درّة الزيبان الإصدار الثالث للشاعر النّبيل أحمد جلال
هذا الدّيوان يعدّ الإصدار الثالث للأستاذ الشاعر النّبيل أحمد جلال ، بعد إصداريه الأوّلين ( في زمن الأصيل ) ديونه الأوّل ، و( ملحمة الزعاطشة ) ديوانه الثاني ، وجاءت ( درّة الزيبان) لتكون درّة بحقّ في رصيد الشاعر أحمد جلال ، الذي يكتب بروح الفؤاد وريحانه ، ينتقي للقارئ من طيب شاعريته السّمحة ، وجمال روحه الصّافية ما يمتع ويفيد..
وقد صدر الدّيوان عن ( دار علي بن زيد للطباعة والنّشر بسكرة ) ، في ستّ وتسعين صفحة ، محتويّا بين دفتيه اثنتين وعشرين درّة بهيّة سنيّة من روائع القصيد الجميل، نذكر منها ( درّة الزيبان / عروس الزوابي / غادة الأوراس / رفقا بالطفولة / مرثية شيخ المؤرّخين / أوتار قلبي / من رحم الصّمت ).
ومن تواضع الأستاذ الشاعر أحمد جلال وسماحة نفسه أنّه شرّفني بتقديم ديوانه هذا (درّة الزيبان ) ، فكتبتُ كلمات خجلى في حقّه وفي حقّ شعره عساها تُلقي بعض الأضواء على شيء من ذلك الشعر وتقرّبه للقارئ ، وهذا ما قلته فيه:
تقديم لديوان درّة الزيبان
بقلم: عبد الله لالي
هذا الدّيوان ( درّة الزيبان ) لصديقنا الشاعر النّبيل الأستاذ المربّي أحمد جلال؛ حديقة زاخرة بالشعر ومزهرة بالفنّ الأدبي الرّاقي ، حوت من كلّ فنّ زهرة شذيّة ومعانٍ نديّة، وصور بديعة خالبة ، وأنا أسمّي صاحبها الشاعر أحمد جلال الشاعر ( النبيل ) ، وأعتبر هذا الاسم مفتاح الدّخول إلى شخصيّته والتعرّف على أسلوبه ومعجمه الفنّي ، فإنّ أخصّ ميزة فيه ، وأهم علامة فارقة تلمح من بين ثنايا كَلِمِه خاصية ( النّبل ) ، والتي هي خاصية نادرة وعزيزة في زمننا هذا ، فهي كخاصيّة القيادة والريادة ، لا تجد منها عددا كبيرا في النّاس إلا في الأزمنة القليلة ولذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم :
" النّاس كأبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة "
وإذا كان لكلّ شخصيّة مفتاح تفتح به أقفالها كما يقول العقّاد في عبقريّاته ، فإنّ مفتاح شخصيّة شاعرنا الفذ الأستاذ أحمد جلال هي ( النّبل ) في أسمى صوره وأبهاها..
ومن ذلك المفتاح يمكن أن نفهم قصائد هذا الدّيوان الذي احتوى اثنتين وعشرين قصيدة، تنوّعت بين الوطنيّات والإسلاميّات والإخوانيات ، وشؤون المجتمع وهموم الوطن العربي والإسلامي المختلفة ، إلى الشعر الثوري إلى الوجدانيّات وغيرها من مختلف أغراض الشعر.
وفي كلّ تلك القصائد تتجلّى خاصية النّبل وما تنطوي عليه من حبّ وعاطفة فيّاضة ولين الجانب وخفض الجناح لكل النّاس، ومعالجة الأمور بحكمة ورفق.
وقد تكون الحكمة هي الخاصية الثانية التي هي صفة من صفات النبالة أيضا ، ولذلك طالعنا الشاعر في أولى قصائده بهذه العتبة الجميلة الرّائعة:
قـــيْــــسُ الَّلآلي والــــــدُّررْ
يُــرخِـي الـحِـبـالَ ويَـصْطبِــرْ
يمثّل الشاعر نفسه ( قيسا )، لكنّ ليلاه ليست أنثى من البشر ، بل هي درر القصائد التي يرخي لها حبائل الصّيد، ويصطبر عليها حتى يستخرجها وقد استوت على سوقها تعجب (الناظرين ).
في هذا الديوان تغنّى الشاعر بكثير من رموز الوطن ، فتحدّث عن بسكرة عروس الزيبان والتي سمّاها ( عرُوس الزّوَابي )، وتغنّى بقرينتها وشقيقتها، بل أختها التوأم عاصمة الأوراس ( باتنة)، وذلك حين قال (يـا أُختَ بَـسكَرةَ الـوَدُودِ ) من قصيدته ( غادة الأوراس )، كما حضرت الرموز التّاريخيّة في الدّيوان بقوّة مثل ( ابن خلدون / عبد المجيد حبّة / أبو القاسم سعد الله ) وغيرهم وخصّ مؤرّخ الجزائر أبا القاسم سعد الله بقصيدة كاملة رثاه فيها بعد وفاته.
وعندما يفخر الشاعر النّبيل فإنّه يفخر بأشرف مهمّة في الحياة وأنبلها، إنّها مهمة تربيّة الأجيال فيقول:
ورَبـيــعُ عُـمـريَ كـلُّـهُ مُــذْ شـرْخـــهِ
أوْقـفْــــتُـــهُ لِلـــنَّــــشْءِ، في تَـــرْبـيـــتِي
وقلب الشاعر الكبير وأفقه الواسع ونظرته البعيدة لا تغفل عن قضايا العالم العربي والإسلامي، وتكون قضيّة فلسطين والقدس محورها الأساسي، فيخصّها بخالص شعره ، مبديا مشاعره الحماسية المرهفة في قصيدة ( النّصر آت )، والتي يختمها ببيت من نار ونور يقول فيه:
أيَـظـــنُّ حــاقِـــدُ أنّــــكِ لا تُــنــصَــري
لِـيـمُـــدَّ حَـــبْلاً في السَّمـا ولْـيَقـطَــعَــنْ
وفي هذا البيت تناصّ قويّ جدا أشار إليه الشاعر في عتبة القصيدة وهو في قوله تعالى:
" مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَن لَّنْ يَّـنْصُرَهُ اللَّهُ فيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ اِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَـنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَـغِيظُ" الآية 15 من سورة الحج .
وهو استمداد رائع وساحر من كتاب الله تعالى، يدلّ على ثقافة الشاعر الإسلاميّة العميقة، ويشير إلى يقينه الرّاسخ في النّصر الموعود..
ومن درر الدّيوان وروائعه قصيدته ( نجوم ) التي يذكر فيها بداية الدعوة المحمّديّة ويمدح نبيّ الهدى صلّى الله عليه وسلّم، ومن ذلك قوله:
كــــرَّمَ الإسلامُ أرضـــًا وطِــئـَـتْــهــــا
قدَمــاهُ، حــلَّ غــيْـثــًـا مـــدَّ غــرْسَا
واتصل مدحه به أيضا في قصيدته ( سيّدتي العجوز ) ، فكان ذلك من الحبّ الخالص والوفاء النقي والإيمان الصّادق.
وذَكَرني في ديوانه وأخجلني ، إذ ضمنه قصيدته التي مدحني بها والتي بعنوان (كـّرِمْ لآلـيـنَـا ) ، بمناسبة تكريمي في المولد النبويّ الشريف من قبل جمعيّة المنتدى، وأنا لا أستطيع أن أوفّيه حقّ شكره أو أجزيه على فضله إلا أن أقول (شكرا ..شكرا )..
وفي الدّيوان صور فنيّة بديعة تحتاج إلى وقفة نقديّة مطوّلة ليس هذا مكانها ، ونكتفي منها في الختام بهذه الصورة الفريدة لنجعله ختاما عبقا شذيّا :
حـتّى إذا ضـيّـعْـتُ كُـلّ مَــراكِــبـي
لا بُـدّ مِن قـلبي إلـيـكِ مـطـيّــــتِي
وهذا الدّيوان هو ثاني ديوان للشاعر أحمد جلال بعد ديوانه ( في زمن الأصيل )، وثالث إصدار له بعد ديوانه الأوّل وملحمته الرّائعة ( ملحمة الزعاطشة ). نتمنى له القبول عند الله ثمّ عند القرّاء بعد ذلك قراءة وتفاعلا ..
وسوم: العدد 696