ضوءٌ نقدي ... لديوان ( مهرة الحكاية) للشاعرة هدلا القصار

clip_image001_b6432.jpg

clip_image002_db63d.jpg

) الحمد لله الذي طوَقَ اعناقَنا ، بأمانةِ الحرف واللغة ، وأيدَنا بالفصاحة البالغة ، فجعلَ الحرف دليلاً على وحدانيته ، والبيان طريقاً لمعرفته .

ــ فلقد إطَّلَعنا على ديوان ِ شعر ٍ فصيح ، وبيان ِ جَزَل ٍ قـَريح ، قد أجادَتْ صنعتَها ، وعَرَضَتْ بضاعتها ، فَوجدْنا النسج من البديع ، والغرز من السريع ، فتسابق المتسابقون لقرائتهِ ، وتزاحف الزاحفون لمحاكاته ، فكان سبكُ الحروف زاهيا ، وجمالُ العرض باديا ، فَتخيرَتْ من الكَلام ِ أجمله وطَبَعتْ من البديعِ أكمَلُه ، فَقَصدَ قصيدها من كل نَهْج ، وأَنشدَ نشيدها من كل فـَجْ ، فكانَتْ سيدة حروفها (هدلا) ، وأَرخَتْ نضيدَها سَدلا .  

وهذا ما دعانا الى الخوض في نقد ديوانها . والغوص في مكامن سحر بيانها ، فلا نجامل لأجل العين . ولا نداهن لذات البَيْن ، فتلك أمانة ٌ حملها ثقيل ، واستقامة تحتاجُ الدليل . والحمد لله على نعمه وإنعامه ... هــدلا ... يطيب لي أن ان أخاطب الشاعرة الرائدة ، وصاحبة القصيدة الصامدة ، بأسمها الصريح ، والتي اسميتها في مقال نقدي سابق بـ (النبتة البرية) لتَحمّلها عاصفات الزمن ، فتنحني ولاتنكسر ، رغم الجراح البالغة التي تترك آثارها في انعكاساتها الادبية . حتى جاءت عبارة :

إلى الأصدقاء الذين تناوبوا على قتل أحلام(مهرة الحكاية) وابتزاز انكسارها، إلى الذين حاصروها ، وحاولوا دفنها بين الأحياء الأموات ، إلى الصديق الذي سرق نصوصها وما مَلَكتْهُ من قريحة الشعر"

ـ والتي فاجأتْني كثيرا ... كونها تخاطب الخنجر الغائر بلفظة (الصديق(

 وهذا من أدب النفس قبل أدب الدرس ، وقد بَدَتْ خبرتها ، عندما ابتدأَتْ ديوانها بـ (أيها الشعرُ) ، وخَتَمتهُ (ونعلن السرَ بعد الصلاةِ .) . فلقد جاء ديوانها الشعري محملاً بخصيب المعاني ، وتلون الأفكار والمرامي ، كي تبعد الرتابة والملل لدى القاريء ، وهذا من أسرار نجاح الدواوين الشعرية .

ــ تَفَحصتُ عناوين قصائدها فوجدتها قد أُختيرت بعناية فائقة ، فجاءَتْ أما إستلهاماً ، أو دمجاً لكلمتين اختيرتا بعناية ، تكادان تفصحان عن دواخلهما ... كـ (الصمت – طبق الجنون – ظل منقار... الخ ) حتى تجعل القاريء يتعجل القراءة لمعرفة سر هذا العنوان . ثم يأتي النص كقطعة متماسكة ابداعيا ً ، مؤطراً بحدة ٍ ورشاقة ٍ في اللفظ ، ويمتاز بقوة السبك التي تعتمد على ترابط رقاب العبارات ومعاني الالفاظ بعضها ببعض ، فلا تشعر بالانفصال من الفكرة اثناء القراءة ، وهذا من صفات الكاتب الحَذِق الذي يصهر كل عناصر الفكرة في بوتقة واحدة ، فينتج سبيكة غاية في التلاحم والصلادة والمتانة . وقد قال الاوائل : الكاتب الجيد ... هو من أجاد المَطلَع والمَقطَع ، وهذا مانراه متوفراً في جميع نصوص الديوان . فيأتي المطلع غاية في الدقة والتشويق لجذب القاريء ،كما نقرأ في قصيدة ... دم حزيران : "

فلنتَّفقْ على أنني ميتةٌ منذ عشرةِ رجالْ لكني لم أكفَّ عن الموتِ بعدُ ولا فرقَ عندي " ـ

-ـ ثم يأتي المقطع وهو يهتز لثقل ِ حمل انواع الجماليات الآخذة بالتكثيف والتركيز ... فمثلا ... تقول : " فلنتفقْ قاتلي وأنا جئنا لنكون ليلاً أو تراباً أو فراغاً جاهلاً أو لنقـُلَ للتاريخِ : خذ ما شئتَ من أسمائنا "      

ـــ وعنصر ابداعي آخر مرادفاً لجمال العرض ... هو الرمزية المفهومة ... وليست (طُلَسم) او حزورة .... فقد إجتَهدَتْ الكاتبة في استعراض الإيحاءات التي تجذب القاريء والسامع ، لتجعله يبحر مع ذاته برهة ، متأملاً ابداعاً نسيجيا لغوياً متحضراً . حتى استوقفني كثيراً هذا الجمال الرمزي في قولها : " وذات ليلةٍ !! سألملم ريشَه لأصحو على نسرٍ عارٍ " ـ

ــ قليلٌ أقرأ هذه الايام لهكذا زخرفة رمزية ، وخَتَمتْ نصوصها بخاتمات ، لاتنزاح عن ذهن المتتبع والفاحص ، بل إستمالَتْ الأذن وأغرَتْها ، لتضع عصيراً مستساغاً لانافراً ، للذوق الادبي السليم .

ـــ هذه العُجالة المقدمة المعروضة لهذا الديوان الملتزم ، جَعلتني أزيح الكثير من الأفكار النقدية الأخرى ، كون المقام لا يتحمل أكثر من هذه السطور ... لذا ... أضع إعجابي الشخصي بهذا القلم المثابر الملتزم والحرف الرصين ، لا لكوني اكتب مقدمة نقدية لديوان شاعرتنا الرائدة (هدلا) إنما هي مسؤولية قلم وتأريخ حرف ... ونحن نجد في قلمها خيراُ إن شاء الله تعالى ... الشاعرة (هدلا القصار) ... كوني قلبا ً يرف ... وجناحاً يدُف ... تمنياتي لكِ  بالموفقية والتقدم ... والحمد لله رب العالمين الكاتب والناقد كريم القاسم

العراق / بغداد 

وسوم: العدد 684