصورا موقف إياز من الهدنة موجا خطابه إلى السلطان صلاح الدين :" قد تفطرت كبدي الساعة لموقف مولاي الأمير فخر الدين، ومع ذلك فما الذنب ذنبنا إن كان ثمة ذنب ، إنما الذنب ذنب الهدنة التي تغرينا بعيش كعيش النساء ، خلقنا لتحطيم الممالك وضرب أعناق الملوك وجعل أعزة أهلها أذلة ، والسلطان يغلُّ أيدينا بهذه الهدنة ثم يقول لنا صونوا أخلاقكم ، ولا تطيعوا هوى نفوسكم ،عبئنا للقتال واشغلنا به ثم انظر أي الرجال نحن، إن الدهر لايجود على الإسلام مرتين بمثل صلاح الدين ففي عهده الآن وذمته هذه السلطنة وهذه الأمة فإن قضى ولم ينقذهما كان حسابه عسيرا في يوم الدين([64]) ".
فالكاتب هنا عمد إلى الأسلوب التصويري في ( تفطرت كبدي ) ، وفيها أيضا كناية عن شدة الألم . وفي ( الهدنة تغري بعيش كعيش النساء ) استعارة وتشبيه، وفي (هوى النفوس يطاع) استعارة ، و: (الدهر لايجود بمثله) استعارة تشخيصية . وفي كلمة ( تحطيم الممالك )
تصوير للرغبة الجامحة في الحرب وإيحاء بشدة البطولة.
أما تصوير المفارقة بين الواقع المعاش والأمل المرتقب فقد رسخ فكرة الجهاد في نفوس أولئك الأبطال .
كما أن الكاتب عمد إلى عناصر لغوية أخرى يجود بها أسلوبه كالاقتباس من القرآن الكريم في ( وجعل أعزة أهلها أذلة ) ، والتكرار والسجع في ( صونوا أخلاقكم ولا تطيعوا هوى نفوسكم ) وقد وفرا للعبارتين موسيقى لطيفة .
وقد جاء الحوار بالفصحى في وقت اشتدت فيه الدعوة إلى العامية باسم الواقعية ، ولكن المؤلف أدرك أن الواقعية ليست في اللغة وإنما في المواقف والتصرفات بحيث تكون مشابهة لما يجري في الحياة .
وفي المسرحية قليل من الشعر وجاء في مجمله تهنئة للسلطان صلاح الدين بعد انتصاره في حطين وفتحه لبيت المقدس .
وأخيرا أستطيع أن أقول إن المسرح شق طريقه إلى أدبنا العربي في عصر الدول المتتابعة لكنه توقف واقتصر على مجالات التسلية واللهو في الأوساط الشعبية ، فلما كان أواخر العهد واطلع أدباء العرب على المسرح الغربي وأهميته في الحياة اتخذوه وسيلة للتأثير لا وسيلة للتسلية فحسب ، فنشطوا للتأليف والتمثيل ،وتعددت ألوانه وأساليبه شأنه في ذلك شأن الفنون الأدبية كلها .
([1]) محمد بن دانيال (ت710هـ) شاعر من العراق ، استوطن مصر ، وله مؤلفات مسرحية : أعيان العصر 4/432
([2]) المسرحية في الأدب العربي الحديث /73-74 .
([3]) المسرحية في الأدب العربي الحديث /29 .
([4]) ابن النقيب الدمشقي هو عبد الرحمن بن محمد بن كمال الدين الحسيني المعروف بابن النقيب، خلاصة الأثر 2/290 .
([5]) خلاصة الأثر 2/290 .
([6]) العصر العثماني 276-278 .
([7]) العصر العثماني /279-281 .
([8]) العصر العثماني /281 .
([9]) كتابه "المسرحية في الأدب العربي الحديث (1247-1914) " ينتهي بـ 1914م ، و حتى هذه المدة كانت الدولة العثمانية تبسط ظلها في الأرض العربية، وكان أدباؤها من رعايا الدولة العثمانية، ولهذا فإني أرى العصر العثماني ممتداً حتى الثورة العربية الكبرى حين انفصل العرب عن العثمانيين، تنظر مقدمة كتابي الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة.
([10]) مارون بن إلياس النقاش ( 1232- 1271هـ / 1817-1855م) كان تاجرا من لبنان ، ثم سافر إلى فرنسا فاطلع على المسرح فيها وأتقن الموسيقى ، وكان شاعرا ، فلما عاد إلى لبنان بدأ ينشر هذا الفن الأدبي : الأعلام 5/ 253.
([11]) يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة هو جيمس سنوا، يهودي مصري ولد في القاهرة ( 1255هـ /1839م ) ودرس الأديان الثلاثة، وصار مستشاراً للأمير أحمد يكن ، فأرسله إلى إيطاليا فدرس اللغات وفن الرقص ، ثم عاد ليؤسس مسرحاً في مصر، له حوالي ثلاثين مسرحية، وقد نفاه الخديوي إسماعيل لانتقاده له في مسرحياته ، ومات في باريس: الأعلام 8/198
([12]) المسرحية في الأدب العربي /75 .
([13]) سلاطين العثمانية: أحمد أفَة، قونية ، دار النشر Sanat Yayin Lari ، ط1996 ، ص62-72 .
([14]) حلية البشر 3/1240 .
([15]) أحمد بن محمد المعروف بأبي خليل القباني ( 1252-1320هـ) من أوائل المسرحيين في سوريا ، تركي الأصل من مدينة قونية : الأعلام 1/248
([16]) المسرحية في الأدب العربي /62-64 .
([17]) عجائب الآثار /21-22 .
([18]) المسرحية في الأدب العربي /38 و45 و82 .
([19]) المسرحية /33-34 .
([20]) الأدب المقارن /173 .
([21]) المسرحية في الأدب العربي /36-38 .
([22]) نقولا النقاش (1825-1894م) شاعر درس اللغات وله ديوان شعر طبع (1879م) وكان على علم بمتطلبات الفن المسرحي فقد طالب ممثليه أن ينفعلوا مع الحدث من غير ما تكلف: الأعلام 8/45 ، والمسرحية في الأدب /41-43
([23]) المسرحية في الأدب /44 .
([24]) المسرحية في الأدب العربي /88-91 .
([25])المسرحية في الأدب العربي / 84 .
([26])المسرحية في الأدب العربي / 46-47 و94-98 .
([27]) المسرحية في الأدب العربي /66-68 .
([28]) المسرحية في الأدب العربي / 66 و 125-126 .
([29]) سلامة حجازي ولد 1852 ومثل في بلده مصر بين (1905-1914) ،واتصل بالمتصوفة المنشدين وأحب التوسع في التواشيح الصوفية، ثم خطا نحو التمثيل ومثل صلاح الدين، ومظالم الآباء وغانية الأندلس: المسرحية في الأدب العربي /135-138 .
([30]) المسرحية في الأدب العربي / 80 ، 104 ، 130 .
([31]) المسرحية في الأدب العربي /57 .
([32])المسرحية في الأدب العربي /55 .
([33]) إبراهيم الأحدب (1826-1891)، المسرحية في الأدب العربي /57 .
([34])المسرحية في الأدب العربي /58 .
([35]) المسرحية في الأدب العربي/310-311 .
[36]) شوقي شاعر العصر الحديث / 174
([37] ) كانت المسرحية تسمى رواية ، ولذلك يحمل الغلاف اسم رواية أبي الحسن ... ورواية السلطان صلاح الدين ...
([38] ) الملهاة مسرحية تستمد موضوعها وشخصياتها ومشاكلهم ، وتنتهي نهاية سعيدة ، ولغتها من لغة الحياة الجارية : معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية / 217 . أما المأساة فموضوعها وشخصياتها من حياة الأعيان والنبلاء ، ولغتها ذات أسلوب قوي وجزل : المرجع نفسه
([39] ) فرح بن أنطون بن إلياس أنطون (1291-1340هـ / 1874-1922م) كاتب من طرابلس لبنان ، انتقل إلى لبنان وشارك في نهضتها وفي مقاومته للمستعمر ، له ما يقارب من خمس وعشرين مسرحية ، توفي في القاهرة : الأعلام 5/141.
([40] ) تصف الكتب التاريخية الخليفة هارون الرشيد بأحسن الأوصاف ، فابن الجوزي في المنتظم يذكر أنه على حبه للمرح ( لا للمجون ) كان كثير البكاء من خشية الله ، وكان تقيا نقيا ورعا ، وقد تتبع الزنادقة وقتل كثيرا منهم( ج8ص324و328). وفي تاريخ عصر الخلافة العباسية ليوسف العش أنه كان شديد النفور من البدع ، وقد شرب النبيذ(لا الخمر)على طريقة العراقيين : ص62 ،والنبيذ يكون بإلقاء تمر أو زبيب في الماء وتركه ليحلو مدة لا يتخمر فيها. وفي كتاب تاريخ الإسلام السياسي : كان مهيبا عند الخاصة والعامة، وكان يصلي في كل يوم مئة ركعة ، وقد حج سنة وغزا سنة على مدى تسع سنين حتى قيل عنه " كان يحج سنة ويغزو سنة " ولم يحج خليفة ماشيا غيره ، وكان يكرم العلماء ويكره المراء في الدين:2/60، أما في كتاب تاريخ الخلفاء فقد ورد انتصاره على الروم في معركة هرقلة ، وفتحه لقبرص وحصن الصقالبة ومقدونية : ص289.
([41] ) رواية أبي الحسن /15
([42] ) شوقي شاعر العصر الحديث /180
([43] ) المسرحية في الأدب العربي الحديث / 36 و38
([44] ) وقفات مع لغة المسرح / 211
([45] ) رواية أبي الحسن /129
([46] ) السلطان صلاح الدين أو مملكة أورشليم / 62 .
([47] ) الصراع الدرامي ينشأ من تضارب العواطف في ظروف متباينة ، وينمو في تربة الميول والغرائز ، والظروف اللذيذة والمؤلمة ، وهو نوعان ك صراع داخلي وآخر خارجي : فن كتابة المسرحية / 28 .
([48] ) الاستهلال / 26 .
([49] ) البناء الدرامي هو الجسم الدرامي المتكامل في حد ذاته ، والذي يتكوم من عناصر مرتبة ترتيبا خاصا ، وطبقا لمزاج معين لكي يحدث تأثيرا معينا في الجمهور : معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية /94 .
([50] ) السلطان صلاح الدين /13
([51] ) الفعل الدرامي هو تحرك أو تطور الحادثة داخل الحبكة أو التكوين العام للمسرحية : معجم المصطلحات / 207
([52] ) عرف أرسطو المأساة بأنها محاكاة فعل نبيل تام ، لها طول معلوم بلغة مزودة بألوان من التزيين تختلف وفقا لاختلاف الأجزاء ، وتتم بواسطة أشخاص يفعلون ، وتثير الرحمة والشفقة فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات : فن الشعر /18
([53] ) السلطان صلاح الدين /62
([54] ) وهو أحد شروط المأساة : فن الشعر / 34
[55])) السلطان صلاح الدين /38-39
([56]) نفسه / 39
[57] ) المسرحية في الأدب العربي الحديث /329 .
([58] ) السلطان صلاح الدين /31
([59] ) نفسه /52
[60] السلطان صلاح الدين / 22
([61] ) السلطان / 23
([62] ) درايدن والشعر المسرحي / 27
([63] ) السلطان /5
([64] ) السلطان /18
وسوم: العدد 678