المحاق ما بين النوفيلا والرواية الطويلة!
أقام نادي حيفا الثقافي أمسية ثقافية للأديب ناجي ظاهر في قاعة كنيسة ماريوحنا الأرثوذكسية في حيفا تحت رعاية المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني/ حيفا بتاريخ 13-10-2016، وسط حضور كبير من أدباء وشعراء وأصدقاء من منتديات أدبيّة، وذلك بتناول روايته محاق، وقد تولى ادارة الأمسية الأديب محمد علي سعيد، بعد أن رحب المحامي فؤاد نقارة مؤسس ورئيس نادي حيفا الثقافي بالحضور والمشاركين، وتحدث عن الرواية كل من: د. جهينة خطيب حول سيميائية العنوان والغلاف والمضمون، ود. ماري توتري تطرقت إلى قضيّة القانون لحماية المرأة، وصورة المرأة من خلال الرواية. في نهاية الأمسية شكر ناجي ظاهر المنظمين والمتحدثين والحضور، وتم التقاط الصور التذكارية أثناء توقيعه لروايته للأصدقاء والقرّاء!
مداخلة محمد علي سعيد: في الناصرة عام 1951 ولد ناجي ظاهر؛ الكاتب والقاص (للكبار وللصغار) والروائي والشاعر وكاتب المسرحية والناقد والصِحافي، وهو في الأصل من قرية سيرين المهجرة في منطقة غور الأردن، وفيها تلقى تعليمه الابتدائي، ولكنه ترك المدرسة لظروف اقتصادية قاسية، ثم درس على نفسه فثقف نفسه بنفسه، حيث تفرغ للقراءة وللكتابة وللحركة الأدبيّة، وفي أثناء عمله التحق بالعديد من الدورات الصحفيّة والأدبيّة، يعمل صِحافيّا ومُحرّرًا أدبيّا في العديد من الصحافة المحليّة والمجلات الأدبيّة (مجلة الشرق ومواقف والشعاع)، ناشط في الحركة الأدبيّة والصحافة منذ أكثر من أربعين عاما، وهو أديب مثقف جدا في المجال الأدبي، ومن أبرز أعلام القصّة القصيرة والرواية، ينتمي الى المرحلة أو الرعيل وأميل الى الفطمة بلغة الفلاحين الثالثة: الأولى: المخضرمون، ثم بداية السبعينات ثم بداية الثمانينات. أصدر أربعين مؤلفا أدبيّا، منها: سبع روايات: الشمس فوق المدينة 1981. هل تريد أن تكتب. صَلد. حارة البومة. نزف الفراشة. غرام أو نهاية فنان. مَحاق. 2016. بميم مثلثة.
مُحاق؛ ما يُرى في القمر من نقص بعد اكتماله، والرواية تدور أحداثها في الناصرة، حول التحوّلات المفاجئة التي يمرّ بها مجتمعنا العربي الفلسطينيّ في هذه البلاد، وذلك من خلال تسليط الضوء على معاناة فنان أماته الواقع، وأعادَهُ الحُلم إلى الحياة، ليجد نفسه في مواجهة عنيفة جدّا مع واقعه، وتنتهي الرواية بمصرع بطلها الفنان على يد زوجته، كما في روايته حارة البومة، وهذه من تيمات أديبنا ناجي. تطرح الرواية معاناة الفنان في فترة تحوّل مجتمعيّ غير واضحة المعالم، وتقدّم أنموذجًا سيّئًا لامرأة سيّئة تشبه زوجة سقراط في عنفها وفظاظتها، ولا تستسلم من المعاشرة الأولى، بل تطاردك الأسئلة الفلسفيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والفكريّة. رواية محاق، أقرب الى الرواية القصيرة (النوفيلا)، منها الى الرواية الطويلة، مكتوبة بأسلوب روائيّ ناضج متدفق، يتوسّل التركيز والتكثيف لتحقيق ما يرمي إليه من متعة وفائدة، وبعيدة عن دهنيّات الكمّ الكتابيّ، وتستحقّ القراءة والمشاهدة حقا، لأنّها من حالات الاستثناء بين هذا الكمّ السرديّ الحكائيّ غير العميق فكريّا..
*المكان: تدور أحداث جميع روايات ناجي ظاهر في الناصرة وحاراتها، ما عدا روايته الأولى الشمس فوق المدينة، فمكانها الناصرة والقدس، والمكان بصفاته العديدة ثابت، متحرّك، خاصّ، عامّ، مفتوح، مغلق، واقعيّ، خياليّ عند ناجي ظاهر، ليس إطارًا أو وعاء محايدًا للأحداث، إنّما هو شريك مؤثر فيها، يكاد يصل درجة الشخصيّة.
*التراكمية: أميل الى تقسيم ثنائيّ للأدباء: الشهابيّ والتراكميّ. الشهابيّ هو الذي بقي سجين نصّ أو كتاب نال به شهرة، وبقي مرتبطًا باسمه في الثقافة الأدبيّة الشعبيّة العامّة، وبقي يكرّر نفسه. بينما الأديب التراكميّ هو الذي لا يبقى سجين نصّه، بل يخطو الى الأمام مضمونًا وحدَثا وفكرًا وأسلوبًا وهيكلة، ويبقى دائم التجديد والتجريب بوعي شموليّ عميق وموهبة نامية، وهكذا تتراكم خبرته وتسير نحو الأجمل والأجود، وناجي ظاهر هو كذلك أديب تراكميّ حقا.
*الحداثة: رواية "محاق" فيها كثير من مميّزات الحداثة: كزوال الحدود بين الحقيقة والخيال. بين الواقع والحلم. بين الحي والميت. بين المعقول وغير المعقول بين الأزمنة وتداخلها، بين الأمكنة. المفاجأة بعدم التوقع لتكملة المعنى المنطقية بحسب سياق السرد وتدفقه. (كما القافية في الشعر العمودي التقليديّ).
د. جهينة خطيب : باحثة وناقدة في موضوع اللغة العربيّة، حازت على اللقبين الأول والثاني من جامعة حيفا في اللغة العربيّة، وتابعت دراستها وحازت على اللقب الثالث عام 2010 في تطور الرواية العربية في فلسطين 48، وتعمل محاضرة في كلية سخنين في قسم اللغة العربية. صدرت رسالتها هذه في كتاب مستقلّ يحمل الاسم نفسه عام 2012، (تطرقت فيه إلى 38 روائيّا و 66 رواية)، وحاليّا تعمل على إصدار كتابين: قراءات في الأدب الفلسطينيّ المقارن، و حول أدب الأطفال في فلسطين، وتعمل أيضًا على مشروع أدبيّ مشترك حول أدبنا الفلسطينيّ مع جامعة هنديّة إثر مشاركتها ومحاضراتها الأخيرة هناك، في الجامعة المليّة الإسلاميّة في دلهي وفي جامعة كيرالا في جنوب الهند، ومن خلال الإشراف على رسائل جامعيّة لطلاب من الهند، ولا غرابة في الأمر، فوالدتها الأخت الكريمة زميلتي المربّية عايدة خطيب شاعرة وكاتبة قصة للأطفال، وكذلك شقيقتها علا خطيب شاعرة أيضا. حقا، إن حبة التفاح لا تسقط بعيدا عن الشجرة.
د. ماري توتري: حصلت على لقب أوّل في الأدب الإنكليزيّ والفنون، وعملت كمدرّسة للغة الإنكليزيّة لمدّة 26 سنة في طمرة. حصلت على لقب أوّل (للمرة الثانية) ولقب ثانٍ في علم الاجتماع ولقب ثالث في العلوم السياسية من جامعة حيفا، وتعمل محاضرة في كلية أورانيم وجامعة حيفا.
مداخلة د. جهينة خطيب: "مساء ٌمعطرٌ بقمرٍ لا يغيبُ/ بولادةٍ متعسّرةٍ وسطَ آلامِ المخاض/ ونورٍ يهلّ من بعيد رُغم الظلامِ/ الموتُ في الحياةِ عاشَه بطلُنا في روايةِ المُحاق/ الموتُ نومٌ بلا بعثٍ ولا رُقاد/ من لا مكان/ لا وجهَ، لا تاريخ لي، من لا مكان/ تحت السماءِ، وفي عويل الريح أسمعها تناديني: "تعال"/ لا وجه، لا تاريخ.. أسمعها تناديني: "تعال"!/ عبرَ التلال/ مستنقعُ التاريخِ يعبره رجال/ عددُ الرمال/ والأرضُ مازالت، وما زال الرجال/ يلهو بهم عبثُ الظِلال/ مستنقعُ التاريخِ والأرضُ الحزينةُ والرجال/ عبرَ التلال/ ولعلَّ قد مرَّت عليَّ.. علىَّ آلافُ الليال/ وأنا- سُدىً- في الريح ِأسمعُها تناديني"تعال"/عبرَ التلال/ وأنا آلافُ السنين/ متثائبٌ ، ضجرٌ، حزين/ سأكون! لا جدوى، سأبقى دائمًا من لا مكان/ لا وجهَ، لا تاريخ لي، من لا مكان" جملٌ شعريةٌ قالها البياتي، تئِنُ هنا في روايتِنا المُحاق، دائريةٌ هذه الروايةُ تبدأ بموتٍ، ثم حياٍة ثم موتٍ جديدٍ
سيميائيةُ العُنوانِ والغلافِ: المُحاقُ عنوانٌ يدفعُ إلى الذهنِ عنوانيْ روايتين شهيرتين هما الأولى "القمرُ في المحاقِ" للروائي السوري حنا مينا، والثانية: "رأيتهما قمرين في المُحاق" للروائيّ المصريّ أحمد الشّيخ، وها نحن الآن أمامَ روايةِ المحاق لأديبنا الفلسطيني ناجي ظاهر، والمُحاقُ هو غيابُ القمرِ وراءَ الشمسِ وتواريه في الظِل، وسُمي بالمحاقِ لانمحاقِ نورِه واختفائِه، وحينئذ يحدثُ اقترانُ الشمسِ والقمرِ ومولدُ شهرٍ جديدٍ، فالمحاقُ هو آخرُ الشهرِ القمريِ، فما يلاحظُ هو نقصانٌ في القمرِ بعدَ اكتمالِهِ إلى أنْ يختفيَ، فيبدأَ شهرٌ هجريٌ جديدٌ باقترانِ الشمسِ والقمرِ، فغيابُ القمرِ يأتي بولادةِ شهرٍ جديدٍ، ورُغمَ الموتِ فهناك ولادةٌ منْ رحمِهِ وهذا هو صوتُ الروايةِ.
سيميائيّة الغلافُ: *نرى في اللوحةِ عُصفورًا يحملُ سمكةً، يحيلُنا إلى قصةِ إياد مدّاح "سمكة وعصفور"، وتحكي القصّةُ عن العصفورِ الجميلِ والسمكةِ المتألقةِ، ولأن السمكةَ تحبُّ تغريدَ العُصفورِ، كانت تنتظرُه كُلَّ صباحٍ على وجهِ الماءِ لتسمعَهُ وهو يغرّدُ، ومن هنا نشأت علاقةٌ حميميَّةٌ بينَ العُصفورِ والسمكةِ، ولكنَّ قسوةَ الحياةِ وضعتهم أمامَ سؤال: أين سيبنيان بيتَهُما؟ قد يعشقُ العُصفورُ سمكةً ولكن المصيبة أين سيعيشان، فهنا تكمنُ استحالةُ هذا الحبِ، وسنرى أنها إحالةٌ لأزمةِ الفنانِ في مجتمعهِ وإحساسُه بالغربة.
*وتأتي صورةُ المرأة في الغلافِ بملامحَ ليست واضحةً وجانبية، وكأنها في هذه الحياة ِوخارجِها، وكأنها تديرُ وجهَها لهذه الحياةِ وتمسكُ في يدِها شعلةً لتنيرَ الطريقَ، ولكنَّها في الآن ذاتِهِ تجلسُ، والجلوسُ دلالةُ العجزِ، فاجتمعتِ التناقضاتُ في اللوحةِ وسَتُكْمِلُ مَعَنا هذه الثنائياتُ الضديةُ في روايتنا المصغّرةِ، فنرى ثنائيةَ السمكةِ والعُصفورِ، وثنائيةَ الأملِ والعجزِ.
ونبحرُ في الروايةِ النوفيلا: النوفيلا هي قصة طويلة، وهذا الجانرُ الأدبيُ يشيرُ إلى نوعٍ سرديٍ بينيٍ له ارتباطٌ بالقصةِ القصيرةِ ونسبٌ في الروايةِ، فكأنه خليطٌ أو مزيجٌ من النوعينِ، في صورةٍ من صورِ تداخلِ الأجناسِ وتمازج ِعناصرٍها، أي هي الروايةُ القصيرةُ. وقد بنيت الروايةُ على الثنائياتِ الضديّةِ بدءًا بالغلافِ كما ذكرتُ سابقا، وانتهاءً بكلِ حدثٍ يحدثُ في الروايةِ إلى لحظة الذروةِ وإغلاقِ الدائرةِ بإتقان، فالسمكةُ لا يمكنُ أن تعيشَ معَ العصفوِر في مكانٍ واحدٍ، والاختفاءُ المتمثّلُ بضوءِ القمرِ يعقبهُ اقترانُ القمرِ والشمسِ وولادةُ شهرٍ هجريٍ جديدٍ.
سمكةٌ– عصفورٌ، اختفاءُ القمِر- ولادةُ شهرٍ جديدٍ، دائرةُ الموتِ والحياةِ- موتُ البطلِ– بعثُه من جديدٍ وموتُهُ مرةً أُخرى، ثنائياتٌ ضدّيّةُ تلعبُ على وترِ الإحساسِ، وتؤولُ إلى بِنيةِ العنونةِ لتنتشرَ في أرجاءِ الروايةِ، وتصيبُ دلالاتِ الأسماءِ، فها هو بطلُنا نسيم البرقوقُي، والنسيمُ هو الهواءُ العليلُ المنعِشُ إشارةً إلى الحريةِ والحياةِ، والبرقوقُ هو زهرةٌ جميلة تزهرُ في الربيعِ شهرِ تجددِ الحياةِ. عندَ قراءتِنا للروايةِ نكتشفُ التضادَ في اسمِ الشخصيةِ وفي حياتِها، فنسيم البرقوقي يعاني من موتٍ في الحياةِ، ويشعرُ باختناقٍ وغربة. وقد جاءت دلالةُ الاسمِ المناقضةُ لتوَضِّحَ هولَ مأساةِ البطلِ، فكما قال جلال الدين الرومي: "لقد خلقَ اللهُ المعاناةَ حتى تظهرَ السعادة ُمن خلالِ نقيضِها، فالأشياءُ تظهُر خلالَ أضدادِها، وبما أنه لا يوجدُ نقيضٌ لله فإنه يظلُّ مخفيًا". وتكتملُ الثنائياتُ الضديّة ودلالةُ الأسماءِ في شخصيةِ الزوجةِ وديعة، فهي أبعدُ ما يكونُ عن الوداعةِ، متصلبةُ الرأيِ عملت على إحباطِ طموحاتِ الزوجِ، وجعلتْه ميِّتا في هذه الحياةِ وميتا روحًا وجسدا، فكانت دائما ما تردد لغةَ العصر "الفنُ لا يطعمُ خبزًا في بلادِنا"، "ما أصعبَ أن تتزوّجَ من امرأة لا تعرفُك حقَّ المعرفةِ ولا تقدّرُك، ما أصعبَ أن تجلسَ قُبالةَ لوحةٍ مشوّهِة"[2].
شعورهُ بأنه هذا الشابُ المهجرُ الذي طُرد منْ بلدِه ومن حياتِه، وفُرِضَ عليه مكانٌ ليس لهُ، فوجدَ في الرسمِ فرصةً لتحقيقِ ما لم يستطعْ تحقيقَهُ في الحياةِ، "ماذا تريدين منّي أنا المهجّر ابنُ المهجّر أن أفعلَ سوى ممارسةِ الفنِ، لكي أكون َوأحقّقَ وجودي في عالمٍ لا يريدُ أن يكونَ لي وجودٌ"[4]. لقد توصّلَ نسيم البرقوقي إلى هذه الثنائيّة الضدّيّةِ، فيجبُ أن يتجرّدَ من جسدِه ويطلقَ لروحهِ العنانَ ليعوَد حيًّا: "هو فقط من أدرك سَّر الإبداعِ أخيرا، إنّه الشّعورُ بالموتِ والفَناءِ أولا، والحبِ الغامرِ لهذا العالمِ ثانيًا"[6].
مواضيعُ اجتماعيةٌ وسياسيةٌ تمّ مناقشتُها في روايةِ الُمحاق: *مناقشةُ ظاهرةِ العنفِ من منظورٍ آخرَ، من وجهةِ نظرِ الرجلِ: من الجميِل أن يتمَّ طرحُ الموضوعِ من الناحية الأخرى، فدائما يتم مناقشةُ ظاهرةِ العنفِ ضد المرأةِ كضلع ٍقاصرٍ، أما هنا فقد سبح كاتبنا ضدَ التيارِ، فظهَر الأذى الذي يتم الحاقُه بالرجلِ لنرى هنا نموذجًا مناقضًا، فالرجلُ هنا هو الضحيةُ، والمرأةُ العربيةُ في مجتمعِنا بدأت تستغلُ قانونَ حمايتِها لتهددَ به الرجلَ فناقشَ الكاتبُ تأثرَنا بقوانينَ غربيةٍ لا تمُتُ لعاداتنا وتقاليدنا بصلةٍ، وجاءت بلا تمهيدٍ: "هذا صحيحٌ لو أنّ هذا القانونَ جاءَ على مراحلَ وبمبادرةٍ ذاتيةٍ، أمّا أن يأتيَ مرّةً واحدةً دِبْ دبتك العافية فإنّ هذا هو الخطأُ "[8]؟ ويطرح حلّا: أعتقدُ أنّ الثقافةَ هي سلاحُ من يريدُ أن يكونَ وأن يوجدَ في هذا العصرِ، نحن ينبغي أن نتقنَ لغةَ الآخرِ، بدلَ التمحوِر في عقليةٍ جذورُها قبليّةٌ وتخضعُ في صميمِها لشيخِ القبيلةِ وزعيمِها"[10]، فالإبداعُ الحقيقيُ يُحيي صاحبَه حين نبحثُ عن معنى ونقدّمُ رسالةً. ويشيُر إلى ظاهرةٍ خطيرة ٍوهي حينَ يلجأ الإبداعُ للتسييسِ، فينتمي المبدعُ إلى حزبٍ معينٍ لينالَ شهرةً، عندها يصبحُ إبداعُهُ مقيَّدًا لأنه سيخاطبُ من خلالِهِ سياسةَ حزبِه: "مع هذا انسقتُ وراءَ رجالِ السياسةِ طمعًا في مكسبٍ عابرٍ بسيط،ٍ هو أقُل بمليونِ مرةٍ ممّا يمكنُ أن يمنحَكَ الفنُّ الحقيقيُّ من مكاسبَ، أنتَ لم تكنْ وحيدًا في هذا، فالفنانون في بلادِنا وفي عالمِنا الثالثِ عامةً، كانوا إلى سنواتٍ ليست بعيدةً يُنتجون ويبدعون لإرضاء آخرين من ثعالبِ السياسةِ وتجارِ الوطنيةِ وربما مدّعيها".[12].
السردُ: إنَّ الراويَ في المحاق عليم ٌبكلّ شيء، كلّيُّ المعرفة لا ينقطعُ حضورُه إلا بالحوارِ، ولا يتركُ مجالا للقارئ ليخمّنَ أو يتوقعَ، ولا يدعُه يملأُ فجواتٍ في النّصِ، فيعرضُ المشكلةَ ويقترح حلولًا لها، فجاء في كثير من الأحيان مُلقّنًا عارضًا بشكلٍ مباشرٍ فكرتَهُ دون أنْ يتركَ دورًا للقارئِ، فضاع ألقُ الاكتشافِ وقوّضَّ أفقَ التّلقي، وباتتِ المعلوماتُ تقريريّةً دعائيّةً في كثيرٍ من الأحيانِ، وتضمّنت الروايةُ إقحاماتٍ شعاريّةً ورسائلَ مباشرةً حولَ معاناة ِالمبدعِ الفلسطينيِّ في ظلّ ظروفٍ سياسيّةٍ: "وهل من الممكنِ أن تُنتجَ هذه البلاُد المصابةُ بعقمٍ مزمنٍ في مجالاتِ الخلقِ والإبداعِ فنانًا حقيقيّا يرفعُ اسمَها عاليا؟"
[2] ناجي ظاهر ، المحاق، ص 11 .
[4] ناجي ظاهر، المحاق، ص 35 .
[6] ناجي ظاهر، المحاق، ص 66 .
[8] ناجي ظاهر ، 92 .
[10] ناجي ظاهر ، ص 54 .
[12] ناجي ظاهر، 62 .
[13] ناجي زاهر، المحاق، ص 54 .
وسوم: العدد 690