النثر العربي في عصر الدول المتتابعة 8

الفصـل الخامـس

فن الرحلات في عصر الدول المتتابعة

من الفنون الأدبية التي توسع فيها أدباء عصر الدول المتتابعة، وصبغوها صبغة أدبية ودينية فن الرحلات، وهو فن يصور حياة الناس في هاتيك الأزمنة، في المناطق التي وطئتها قدما الرحالة ويتحدث عن أنشطة سكانها، وما شاهده في مشارق الأرض ومغاربها من حضارات الأمم، ومعتقداتهم وأحوالهم السياسية والاجتماعية والثقافية.

وتعد الرحلة كما قال محمد سعيد العريان "نصف العلم" ([1]) فصاحبها يَطَّوّف في البلدان، ويطلع على حياة الشعوب، ويرى تجاربهم وحضارتهم بصورة حية، فتزداد معرفته وثقافاته.

وقد عرف العربي الرحلة ووصفها منذ وقف على أطلال المحبوبة ونعت ما آلت إليه بعد رحيل الظعينة… كما سطر العلماء ولا سيما أهل الحديث الشريف في كتبهم أخباراً عن رحلاتهم العلمية متناثرة هنا وهناك، ولكنهم لم يحدثونا عن أحوال الشعوب وحضاراتهم ، وعن ذكرياتهم وانطباعاتهم عنها إلا لمماً، كما وجدت كتب للرحلات في العصر العباسي اصطبغت غالبا بالصبغة الجغرافية ، فكتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" لمحمد بن الشريف الإدريسي (ت560هـ) قسم فيه العالم إلى سبعة أقاليم حسب درجات الطول والعرض، وشرح في كل إقليم مناخه وأحواله الجغرافية كما ذكر فيه ما رآه من طرق المعاش وأحوال الأمم، من ذلك حديثه عن أصل الأكراد إذا أوضح أن بلاد فارس كان بها أربعة رموم، والرموم محال الأكراد، ولكل رم منها قرى ومدن مجتمعة، وفيها رئيس من الأكراد، ثم ذكر عاداتهم، ثم قال: "وحكى ابن دريد أنهم من العرب من ولد كرد بن مرد" ([2])، كما تحدث عن عادات الناس في جزيرة القمر، وأورد أخباراً عن عجائب المخلوقات البرية والبحرية، كما في حديثه عن ناس رؤوسهم كرؤوس الدواب، يغوصون في البحر فيستخرجون دواب البحر ويأكلونها([3])، كما ذكر قصة الفتية الثمانية الذين سموا بالفتية المغرورين، الذين حاولوا اكتشاف ما وراء بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) فوصلوا إلى أراضي أمريكا، وسجنوا فيها مدة، ثم أعيدوا إلى المشرق معصوبي الأعين، وعادوا إلى بلادهم وحكوا ما رأوه في رحلتهم ([4]) .

وكأن هذا المؤَلَّف الطريف وأخبار العلماء عن رحلاتهم العلمية قد شجعت الكثيرين على تسجيل رحلاتهم كائنة ما كانت دواعيها ومجريات أحداثها، وقد اصطبغ بعضها بالصبغة العلمية، وآخر بالصبغة الدينية، أو التاريخية أو الأدبية.

ففي عصر الدول المتتابعة نرى كتاب "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" ويقع في سبعة وعشرين جزءاً تحدث فيه مؤلفه أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري عن عالم الحيوان والنبات وكان يصف الحيوان أو النبات، ويبين ظروف معيشته وفوائده الطبية، ملتزماً في ذلك الصبغة العلمية كما كانت معروفة في عصره، أو كما نقلها من كتب من سبقه، وكان يلتزم العلم في بعضها([5]) وفي بعضها الآخر أخبار لا يصدقها عقل كما في حديثه عن الهدهد ([6]) .

 أما كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وهو رحلة شمس الدين اللواتي الملقب بابن بطوطة فقد اصطبغ بالصبغة التاريخية والدينية إذ حكى فيها قضايا سياسية ودينية واجتماعية، وعني بالحكام وعاداتهم وطرق تعاملهم مع شعوبهم، كما كتب شمس الدين السخاوي ثلاث رحلات هي الرحلة المكية، والرحلة الحلبية، والرحلة السكندرية تحدث فيها عن زيارته لهذه المناطق ([7]) .

وفي العصر العثماني كثر هذا اللون واصطبغ بالصبغة الأدبية والدينية لأن كثيرين من كتابه كانوا شعراء وعلماء، فالشاعر عبد الغني النابلسي كتب رحلته إلى الحجاز تحت عنوان "الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى الحجاز" وهي رحلة تتحدث عن زيارته للأماكن الدينية وللمزارات الصوفية، وهي مليئة بالفكر الصوفي بأسلوب رمزي يتحدث عن فكر صوفي متطرف كعلم الظاهر والباطن،والنور المحمدي ووحدة الوجود لديهم([8]) .

وللمؤلف نفسه رحلة "الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية" التي تحدثت عن سفره إلى القدس والمسجد الأقصى، و "الرحلة الطرابلسية" إلى مناطق طرابلس في بلاد الشام، وجميع هذه الرحلات تعكس أفكار عبد الغني النابلسي الصوفية، وتتحدث عن الطرق الصوفية، وفيها مدائح للرسول r وللأنبياء الآخرين، وللعلماء الذين كان يلتقي وصحبه المرافقون له بهم([9])، وقد امتزج فيها الشعر بالنثر.

ومن الرحلات الأدبية الرحلة الرومية وتحفة الأدباء وسلوة الغرباء وكلاهما لإبراهيم بن عبد الرحمن الخياري ، وهي تصف المدن التي مرّ بها وتترجم لشخصيات التقى بهم، ويورد خلالها قصائد له ولغيره ،وفيها مدائح لشخصيات التقى بهم([10]).

   ومن رحلات العصر العثماني أيضاً الرحلة الوردية في الرحلة الرومية لأحمد الحصكفي وحادي الأظعان إلى الديار المصرية لمحب الدين بن تقي الدين الحموي ([11])، وتتحدث عن رحلته من نجد إلى مصر 978هـ، وله أيضاً "بوادي الدموع العندمية بوادي الديار الرومية" التي تتحدث عن رحلته من دمشق إلى الآستانة في 981هـ،والرحلة التبريزية وهي تتحدث عن حروب العثمانيين للعجم في عهد السلطان مراد الثالث .

ولفضل الله بن محب الدين الحموي ( ت 1082هـ) الرحلة الحلبية والرحلة الرومية والرحلة المصرية، و لعبد الله بن حسين السويدي (ت1174هـ)  "النفحة المسكية في الرحلة المكية" ، ولمصطفى بن كمال الدين البكري([12]) رحلة الخمرة المحسية في الرحلة القدسية ، والحلة الذهبية في الرحلة الحلبية... وغير ذلك من رحلات العصر .

أولا _ مصادر هذه الرحلات :

تتداخل في الرحلات الثقافة المخزونة في ذاكرة الكاتب مع ما يراه ويطلع عليه خلال تجواله وتحركاته، حتى ليصعب على المرء أن يميز بين الثقافتين، وأن يوضح مصدر ما يعكسه من مواقفه وآرائه، ولكن الصبغة العامة تبدي أن مصادر هذه الرحلات كانت متعددة، فهناك المصادر الدينية والأدبية الشعرية منها والنثرية، والمصادر التاريخية، والعلمية، وخبرة الكاتب في حياته المادية منها والمعنوية مما يتعلق بالواقع المعاش والمرئي.

1- المصادر الدينية:

ففي الرحلات أحاديث عن الأنبياء والصحابة والمتصوفة، وذوي الملل والعقائد غير الإسلامية، وأقوال للمفسرين فعبد الغني النابلسي تحدث في رحلته "الحضرة الأنسية" عن الصخرة المقدسة وارتفاعها بين السماء والأرض، وذكر الجبل الذي رفعه الله سبحانه كأنه ظلة عقوبة لبني إسرائيل، كما تحدث عن أقوال المفسرين في أسباب العقوبة، ثم ربط بين رفع الجبل ورفع الصخرة وذكر أن الله سبحانه أمر جبريل عليه السلام بقلع جبل الطور فظلله فوقهم فخافوا وقبلوا ما جاء في التوراة من تكاليف، وأورد الآيات القرآنية في جبل الطور ثم علق على ذلك فقال: إذا رفع الله تعالى الجبل على بني إسرائيل بقدرته فكان واقفاً في الهواء بين السماء والأرض كما أخبر الله تعالى عن ذلك، فهو قادر على أن يجعل الصخرة واقفة بين السماء والأرض كذلك إلى يوم القيامة "([13]) .

فهنا نرى الثقافة الدينية تبدو واضحة في قصة الصخرة في حديث الإسراء والمعراج وربطها برفع الجبل فوق بني إسرائيل ، وفي نقل تفسير البيضاوي لذلك وتعليله له بقدرة الله سبحانه.

ومن الأحاديث الدينية أيضا حديث النابلسي عن المتصوفة ورأيه عن السماع ، فهو يزعم أنه مباح لأنه يطهر القلب ويدعو إلى التفكر، وقد قال في ذلك:

إن السماعَ سماعَ النايِ والوتر

 

 

يسقي أراضي نفوسِ الناس كالمطر

 

وكلُّ مَن قال بالتحريم مقصدُه

 

 

تحذير ذي الخبث من مستحكم الشرر

 

ومن يقلْ فيه بالتحليل فهو على

 

 

إرشاد ذي الطيبِ للتَّذكار والفِكَر ([14])

 

وسترد عند دراسة رحلة ابن بطوطة أحاديث دينية كثيرة.

2- المصادر التاريخية والاجتماعية :

من ذلك حديث العمري في مسالك الأبصار عن جبل أبي قبيس في مكة المكرمة إذ يذكر أنه عرف باسم رجل (من جُرْهَم كان قد وشى بين عمرو بن مُضاض وبين ابنة عمه مية، فنذرت ألا تكلمه، وكان شديد الكلف بها، فحلف ليقتلن قبيساً، فهرب منه في الجبل المعروف به وانقطع خبره فسمو الجبل أبا قبيس، قال ابن عباس" هو أول جبل وضع على الأرض، قال الزمخشري كان يسمى في الجاهلية الأمين ([15]) …."

ومن ذلك أيضا حديث ابن بطوطة عن الحكام وحروبهم في البلدان التي يصل إليها .

3- المصادر العلمية :

من ذلك ما أورده العمري عن فوائد النباتات والحيونات، وطرق معاشهم، والمناخ الملائم لهم، فقد ذكر أن جوف الجراد وبيضه مثلاً إذا طلي بهما على الكلف أبرأه([16]) ولحوم الأفاعي تجفف وتحلل تجفيفاً وتحليلاً قوياً، وإذا طبخت وأكلت تحد البصر وتوافق أوجاع العصب([17])، والخوخ يجب أن يؤكل قبل الطعام لأنه إذا طفا في المعدة فسد أو أفسد الطعام، وهو يطفئ الحرارة([18]).

4-  مشاهدات الحياة الواقعية :

ومنها حديث ابن بطوطة عن أوضاع الناس وعاداتهم في البلدان التي ذهب إليها، كحديثه عن عادات الزواج في جزر ذيبة المهل([19])، وعن مكانة المرأة عند الترك ([20]) وعن العادات عند حدوث الوفاة في عراق العجم ([21]) .

ثانيا :أساليب الرحلات :

على الرغم من أن الصبغة العامة للنثر الفني في عصر الدول المتتابعة هي النثر المسجوع أو المصنوع، وكان أصحابه يعتقدون أن هذا يشير إلى مقدرتهم البلاغية في الإتيان بعبارات جميلة ذات جرس موسيقي عذب، إلا أن عامة كتاب الرحلات نأى عن هذا إذ كتب معظمهم بأسلوب مرسل لا تَّعَمُّل فيه ولا تكلف، فأحمد بن يحيى العمري في مسالك الأبصار يرسل عباراته إرسالاً، ويستخدم الكلمة الدالة على المعنى دونما زخرف أو تصنع، خلافا لما يفعله في رسائله الأدبية ولكل مقام مقال، فهو مثلاً يقول في رحلته عن "دم السلحفاة البحرية إذا شرب بشراب وأنفحة أرنب وكمون وافق مَن به صرع، ومرارة السلحفاة تصلح للخناق لطوخاً، والقروح الخبيثة العارضة في أفواه الصبيان، وإذا وضعت في منخري مَن به صرع نفعته، وإن أحرقت سلحفاة بحرية حتى تبيض بالحرق وسحقت مع السمن وطلي به على قطعة جلد ووضع على السرطان المتقرح نقئ أوساخه وألحمه ومنعه من أن يعود، وهو أولى بأن يبرئ جميع القروح وحرق النار" ([22]) .

فالمؤلف كما نرى لم يأت في نثره بجمل متوازنة أو مزدوجة، ولا لجأ إلى إثارة عواطف القارئ عن طريق التصوير والإيحاء، وإنما جاء باللفظ على قدر المعنى وكان أسلوبه بيّناً واضحاً، وهذا من سمات الأسلوب العلمي.

وهذه السمة تبدو أيضاً في الرحلات الدينية، أما الرحلات الأدبية فيبدو فيها التأنق اللفظي غالبا، ففي تحفة الأدباء لإبراهيم الخياري نرى المؤلف أحيانا يرسل أسلوبه إرسالاً ، وتارة يجوده ويزينه حسب مفهوم عصره ، من ذلك قوله ( ...ومع هذه النسخة المتضمنة للرسالة والقصيدة نسخة من التاريخ المتعلق بالفتح المبين والمشكور السعي الحميد فتح قلعة جريد، فأخذها بيده الشريفة، ولم يزل يردد النظر فيها ويستحسنها استحسان متعجب، ويقرأ منها موضع التاريخ فيسمعه من حضر ولفظ الأبيات، وقد جاءت على عجل كلفظ التاريخ…، فإنه أول تاريخ سمع في هذا الفتح من العربي والتركي … فالحمد لله على إحسانه والشكر على مزيد الإنعام، وجعله من المقبول في سوقه، الموفي واجب حقوقه) ([23]) .

فالكاتب هنا نراه لا يتكلف سجعاً ولا اقتباساً وإنما يأتي بالعبارة الدالة على المعنى، إلا أنه في موطن آخر يبدي تكلفاً وتصنعا على نحو قوله (ثم سرنا غير بعيد، فإذا حصباء الثلج قد ملأت علينا كل فج، وغطت كل نهج، جاءت من كل الجهات، فملأت حتى العربات، ولم نجد من شرها معتصماً، وليست ماء فتقول )سآوي إلى جبل يعصمني من الماء( ولم يكن منها الفرار، بل خشينا أن يصير موجود الحياة عدماً، ولم يعرف ذاهبنا مذهباً) ([24])

فرغبة الخياري فيما أرى في تجويد العبارة جعلته يتكلف بعض العبارات من مثل (جاءت من كل الجهات فملأت حتى العربات …) (ولم يكن منها الفرار، بل خشينا أن يصير موجود الحياة عدماً ولم يعرف ذاهبنا مذهبا) فذكر العربات، والطباق بين الموجود وعدمه والجناس بين ذاهبنا ومذهباً واضح التكلف وقد خرج به الأديب عن حد الطبع إلى التطبع.

وسأدرس بالتفصيل رحلة ابن بطوطة نموذجاً للرحلة في العصر المملوكي والنفحة المسكية في الرحلة المكية وهي من العصر العثماني.

ثالثا : دراسة نماذج من الرحلات:

1- رحلة ابن بطوطة المسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار):

أملاها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي في 756هـ على الكاتب ابن جُزَيّ بعد عودته إلى مدينة فاس في 756هـ ، وتقع في ثمان وأربعمئة صفحة .

أ- تلخيص الرحلة :

  خرج ابن بطوطة من بلاده طنجه 725 هـ إلى الحج وكان عمره اثنتين وعشرين سنة، وكان يحكم الأندلس يومذاك أبو سعيد يوسف بن عبد الحق([25]) ولما وصل إلى تلمسان التقى بقاضيين فصحبهما في رحلته، ثم مر على مدن الجزائر مثل بجاية ومليانة فقسنطينة، ثم وصل تونس ودخل صفاقس ثم ذهب إلى طرابلس، ثم دخل مصر من الإسكندرية، وقد تحدث عن مدنها وعلمائها ولاسيما المتصوفة منهم، وعادات أهلها، ومساجد المدن وقبورها، ونهر النيل وشهرته، وأهرامات مصر وسبب بنائها، وأورد خبرين في ذلك أحدهما أن النبي إدريس عليه السلام لما علم بطوفان نوح بنى الأهرام ليحفظ بها العلم، وثانيهما أن ملكاً من ملوك مصر رأى رؤيا هالته فبنى الأهرام ليحفظ بها العلم وجثث الملوك.

كما أشاد ابن بطوطة بمحمد بن قلاوون سلطان مصر في عهده، وذكر إعانته للحجاج وجلوسه للمتظلمين، ثم تحدث عن رحيله إلى جنوبي مصر حيث الأقصر وأسنا وعيذاب، ثم انتقل إلى بلاد الشام فدخل فلسطين، وزار مدينة الخليل ومسجدها الذي بناه سليمان عليه السلام، وقبور الأنبياء، وتحدث في بيت المقدس عن قبة الصخرة، ثم انتقل إلى عسقلان والرملة وذكر أن بها ثلاثمئة قبر نبي، ثم إلى عكا فصور فطبريا فبيروت فطرابلس فحصن الأكراد فمدينة حمص، وزار قرب المعرة قبر عمر بن عبد العزيز، ثم وصل إلى حلب وذكر قلعتها وبعض ما وصفت به من شعر، وبساتين المدينة ثم انتقل إلى أنطاكية فحصن بُغراس فبلاد سيس فحصون الإسماعيلية الفداوية مثل القدموس ومصياف، وذكر أنه لا يدخل عليهم أحد من غيرهم، وأن الملك الناصر كان يستعين بهم ضد الأعداء، ثم زار اللاذقية وجبل الأقرع الذي يسكنه التركمان ثم عاد إلى جبال لبنان فدمشق وذكر رواية تحكي أن إبراهيم الخليل عليه السلام ولد في غار في جبل قاسيون، ورواية أخرى تذكر ولادته في قرية بُرْص في العراق، وفي دمشق أجازه علماؤها في الفقه، وسافر منها إلى الحج ووصف المسجد النبوي، وذكر وجود قسم للنساء فيه، كما تحدث عن بيوت زوجات النبي r، وذكر قصة حنين الجذع، وبقيع الغرقد، ثم انتقل إلى مكة المكرمة ووصف الحجر الأسود وبئر زمزم وتزايد مائه كل يوم جمعة، وتحدث عن أبواب المسجد الحرام وعن جبل أبي قُبَيْس الذي رأى منه النبي r انشقاق القمر، وهو يطل على المسجد الحرام، وبه قبر آدم عليه السلام، وذكر ماء زبيدة بنت جعفر، ومصانع المياه أو مخازنها، وذكر مهمة أمير الحج في إيقاف تعديات قطاع الطرق على الحجيج، ثم ذكر طريق الحج إلى الكوفة فالقادسية، فالنجف وقبر علي بن أبي طالب، ثم وصل (واسط) وتحدث عن المتصوفة فيها ثم ذكر البصرة وبها قبر حليمة السعدية، وتحدث عن طلحة والزبير وابن سيرين ومالك بن دينار، ثم سافر إلى عراق العجم عبر (صحراء يسكنها الأكراد في بيوت الشعر، ويقال إن أصلهم من العرب)([26])، وتحدث عن القرى التي يسكنها الأكراد، ثم تحدث عن المناطق الأعجمية وعادات أهلها.

ولما وصل إلى أصفهان تحدث عن كرم أهلها وجمال طلعتهم وتصوفهم، وحكى قصصاً عن ملكهم، ثم انتقل إلى شيراز، فعراق العرب، فالكوفة وذكر أن بها تنور نوح الذي فار، ووراءه بيت يزعم أنه بيت نوح عليه السلام كما ذكر، ثم وصل إلى الحلة وذكر الفتن بين أهلها، ثم مشهد صاحب الزمان بها، الذي يأتي إليه الشيعة في فرسان وطبول، ويطلبون أن يخرج لينقذهم من الفساد.

ثم سافر إلى نينوى فالموصل فسنجار وماردين، ثم بغداد ومنها حج ثانية إلى مكة المكرمة وجاور فيها 730هـ، وذكر فتنة سياسية وقعت فيها، ثم انتقل إلى اليمن وذكر شجر المرجان في البحر الأحمر، وأخلاق مدنها، فزبيد عرض أهلها بجمال الخَلْق والخُلُق، أما تعز فأهلها فظاظ، وذكر تواضع سلطان اليمن، ثم انتقل إلى مقديشو وتحدث عن عادات سكانها، وجهادهم للفكرة وفي ظفار يتعرض المسافرون لأخطار السرقات، ثم ذهب إلى البحرين وعاد إلى مصر بعد أن غيره وجهته لحاجته إلى رفيق في السفر.

ثم توجه إلى الشام فأراضي تركيا وكان في بورصة مياه معدنية للاستشفاء بها وبساتين وعيون، وكان سلطانها أورخان بك بن السلطان عثمان، وهو أكبر ملوك التركمان، وذكر جهاده للكفرة، وكان المسلمون في تركيا يكرمون من ينزل عندهم ضيافة خلافاً لغيرهم الذين يستضيفون بأجرة وقد يغدرون بالقادمين إليهم، وقد أعجب بطائفة الأَخِيَّة أو الفتية لحسن ضيافتهم فقال فيهم (فلله درهم من طائفة، ما أكرم نفوسهم، وأشد إيثارهم، وأعظم شفقتهم على الغريب، وألطفهم بالوارد، وأحبهم فيه، وأجملهم احتفالاً بأمره، فليس قدوم الإنسان الغريب عليهم إلا كقدومه على أحب أهله إليه)([27]) .

ثم ذهب إلى بلاد القرم ودخل مدينة أزاق فأكرم فيها وبسط بين يديه شقاق الحرير يمشي عليها وأعطي فرساً، وقد ذكر تجارة أهلها مع المسلمين، وجهاد سلطانها محمد أوزبك خان للروم وقهره لهم في قسطنطينية([28])، وذكر عادات نسائها في عدم احتجابهن عن الرجال، ثم سافر إلى بلاد البُلغار، ورأى فيها مناطق القطب الشمالي وسماها الأرض المظلمة التي يكثر فيها الفراء، ثم رحل إلى القسطنطينية وناقش أهلها في مريم والصخرة فبلاد الروس، وكان أهلها (نصارى شقر الشعور، زرق العيون، قباح الصور، أهل عذر([29]) ثم عاد إلى السلطان محمد أوزبك وذكر محاربة جلال الدين خوارزم له، وتحدث عن قتل الخليفة العباسي المستعصم على يد جنكيز خان، وتخريبه للبلدان بخارى، وبغداد … ثم انتقل إلى الهند وتحدث عن عاداتهم حينما يقدم عليهم غريب، إذ يسجلون ما يطلعون عليه من أمره ، ولكل ذي شأن ضيافة على قدره، ثم سافر إلى هراة فكابُل التي يقطنها الأفغان،ووصف أهلها بأنهم أقوياء، ثم وصل إلى لاهري [لاهور] ورأى فيها حجارة على شكل بشر وأخبر أنهم أناس فسدوا فمسخهم الله حجارة ، ثم سافر إلى مُلتان وذكر أن القادم إليها يمتحن في فروسيته، وذكر فيها المجوس وقطعهم للطرقات، وتحدث عن حرق جثث الموتى ومواكب حرق المرأة لنفسها بعد موت بعلها، وحكى عن تقربهم لمعبودهم برمي أنفسهم في نهر الكنك [الكنج]، ثم تحدث عن مدينة دهلي [نيودلهي] التي يقطنها مسلمون وهندوس، وذكر أنها فتحت في 584م، ثم ذكر عاداتهم في زواجهم وموتهم، وحروبهم، وتحدث عن شدة سلاطينهم في تطبيق أحكام الشرع، وقد مدح ابن بطوطة سلطانهم بقصيدة ترجمها له القاضي، فأكرمه سلطانها حتى جعله رسوله إلى ملك الصين، فتعرض في سفرته إليه إلى أخطار جسيمة إلى أن وصل إلى أراضي المسلمين فيها، ورأى سحرة جوكيين يتشكلو بهيئات شتى، ويمتصون دماء المسلمين، وحكى عن عجائبهم وسحرهم، ثم وصل إلى بلاد المُلَيْبار، وحكى عن زراعاتهم ولاسيما الفوفل والتنبول، وفي بلاد هِنَور وسَندابور كان الملك المسلم يجاهد الكفار ولما وصل إلى جزيرة ذيبة المهل أكرمه ملكها لفقهه أيما إكرام وتزوج فيها، ولكنه اختلف مع الوزير في فتوى فطلق زوجته وترك البلاد، وتوجه إلى سيلان، وكان ملكها كافراً، ولكن ابن بطوطة تمكن من جذب قلبه، وزار فيها قدم آدم عليه السلام، ويسمى فيها بابا، وتسمى حواء ماما، وقد أرسل الملك معه براهمة لإرشاده في هذه الزيارة، ثم ذهب إلى مدينة دينَوَر،فرأى فيها صنما بحجم إنسان، عيناه ياقوتتان مضيئتان، ثم عاد إلى اليمن ثم إلى جزيرة المهل ثانية ليرى ابناً له كان قد تركه فيها وعمره سنتان مع أمه لصغره، ثم سافر إلى خراسان فالهند ورأى في بلاد البَرَهْنكار رجالاً بشراً أفواههم كالكلاب أما نساؤهم فلهن جمال بارع، وذكر عاداتهم وسحرهم، ولما وصل جاوة رأى ملكها يجاهد الكفرة، ويشترك معه الرجال والنساء في الجهاد، ثم ذهب إلى الصين وأطال في شرح عادات أهلها ووصف مدنها، وذكر أن بها نهراً يدعى (آب حياة) وتعني مجمع البحرين) وقد أخبر أنه لا يقع بعد مدينة (صين الصين) مدن أبداً، وذكر أن بينها وبين سد يأجوج ومأجوج ستين يوماً، ويسكنها كفار رحالة يأكلون البشر، ولم ير في تلك البلاد من رأى السد، وذكر أن في مدينة الخنسا، وهي أكبر مدينة رآها على وجه الأرض تشمل ستة مدن يحيط بها كلها سور واحد، وكانت المدينة الثالثة ضمن هذا السور للمسلمين، وبها مساجد وأهلها كرماء متحضرون، أما ملك الصين ويلقب بالقان فيقطن في مدينة خان بالق، وقد وصف قصره والفرسان على أبوابه، وعادات ملوكهم، ودفنهم للميت مع سلاحه وأمواله، ويجعل معه أربع جوار وستة ملوك، ويوضع على باب بيته أربعة خيول، وثياب عزائهم بيضاء، ثم عاد إلى الهند فسومطرة فظفار وكان ذلك في 748هـ، ثم إلى مسقط فأصبهان فالبصرة فبغداد فهيت فالحديثة فدمشق بعد أن غاب عن الأخيرة عشرين سنة، وأخبر فيها بوفاة والده، ثم حج ثالثة وعاد إلى القاهرة واشتاق إلى موطنه وإلى المثول بين يدي أمير المؤمنين أبي عنان سلطان بني مَرِين، فذهب إلى تونس، وكان سلطانها أبا يوسف بن عبد الحق، ثم إلى جزيرة سَردانية، وفيها تعرض للأسر، فنجاه الله، فعاد إلى تلمسان، وفي مدينة تازي بلغه وفاة أمه، فذهب إلى فاس وألقى بها عصا التسيار، ومدح سلطانها، وراح يقارن بينها وبين المدن التي رآها في رحلته، ويشيد بفضائل فاس وعلومها وجهادها، ثم ذهب إلى طنجه، ليزور قبر أمه، ثم دخل الأندلس رغبة في الجهاد بعد موت طاغيتها ألفونس، ولكنه أسر عند جبل الفتح الذي نزل به طارق بن زياد، ثم أفرج عنه وجاهد في رُندة، ومالقة، وغرناطة، ثم عاد إلى فاس، ثم ذهب إلى بلاد السودان عن طريق الصحراء، ودخل أراضي مالي، وذكر أن بها شجراً يجلس الحائك مع نوله تحتها فتظللهما لكبرها، ثم وصل إلى بلاد النيل، وتحدث عن آكلي لحم البشر فيها، ثم انتقل إلى كوكو وبردامة، وكان نساء هذه المدينة بيضاً سماناً، وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة، ثم سافر إلى بلاد البربر الملثمين، وذكر أنْ لا خيرَ فيهم وأنهم يأكلون الجراد ويخزنونه، ثم عاد إلى سجلماسة ففاس، وحط بها عصا الترحال في كنف أمير المؤمنين وأملى على كاتبه ابن جُزَيّ رحلته هذه.

ب - دراسة الرحلة :

ذكر ابن جزي في مقدمة الكتاب أن ابن بطوطة أملى عليه هذه الرحلة، فبدأها بحمد الله سبحانه الذي ذلل الأرض للعباد ليسلكوا منها سبلاً فجاجاً، والذي أنزل من السماء ماء وفجر البحرين عذباً فراتاً وملحاً أجاجاً … ثم انتقل إلى الصلاة على الرسول r الذي هدى البشرية وشرف صحابته الذين قاموا بنصرة الدين، ثم دعا للسلطان الإمام الخليفة أمير المؤمنين ثم سرد عليه تنقلاته حسب التأريخ الزمني لسفره منذ انطلاقته من طنجة إلى استقراره في فاس.

- منهجه في الرحلة :

   امتازت هذه الرحلة بما يأتي :

1-                التوثيق العلمي :

أ‌-                                          فهو ينقل عمن يثق بهم ويقول : "حدثني الثقاة من أهلها كالفقيه عيسى اليمني والفقيه المعلم علي، … أن أهل هذه الجزائر" ([30]) .

ب-  أو يصرح بالسند أو بالرؤيا، أو بهما معاً كأن يقول: "وكل ما ذكرت من شأن سلاطين الهند فهو مما أخبرت به وتلقيته أو معظمه من الشيخ كمال الدين بن البرهان الغزنوي قاضي القضاة، أما أخبار هذا الملك "محمد بن تُغْلُق" فمعظمها مما شاهدته أيام كوني ببلاده"([31])، وقد يقسم على صحة ما يحكيه، ويشهد الله سبحانه على ذلك، ويكون هذا عند ذكر عجائب وخوارق أو مما لم يألف الناس منه ذلك لتجاوزه عن الحد المعقول والمألوف كقوله: "وأنا أشهد بالله وملائكته ورسله أن جميع ما أنقله عنه من الكرم الخارق للعادة حق يقين، وكفى بالله شهيداً، واعلم أن بعض مآثره من ذلك لا يسع في عقل كثير من الناس، ويعدونه من قبيل المستحيل عادة، ولكنه شيء عاينته وعرفت صحته، وأخذت بحظ وافر منه، لا يسعني إلا قول الحق فيه، وأكثر ذلك ثابت بالتواتر في بلاد المشرق ([32]) .

ج- وإن شك في أمر ما قال (يزعم)، كما في حديثه عن أسطوانة عسقلان الحمراء في مسجد عمر بن الخطاب فيها : "يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم، ثم فقدوها فوجدت في موضعها بعسقلان"([33])، أو يقول (ويقال) كما في حديثه عن عين ماء في عكا تعرف بعين البقر "يقال إن الله تعالى أخرج منها البقر لآدم عليه السلام"([34])، أو يقول "ويُذكَر: بالبناء للمجهول كما في الحديث عن مغارة الجوع في جبل قاسيون" ([35]) .

د- وقد يذكر الروايات كلها دون أن يرجح إحداها، ففي حديثه عن المسجد النبوي في دمشق ذكر أنه يقال إن قبر هود فيه، وذكر أيضاً أنه رأى في الأحقاف في ظفار اليمن مكان قيل إن به قبر هود عليه السلام وقد سجل عليه ذلك([36]) .

هـ- وقد يرجح إحدى الروايات كما في حديث القرطبي عن موت أويس القرني، وترجيح قتله في صفين وكان في حربه مع علي بن أبي طالب، فقد قال: "وهي الأصح إن شاء الله"([37]) ولكنه لم يعلل.

و- وقد يكذب خبراً لا يصدقه كما في إنبات شجرة النارجيل [جوز الهند] من رأس ملك، إذ قال: "وهذه الحكاية من الأكاذيب، ولكن ذكرناها لشهرتها عندهم" ([38]) .

2- وكان ينسب الشعر إلى أصحابه كقوله في شعر يصف دمشق: "وكان والدي رحمه الله كثيراً ما ينشد في وصفها هذه الأبيات وهي لشرف الدين بن محسن" ([39]) .

وإن اختلف في قائل الأبيات ذكر مَنْ نسبت إليه كقوله: "وهي للقاضي الفاضل عبد الرحمن البيساني، وقد نسبت أيضاً لابن المعتز" .

وإن لم يعرف القائل قال: "وفيها يقول الشاعر" أو قال: "ولبعض المتأخرين" أو "يقول بعضهم" ([40]) .

3- وإن تحدث عن مدينة أو موضع ذكر سبب تسميته إن كان قد عرفه، وإن كثرت الأسباب، فمعرة النعمان نسبت إلى قبر النعمان بن بشير ([41]) .

وإن شك في أمر قال: "لا أذكره الآن" ([42]) كأن يذكر مقدار مبلغ أرسل إلى جهة ما، وإن عرف خبراً يتعلق بالمدينة المحكي عنها ذكره كما في قصة إبراهيم بن الأدهم في جبلة إذ ذكر خبر زهده وأن أمه كانت من بنات الملوك([43])، وكما في حديثه عن عادات دفن الموتى في بلاد الصين والهند وأن مثيلاً لذلك يقع في بلاد السودان عند غير المسلمين ([44]) وفي حديثه عن جنكيز خان وقتله للمستعصم الخليفة العباسي. وقد ينتقل من فكرة سياسية إلى أخرى دينية أو اقتصادية، ويشبه مدينة بأخرى كما في حديثه عن الفحم وأن أهل خوارزم لا يعرفون، وكذلك الهند وخراسان وبلاد العجم، أما الصين فيوقدون فيها حجارة تشتعل ([45]) .

3- كان ابن جُزَيّ يعلق على بعض الحوادث، كأن يذكر صومعة تهتز عند ذكر علي، أو أبي بكر رضي الله عنهما، وقد علق ابن جزي على ذلك بقوله: "قد عاينت بمدينة برشانة في الأندلس صومعة تهتز من غير أن يذكر لها أحد من الخلفاء أو غيرهم" ([46]) ، وفي بعض الأحيان لا يعرف القائل منهما إلا بقرينة تدل على أحدهما ، كأن يذكر مشاهدة الرحالة لأمر ما فيعرف  ([47]) .

4- كان يفسر بعض الكلمات الغامضة تفسيراً لغوياً، أو نحوياً أو جغرافياً فبلدة (ماجول) على وزن فاعول، وجيمها معقودة ([48]) وخُذا بنده: خذا هو اسم الله عز وجل في الفارسية، وبنده بمعنى عبد أو غلام، فهي بمعنى عبد الله" ([49]) ، و "يكسوه من عظم الغيلم وهي السلحفاة"([50]) ، والفُتّاك ، وهم الدهاة الخونة، ويعرفونه بالعراق باسم الشطار، ويعرفون بخراسان بسرا بدران، ويعرفونه بالمغرب بالصقورة" ([51]) .

ومدينة أنطالية غير أنطاكية، فالثانية بالشام([52])، ومدينة اليمامة تسمى أيضاً بحَجْر([53])

  - موضوعات الرحلة :

تعددت الموضوعات التي تناولتها هذه الرحلة بين أحاديث ذاتية، وموضوعات دينية وقضايا تاريخية وسياسية واجتماعية، وعلمية وثقافية، إضافة إلى عجائب وخوارق للعادة:

1- الترجمة الذاتية :

رحلة ابن بطوطة أشبه بالمذكرات اليومية سطرها ليحكي ما رآه، ومواقفه مما شاهده وعايشه، فقد ولد في 703هـ في مدينة طنجة، فقيل عنه الطنجي، وينتمي إلى قبيلة لواتة البربرية، ولهذا سمي اللواتي، وتثقف في بلاده فأتقن علوم الشرع، وكان ذا ذاكرة قوية، فقد سمع من فقيه تركي كلاماً فحفظه دون أن يفهم معناه، فلما تعلم الفارسية أدرك مغزاه([54])، وكان أمير المؤمنين أبو عنان قد أمره أن يدون ملاحظاته، ولكن الهنود سلبوه ما معه فأملى على محمد بن جُزَيّ ما حفظه عن ظهر قلب ([55]) .

كما كان شاعراً، وقد مدح سلطان الهند بقصيدة ترجمت له ([56]) .

وكان يطبق السُّنة في أموره، ويستخير الله سبحانه قبل الشروع بأي عمل، وكان جواداً، لقي فقيراً فلم يكن معه شيء فدفع إليه خاتمه لئلا يرده بلا عطاء([57])، وقد تسلم منصب القضاء في عدة بلدان([58]) ولكنه أنكر فتاوى ابن تيمية وقال به لوثة وأنه سجن لفتاواه غير الشرعية([59]) ولكنه كان يروي أخبار المنجمين دون أن يستنكرها([60]) وكان ينزع منزعاً صوفياً، ويكرم المتصوفة المعتدلين ويحبهم ([61]) ، ولكنه كان يحكِّم عقله فلا ينساق وراء ادعاءات لا يقبلها عقله كما في قصة الحاج هندي الذي ادعى أنه كان يرى الملائكة تقبض الأرواح([62])، وكان يندد بالروافض والمجوس وقد استنكر أفعال الجوكية منهم، ويعد أول من حكى عنهم([63])، وكان يعتقد أن أبا يوسف عبد الحق أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، وهو صاحب "الخلافة العلية المجاهدة المتوكلية، وأن خلافته ظل الله الممدود على الأنام، وحبله الذي به الاعتصام"([64])، ولكنه كان يحب السلطان محمد بن قلاوون ويتحدث عن أعماله الجليلة التي أعان بها الحجاج ([65]) .

وكانت به غيرة على الدين، فلما سمع في بلاد القرم في جنوبي روسيا نواقيس تضرب هاله هذا الأمر، وأمر أن يصعد على الصومعة ويتلى القرآن الكريم، فجاءه القاضي وعليه الدرع والسلاح، وظن أن خطراً دهم المسلمين ([66]) ، كما كان جريئاً ينصح الحكام دونما خوف أو وجل ([67]) ، وكان يجاهد في سبيل الله في المناطق التي سافر فيها وبعد عودته إلى بلاده إذ سافر إلى الأندلس للجهاد([68])، وكان كلما استقر في بلد تزوج فيها، وقد أنجب ولداً في دمشق وابنة توفيت في الهند، وكذلك ابنة في جزيرة المهل ([69]) .

2-   القضايا الدينية :

3-  كان العصر الذي عاش فيه ابن بطوطة تسوده مفاهيم دينية شتى، فهناك أهل السنة والجماعة، والمتصوفة الذين انحرف كثير منهم عن جادة الصواب وكوّنوا فرقاً متعددة ([70]) ، والروافض، والنصارى واليهود والمجوس.

وقد بدا أثر هذه الملل والنحل في رحلته:

فهو قاض يحكم بما أنزل الله، وقد اختلف في جزائر ذيبة المهل على حكم شرعي فترك البلاد، وكانت نساؤها لا يتسترن، فلم يستطع أن يغير من عاداتهن شيئاً فحجب نساءه.

أما الأتراك فكانوا يكرمون العرب لأن الرسول r منهم، وكان سلطان أكريدور يجلس بعد صلاة العصر في المسجد ليقرأ عليه الفتح والملك بأصوات تخشع لها القلوب ([71])، وفي خوارزم يطوف المؤذن على جيران المسجد ويغرّم من لم يحضر الصلاة وقد قتل السلطان تغلق تسعة في يوم واحد لتركها، ويعاقب من لم يعرف أحكام الصلاة وشروطها ([72])، وكان لكل مذهب إمام في المسجد الأموي بدمشق، وكانت المساجد حلقات لتدريس فنون العلم ([73]).

وكان العلماء يكرمون، وقد شرب قاض ماء غسل بها ابن بطوطة يديه وأرسلها إلى أهله ليتبركوا بها، وخدمه هذا القاضي ([74])، وكان العلماء واسطة الشعب عند السلاطين ويتصدر الفقيه في مجلس الوعظ والسلطان عن يمينه، وهو يغدق الأموال على العلماء والفقهاء ([75])، ومن أهانهم عزر بمئتي سوط، ويطاف به على حمار، فإن ثبت خطأ الفقيه عزل وقد يسجن كما سجن ابن تيمية لفتواه بوقوع طلقة واحدة لمن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة، وكان أهالي الشام يعظمونه وهو يعظهم على المنبر ([76]) .

وكانت الشعائر الدينية تقام، فالسارق تقطع يده بأمر المحتسب([77]) ويعاقب محتسي الخمرة ثمانين جلدة، ويسجن في مطمورة لا تفتح إلا حين الطعام ([78]) وكان يعين للحاج أمير وقاض.

وكان سلطان الهند يحكم له أو عليه حسب الشرع، وقد طلب القاضي في تهمة فذهب إليه على قدميه وبلا سلاح، فحكم عليه القاضي أن يرضي خصمه فأرضاه، وفي حادثة مماثلة حكم عليه بالمال أو بالضرب، فأقسم السلطان أن يضرب فضرب([79]) .

وكانت تعقد مناظرات بين أصحاب الملل والنحل ([80])، وتقام الاحتفالات الدينية في المناسبات كرمضان، فتدق الطبول وترفع الأعلام وتكثر الصدقات، وتمد أسمطة الطعام للفقراء والمشايخ والعامة، ولا يرد أحد ([81]) .

وكانت الزوايا تنتشر في كل البلاد، وهي بمثابة فنادق مجانية يدخلها المتعبد والرحالة ويطعم فيها ويتثقف، وينفق عليها من الأوقاف ومن غيرها ([82]) .

ويكثر حفظة القرآن الكريم، وفي مدينة هِنَوْر تحفظه النساء جمعاء، وفي هذه المدينة ثلاث عشرة مكتبة للبنات، وثلاث وعشرون للأولاد ([83]) .

ويتحدث ابن بطوطة عن رعاية الله سبحانه لأهالي جزر ذيبة المهل فيذكر أن أجسامهم نحيلة ولا سلاح لديهم إلا الدعاء، ولكن من أخذ لهم شيئاً أصابته مصيبة، ولولا هذه الرعاية لصاروا أهون الناس على قاصدهم لضعف بنيتهم ([84]) .

وينتشر الفكر الصوفي، فهناك الطائفة الحيدرية وهذه يوقد أصحابها النار ويرقصون حولها بعد صلاة العشاء ويدخلونها ولا تحرقهم، وقد عجب ابن بطوطة من أحوالهم([85])، والمولوية الجلالية([86]) وأصحابها يعرفون في العراق بالأحمدية، وفي خراسان بالحيدرية، والأتراك يعظمون كتاب جلال الدين المولوي المسمى بالمثنوي ويقرؤونه في زواياهم ليلة الجمعة([87])، وأهالي زاوة من أتباع الحيدرية يضعون حلق الحديد في أعناقهم وآذانهم وأيديهم ولا يتزوجون([88]).

والرفاعية في العراق، وتنسب إلى أحمد الرفاعي، وكان ابن بطوطة يذكره ويثني عليه ويروي له كراماته منها أن أهل زاويته أخبروا أنهم رأوا عشية يوم عرفة بازاً أشهب ينقض على نخلة ويقطع عذقاً ويذهب به في الهواء، وذكر أحمد الرفاعي أن هذا الباز أوصلها إلى أبي مدين صديقه في الحجاز، وكان قد زرعها له وسماها باسمه، وقد حضر ابن بطوطة حفل تسلم حفيده أحمد الرفاعي المشيخة إذ قرع أتباعه الطبول عند مقدمه ورقصوا ثم صلوا العشاء وذكروا، ثم أخذوا في السماع، ثم أججوا ناراً ودخلوها ورقصوا فيها، وأكلها بعضهم، كما أخذ بعضهم حية عظيمة فعضها حتى قطعها بأسنانه ولم يصب بأذًى ([89]) .

والشاذلية تقرأ حزب البحر، وكان ابن بطوطة يعد أبا الحسن الشاذلي من الأولياء الذين يعرفون الغيب، وقد ذكر أنه سيموت في حمثيرا في مصر فكان بها قبره([90])، وذكر للشيخ أبي عبد الله المرشدي أنه كان يطعم كلاً بما ينويه ولو كان الثمر في غير أوانه ([91]) .

وكانت الطائفة القرندرية تحلق اللحى والحواجب، وكن شيخها جمال الدين الساوي إذا زعق تغيرت هيئته فيصير في زعقة ذا لحية سوداء، وفي أخرى بيضاء ([92]) وكان أكثر المتصوفة من أصحاب الطرق من الأعاجم.

أما النصارى فلهم معتقداتهم، فهم لا يسمحون لأحد أن يدخل كنيستهم الكبرى في القسطنطينية إلا أن يسجد للصليب([93]) الذي يزعمون أنه بقية الخشبة التي صلب عيسى عليها بزعمهم، وقد وضعت في جعبة ذهب بطول عشرة أذرع([94])، وكان لهم زوايا كزوايا المتصوفة، وكان بعض ملوكهم يترهب، وهم شديدو الحب لبيت المقدس وكنيسة القمامة في فلسطين([95]) .

أما اليهود فكانوا يتسلمون مناصب عليا لعلمهم، فطبيب السلطان التركي في مدينة بركي يهودي، يقعده فوق المصطبة والقراء دونه، وهذا ما أغاظ ابن بطوطة وجعله يقول له (يا ملعون ابن ملعون كيف تجلس فوق قراء القرآن وأنت يهودي) وشتمه فغضب وخرج، وأعجب الفقيه التركي بابن بطوطة لجرأته وقال (إن أحداً سواك لا يتجاسر على مخاطبته بذلك، ولقد عرفته بنفسه) ([96]) .

وفي بلاد الصين يهود في كُنجي كَرِي يؤدون الجزية لسلطان كَوْلم، والمسلمون بها أعزة محترمون.

والروافض يكثرون في قم وقاشان وساوة وطوس والنجف والحلة وآوة، وعرب خفاجة من الشيعة، وأهل القطيف في السعودية كذلك، كما يكثرون في البحرين وبعض بلاد الشام كالمعرة وسرمين، وهم يكرهون كل من اسمه عمر حتى عمر بن عبد العزيز، وكذلك العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة إلا علياً، ولهم اعتقادهم في المهدي المنتظر الذي يقبع برأيهم في سرداب في بغداد، وهم يدَّعون الإسلام. وتحكم منهم أسرة أبي نمي في مكة المكرمة وتدعي أنها من سلالة الرسول r، وهم يكفِّرون من لم يقل (حي على خير العمل) وكذلك من لم يزد بعد التكبير الأخير "محمد وعلي خير البشر، ومن خالفهما فقد كفر"، ولا يأكلون الأرنب، وإن دخل أحدهم مشهد الإمام علي بن موسى الكاظم ضرب قبر هارون الرشيد المجاور له برجله، وذكر أنه يوجد في الحلة مشهد المهدي صاحب الزمان، وهم يذهبون إليه في فرسان وطبول ينتظرون خروجه لفساد الزمان، ويقولون إن المهدي محمد بن الحسن العسكري غاب في هذا المسجد، وقد يمنهم بعض الأمراء من فعالهم هذه ([97])، وهم يبثون دعواتهم فإن قبل سلطان ما رأيهم كما فعل ملك العراق محمد خُدا بَنْدَه أمروه أن يخطب خُطَبهم، ولكن هذا امتحن أهل السنة برمي كلب على قاضي شيراز ليعذبه به في ساحته، فلما لم يهجم الكلب عليه عاد السلطان إلى مذهب السنة والجماعة وخلع على القاضي وأعطاه مئة قرية، وصار يجلس بين يديه في غاية الأدب ([98])، وكان سلطان هراة يحاربهم لأنهم يقطعون الطرق، ويدفعهم شيوخهم لمحاربة أهل السنة، وقد تكاثروا حتى بلغ عدد جيوشهم فيها خمسة عشر ألف جندي([99]).

أما الهندوس فكانوا يعتقدون أن آدم نبيهم، وله ولحواء مزار في سرنديب (سيريلانكا) حالياً، وهم يعظمون البقرة ولا يذبحونها، وجزاء من يذبحها أن يخاط في جلدها ويحرق، ويشربون بولها للتبرك والاستشفاء، والبراهمة لا يذبحون حيواناً ولا يعذبونه([100])، وهم يأكلون الرز مع الإدام، وما فضل منهم تأكله الكلاب والطير، وإن أكل صغير منه لا يعقل ضربوه وأطعموه روث البقر ليطهروه بزعمهم([101])، ولا يأكلون بأواني المسلمين وكانوا يصبون لابن بطوطة طعامه فوق أوراق الموز، أو يكسرون الآتية التي أكل بها أو يعطونها إياه([102])، وهم يحاربون المسلمين، ويهدمون مساجدهم ([103]) .

وعند موت أحدهم يحرق ويرمى رماده في نهر الكنك (الكنج) وهو نهر مقدس عندهم ويزعمون أنه من أنهر الجنة ([104]) .

ووثنيوجاوة يشبهون الترك، وتتكلم السلطانة التركية، ونساؤهم يحسنون الرماية، ويقاتلن كالرجال، والسلطانة لا تتزوج إلا من رجل يبارزها فيغلبها، والرجال يتحاشون ذلك خوف العار إن غلبتهم ([105]) .

وطائفة الجوكية في الهند معروفة بالسحر، وهم يتصورون في أشكال شتى ويمتصون دماء المسلمين، وكان المسلمون المجاورون لهم يشتكون من سباع تدخل المدينة وتقتل الناس وتمتص دماءهم، وقد أخبر ابن بطوطة أن الذي يفعل ذلك آدمي من الجوكية، وكان الواحد منهم يبقى أشهراً دون طعام، أو شراب([106])، ويقول ناس عنهم إنهم يركّبون حبوباً يكفي أكل واحدة منها لأيام وأشهر، ومنهم من يقصر أكله على البقل، وهم يخبرون بمغيبات، والسلطان يعظمهم ويجالسهم، ومنهم من ينظر إلى أحد فيقتله بالنظرة، ومن يُقتَل بهذه الطريقة يختفي قلبه فإذا شق صدره وجدوه بلا قلب، والمرأة من الجوكية لا تغرق، ولذلك تعاقب بالحرق إن قتلت أحداً، ويزعمون أن من يأخذ رمادها يأمن من سحر كفتار في تلك السنة، وقد رأى ابن بطوطة واحداً يتربع في الهواء ثم أخذ واحداً نعلاً وضربها على الأرض فَعَلَت النعل فوق عنق المتربع وجعلت تضربه وهو ينزل تدريجياً.

أما مجوس الصين فيأكلون الخنزير والكلاب ويحرقون موتاهم كالهنود ([107]) .

3- الموضوعات الواقعية :

التاريخية والسياسية والاجتماعية:

أ- الأحاديث التاريخية :

من ذلك حديثه عن مياه زبيدة بنت جعفر، وروايته عن احتلال التتر لبغداد وبخارى، وعلاقتهم مع جلال الدين خوارزم شاه، وقتلهم لعشرين ألفاً من علماء بغداد([108])، وقصة الخصيب عند توليه لمصر([109])، وفتح الأندلس والحروب فيها([110])، وعن أصل الأكراد العربي([111])، وعن أصل أفلاطون التركي فهو من مدينة بَرْغَمَة وداره لازالت فيها([112])، وعن الحضارة الإسلامية والعربية، وما في المدن من علماء وموانئ ومغارات([113]).

ب- ومن القضايا السياسية:

حديثه عن الملوك السبعة كبراء الدنيا وهم مولاه أمير المؤمنين المريني، وسلطان الشام ومصر، وسلطان العراق، والسلطان محمد أوزبك في تركيا، وسلطان تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند ثم الصين([114])، والجميع عدا الأخير مسلمون والملك الناصر محمد بن قلاوون وكان يجلس للمظالم كل اثنين وخميس([115])، وملك المغرب يخصص الجمعة للمساكين، ويفصل بين الرجال والنساء، ويقدمهن لضعفهن، ويعقد مجلس القضاة والفقهاء لرد الحقوق إلى أصحابها([116])، وذكر أن هناك من يتظاهر بالإسلام ويصل إلى درجة الولاية فيقوم بجرائم ضد المسلمين كوالي الإسكندرية، إذ لما حصلت فتنة بين المسلمين والنصارى قبض على علماء المسلمين وقتل ستاً وثلاثين وصلبهم في صفَّيْن([117]).

وتحدث عن الحروب براً بحراً، وعن المجوس يدعون الإسلام لينالوا مكافأة الإسلام ، وهؤلاء يقتلون الملوك غدراً([118])، وكان الملك في الهند إن تخلف أحد عن قتال الكفار المجوس قتله، وإن فتح مدينة أرسل إليها قاضياً، وخطيباً، وأمر الجيش بالإقامة فيها([119]).

كما تحدث عن فساد الولاة من آل نُمَي في الحجاز وهم من الروافض يعذبون الناس ويدّعون أنهم من الأشراف، وقد حكى قصصاً من تعذيبهم([120]).

ومن طرق التعذيب في بلاد الهند إدخال عمود في عنق الرجل وإخراجه من أسفله([121]) وإن وشى أحد على أحد كلمة وثبتت قتل وأعطي مال المقتول للواشي([122])، وكان لدى بعض السلاطين فيلة ركب على أسنانها حدائد مسنونة يعذب بها، ثم يرمى لحمه بعد قتله للكلاب([123])، وقتل سلطان كَوْلَم صهره زوج ابنته لأنه أكل حبة عنب سقطت من بستان واتهمه بالسرقة([124]).

وأهل السودان يعاقبون بنفي المسلم إلى أراضي آكلي لحوم البشر.

وهناك حديث عن الفتن بين الطوائف، وبين رجال الدولة ([125]) .

وكان سلاطين الهند يكرمون الكتب المرسلة من الخليفة العباسي، ويبعثون إليه هدايا حتى بعد سقوط الخلافة([126]) .

كما تحدث عن عادات سلاطين اليمن وعُمان ومقديشو والزنوج، وتواضع بعضهم وأكلهم مع الفقراء، والترف عند سلاطين الروم كجلوسهم في قبة من الذهب مزينة مرصعة على سرير من خشب مكسوّ بصفائح الذهب، ولزوجاتهم عربات ولبيوتهن قبب من فضة مموهة بالذهب([127]) .

وبعض السلاطين لا يسمحون بدخول ديارهم إلا بإذن على نحو يشبه تأشيرة الدخول كما في مدينة صَنُوب التركية([128])، وإذا قدمت سفينة التجار صعد رسول السلطان ليسأل عمن قدم فيها، ويُكرم كلٌّ حسب منزلته([129]) ، ومن يعاشر السياسيين عليه أن يستأذن قبل زواجه لئلا يتزوج من أسرة معادية([130]) .

جـ- ومن القضايا الاجتماعية :

ظاهرة مساعدة الغريب المسافر في كل مكان، واستخدام الزوايا والمدارس فنادق مجانية([131])، وقد يستضيف الناس الغرباء، ويداوونهم إن مرضوا حتى يعودوا إلى ديارهم([132])، وتنفق أموال الأوقاف على العجزة وترسل من يحج عنهم، وهناك أوقاف لتجهيز البنات، وأخرى لفك الأسرى، وثالثة لتعبيد الطرق، وهناك أوقاف للأواني جبراً لقلوب المماليك والخدم إن كسرت معهم([133]).

وأهل الهند والسودان لا يورّثون بيت المال، ولا يتعرضون لأموال الغرباء، بل تبقى في أيدي كبار أصحاب المتوفى حتى يأتي مستحقها ([134]) .

كما ذكر ابن بطوطة عادات الزواج في بعض البلدان التي عاش فيها ([135]) .

ومن عادات جماعة الأُخَيَّة في تركيا الاحتفاء بالغرباء، وتقديم خدماتهم لهم([136])، وفي سيواس دار للشرفاء لا ينزلها إلا الشرفاء، ونقيبهم يقطنها، وهو يزور الشرفاء إن رحلوا عنه([137]). والضيافة ثلاثة أيام، فإن نقصت أحس صاحب الدار بانتقاص حرمته([138])، وفي جاوة لا يسلم الغريب على السلطان إلا بعد ثلاثة أيام وبلاد الصين آمن البلدان، ويحفظون الغريب المسافر.

وهناك مغالاة في الكرم كأنه يطبخ للمدعو بنار الشمع أو بالحرير([139])، وأهل مقدشو يستضيفون الغريب ويصعدون إلى سفينته ويقدمون له طبقاً مغطى، ويأخذونه معهم، ولا يبيع الضيف ولا يشتري إلا بحضور نزيله، فإن باع رد بيعه، ولهم على ذلك منفعة أما الفقهاء فيستضيفهم القاضي ويأخذهم إلى السلطان([140]).

ونساء بلاد السودان الإفريقية مسلمات يصلين، ولكن لا غيرة للرجل عليهن، وينسب الولد إلى خاله، ولا يرث الرجل إلا أبناء أخته لا بنيه([141])، ونساء جزر ذيبة المهل لا يغطين رؤوسهن، ويجمعن شعورهن إلى طرف واحد، ولا يسترن إلا من السرة إلى أسفل، عدا نساء ابن بطوطة، وهم يؤجرون بناتهم للعمل ولا يرون حرجا في ذلك، وزواجهن سهل لقلة المهر([142])، ولكنهم لا يغادرون ديارهن بل يطلقهن الغريب ويعود إلى بلاده ([143]) .

والترك يكرمون المرأة، ويقدم السلطان إلى الخاتون ويجلسها إلى جواره ويسقيها بيده. ولا حراس في بلاد الترك لشدة أحكامهم في السرقة، وذلك بأن يدفع السارق تسعة أضعاف ما سرقه أو يؤخذ منه أولاده، أو يذبح ([144]) .

وهناك قطاع طرق شرقي الجزيرة العربية، وبعضهم يسلب الأموال ويطعم الفقراء على نحو ما كان الصعاليك يفعلونه في الجاهلية قبل الإسلام ([145]) .

وأهل الروم يتعاطون الحشيش، ويأكلونه بالملعقة.

ومن عادات الموت في عراق العجم جز الناصية، وضرب الصدور، ويلبس القضاة والخطباء والشرفاء غليظ القطن، والثياب مقلوبة، وعلى رأس كل واحد مئزر أسود، وفي فيروزان تتبع الجنازة بالمزامير والمغنيين([146]).

ويصبّر الملك في مغنيسيا في تابوت، ويعلق في قبة لا سقف فيها حتى تذهب رائحته ثم تسقف القبة ويجعل تابوته على ظاهر الأرض وتجعل ثيابه عليه ([147]) .

- قضايا علمية :

في الرحلة كثير من القضايا العلمية ولاسيما عن جغرافية البيئة التي رحل إليها المؤلف وهي موسوعة علمية لمن أراد أن يتعرف على المناطق وأحوال أهلها على نحو ما تفعله مراكز السياحة في أيامنا.

فمن القضايا الجغرافية : حديثه عن المناخ الصحراوي، ومناطق القطب الشمالي التي يطول فيها الليل، وعن حيواناتها ونباتاتها، وعن جغرافية المدن التي دخلها، فمدينة حلب قلعتها تسمى الشهباء وبداخلها جبلان ينبع منهما الماء فلا تخاف الظمأ، ويطوف بها سوران وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء، وكانت تسمى (حلبُ إبراهيم) لأن هذا النبي كان يسقي فيها الفقراء والمساكين من أغنامه الكثيرة، وهي لا نظير لها في حسن الوضع، وإتقان الترتيب، واتساع الأسواق، وأهلها في ظل ممدود، ومسجدها الجامع من أجمل المساجد، به بركة ماء، ويطيف به بلاط عظيم الاتساع ومنبرها مرصع بالعاج والأبنوس، وبقربه مدرسة مناسبة له في حسن الوضع وإتقان الصنعة، أما خارج المدينة فهو بسيط أفيح، به المزارع العظيمة، والبساتين على شاطئ نهرها، وهو النهر الذي يمر بحماة ويسمى العاصي([148])، ثم ذكر أشعاراً في وصف المدينة، كما ذكر ابن جُزَي أبياتاً أخرى.

وفي بلاد الهند نهر لا تشرب مياهه عند نزول المطر لأنه ينبع من جبال قراجيل التي بها معدن الذهب([149]).

ورياح السموم في الجزيرة العربية تهب في شهري حزيران وتموز، فمن صادفته قتلته، فإن غُسِّل انفصل كل عضو عن جسده، وبها قبور للذين ماتوا بهذه الريح، وعندما تهب بمصر تجفف المياه فيصير الوادي كوادٍ من جهنم ([150]) .

كما تحدث عن جغرافية البحار، فمدينة صَنُوب مكث فيها نحو أربعين يوماً لتهب الرياح المساعدة في البحر، وقد يهيج البحر فيوقن أصحابه بالموت([151]).

والثلج في تركيا يعيق المسافرين، وقد يكسر أحدهم الثلج ليتوضأ به ([152]) .

وفي مدينة بلغار يقصر الليل فيها، ويقصر النهار في عكس ذلك الفصل، والوقت قصير، فقد صلى المغرب ثم أفطر وأذن العشاء أثناء الإفطار، وصلى العشاء والتراويح والشفع والوتر فطلع الفجر، وإلى القرب منها أرض الظلمة وبينهما أربعون يوماً ويسافر إليها في كلاب كبار لأن الجليد لا تثبت فيه قدم الآدمي، وهذه الكلاب مدللة لئلا تفر فيهلك صاحبها([153]).

وفي الرحلة حديث علمي عن نباتات المناطق فنبات التنبول يطيب النكهة، ويزيد الحمرة، ويقمع الصفراء ويهضم الطعام([154])، والنارجيل "جوز الهند" يشبه شجر النخل إلا أن ثمرته أكبر من التمر، وهي تشبه دماغ الإنسان إذا كانت خضراء، وعليها ليف كالشعر يصنع منه الحبال ويخيطون به المراكب بدلاً من المسامير، ومن خواصه الطبية تقوية البدن، وإسراع السمنة، واحمرار الوجه به، وماء ثمرته حلوة، ويصنع منه زيت وحليب وعسل، وقد أورد كيفية صناعة كل منهما ([155]) .

ومن أحاديثه عن الحيوانات ذكره للسمك، فالبوري طوله يساوي ذراعاً، واللُّخم في عمان شبيه بكلب البحر، يقدّد ويقتات به، وأهالي عمان يصنعون بيوتهم من عظام السمك ([156]) .

وذكر الحيوانات التي تستخدم وسائط نقل([157])، كما تحدث عن كبر حجم الدجاج الصيني وديكه التي هي على قدر النعامة ([158]) ، وذكر أن أهل السودان من غير العرب يأكلون الجيفة والكلب والحمير ([159]) .

كما تحدث عن الوضع الصحي في المدن، فمدينة زيلع في عُمان قذرة، ورائحتها نتنة لكثرة سمكها، ولنحر الإبل في طرقاتها، وأهل ظفار يغتسلون في كل يوم أكثر من مرة لشدة حرارتها([160])، والقسم الأوربي من مدينة القسطنطينية قذر أيضاً([161])، وأهل الهند يضعون على شعورهم زيت السمسم ثم يغسلونه بالطَّفَل فيصير ناعماً ويصقل الشعر ويطوله، وأهل ذيبة المهل نظيفون وشوارعهم مكنوسة تظلُّها الأشجار، والداخل إلى المسجد أو البيت يغسل رجليه([162])، وأهل مكة يأكلون مرة في اليوم فإن احتاجوا إلى طعام أكلوا تمراً وشربوا لبناً([163])، وينتشر مرض النقرس في بلاد الترك.

ومن القضايا الاقتصادية حديثه عن النقود المستعملة، فبعض الدول يتعامل بالوَدَع كجزر ذيبة المهل، وفي خراسان وبنجالة والسودان، وتختلف أسماؤه حسب قيمته، والصين تتبايع بالورق، وإن كسر مركب أعيدت أموال أصحابه إلى أربابها ولذلك عمّرها الناس، والتجار المسافرون تسجل أسماؤهم، فإن عاد المركب ولم يكن فيه أحد ممن سجل اسمه طولب ربانه بأن يبين السبب، وإلا أخذ فيه ([164]) .

وهناك طرق للتعامل التجاري بين المسلمين والروم والشعوب الآسيوية تحدث عنها ابن بطوطة([165])، كما تحدث عن تجارة اللؤلؤ وأدوات صيده([166]) ، وعن العيد وتعاملهم وتحريرهم([167]).

كما تحدثت الرحلة عن الصناعات التي عرفها المؤلف كالفخار الصيني ([168]) ،وصناعة النحاس والسجاد والقطن التركي المعلم بالذهب في مدينة لاذِق([169]) .

وتعرضت الرحلة أيضاً إلى ذكر المجاعات التي حصلت في بعض المناطق، والغلاء الشديد في بعض السنين في الهند حتى أكل الناس لحوم بعضهم بعضاً، والإجراءات التموينية التي اتخذها السلطان الهندي على نحو يشابه بطاقات التموين، كما وزع الفقراء على الأغنياء، حتى صار عند ابن بطوطة خمسمئة نفس([170])، وذكر أن أهل الصين يبيعون أولادهم، ولا يعاب الرجل في ذلك، وهم يزوجون الغريب لئلا يكثر الفساد فيساء إلى سمعة البلد([171]) وهناك مناطق فيها لا يجوز إبقاؤها بلا تعمير، وإلا غُرّم صاحبها ([172]) .

وأما القضايا الثقافية فقد بانت في أحاديث ابن بطوطة عن الإجازات العلمية في العلوم الدينية، فهو قد أجيز بدمشق([173])، وهناك تخصصات، فمعلم القرآن الكريم غير معلم الخط، والمحدثون غير الفقهاء، وحلقات الدرس تعقد في المساجد لتدريس فنون العلم([174])، وهناك دور تعد لاستقبال الطلاب من أنحاء البلاد، ويقدم فيها السلطان النفقة([175]).

والهنود يكرمون الشعراء، وقد أعطى محمد بن تُغْلُق شاعراً مدحه باللسان الفارسي ألف دينار على كل بيت، وكان عدد أبيات القصيدة سبعة وعشرين ([176]) .

وقد أورد ابن بطوطة أشعاراً كثيرة في رحلته، ومعظمها في وصف المدن كصفاقس وحلب وبغداد والموصل ([177]) .

وذكر طرق الكتابة بحديدة معوجة على سعف النحل في جزائر ذيبة المهل، وهؤلاء لا يكتبون على الورق إلا المصاحف وكتب العلم ([178]) .

وهناك تفسير لأحاديث وردت، فقد ذكر الرسول r خوجة عائشة، وفسرها بأنه السرداب الذي كان بين بيت عائشة وأبي بكر، وطلب ألا تغلق، وهي مغلقة بلوح خشبي بينما أغلقت السراديب الأخرى بالحجارة ([179]) .

وهناك مصطلحات عربية وأعجمية، فالأعزة هم الغرباء بلهجة الهنود إكراماً لهم، والمخبرون هم الذين يكتبون للسلطان عن أحوالهم، والدولة مركب أو محفة، ودول النساء مغشاة يحملها رجال يُكْتَرون لذلك، والخدمة التسليم بالخضوع على السلطان حتى يقترب الرأس من الأرض أو كالركوع وإيصال الأصابع إلى الأرض،والجاشنكير: الذي يقطع اللحم بين يدي السلطان ويمشي مع الطعام([180]) .

وهناك إرشادات لغوية ونحوية، فمدينة حلب مؤنثة([181])، وجزيرة مَصيرة أضيفت فيها تاء التأنيث إلى كلمة مصير، وقد ضبطت أسماء الأعلام عامة.

- عجائب وخوارق :

في الرحلة غرائب وعجائب لا يكاد العقل يصدقها، منها ما يتعلق بالصناعة ومنها ما يتحدث عن مخلوقات عجيبة .

ففي المسجد الأموي بدمشق باب الساعات يُدخِل إلى غرفة لها هيئة طاق كبير، فيه طيقان صغار مفتحة، لها أبواب على عدد ساعات النهار، والأبواب صُبِغ باطنها بالخضرة، وظاهرها بالصفرة، فإذا ذهبت ساعة النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهراً والظاهر الأصفر باطناً، ويقال إن بداخل الغرفة من يتولى قلبها بيده عند مضي الساعات([182]).

وفي الهند مسجد عظيم به عمود من سبعة معادن، لها بريق عجيب، وفي هذا المسجد صومعة كبيرة حجارها منقوشة، وسعة ممرها تصعد فيه ثلاثة فيلة، وهي من عجائب الدنيا في ضخامتها وسعة ممرها، ويُرى الناس من أعلاها صغيري الحجم([183]).

وذكر سلطان مدينة بركي لابن بطوطة أن عنده حجراً نزل من السماء أسود أصم له بريق يزن حوالي قنطاراً وقد أحضره أمامه أربعة من قطاعي الحجر وضربوه بمطارق ضربة رجل واحد فلم تؤثر فيه ([184]) .

ومن عجائب المخلوقات زهور ملونة في جبل سرنديب وورد أحمر على قدر الكف ويزعم أهل سرنديب أن في ذلك الورد كتابة بها اسم الله تعالى واسم رسوله عليه الصلاة والسلام، كما يزعمون أن في أعلى الجبل قدم آدم عليه السلام وقد غاصت أحد عشر شبراً، وقد قطع منه أهل الصين موضع الإبهام وجعلوه في معبدهم، ويقولون إن شجر هذا الجبل لا يسقط ورقه، والجوكية ينتظرون عنده ورقة تسقط ويزعمون أن من أكل منها عاد إليه شبابه، وقد كذبهم ابن بطوطة ([185]) .

وفي بلاد المليبار المتاخمة للصين وفي مدينة دَه ْفتن، وسلطانها يسمى كويل، شجرة خضراء قرب مسجد، تسمى دَرَخْت الشهادة، أشجارها كأوراق التين إلا أنها ناعمة، وهذه الشجرة تسقط ورقة واحدة بعد أن يستحيل لونها إلى الصفرة ثم إلى الحمرة، ويكون مكتوباً فيها بيد القدرة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وذكر أن المسلمين والكفرة يجلسون تحت الشجرة ليأخذوا الورقة فإن سقطت أخذ المسلمون نصفها، وجعل نصفها في خزانة السلطان الكافر، وهم يستشفون بها للمرضى، وقد كانت سبب إسلام ملكهم كويل، وقد حاول أحد الكفرة قلع الشجرة فلم يترك لها أثراً فنبتت كأحسن ما كانت عليه، وهلك الكافر سريعاً ([186]) .

وذكر ابن بطوطة أن طائر الرخ يرى في السماء كالريح المتجهة لضخامته ([187]) .

وفي مدينة لاهري التي يصب فيها نهر السند مسخ الناس فصاروا وما كانوا يأكلونه حجارة، وقد رآها ابن بطوطة،وذكر أن المسخ كان قبل ألف سنة أو ما يقارب خمسين ومئتي سنة قبل الإسلام([188]) .

كما رأى في بلاد البَرَهنكار قوماً أفواه رجالهم دون نسائهم كأفواه الكلاب وهذه الطائفة من الهمج ليسوا على دين الهنود أو غيره، ولنسائهم جمال بارع وهم يتناكحون كالحيوانات دون تستُّر، ويكون للواحد ثلاثون امرأة أو أكثر أو أقل، وعقوبة الزنا عندهم الصلب حتى الموت له أو لعبده، أما المرأة فترمى للخدم ينكحونها حتى الموت ثم ترمى في البحر، ولا يسمحون للتجار أن يدخلوا إلى بلادهم خوفاً على نسائهم أن يطمحن إلى رجال حسان، وسلطانهم يرتدي ثياباً من المعزى، وإن أهدي إليهم أثواب ألبسوها الفيلة ([189]) .

وفي بلاد الصين لقي ابن بطوطة رجلاً أناف على المئتين، وكان لا يأكل ولا يشرب ولا يباشر النساء مع قوته التامة، وكان يتعبد في غار في صين الصين، ولما سلم عليه ابن بطوطة قال للترجمان هذا من طرف الدنيا كما نحن في طرفها الآخر، ثم قال لابن بطوطة أتذكر يوم قدومك الجزيرة والرجل الذي كان جالساً بين الأصنام وأعطاك عشرة دنانير من الذهب فقلت نعم، فقال أنا هو فقبل ابن بطوطة يده، ثم دخل الرجل الغار ولم يخرج، فدخل ابن بطوطة الغار فلم يجده ووجد صاحباً له فقال لهم: "لو أقمتم عشرين سنة لم تروه، فإن عادته إذا اطلع أحد على سر من أسراره لا يراه بعده، ولا تحسب أنه غاب عنك بل هو حاضر معك" فعجب ابن بطوطة من ذلك، فلما حكى ذلك لشيخ الإسلام قال إن صاحبه هو نفسه، وذُكِر له أن السلاطين يأتون فيعطيهم تحفاً على أقدارهم، وليس في الغار ما يقع عليه البصر، وهو يحدث عن السنين الماضية، ويذكر النبي r ويقول لو كنت معه لنصرته، ويذكر الخليفتين عمر وعلي بأحسن الذكر ، ويعتقد أنه مسلم، ولكنه لما سئل عن الصلاة قال: "أتدري أنت ما أصنع؟ إن صلاتي غير صلاتك" و قال عنه المؤلف إن أخباره كلها غريبة ([190]) .

ومن عجائب المخلوقات ما يتعلق بأفعال السحر فهناك عبد لقان الصين قطع ولداً في الهواء ورمى أعضاءه ثم لصق الأعضاء فقام الرجل سوياً، فأصاب ابن بطوطة من رؤيته خفقان قلب فأسقي دواء، وأخبره القاضي بأن ذلك شعوذة.

وكان عفريت من الجن يأتي من جهة البحر المطل على جزائر ذيبة المهل كأنه مركب مملوء بالقناديل وكان من عادتهم أن يقدموا له جارية بكراً ويقترعون عليها ويدخلونها بزينتها إلى بُدْخانة أي بيت الأصنام وله طاقة تشرف على البحر، ثم يأتون في الصباح فيرونها مفتضة ميتة، ولكن مغربياً مسلماً جاء بلادهم وعرف القصة فدخل مكانها وهو متوضئ وصار يقرأ القرآن الكريم فلما جاء العفريت وسمع التلاوة غاص في البحر، فأسلم الملك على يديه الملك بسبب ذلك، وكسرت الأصنام، وصار العفريت كلما ظهر يخرج له أهل المدينة وعلى رؤوسهم المصاحف، ويجهرون بالتهليل والتكبير، فينصرف عنهم ([191]) .

- أسلوب الرحلة :

بدت سمة العصر الأسلوبية "الازدواجية" في هذه الرحلة، ففي المقدمة نرى الأسلوب المصنّع، وكثرة الألقاب والأوصاف، والاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، والسجع وذلك على نحو قوله: "الحمد لله الذي ذلل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلاً فجاجاً، وجعل منها وإليها تاراتهم الثلاث نباتاً وإعادة وإخراجاً، دحاها بقدرته، فكانت مهاداً للعباد، وأرساها بالأعلام الراسيات والأطواد … وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجاً، وطلع نور هدايته وهّاجاً، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، واختاره خاتماً للنبيين وأمكن صوارمه من رقاب المشركين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً ….ونستوهب الله تعالى لمولانا الإمام الخليفة، أمير المؤمنين، المتوكل على رب العالمين المجاهد في سبيل الله، المؤيد بنصر الله أبي عنان فارس ابن موالينا الأئمة المهتدين الخلفاء الراشدين نصراً يوسع الدنيا وأهلها ابتهاجاً…" ([192]) .

فهنا نرى البدء بحمد الله سبحانه والصلاة على الرسول r، وكثرة الألقاب التي لقب بها أمير المؤمنين، كما نرى الاقتباس من القرآن الكريم فالرسول r بعث رحمة للعالمين، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، كما نرى السجع واضحاً في عباراته.

ولكن هذا الأسلوب هو الأسلوب المتبع في رسائله الرسمية، وفي كتبه التي ذكرها موجهة إلى السلاطين ومن ينوب عنهم، لأن من نأى عن هذا النهج آنذاك تعرض للنقد، واتهم بالضعف، وقد بدا هذا الأسلوب أيضاً في ثنايا الكتب حين كان المؤلف يصف مناطق في بعض الأحايين، فمدينة "الإسكندرية حرسها الله، وهي الثغر المحروس، والقطر المأنوس، العجيبة الشأن، الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها، ولطفت معانيها… وقد وصفها الناس فأطنبوا، وصنفوا من عجائبها فأعربوا" ([193]) .

فهنا نرى الكاتب يلجأ إلى السجع في عباراته، وكذلك إلى الازدواج كما في "كرمت مغانيها، ولطفت معانيها"، وإلى التوازن كما في العبارتين الأخيرتين، إضافة إلى الإكثار من حروف السين والصاد والنون والهاء، وهذه العناصر الموسيقية أضفت على النص جمالاً يوازي جمال المدينة التي أعجب بها الرحالة.

ولكن سمة الازدواجية في أسلوب الرحلة تظهر في تجويد النص الواحد تارة، والإرسال فيه أخرى، ففي وصف مدينة المحلة الكبرى في مصر نراه يقول  "ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبرى، وهي جليلة القدر، حسنة الآثار، كثير أهلها، جامع بالمحاسن شملها… وكان قاضي قضاتها أيام وصولي إليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد، وهو عز الدين بن الأشمرين، فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه ،وأقمنا عنده يوماً، وسمعت منه" ([194]) .

فهنا نراه يبدأ بحديث فيه نغمة موسيقية حظي بها النص من الازدواج والسجع، ثم ترك هذا إلى الأسلوب المرسل ليخبر عن مرضه وزيارته والسماع من أحاديثه.

ومع هذا كله أستطيع أن أقول إن أسلوب الرحلة عامة هو الأسلوب السهل المرسل، لأن صاحبها كان يخبر عما يراه ويسمعه وعن قضايا علمية اقتصادية أو جغرافية أو صحية … وهذا لا يناسبه التكلف في الأسلوب.

ومن الأسلوب العلمي حديثه عن مدينة قَلْهات اليمنية :

   "مدينة قلهات على الساحل وهي حسنة الأسواق، ولها مسجد من أحسن المساجد، حيطانه بالقاشاني، وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر والمرسى، وهو من عمارة الصالحة "بيبي مريم" ومعنى بيبي عندهم "الحرة" وأكلت بهذه المدينة سمكاً لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم" ([195])

فهنا نرى الكاتب يتحدث بأسلوب بسيط واضح، لا أخيلة فيه ولا عواطف، ولا تزويق أو تنميق، وهذا من سمات الأسلوب العلمي.

ومن الأسلوب المرسل في بعض أخباره حديثه عن أعمى صادفه إذ قال: "ومن غريب ما اتفق لي بجدة أنه وقف على بابي سائل أعمى يطلب الماء، يقوده غلام فسلم علي وسماني باسمي، وأخذ بيدي ولم أكن عرفته قط ولا عرفني، فعجبت من شأنه، ثم أمسك إصبعي بيده وقال: أين الفتخة؟ وهي الخاتم، وكنت حين خروجي – من مكة- قد لقيني بعض الفقراء وسألني، ولم يكن عندي في ذلك الحين شيء فدفعت له خاتمي …" ([196])

فهنا نرى الكاتب يرسل عباراته من غير ما تكلف ولا تعمّل، ولا أخيلة ولا عواطف بل يدع نفسه على سجيتها.

وفي بعض الأحيان نرى الكاتب يمزج الشعر بالنثر، سواء أكان الشعر له أم من نظم غيره، فهو مثلاً أثناء وصف مدينة صفاقس يورد قول علي بن حبيب التنوخي :

سقياً لأرض صفاقس

 

 

ذات المصانع والمصلى

 

بلد يكاد يقول حيـ

 

 

ن تزوره أهلاً وسهلاً

 

وكأنه والبحر يحـ

 

 

سر تارة عنه ويملا

 

صب يريد زيارة

 

 

فإذا رأى الرقباء ولى ([197])

 

ومن شعر ابن بطوطة قوله في مديح السلطان محمد بن تُغْلُق في الهند:

إليك أمير المؤمنين المبجّلا

 

 

أتينا نجدّ السير نحوك في الفلا

 

فلوَ انَّ فوق الشمس للمجد رتبة

 

 

لكنت لأعلاها إماماً مؤهلا ([198])

 

ويبدو شعر ابن بطوطة في هذين البيتين قوياً محكماً.

وقد بدا في الرحلة أيضاً استعمال للمصطلحات الأعجمية السائدة في ذلك العصر مما كان سائدا عند الشعوب الأخرى مثل "سَراكنو"([199])  أي المسلمين. والموز المعروف بالمرواري، والمرواري بالفارسية هو الجوهري" ([200]) و "الجاشنكير أو شاشنكير" ([201]) وهو الذي يقطع اللحم بين يدي السلطان ويمشي مع الطعام.

وهناك خطأ لغوي كان بتعريف العدد المضاعف لا معدوده وذلك في قوله "ثم رحلنا إلى السبع مغارات" والصحيح إلى "سبع المغارات" ([202])

وعلى أي حال فإن أسلوب الرحلة عامة يشير إلى ميل إلى الأسلوب غير المصنع، وإلى رغبة في التخلي عن أساليب القاضي الفاضل والحريري والحصكفي، والعودة بالأساليب النثرية إلى الوضوح والبساطة، وإلى تأدية الفكرة بألفاظ على قدرها، إلا ما كان في الرسائل الرسمية ومقدمات الكتب الموجهة للسلاطين أو المسؤولين إذ يبدو التعمل والصنعة فيها.

وأخيراً فإن هذه الرحلة ترجمت إلى لغات متعددة هي الإنكليزية والفرنسية والألمانية والبرتغالية واختصرها محمد بن فتح الله البيلوني في جزء صغير([203]) لما فيها من تعريف بالأمم وعاداتهم، وبالمناخ الجغرافي للبلدان، وبأمور صحية تتعلق بالنباتات والحيوانات، وإن كانت الأمور العلمية فيها أقل مما ورد في كتاب مسالك الأبصار للعمري.

2- رحلة النفحة المسكية في الرحلة المكية:

 أ – مؤلف الرحلة :

     هو العالم العراقي عبد الله بن حسين السويدي([204]) ينتمي إلى العباسيين، وقد ألف رحلته في أواخر القرن الثاني عشر الهجري وكانت أسرته قد هجرت موطنها "الدور" بسبب الجفاف ورحلت إلى بغداد، وكان والده رئيس عشيرة توفي وهو صغير فرغبت أمه أن تدفعه إلى العمل فأبى إلا العلم، وعانى من الفقر الكثير ورحل إلى الموصل لطلب العلم ثم عاد إلى بغداد بعد أدائه للحج.

وصفه معاصره عصام الدين عثمان بن علي العمري([205]) بأنه "ممن يجله الدهر، ويعظمه العصر… صاحب الأمثال السائرة، رجل العراق وواحد الأدب على الإطلاق"، وهو "عديم المثال والنظير، ناصر الشريعة الأحمدية… آراؤه  صائبة، وأفكاره ثاقبة" .

كان فقيهاً وشاعراً وكاتباً ذا أسلوب رفيع، ومن مؤلفاته هذه الرحلة ومقامة ذات الأمثال، وهي في الوعظ، وديوان شعر، ومؤلفات دينية ولغوية وأدبية كثيرة.

ويقوم نهجه في تآليفه على النقد والمناقشة، وهذه الروح العلمية في تناول النص من أهم ما ورَّثَه السويدي لتلاميذه، وقد تأثر به حفيده علي بن محمد سعيد (ت1214هـ) في كتابه العقد الثمين في بيان مسائل الدين، إذ نقد العلماء، ودعاهم إلى العودة إلى ينابيع الدين الأولى، كما تأثر به نعمان ومحمود وأبو الثناء الآلوسيين في مواقفهم السياسية والاجتماعية.

ألف السويدي رحلته (1157هـ) أثناء عودته من الحج وبعدها، وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة وقد عني العلماء بهذه الرحلة فاختصروها واقتبسوا منها .

ب - دراسة النفحة المسكية .

اً- تلخيص الرحلة :

تبدأ الرحلة بحمد الله سبحانه الذي سهل لمن أمّ بيته صعوبة المسالك، ويسر له أداء المناسك ثم بالصلاة على الرسول r أفضل من لبى بالعمرة وحج، وعلى آله الذين رَوَوْا شعائر هذا الدين وعرفوا المسلمين مناسك هذه العبادة الجليلة.

ثم بين في مقدمته بعد كلمة (أما بعد) أنه اتبع في تسجيل وقائع رحلته نهج من سبقه فسجلها مرتبة على حسب مسيرته، وسماها "النفحة المسكية في الرحلة المسكية"، ثم بين أنه قدَّم على ذكر الرحلة فصلين أحدهما ترجمة حياته اقتداء بعلماء الحديث، وثانيهما في السبب الظاهري الذي أوجب الرحلة.

بدأ بسيرته بتشبيه رحلة الحج برحلة الموت، وهذا ما جعله يسطر حياته وماعاناه من فقره بعد وفاة والده، وضرب لذلك أمثلة تعرف بشظف حياته منها أنه كان يطالع في ضوء القمر، وعلى سرج السوق، وكان يأكل في كل يوم رغيفاً يشاركه فيه آخرون، وإذا لبس الثوب لم يخلعه حتى يبلى لعدم الصابون، وكان إذا طال شعره لا يجد ما يحلقه به، وإذا نام لم يلتحف لئلا يطول نومه فتفوته المطالعة، وكان مع هذا كله يجد نفسه أسعد ملوك الأرض، وقد قرأ العلوم العقلية والنقلية ليكون باحثاً قديراً حتى فاق أكثر شيوخه بل شرع بعضهم في القراءة عليه([206]) .

ثم عرج على الحديث عن الرحلة وذكر استئذانه من الوزير ليسمح له بالغياب عن التدريس في المساجد، ورحل إلى الموصل ومر في طريقه على نهر الحسيني، وحمارات، والفرحاتية، وتكريت والقيارة فالمصايد فالموصل وقد وصف خلال ذلك اجتماعه بالعلماء وخط رسائل إخوانية إلى الأصدقاء ثم رحل منها إلى ديار بكر التركية، فالرُّها فالبيرة، وتسمى بيرة الفرات أوبيره جك اليوم، وهي من أعمال أورفة، وتحدث عن سكانها، ثم وصل إلى حلب وأفاض في وصفها جغرافياً ووصف أهلها ومجالس العلم فيها، واحترامهم للعلماء، كما تحدث عن حضارتها، مساجدها وآثارها النبوية والتاريخية ومزاراتها كمزار سيدنا إبراهيم الخليل والقلعة ومسجد الخضر عليه السلام ومقبرة الصالحين.

ثم خرج منها إلى خان تومان فسرمين فمعرة النعمان، وذكر نهر العاصي وفي الرستن كتب أسماء أهل بدر، وذكر فوائد حصلت لمن استغاث بهذه الأسماء كدفع العدو عنهم وقضاء حوائجهم([207])، ثم رحل إلى حمص وزار قبر خالد بن الوليد، ثم انتقل إلى الشام [دمشق] وذكر شدة إكرام أهلها له وزار مراقد الأنبياء والصالحين فيها، وذكر تسلط الجيش الانكشاري، وانتقد جشع العلماء وقلة علمهم، وقد أعطى فيها إجازات لمن استمع إليهم([208])، وتلقى رسائل من أصدقائه، ثم خرج إلى الأردن فالحجاز وذكر اختلافه مع العلماء في قضايا فقهية تتعلق بالحج، وإفادة العلماء منه، وتحدث عن الآثار الإسلامية والعثمانية في منطقة تبوك.

 وفي المدينة المنورة راح يناجي الرسول r شعراً عبّر فيه عن حبه له([209])، ثم انتقل إلى مكة المكرمة، ودخلها حافياً، وألح فيها بالدعاء، وكان يشرب من زمزم ويدعو لمن يحبه، وذكر أدعية رقيقة كان يدعو بها، وأجاز كثيرين في مكة المكرمة، ثم أخذ طريقه للعودة من الحج، وفي الطريق هاجمت قبيلة "حرب" قافلته، ولكن نزاعاً بين أفرادها أدى إلى نجاتها، كما خرجت عليها عشيرة بني صخر ولكن الله سبحانه "نجاهم من هؤلاء الأشقياء" وسار أمير الجَرْدة إلى دمشق، ثم غادرها إلى بغداد وأنهى رحلته قربها بعد أن وصل إلى ارض لا قرى فيها ولا مناطق شهيرة، وسأل الله سبحانه أن يختم له بالطاعات، وصلى على نبيه  r وعلى من اقتفى هديه ظاهراً وباطناً.

ب- منهج المؤلف في الرحلة:

اتبع المؤلف في سرد رحلته هذه منهجاً وصفياً، إذ تحدث عن كثير من المناطق التي وصل إليها، وكان :

1- يضبط أسماء الأعلام الجغرافية مثل "خان شيخون بشين معجمة مكسورة، فمثناة تحتية ساكنة، فخاء معجمة مضمومة، فواو ساكنة، فنون آخر الحروف"([210]).

2- وكان يفرق بين التسمية الجارية على الألسن والتسمية الفصيحة، كأن يقول في البلاليق "العامة تبدل القاف كافاً"([211]).

3- ويذكر تفسيرين أو احتمالين للتسمية، فمكان "المفرق برّ لا عمارة فيه ولا ماء، سمي بذلك لأنه فارقٌ بين العمارات وغيرها، ويحتمل انه اسم مكان للفَرَق بفتحتين وهو الخوف من العدو وقلة الزاد لانقطاع العمران"([212]).

4- وكان ينقل أسباب تسمية بعض المناطق من كتب تاريخية أو معجمية، أو يروي ما عرفه من أهل المنطقة، فتكريت سميت بذلك نسبة إلى تكريت بنت وائل، ومعرة النعمان نسبت إلى النعمان بن بشير الصحابي الذي قطن فيها، وباب المقام في حلب يُخرج إلى مقام سيدنا إبراهيم، وذكر ابن الشحنة [أي في تاريخه عن حلب] أنه خرج منه أربعون ألفاً فلم يعودوا فسمي بذلك، وقيل كان في المسجد الذي هو بداخله أربعون من العباد وقيل أربعون محدثاً وقيل كان به أربعون شريفاً([213]).

5- يحدد بعض الأماكن بالنسبة إلى قربها أو بعدها من مكان معروف، فالمحاور في العراق قُبالة سُرّ من رأى.

6- ويصف بعض المناطق جغرافيا فيتحدث عن جبالها وسهولها ومصادر المياه فيها ونباتاتها، وقد يذكر عدد أشجارها، وطرق المواصلات فيها، فمدينة البيرة وتسمى بيرة الفرات بليدة على كتف الفرات لها سور قديم وعمارة جيدة، ولاسيما التي تلي شاطئ الفرات، وسميت كذلك لكونها في وهدة عميقة كالبئر([214]).

7- وقد يستطرد خلال ذكر المناطق ووصفها إلى وصف متنزهاتها التي زارها، ويذكر شعراً قديماً أو معاصراً يتعلق بها كما في منطقة الباب وموشحة الشاعر مصطفى البابي الحلبي في نهر الذهب فيها.

8- ويصف حضارة المدن الشهيرة كالموصل وحلب ودمشق والمدينة المنورة إذ تحدث عن مساجدها وخاناتها وما فيها من آثار دينية، وقد يتحدث عن عادات أهلها ومجالس علومهم ومدارسهم وطرق التدريس فيها، وأطعمتهم وطرق لهوهم، فحلب "جنة الدنيا، وخزائن الإسلام، رفيعة البناء، حسنة الأسواق والخانات والحمامات، فيها العلم ظاهر نبراسه، ومحكم أساسه، رفيعة أعلامه،…. أهلها في غاية الرقة واللطف…. لهم جد في تحصيل العلوم، وكثرة الاشتغال في المنطوق والمفهوم، ومواظبة على الجمعة والجماعات، ومداومة على تعاطي المبرات… فلله درهم فلهم أخلاق مسكية، وشمائل ذكية… وفيها من العلماء أساطين، ومن الفضلاء سلاطين، وفيها حفاظ لكتاب الله ومجَوِّدوه، وفيها مدرسون مقيمون لصرح العلم ومشَيِّدوه، ولأهلها قدرة على الكلام، وفطنة وقادة… رضي الله عنهم وأرضاهم وحصن محلهم([215]).

9- وكان يتحامل في وصفه أحيانا فدمشق تحدث عن طبقات الناس فيها، ورأى أسوأها الينكجرية([216])  أو الجيش الانكشاري وهم في "المرتبة السفلى، أجلاف جفاة، لا دين ولا مروءة وهم الينكجرية ومن على طريقتهم من الأراذل، والطبقة العليا من أكابر وعلماء ومشايخ طرق، فهم فراعنة كذابون مراؤون، لا علم ولا عمل"([217]).

10- وهو يوثق معلوماته فإن كان لم يصدق الخبر يقول "يزعم" كما في حديثه عن بحيرة ماء في مدينة الرُّها [أورفة حالياً]، إذ ذكر أن فيها سمكاً كثيراً (ويزعم أهل تلك الناحية أن هذه العين نبعت حين ألقي سيدنا إبراهيم الخليل في النار ورأيت تمثالين يزعمون انهما على صورة المنجنيق "الذي ألقي فيه سيدنا إبراهيم"([218]).

وقد يقارن ما سمعه مع ما ورد في الكتب، ففي الرواية السابقة يقول (والذي ذكره القاضي البيضاوي في التفسير وغيره أن المكان الذي ألقي فيه سيدنا إبراهيم هو "كوثا" بلدة في إقليم بابل والله تعالى أعلم)، والعبارة الأخيرة يقولها حينما لا يستطيع ترجيح أحد الرأيين، وقد يعلق بقوله (ولا أعرف صحته) كما في حديثه عن قتل سيدنا زكريا إذ رأى عموداً أسود في صحن الجامع الكبير في حلب يقال أنه مكان الشجرة التي نشرت([219]).

11- وقد يروي ما شاع عند الناس من أخبار كما في حفظ وقضاء حوائج من حمل أسماء أهالي بدر (فقد اشتهر في حلب والشام وكذا الحرمين أن حمل أسمائهم موجب للحفظ من العدو، ثم أفاض في الحديث عن قضاء حوائج من حمل هذه الأسماء أو استغاث بها)([220]).

12- وقد يعتمد على الحدس في أقواله "وزرت المقبرة المذكورة [أي جبانة الصالحين في حلب] فوجدت من الأنس ما يزيد على البساتين الزاهرة بحيث لا يشك مَنْ له أدنى فهم أن أهل القبور مغفور لهم رحمهم الله رحمة واسعة"([221]).

13- ويبدو من الرحلة اتجاهه الصوفي فهو يذكر بإجلال عبد القادر الجيلاني في العراق ويصف عبد الغني النابلسي في دمشق بالعارف بالله.

14- ويترجم أحيانا لمن يتحدث عنهم أو يجيزهم إجازات علمية ترجمة موجزة كما في حديثه عن عبد الغني الصيدوي مفتي الأحناف في دمشق([222]) وقد يفخر بنفسه إن تفوق على عالم ما كالعالم الصيدوي ، وهو يفخر كثيراً بمنزلته العلمية وتفوقه على أقرانه في الفتاوى كما في حديثه عن رأيه في التيمم مع وجود الماء في طريق سفر يخاف فيه من العطش([223]).

ج- موضوعات الرحلة :

لا يمكنني أن أقارن بين رحلة ابن بطوطة الممتدة مساحة وزمناً، وبين رحلة السويدي هذه التي تحدثت عن علاقته بالآخرين في المناطق التي رآها خلال مسيرته إلى الحج وعودته منه.

والذي يلفت النظر هو أن كل رحالة يهتم بسرد ما يتعلق بعلمه وميوله، فالفقيه يتحدث عن العلماء كالسويدي، والأديب يحكي عن أمثاله كتحفة الأدباء لإبراهيم الخياري، والصوفي يهتم بالمزارات وباللقاءات مع مشايخ الطرق الصوفية كعبد الغني النابلسي، ومع ذلك فإن هناك أموراً ذاتية وأخرى دينية واجتماعية وسياسية بدت في رحلة السويدي هذه وهي:

1- القضايا الذاتية

إذ تحدث عن ولادته، وتسميته وما عاناه من فقر، وعلاقته بأمه، وبأساتذته وأصحابه، والرسائل الإخوانية بينهم، فهو مثلاً يقول لحسين بك بن محمد باشا الكتخذا ويسميه ولده القلبي "أيها الولد وايم الله قد نفذ صبري، وتحيرت في أمري، فأنا أسير بُعْد وأشواق، وطريح وَجْد وفراق، تبت يدا البعاد، كأنه أبو لهب، فلقد لقيت منه ما يقضي على العجب:

تبت يدا مَنْ عن الأحباب ألْوانا

 

أضحى يجرعنا للحتف ألوانا

تبت يداه لقد أضحى أبا لهب

 

يذيب أفئدة منا وأبدانا

أما الدموع فهي دماء، وأما نَوْحي فنواح الخنساء، وأما شوقي فالسعير بالنسبة إليه زمهرير…."([224]) 

فالكاتب في هذه الرسالة الإخوانية يعرفنا على صداقاته ويطلعنا على أسلوبه الفني،  وشاعريته .

وكان أكثر ما يعجبه حضور مجالس العلماء، والاستماع إلى الأناشيد التي ينشدها المنشدون بعدها كما في مجالس حلب([225]).

وهو ذو عاطفة إيمانية متاججة، يعظم الله ورسوله ويخاف من تقصيره، يقول متحدثا عن رؤيته للمدينة المنورة "ازداد اضطرابي وتضاعف خوفي ورعبي، وعيناي تهملان بالدموع، وفؤادي محترق بالولوع، ولما وقع نظري على معالمها نزلت عن الجمل ومشيت راجلا" .

وحينما دخلها اغتسل وقصد المسجد النبوي "منكس الرأس، هامل العين خائفاً وجلاً، وقال: "فدخلت من باب سيدنا جبرائيل لأنه r كان يدخل منه، فازداد خوفي وبكائي، وتضاعف خجلي وحيائي خشية أنى قصرت في إقامة شريعته، وإحياء سننه… فكدت أتمزق ذعراً… حتى أني ذهلت عن نفسي فلم أشعر أنى في أرض أو سماء، فتلوت الزيارة المشهورة سراً، والعين يتحادر دمعها قطراً، فبينما أنا في تلك الحالة الصعبة فإذا وارد الغيب يقول يا مسكين… أتدري عظم موقفك الذي وقفت فيه…. هذا حبيب الله، هذا خليل الله، هذا صفي الله…. هذا سيد المرسلين، هذا خاتم النبيين،…. ورفعت رأسي بعد تنكيسه وقلت بلسان قؤول، وقلب عقول…. يا رسول الله r، والله الذي أرسلك بالحق نبيا لتشفعَنَّ لي…. قد بلغني عنك أنك قلت، وأنت الصادق المصدوق لا تنطق عن الهوى، وإنما أنت وحي يوحى: من زار قبري وجبت له شفاعتي وها أنا قد زرت الكرم وأنت أجلّ من يرعى الذمم"([226]).

ويبدو من الرحلة وصف لحالته النفسية ، فهو يفخر بنفسه حين يدلي برأي يكون صواباً، ويفحم به عالماً كأن يقول عنه إنه كالبحر الزخار والليث إذا زأر، من ذلك قوله "ومما منّ الله به علي أنه ما جرى بحث في التفسير أو الحواشي إلا كنت المصيبَ، والحاضرون لهم إنصاف عظيم، وتسليم للحق القويم… وكلما قرر هذا الشيخ ينظر إلي كالمستفهم ويقول يا سيدي أليس كذلك"([227]).

2- القضايا الدينية

اهتم الكاتب بوصف مواقفه الإسلامية في المناطق التي مرّ بها ولم يهتم بوصف عقائد أهل الملل والنحل الأخرى، ويبدو ذلك من خلال مجالسه مع العلماء، وزيارته لقبور الأنبياء والصالحين، وأحاديثه عن مشاهد الأولياء كما في (دده قِرْخِين) أو هكذا سماهم وعن النور المحمدي، فهو ينقل قول الشاعر:

لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى

 

على الأرض ملقى فانطوى لمزية

وينقل شرحه "قيل إنه عليه الصلاة والسلام لا يقع ظله على الأرض لأنه نور روحاني، والنور" لا ظل له، ثم يعلق على ذلك ويقول "وهو كلام حسن لو كانت الرواية مثلما ذكر، ثم ينقل أبياتاً عن النور المحمدي ومنها:

براك الله من نور نبياً

 

ولا أرض هناك ولا سماء

فكنت وآدم في ظهر غيب

 

ولا طين هناك وليس ماء

فبدء الكون أنت بغير شك

 

وسر الكائنات ولا مراء ([228])

ومن الغريب أن كثيرا من أبناء العصر العثماني يعتقدون بهذا([229]).

كما ذكر محيي الدين بن عربي وأحمد الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية وقال عن كل منهما: (قدس سره) وقال عن عبد الغني النابلسي العارف بالله([230]) كما ذكر فوائد من استغاث أو حمل أسماء أهل بدر كالشفاء من الأمراض، والنجاة من الأعداء، واستجابة الدعاء عند ذكرهم وأيد أقواله بقصص لرجال دفع عنهم الشر بها([231]).

لكنه ندد بنفاق بعض العلماء ومشايخ الطرق في دمشق وقال عنهم (إنهم فراعنة كذابون مراؤون، لا علم ولا عمل، و أما المتصوفة فلهم طريق إلى جلب الدنيا، يودون أن كل واحد يقبل أيديهم ويأخذ عنهم الطريق، يظهرون للعوام أنهم هداة مرشدون، يمدون أيديهم إلى الناس ليقبلوها وهذا من تلبيس إبليس عليهم.

والذي تستحسنه العوام فعلوه والذي ينكرونه تركوه. ظاهر حالهم تنبئ عن فضلهم، وبعضهم يلازم بيته لتزوره العوام، وهم يأكلون أموال الناس ولو بالظلم([232]).

ونقد في دمشق اختلاط النساء بالرجال في صلاة التراويح، في سحر رمضان، وإحضار أولادهن إلى المساجد ولهم صياح ولعب فيشوشون على المصلين، وانتقد فيها أكل أموال الأوقاف المخصصة للمدارس ولهذا اندرس معظمها وكثرةَ حلف أهلها لأيمان الطلاق فتأتي أولادهم من غير نكاح صحيح([233]).

وأكثر في رحلته من ذكر الإجازات العلمية التي كان يعطيها للآخرين، أو يعطاها من العلماء.

3- القضايا الاجتماعية والحضارية

يبدو من الرحلة اهتمام الدولة العثمانية بتأمين طرق الحجاج، فهي تعين أميرا للحج يسمى  أمير الجردة، وهذا مكلف بتأمين حماية الحجاج من اعتداءات القبائل، وقد تعرضت قافلة المؤلف لاعتداءين أولهما من بني حرب ثم من بني صخر ولكن الله نجاها بسبب جهود والي دمشق. ولكن هجوما في منطقة الرميلة بين الموصل وسنجار أفقدهم سبعة وتسعين جملاً وعشر أفراس وجرح به اثنان أحدهما أشرف على الهلاك([234]).

وقد بنى السلطان سليمان القانوني قلاعا على طريق الحجاج يودعون فيها أمتعتهم وأطعمتهم أمانة بيد الدولة إلى حين عودتهم([235]).

وقد وصف السويدي حضارات المناطق التي مر عليها وتحدث عن مساجدها وأثارها والخراب والعمران فيها فمدينة دُنَيْسِر في تركيا مثلاً تدل آثارها على أنها كانت عظيمة، ولكن ليس فيها في زمن رحلته جمعة ولا جماعة، وقد سقطت نصف قبة جامعها الكبير، ويدل على أنه كان من محاسن الدنيا، ففيه منارتان رفيعتان في غاية الجودة تشبهان منارة الجامع الكبير في حلب إلا أن هاتين أحسن وأحكم بناء([236]).

كما ذكر في الرحلة قضايا صحية، (فحمام علي) ماؤها حار جداً إذا كان القِيْر يعلوها، فإن رفع طاب بحيث يتحمله الإنسان، ويذكر أهل الموصل أنها تنفع من الجذام([237])، وهناك نبات (شرح الغزوح)([238]) أكلت منه الجِمال فسكُرت إلى آخر اليوم، وذكر أهل المنطقة أن من يأكله يعتريه شبه جنون ويضعها بين الناس في (التتن) ومن يشربها تأخذه خفة وطرب وجنون ويتخيل أموراً كثيرة

4- القضايا الثقافية :

كالحديث عن انتشار المدارس في أرجاء الدولة، وهي تدرس باللغة العربية، وعن مجالس العلماء وعن استقبالهم للوافدين من مناطق أخرى، والمناقشات التي تجري، والإجازات العلمية، والمراسلات بين العلماء، وتعد هذه الرحلة مصدرا للرسائل الإخوانية([239]) والإجازات العلمية ولفن الوصف النثري في ذلك العصر.

وفي الرحلة أشعار كثيرة وأسماء مؤلفات وتراجم علماء مما فقد في غيرها فصارت مرجعاً كما في شعر السويدي وترجمته الذاتية ومخمسة قاسم البكره جي([240]).

كما تعد الرحلة مصدراً لغوياً وجغرافياً هاماً، فهي تضبط أسماء البلدان، فمدينة قِزِلْ خان بكسر القاف والزاي وسكون اللام ومدينة الرُّها بضم الراء([241]) كما تحدد مَوَاقعها وتشرح جغرافيتها، فبلدة (العاشق) يقول عنها (بوزن اسم الفاعل ورأيته في مسامرة ابن عربي بهذه الصيغة، لكن قال في القاموس: والمعشوق قصر بِسُرَّ مَنْ رأى، فلعله غيره، لأن العاشق بالجانب الغربي من دجلة، وسُرَّ من رأى في الجانب الشرقي، فلعل هذا البناء يسمى بالعاشق، والقصر الذي يسمى بالمعشوق) . وقد علق المحقق على ذلك بأنه لم يعرف في تاريخ سامراء وخططها إلا قصر واحد باسم المعشوق، والعاشق تسمية متأخرة له، وهو من بناء الخليفة المعتمد على الله 256-279هـ، واستنتاج المؤلف غير دقيق لأن سامراه في عهده محصورة في جانب واحد من النهر الشرقي، بينما كانت في العصر العباسي على مسافات واسعة من الجانبين([242]).

5- القضايا السياسية:

الرحلة في مجملها حديث عن البلدان التي مر بها الحاج السويدي، ولذلك فهي لا ترصد الأحوال السياسية ولكن هذا لم يمنع من ذكر ما كان يسمعه منها.

وقد روى لنا ما حكاه له الوزير حسين باشا الجليلي عن هجوم نادر شاه حاكم العجم على بغداد والموصل 1145 هـ ، وأراه في دار الحكم تلاً عظيماً من (قلل القنابر والأطواب)([243]) التي رماهم بها العدو.

وكان السويدي قد اشترك في هذه الحرب ودافع عنها دفاع الأبطال، وقد خسرت الدولة العثمانية في الهجوم الأول على بغداد، فجعله الوالي بعدها مفتي كربلاء والنجف، فلما أعاد العجم الهجوم ثانية في 1156 هـ انتدب السويدي للقاء الأعاجم ممثلا للجانب العثماني، فنجحت مهمته وانتصر العثمانيون ، ثم سافر إلى الحج([244]).

ومن المحاولات السلمية للتغلغل في البلاد الإسلامية ما ذكره من أن الشيعة طلبوا من شريف مكة أن يصلّوا بناسهم في المقام، فرفض الشريف ذلك وقال أحسبوا أن الشرفاء شيعة، وذكر تمسّكهم بالسّنة، وأنه أرسل إلى السلطان العثماني يخبره بما كان فأمر بالقبض على أربعة اتصل بهم العجم لهذا الغرض([245]).

كما ذكر ضيق الشعب من الينكجرية أو الجيش الانكشاري، وهو الجيش العثماني النظامي، إذ كانوا يعاملون الناس بفظاظة حتى أنه أطلق عليهم اسم (أراذل الناس)([246]).

د- أسلوب الرحلة :

أسلوب الرحلة بين التأنق والتدبيج وبين الترسل الأدبي، فهو في رسائله الإخوانية إلى أصدقائه يحبر عباراته ويجودها لتنم عن أشواقه، ولتصور ما يعانيه في بعاده وكذلك حاله في مناجاته ودعائه يشحنها بعواطف إيمانية شجية في أسلوب بليغ، أما في وصفه للمناطق التي وصل إليها، ولمجالس العلم التي حضرها فإنه يرسل قلمه المطبوع فلا يأتي بزخرف ولا يتصنع نكتة بلاغية ما.

يقول في المدينة أمام قبر الرسول r "يا مسكين هذا المقام تود أن تطوف فيه الأنبياء وتتمنى أن تخدمه ملائكة السماء، يا مسكين أتدري من حل هذه الروضة النضرة والبقعة الطيبة العطرة التي دونها الفراديس والنعيم، وتتقاعس دونها جنة الخلد والتكريم، يا مسكين هذا حبيب الله، هذا خليل الله، هذا صفي الله، هذا رحمة الله، هذا حجة الله، هذا صفوة الله، هذا نعمة الله، هذا خير الله، هذا أشرف خلق الله وأكرمهم على الله، هذا سيد المرسلين، هذا خاتم النبيين، هذا رحمة للعالمين، هذا قائد الغر المحجلين، هذا نبي الأنبياء، هذا سند الأصفياء، هذا صاحب الحوض المورود، هذا صاحب المقام المحمود، هذا صاحب الشفاعة، هذا صاحب الضراعة، …. ويلك يا مسكين إن طردت وأبعدت فقد خسرت فتباً لك تباً…. ما نالك يا مسكين من هذه الأسفار إلا تكلف المشاق وركوب الأخطار، وخسرت تجارتك وكسدت بضاعتك فربحك الكد والتعب، وإن كنت مقبولاً مرضياً فقد رقيت مقاماً علياً، فلك الهناء والسعادة، وبلوغ المنى والسيادة وعلوت أوج المعالي، وزهرت أيامك والليالي" .

فالكاتب هنا نراه يعمد إلى مقومات موسيقية عديدة ليضفي على أسلوبه سمة الجمال الفني، فهو أولاً مشحون بعاطفة دافقة، وهذه العاطفة الإيمانية اللاهثة جعلته يكرر الهاء في أول عباراته وينهيها بهاء اسم الله في مثل (هذا حبيب الله، هذا خليل الله …) ([247]) وقد أعطى هذا اللهاث نغمة محببة وجرساً عذباً، وكان تسلسل العبارات بعضها إثر بعض كالماء النمير في سيولته ورقته .

وجاء السجع ليوشي العبارة أيضاً، وبعضه كان أكثر توفيقاً فالمد في (هذا نبي الأنبياء، هذا سند الأصفياء) جاء ذا وقع حلو على الأذن، وهذا الأسلوب فيما أرى لم تكن غايته إبراز المقدرة البلاغية، وإنما التعبير عن عاطفة إيمانية شجية.

ويشبهه في ذلك في رسائله الإخوانية ([248]) .

أما في حديثه المرسل فإنه لا يعمد إلى تصنيع ولا زخرفة، بل يطلق نفسه على سجيتها يقول مثلاً في الحديث عن عشيرة بني صخر "ولما وصلنا إلى مرحلة الفَحْلَتين جاء الخبر إلى أمير الحاج بأن عشيرة بني صخر والشارة وغيرهم حاصروا الجردة في تبوك ومنعوها من المسير، فحصل غم عظيم واضطراب، وتيقنوا الهلاك، واضطربت الآراء والأفكار، فسلموا أمرهم إلى الله، وفوضوه إليه إلى أن جئنا إلى بيار الغنم فجاء البشير بأن الجردة صباح غد توافي الحاج في العُلى، فحصل السرور والأفراح، وزالت الهموم والأتراح، وسبب خلاص الجردة أن أولئك الأشقياء حاصروها عشرة أيام فدفع أمير الجردة الوزير كوسي علي باشا والي صيدا دراهم كثيرة ليخلوا لهم الطريق فلم يقبلوا، فنفذ زادهم وقلت ذخيرتهم، فطلبوا من الأمير ما دفعه أولاً فلم يقبل وتفرقوا" ([249]) .

فالكاتب هنا لا نرى له الجمل المتناغمة التي رأيناها في مناجاته ولا التنميق الحسن ولا التكرار الموسيقي، ولا الألفاظ الرشيقة، بل نراه يقرب من الأسلوب العلمي الذي يحوي أسماء بلدان وأشخاص، بل نرى الأسلوب يضعف أحياناً بتكرار كلمة (اضطراب) في (فحصل غم عظيم واضطراب، وتيقنوا الهلاك، واضطربت الآراء والأفكار) ونراه يكرر كلمة الجردة وكان يمكنه الاستعاضة عنهما بالضمائر. وهذا يدل على أنه كان ينمق أسلوبه في رسائله ليضفي عليها مسحة من الجمال الفني.

وأخيراً….تعد هذه الرحلة نموذجاً لفن الرحلة في العصر العثماني، وهي رحلة لم تبلغ ما بلغته  رحلة ابن بطوطة في أحاديثها ، وذلك لأنه استغرق فيها ما يزيد عن عشرين سنة بينما غاب السويدي مدة أشهر فحسب، ومن هنا كان اطلاعه وتسجيلاته دون مستوى رحلة ابن بطوطة.

ومع ذلك فإنها لم تخل من تعريف بالأوضاع العامة للدولة العثمانية في القرن الثاني عشر الهجري كما حوت تراجم للمؤلف ولشخصيات من العصر، فضلاً عن أوصاف نثرية ورسائل إخوانية تشارك في التعريف بأسلوب النثر الفني في ذلك العصر.

3- الرحلة التبريزية للمحبي :

وهي من رحلات العصر العثماني التي اختلفت أهدافها عن أهداف الرحلتين السابقتين، إذ كان مؤلفها القاضي محب الدين المحبي الحموي قاضياً وكلف بمهمة رسمية في قضاء تولاه، في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية تحارب في بلاد العجم، فحضر فتح تبريز وسطر ما كان فيه، وقال حفيده محمد الأمين بن فضل الله المحبي عن رحلته هذه: و"هذا السفر مما لم يشاهد مثله في الأسفار، ولا دوّن ما يدانيه في الكتب والأسفار"([250])  ، وقد وصف فيه الجيوش العثمانية فذكر أنها كانت لكثرتها كالجراد المنتشر، وكانت نيران العساكر تفوق نجوم السماء، وكانت الطيور لا تجد مكاناً تنزل فيه، وغدت الوحوش والظباء تصطاد باليد لأنها لم تعد ترى مكاناً تتحرك فيه، وذكر بعد ذلك أن المدينة لم تكن مسورة ولا محصنة إلا ببساتين تحيط بها، وقد نشر قزلباش جيوشه فيها، كما عبأ المدينة بالسكان ليصد الجيوش مَنْ بداخلها بالنشاب والبنادق، ولكن السلاح العثماني كان كالصواعق المحرقة التي ردت كيد العدو في نحره، وكفى الله المؤمنين القتال بانهزام حاكم تبريز بعد إخلاء المدينة وما فيها من أموال، ولكن القائد العثماني تتبعهم وكان يتوقع من أهالي تبريز أن يستقبلوه ويظهروا له الطاعة، ولكنهم أخلوا المدينة فغضب الينكجرية ونهبوا ما بقي فيها، حتى إنهم هدموا الدور، وكسروا الأبواب، وتركوا البلاد يبابا، ثم اكتشفوا مغارات أخفيت عن الأعين مملوءة بالأرزاق التي أعدت لمثل هذه الظروف العصيبة، وفيها مغارة تحوي خزائن المدينة، فضبطت الأموال لبيت المال، ثم عاد الأهالي إلى المدينة بعد أن اعتذروا للقائد العثماني بحجة خوفهم من تهديد الشاه لهم. وقد مكر جماعة من قزلباش كانوا مختفين في المدينة فقتلوا بعض العساكر العثمانية ففتك القائد الوزير بها، ولم يذر فيها عيناً ولا أثراً، وأجاع أهلها وقتل جماعة من أشرافها وعلمائها، وعلق المحبي على ذلك بقوله (وكان ذلك فعلاً صادراً عن غير رأي صائب، وأمراً يمجه الطبع، ويحكم العقل بأنه أمر محذور العواقب، وكان الكف عن هذا الفعل أولى وأحرى، وإن صدر من بعض مجهول جرم فلا تزر وازرة وزر أخرى)، وذكر أن الله سبحانه أمرض الوزير بعد هذا الحدث فخرج من تبريز وهو يعاني سكرات الموت، وتوفي بعد خروجه  بيوم.

في هذه الرحلة كما نرى وصف للحرب، وهو أمر قل نظيره في الرحلات العثمانية على الرغم من كثرة فتوحاتهم، وذلك بسبب اهتمام الأدباء بالحديث عن الأمور الدينية والأدبية .

وفي النص روح دينية بارزة، فعساكر المسلمين منصورة، والعزة لله ولرسوله والوزير القائد يستعين بالله قبل الحرب، وهو يكثر من الاستشهاد بآيات الله سبحانه.

كما أن فيها حديث عن حضارة تبريز، وتأريخ لقلعتها وقصر الشاه فيها.

وأسلوبها لا يكاد يختلف عن أسلوب العصر، سجع واقتباس من القرآن الكريم، وتضمين لأقوال الشعراء تناسب المقام الذي يتحدث عنه، وذكر لمصطلحات علمية، ومبالغات في الكلام، وهذا نموذج له:

"وحاصرها من قبل الظهر إلى بعد العصر، ورماها بها فكانت كالصواعق المحرقة، وأرسل عليها شواظا من نار ونحاس([251]) أحرق بها أهل البدع والزندقة، وحوّم عليها بالعسكر وحلّق،

وأخاف أهل الشرك حتى إنه

 

لتخافه النطف التي لم تخلق ([252])

وابتدع ذلك بمشرفيات كأنهن أنياب أغوال، أضحت كسنن لاح بينهن ابتداع "([253]) .

 وقوله (وهدمت جدرانها من الأساس إلى السطح، فأصبحت على عروشها خاوية([254]) بعد أن كانت لأنواع النقوش والزخاريف حاوية، ولم يوجد فيها مكان إلا تهدم، ولم يبق من أكثرها كما قيل إلا دمنة لم تكلّم ([255]) .

وهناك عبارات لها إيحاءات خاصة، فأهالي تبريز طلبوا من حاكمهم أن يأمرهم بما ينقذهم فقال لهم: (اتبعوني ولكن في الهرب، وجِدّوا في الهزيمة قبل أن يمسّنا العطب، فلسنا من فرسان هذا الميدان، ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلان) وهذه السخرية توحي بالخوف الذي كان عليه حال العجم خلال الحرب.

وفي قوله عن الحاكم أيضاً: (وزعم أنها بهذه الأوهام والخيالات قد صارت حصينة، وكان في عزمه بل في زعمه أنه إذا جاءت عساكر الإسلام...) فالإضراب بقوله "بل" ينم عن سخريته به.

 وقوله في وصف شجاعة الوزير (وهو دائماً ماسك عنان فرسه، كلما سمع هتفة طار إليها، يجول تلك الأطراف مشارقاً ومغارباً). فقوله كلما سمع هتفة يوحي بشدة يقظته، وسرعة حركته، وهاتان صفتان هامتان في القائد العسكري.

وفي أسلوب الكاتب مصطلحات بلاغية ولكنها وظفت للدلالة على كثرة الجيش العثماني وكثرة نيرانه وذلك في قوله (إذا اختلط الظلام، وظهرت الأضواء في تلك الخيام، وقابلت بنورها نجوم السماء، وشبه الفقير [أي المؤلف] هذه الهيئة بتلك الهيئة التبس عليه أيهما المشبه والمشبه به منهما).

وفي النص صور واقعية عاينها الكاتب فكثرة الجيش العثماني حالت دون طيران الطيور، وإذا رامت أن تستقر في مكان ما فلا تجد تحتها إلا البشر، فإن سقطت تخطفها الناس في الحال، والظباء والوحوش ضاقت بها الأرض فغدا الناس يصطادونها عن قرب.

وهناك صور جزئية تناثرت هنا وهناك فتبريز المنكوبة (تعرضت لها أيدي الحدثان) "استعارة مكنية تشخيصية"، والقائد (عزماته مثل النجوم ثواقبا) تشبيه، والهم يجسده الكاتب في (وقد غشيهم من الهم ما غشيهم) ، وحاكم تبريز أوجس في نفسه خيفة فخرج منها خائفاً يترقب، وطلع منها متنكراً وهرب مبكراً، والتأثر بتصوير القرآن الكريم لسيدنا موسى بيّن واضح .

وتصوير المفارقة بين القائد العثماني الشجاع وحاكم تبريز الجبان مما يقوي الفكرة ويرسخ معاني القوة والعزة في الجيش العثماني.

وقد كنى عن كبر سن الشيوخ بأن فيهم من عهد عاد بقية ، وعن استخراج الكنوز المخبوءة بـ (تستخرج اليربوع من نافقائه)  وعن انتهاء الحرب بقوله: (وضعت الحرب أوزارها، وأطفأت الفئة الغازية نارها) وعن كثرة القتل بقوله (وقتل عند ذلك آمنهم، وأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم…

وهذا الأسلوب التصويري من الكاتب الشاعر ينم عن قوة بعض أساليب العصر في أواخر القرن العاشر.

وهناك ملامح أسلوبية أخرى كتخفيف الهمزة في مثل (مختب في داخلها) فقد خفف الهمزة فصارت ياء، وحذفت الياء كما تحذف في الاسم المنقوص.

وهناك هنات أسلوبية بسيطة منها تعريف بعض بأل في مثل (فالبعض يقول إنه يمشي القهقرى)، واستعمال (خصوصاً) في موضع (ولاسيما) في قوله (وقد أنسانا ذلك جميع ما شاهدناه في عمرنا من حسن الحظ خصوصاً وضع كل شيء في محله) .

وهناك ألفاظ أعجمية مثل الشاه والينكجرية وزخارف القيشاني في المساجد وهذه الهنات مما شاعت في اللغة منذ تلك العصور.

رابعاً سمات فن الرحلات :

كثر فن الرحلات في عصر الدول  المتتابعة ، وتعددت أنواعه بين رحلات دينية تهتم بالحديث عن المزارات والطرق الصوفية، والمواسم الدينية، وأخرى أدبية وثالثة تنقل أخبار الحروب.

وكثير من هذه الرحلات كان الحج باعثها كما في رحلة ابن بطوطة والسويدي، وعبد الغني النابلسي.

ورحلات العصر العثماني في مجملها أقل مستوى من رحلات العصر المملوكي ولكنها أغزر عدداً، وكتابها لا يفيضون في الحديث عن البلدان وحضاراتها وأوضاعها السياسية والاجتماعية لقصر المدة التي يتحدثون عنها، ولهذا كانت رحلات العهد المملوكي أكثر تشويقاً، وأغزر علماً.

وتشترك الرحلات في العهدين المذكورين بتراجم الرجال وذكر بعض مؤلفاتهم ولاسيما العلماء منهم والحديث عن صبرهم على العلم ومعاناتهم في سبيله، وفي ذلك إيضاح لكثير من الواقع الاجتماعي الذي كان الناس يعيشونه آنذاك ،وحفظ لحيوات كثير ممن نسيتهم كتب التراجم .

كما كشفت الرحلات عن كثير من الأوضاع اللسياسية، وأساليب الحكم في الأمم، وعلاقاتها الخارجية.

وتعد الرحلات مصدراً جغرافيا مهماً إذ ذكرت فيه أسماء بلدان وطريقة لفظها ، كما أطلعتنا على جغرافية كثير من المناطق الصحراوية والجبلية والجليدية ، وأوضاع سكان تلك المناطق من عرب وترك وفرس وهند وأفغان يوحد بينها الإسلام ، وهذا مما يسمى بالجغرافيا الطبيعية والبشرية .

كما تعد مصدرا أدبيا ولغويا لهاتيك العصور لما تحويه من شعر و رسائل إخوانية وديوانية وإجازات علمية قد تكون مفقودة ، ولا سيما ما يتعلق منها بالعصر العثماني .

وقد تباين فيها الأسلوب الفني عن العلمي ، فهو مثلاً في وصفه للموصل يتحدث باسلوب علمي فيقول: (وتليها مرحلة الموصل القديمة، والترك يقولون أسكي موصل، وهو المشهور المتداول على ألسنة العامة، وهي بلدة كبيرة خراب، رسوم سورها وأسواقها وأبوابها ظاهرة، وهي أيضاً على دجلة…) وهنا نرى الأسلوب العلمي المؤيد بالدليل، ولا نرى منه زينة لفظية بسجع أو بغيره.

بينما نرى في نثره الفني يزين العبارة بالسجع والترادف وتوازن العبارات وبالطباق، والجناس، وذلك ليكسب النص جمالاً لفظياً وجمالاً معنوياً، يقول:

(إن هذا المخلص في وداده، الصادق في تصافيه واتحاده، لم يزل مقيماً على الدعاء، ولم يبرح مديماً للثناء، متذكراً تلك الأوقات التي أزرت بالأعياد المجردة، العارية عن الأكدار والأنكاد … فالله أسأل، وعليه المعول أن يمن بعد ويجمع أشتاته، ويعيد علينا السرور في أسعد أوقاته، فنقتص من النوى والبعاد، ونفوز بميل المنى وبلوغ المراد)([256]).

وهناك أساليب رمزية في رحلات المتصوفة .

وأخيرا فإن هذه الرحلات تعد إنجازات هامة قدمها مؤلفوها للفكر الإنساني بصفة عامة ، وهي تشير إلى أهمية الرحلة عند المسلمين فقد جابوا الآفاق ووصفوا حياة الشعوب وعادات أهلها وحضارتهم، وكان لهؤلاء الرحالة أثرهم في الغرب إذ كانوا سادة علماء الجغرافيا، وقد سار الإسهام الأوربي في مجال الرحلة في ظلال الإسهام العربي باعتراف المنصفين من باحثي الغرب مثل جورج سارتون وجون رايت وبيزلي([257])

([1]) محمد سعيد العريان حياته وفن المقالة /36 .

([2]) نزهة المشتاق 1/418-419  .

([3]) نزهة المشتاق 1/219، وينظر لعجائب أخرى في 94 –95 و 219-220 .

([4])نزهة المشتاق 2/548 .

([5]) مسالك الأبصار /154 .

([6]) مسالك الأبصار /121 .

([7]) مراحل تطور النثر العربي 3/463 .

([8]) الحقيقة والمجاز /206-208، 404 . وينظر لهذه الأفكار في كتابي الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة فصل الشعر الصوفي ص 107 ،123 ،

([9]) ينظر على سبيل المثال الحضرة الأنسية /341-427 –448-449 … والرحلة الطرابلسية /4304 .

([10] ) ينظر لذلك في تحفة الأدباء ص 157-277-313 .

([11]) محب الدين بن تقي الدين الحموي (ت981هـ) قاض من حماة : خلاصة الأثر 3/322 .

([12] ) مصطفى بن كمال الدين بن علي (1099- 1162هـ)  أديب متصوف : سلك الدرر 4/84

([13] ) الحضرة الأنسية / 426

([14]) الحضرة الأنسية /426 .

([15]) مسالك الأبصار /61 .

([16]) مسالك الأبصار /137 .

([17]) مسالك /133 .

([18]) مسالك /247-248 .

([19]) تحفة النظار /334 .

([20]) نفسه /134 .

([21]) نفسه /114 .

([22]) مسالك /153 .

([23]) تحفة الأدباء /281 .

([24]) نفسه /354-355 .

([25]) أبو سعيد يوسف بن عبد الحق من القرن الثامن الهجري، أحد أمراء بني مَرِين في المغرب .

([26]) الرحلة /111 .

([27]) الرحلة /183 .

([28]) كان هذا قبل فتح محمد الفاتح لها بحوالي مئة سنة، لأن القسطنطينية فتحت في  857 هـ.

([29]) الرحلة /199 .

([30]) الرحلة /336 .

([31]) الرحلة /256 .

([32]) الرحلة 256 .

([33]) الرحلة /35-36 .

([34]) الرحلة /36 .

([35]) الرحلة /60 .

([36]) الرحلة 54 ، ومثله في ذلك في مغارة إبراهيم عليه السلام ص60 .

([37]) الرحلة 54 .

([38]) الرحلة 153 ، ومثلها في شجرة : "ولهم أكاذيب في شأنها وذلك باطل" ص349 .

([39]) الرحلة 51 .

([40]) الرحلة 22-40-12 .

([41]) الرحلة ص40، ومثلها ص58، و 105 في تسمية مدينة دولة آباد التي تسمى أيضاً الكَتْلَة والدونجر – دوكير .

([42]) الرحلة /220 .

([43])  الرحلة /47 .

([44]) الرحلة 375 .

([45]) الرحلة / 210 .

([46])  الرحلة /109، وكذلك في ص129 .

([47]) الرحلة 383 .

([48]) الرحلة /111، وقال المحقق: لعلم أراد أنها تلفظ كالجيم المصرية.

([49]) الرحلة /132 .

([50]) الرحلة /162 .

([51]) الرحلة /222 .

([52]) الرحلة 162 .

([53]) الرحلة /163 .

([54]) الرحلة /180 .

([55]) الرحلة /6 .

([56]) الرحلة /299 .

([57]) الرحلة 141 .

([58]) الرحلة 12 و 7 .

([59]) الرحلة 56 .

([60]) الرحلة 15

([61]) ينظر حديثه عن كرامات أبي الحسن الشاذلي ص15، وعن دعاء حزب البحر ص16 وعن مكاشف المتصوفة ص18 و 19 .

([62]) الرحلة 179 .

([63]) الرحلة 36 و 40 و 125 ، 128 و 315 .

([64]) الرحلة 6 .

([65]) الرحلة 26 .

([66]) الرحلة 187 .

([67]) الرحلة 114-15، وقد شتم يهودياً تطاول عن حده : 175 .

([68]) الرحلة 311، 382، 388 .

([69])  الرحلة 214-254 – 378 .

([70]) ينظر لانحرافات المتصوفة في كتابي الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة ص 86-136 تحت عنوان التصوف البدعي والإلحادي .

([71]) الرحلة 167 .

([72]) الرحلة 208 و 272 .

([73]) الرحلة 55-56 .

([74]) الرحلة 152 و 170 .

([75]) الرحلة 175 – 176 .

([76]) الرحلة 56 – 57 .

([77]) الرحلة 88 .

([78]) الرحلة 319 .

([79]) الرحلة 272 .

([80]) الرحلة 144 .

([81]) الرحلة 169 .

([82]) الرحلة 117 – 146 – 319 .

([83]) الرحلة 322 .

([84]) الرحلة 333 .

([85]) الرحلة 107 .

([86]) نسبة إلى جلال الدين الرومي المعروف بمولانا وكان ابن بطوطة يجله كثيراً. الرحلة 195 وقبره في قونية

([87])  الرحلة 195 – 196، وينظر لهذه الفرقة في موسوعة حلب 7/33 والمجتمع العربي السوري /1886

([88]) الرحلة 225 .

([89]) الرحلة 124، وينظر لأحاديثه عن كرامات أخرى في الرحلة ص107 و 205 .

([90]) الرحلة 16-17 وينظر لكرامات لهم أيضاً في ص41 .

([91]) الرحلة 17-18 وينظر لشبيهه ص279 وللمكاشفات الغيبية ص29 .

([92]) الرحلة 21 .

([93]) كان ذلك قبل فتح السلطان محمد الفاتح لها.

([94]) الرحلة 204 .

([95]) الرحلة 205 .

([96]) الرحلة 175 .

([97]) الرحلة 40، 36، 90،128 – 163 .

([98]) الرحلة 119 .

([99]) الرحلة 222 .

([100]) الرحلة 253 و 319 .

([101]) الرحلة 143 – 144 .

([102]) الرحلة 324 .

([103]) الرحلة 327 .

([104]) الرحلة 240 .

([105]) الرحلة 364 .

([106]) الرحلة 315-317 .

([107]) الرحلة 265 .

([108]) الرحلة 213 .

([109]) الرحلة 29 .

([110]) الرحلة 387 .

([111]) الرحلة 111 .

([112]) الرحلة 177 .

([113]) الرحلة 13 .

([114]) الرحلة 192 .

([115]) الرحلة 11 .

([116]) الرحلة 383 .

([117]) الرحلة 17 .

([118]) الرحلة 252 .

([119]) الرحلة 281 .

([120]) الرحلة 90-92 .

([121]) الرحلة 254 .

([122]) الرحلة 278 .

([123]) الرحلة 282 .

([124]) الرحلة 330 .

([125]) الرحلة 173، 46 .

([126]) الرحلة 263 .

([127]) الرحلة 158، وينظر لترف سلاطين الهند في 245، 292 .

([128]) الرحلة 185 .

([129]) الرحلة 148 .

([130]) الرحلة 340 .

([131]) الرحلة 10-11-197 .

([132]) الرحلة 62 .

([133]) الرحلة 61 .

([134]) الرحلة 105 .

([135]) الرحلة 334 .

([136]) الرحلة 166 .

([137]) الرحلة 172 .

([138]) الرحلة 229 .

([139]) الرحلة 116 .

([140]) الرحلة 147 .

([141]) الرحلة 394 .

([142]) الرحلة 335 .

([143]) الرحلة 336 .

([144]) الرحلة 188 .

([145]) الرحلة 160 .

([146]) الرحلة 114-118 .

([147]) الرحلة 177 .

([148]) الرحلة 41-43، وقد وهم ابن بطوطة في هذا النهر لأن نهر قويق هو الذي يمر من حلب لا العاصي.

([149]) الرحلة 305 .

([150]) الرحلة 183-184 .

([151]) الرحلة 186 .

([152]) الرحلة 181 .

([153]) الرحلة 196 .

([154]) الرحلة 91 .

([155]) الرحلة 153-154 .

([156]) الرحلة 142 و 155 .

([157]) الرحلة 190 .

([158]) الرحلة 365 .

([159]) الرحلة 402 .

([160]) الرحلة 147 .

([161]) الرحلة 203 .

([162]) الرحلة 334 .

([163]) الرحلة 87 .

([164]) الرحلة 329 ، 367 .

([165]) الرحلة 151 ، 325 .

([166]) الرحلة 160-162 .

([167]) الرحلة 372 .

([168]) الرحلة 365 .

([169]) الرحلة 168 .

([170]) الرحلة 291 و 316 .

([171]) الرحلة 367 .

([172]) الرحلة 373 .

([173]) الرحلة 64 .

([174]) الرحلة 56 .

([175]) الرحلة 148 .

([176]) الرحلة 265 .

([177]) الرحلة وبالتتابع 12 – 41 – 129 – 138 .

([178]) الرحلة 337 .

([179]) الرحلة 68 .

([180]) الرحلة 288 و 291 و 294 – 295 .

([181]) الرحلة 41 .

([182]) الرحلة 55 .

([183]) الرحلة 242 .

([184]) الرحلة 176 .

([185]) الرحلة 348-349 .

([186]) الرحلة 327 .

([187]) الرحلة 375 .

([188]) الرحلة 233 .

([189]) الرحلة 358 .

([190]) الرحلة 369 .

([191]) الرحلة 337 .

([192]) الرحلة 7 .

([193]) الرحلة 13، وينظر لمثل هذا الأسلوب في وصف مدينة حماة ص39 وحلب ص 40 .

([194]) الرحلة 19 .

([195]) الرحلة 157 .

([196]) الرحلة 305 .

([197]) الرحلة 12 .

([198]) الرحلة 299 .

([199]) الرحلة 202 .

([200]) الرحلة 158 .

([201]) الرحلة 288 .

([202]) الرحلة 347 .

([203] ) الأعلام 6/236

([204]) عبد الله بن حسين السويدي (1104 – 1174 هـ) عالم من بلدة "الدور" في العراق وهي قرب سامراء، حج على الحرمين الشريفين وسجل رحلته هذه باسم النفحة المسكية في الرحلة المكية، وله مؤلفات فقهية وأدبية وديوان شعر وقد ترجم لنفسه بين ص5-19 والرحلة المذكورة بتحقيق عبد السلام رؤوف، طبع المجمع الثقافي في أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة 1424هـ /2003 م.ولابن سعيد الأندلسي ت 685هـ كتاب يحمل الاسم نفسه : الأعلام 5/26، ووقائع رحلة السويدي تثبت أنها له فهي تتحدث عن طريق العراقي إلى الحج ، بينما تتحدث الأخرى عن رحلة الأندلسي من موطنه . فضلا عن أن رحلة السويدي محققة .

([205]) عصام الدين عثمان بن علي العمري (1134- ت1193هـ) شاعر ومؤرخ من العراق له كتاب الروض النضر : الأعلام 4/211 .

([206]) النفحة المسكية /69-71 .

([207]) رحلة النفحة 214-220 .

([208]) رحلة النفحة 231-283 .

([209]) رحلة النفحة 313-314 .

([210]) رحلة النفحة 41 .

([211]) النفحة 41 .

([212]) النفحة 290، وذكر الخياري في تحفة الأدباء أن الحجاج يتفرقون عند هذه المنطقة إلى بلدانهم : 1/90 .

([213]) النفحة 208 .

([214]) النفحة 117، وذكر المحقق أن العثمانيين سموها (بيره جك) وكانت تتبع في أيامهم مدينة أورفة حيث تبعد عنها حوالي ثمانين كيلو متراً إلى الجنوب الغربي منها.

([215]) النفحة 122-123 .

([216]) الينكجرية :

([217]) النفحة 242 .

([218]) النفحة 118 .

([219]) النفحة 199 .

([220]) النفحة 215-220 .

([221]) النفحة 207 .

([222]) النفحة 259 .

([223]) النفحة 287 .

([224]) النفحة 109 .

([225]) النفحة 130-133 .

([226]) النفحة 305-307 .

([227]) النفحة 137 .

([228]) النفحة 140-141 .

([229]) ينظر كتابي الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة، الشعر الصوفي ص 107

([230]) النفحة 242 ، 278 ، 284 ومثل ذلك في ص341 .

([231]) النفحة 214-220 .

([232]) النفحة 242-243 .

([233]) النفحة 247،248،249 .

([234]) النفحة 330 و 113 .

([235]) النفحة 292 .

([236]) النفحة 115 .

([237]) النفحة 100 .

([238]) شجرته ذات قضبان دقاق خضر لها ورد أصفر صغير أشبه شيء بالشيح: النفحة 112 .

([239]) النفحة 104-105 –118-180 .

([240]) النفحة 131 ، 184 ، 187 .

([241]) النفحة 98-116 .

([242]) النفحة 95، والتعليق في هـ3 من الصفحة نفسها

([243]) كرات تقذفها المدافع: النفحة ص102 هـ1

([244]) النفحة 16-18 .

([245]) النفحة 322 .

([246]) النفحة 242 .

([247]) النفحة 306-307 .

([248]) مرّ في ص     نموذج لذلك .

([249]) النفحة /330 .

([250]) ورد النص خلال ترجمة السلطان مراد الثالث في خلاصة الأثر 4/346-351 .

([251]) مقتبسة من قوله تعالى في سورة الرحمن: )يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران( آية 35

([252]) البيت لأبي نواس في مديح محمد بن هارون الرشيد ، والرواية هي :

وأخفت أهل الشرك حتى إنه        لتخافك النطف التي لم تخلق

     ديوان أبي نواس / 382

([253]) النص من خلاصة الأثر 4/364 .

([254]) أضْحَت على عروشها خاوية مقتبسة من قوله تعالى : (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) : البقرة /259

([255]) "دمنة لم تكلم" من قول الشاعر زهير بن أبي سلمى :

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم             بحومانة الدراج فالمتثلم

شرح المعلقات العشر /151

([256]) النفحة /106-107 .

([257] ) الرحالة الأوربيون في العصور الوسطى /10

وسوم: العدد 680