قصص صابرين فرعون في اليوم السابع

ندوة اليوم السابع الثقافية في القدس

clip_image002_611b1.jpg

القدس: 24-11-2016 من رنا القنبر ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي في القدس مساء يوم الخميس كتاب "جريمة نصف زرقاء" للكاتبة صابرين فرعون ويقع  الكتاب الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في 128 صفحة من الحجم المتوسّط. 

بدأ النقاش ابراهيم جوهر :

تواصل الكاتبة الشابة "صابرين فرعون" إصداراتها الأدبية بأسلوب خاص يعتمد الرمز لغة وإيحاء ويبني من "جماجم" الواقع المتآكل بناسه وقضاياه وانحرافاته وجرائمه واعتداءاته مضمونا لما تكتب.

إنها تصرخ، وربما تتألّم، فتبكي وتتلوّع، وتتألّم وتأمل. وبين هذا وذاك لا تنسى أن تشرع نوافذها على فرح منتظر تشتهيه لتكتمل معادلة الحياة بعيدا عن خيباتها.

في نصوصها الخاطفة الأخيرة التي ضمّها عنوان شامل هو "جريمة نصف زرقاء" الصادرة عن دار "فضاءات" للنشر والتوزيع في عمّان- الأردن اتكأت الكاتبة على القصة القصيرة جدا وعاء تصب فيه غضبها ورموزها وصرخاتها وسخريتها.

وقد وجدت المضامين التالية تقفز من بين الأسطر لتقول: أنا

الخيبة، والحب غير المكتمل، والتشوّه في هذه الحياة، وعدم الانسجام، 

وأنا أيضا: الثقة، والحلم، والربيع الحقيقي.

أسطر الكاتبة قليلة الكلمات كانت محمّلة في أغلب النصوص بهموم ثقيلة لذا أوجزت وأومأت وألمحت تاركة الباب للتأويل والتحليل والوقوف على وجع الكلمات والمواقف والصور.

السلبيات/المآخذ يمكن حصرها في: التنويع بين ما يمكن اعتباره ق ق ج و مجرّد تعليق سريع خاطف. لم تأخذ النصوص القصيرة نمطا واحدا موحدا في تناوله للقضايا المعالجة فجاءت متفاوتة الجودة والقوة. وكنت أتمنى لو اهتمت الكاتبة باختيار العناوين بما يتواءم  وطبيعة النصّ التي لا تحتمل الإفاضة.

هذه كاتبة تصرّ على أن تكون، وأن تتحدى وهي تعلي صوتها: 

ها أنا أناديكم لتعودوا إلى إنسانيتكم وانسجامكم، فيكفي هذا التّيه كلّه.

وقالت نزهة رملاوي:

بلغة سردية ذات ايقاعات متفاوتة من الصخب إلى الهدوء، رقصت الجمل وعلت في فضاء رحب من الخيال، أوقعنا في شراكه؛ فانتبهنا أننا خلف العتمة نشاهد جرائمنا تتمدد، ولا نكترث، بل ننتظر لنرى زرقة السماء تنجلي بعد المطر، فيأخذ النهر مجراه كما الحكايات، نصنعها ونرسم ألوانها، فتنحت مسارات حياتنا، حتى تبلغ منتهاها.

   هي قصص قصيرة جدا، وليدة عصر السرعة والمعلوماتية، ذلك المارد التكنولوجي الذي يهز وجودنا، ويبسط ذراعية بقوة ليصنع لنا الحياة كما يريد، أو كما نشاء له أن يكون، ترى هل يدفع الواقع التحديث؟ أم الحداثة تغير الواقع؟

    في (جريمة نصف زرقاء ) تنوعت مفردات الأقصوصة لدى الكاتبة، فلمسنا فيها شيئا من البساطة والرشاقة ولمحنا فيها دفقات شعرية متألقة، أضف إلى ذلك البراعة في اختزال سرد الأحداث وإطالة الجمل، وبرزت ايحاءات ودلالات للنصوص ذات مستوى أعلى من مستويات القارئ العادي في بعض الأحيان، لذا نراه يحتاج إلى البحث عن المعنى الحقيقي في دواخل النص وما أرادت الكاتبة ايصاله، كما في قصة (حجر، ورقة، أم مقص)، (وجريمة قتل بلا عقاب) و (فخاخ معطوبة). 

  اتخذت الكاتبة من الحياة المجتمعية المرئية، والموروثات الشعبية المتأصلة في ماضينا وحاضرنا ومكاننا وزماننا المهدد من الآخر، حبوبا بذرتها في مخيلتها، وسقتها من عواطفها، فنبتت أزهارا انتشر أريجها في ساحات أملنا لغد أفضل.

رسمت الكاتبة بألوانها فئات متنوعة في المجتمع الذكوري المتسلط، الذي برز في قصة (ولادة محكومة بالموت)، وأشارت بقوة إلى الدور النسائي المتفاني بالإخلاص والتضحية، كما وجد في (خريف الضحكات) و (حرية هاربة من السكاكين) و (بورصة) و (انتهاك)، ولوحظ النقد لنساء أخريات، خرجن من جلودهن، وبرئن من شرفهن كما في قصص ( حيث لا ينفع الندم ) و (جلد ينمو صباحا) و (ضجيج).

     أشارت في أقصوصاتها وومضاتها السردية، لمعاناة الشعب الفلسطيني الذي يقاسي قهر الاحتلال وأساليب التهجير، ونهب الأرض وقمع الحياة، والشعوب العربية عامة التي تعاني الإنقسامات وويلات الحروب، فتقدم صورا حزينة منطلقة من واقع قاس مؤثر، ذات أسلوب مشوق، فقد استوقفتنا مشاهد الدم والاحتضار والتفجيرات والشهداء ويتم الأعياد في بلادنا وقلوبنا، وتعمدت الكاتبة توجيه رسالة للعالم كتبت بالألم كما في قصص (درس قاس) و (ثوب أنيق) و (ذلك العيد)و (عرس على ناصية القلب).

انتقدت الكاتبة بأسلوب ساخر البيئة المجتمعية الفيس بوكية والواتس آب وما تحويه من خيانات في بعض الأحيان، وراحت بنا إلى يوم المرأة العالمي وشبهته بالمعركة بين الديكة والدجاجات في قصة (معركة الثامن من آذار)، كذلك أشارت بوضوح إلى فئة المتسلطين وأساليب النهب والقهر المتبعة فيهم كما جاء في (جينات وراثية)، وتناولت موضوعا آخر، حيث عرض لنا الفئة المهمشة من المبدعين كما جاء في قصة (ولادة محكومة بالموت) وقصة ( جريمة قتل بلا عقاب) حيث امتدت الريح وسرقت قبعة المبدعين وآثرت إظهار القصائد والروايات المشوهة والموجوعة، وفي ( حفلة تنكرية) وجهت النظر لفئة لغت انسانيتها وهي تعتلي مناصب رفيعة، وصالت وجالت في ملكوت طغيانها، حتى انتهت ساجدة تطلب الرحمة.

وقالت رائدة أبو صوي:

  نجحت الكاتبة في اختيار موضوعاتها وأساليب عرضها، حيث وظفت عناصر القصة القصيرة جدا من اختصار وحذف، وشخوص واقعية ومتخيلة، غلب عليها الأمر، فكانت طائعة لأوامر الكاتبة، فقد تجنبت الشرح والإطالة، أو إثارة الأسئلة والإجابات، وآثرت التلميح بدل التصريح، والايحاء بدل الإدلاء.

  امتازت اللغة بالشاعرية والاحاسيس الدافئة، والتعبير الراقي، ورغم الإختزال المقصود في القصص القصيرة جدا، إلا أننا رأينا تكاثفا لغويا متماسكا، لو أطالته الكاتبة؛ لأخفق الهدف.

رائدة أبو صوي:

(49 ) قصة نثرية قصيرة جدا لكنها ثرية جدا في مضمونها .

كقطرات من غيث تروي الظمآن في صحراء قاحلة .قطرات قليلة ولكنها مثمرة .

القت البذر وتركت للقراء الأستمتاع بالثمر .كل قاريء وخياله .

يبدو أن الكاتبة متأثرة كثيرا بالأدب الأنجليزي ...خير الكلام ما قل ودل .

بالتلميح لا بالتصريح كانت تكتب القصص .يشعر القاريء بالمتعة والتشويق .

في القصة السادسة (ثوب أنيق ) تدفقت الدموع من عيوني .قرأتها مرات ومرات وفي كل مرة كانت مشاعر الحزن والألم ترتديني .

وجاء بالقصة ( ثوب أنيق ) 

القماشة البيضاء التي كانت تطرز عليها الجدة السبعينية الوطن لتهديه الى حفيدها العريس ، أكملت آخر طرزة فيه مع صوت الرصاص المبعثر في الحي ، كفنت حفيدها به هذه الليلة وأودعته أمانة أثقل من مفتاح العودة .

الكاتبة الرائعة صابرين فرعون تفوقت وتألقت بهذا النوع من القصص القصيرة جدا .

وجدت فيها فلسفة وحكمة وشعر والرقص (أكوازومبا)وقضايا شائكة منوعة .

تطرقت للفساد في المجتمع .

قصص قصيرة جدا نثرتها كحبات اللؤلؤ الكاتبة صابرين فرعون .

حقا استمتعت جدا في قراءتها ونادرا ما أشعر بالأكتفاء .في كتاب الكاتبة الشابة صابرين فرعون شعرت بالأرتواء .*رائد

أما هدى عثمان فقالت:

العنوان جميل مشوق يجذب القارئ يحثه للبحث عن ماهية نصف الجريمة.

اللون الأزرق دلالة على الصفاء والكمال كما البحر والسماء. لكن هذا اللون مرتبط بجريمة ربما أرادت الكاتبة أن تكون نصف زرقاء غير مكتملة للدلالة على وجود جرائم لم تذكرها الكاتبة بعد في كتابها 

أشارت الكاتبة إلى جريمة الحروب وجحود الأبناء, الزواج المبكر وآلام الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال وانتصار مقاومته من أجل الحياة كما في قصة" حرية هاربة من السكاكين"

اللغة جميلة وعميقة تحمل عطر الحزن الذي يسكن الجرائم في قصصها. تستخدم الكاتبة الكنايات والرموز إلا أننا نلاحظ كثافة الرموز في أغلب قصصها .

اسلوب الكاتبة مثير للقارئ فبداية الجملة في القصة مشوقة فمرة تشعر أنك تقرأ قصصا للأطفال بما فيها من خيال كما في "دموع التماسيح" و"في ذلك العيد" وفي "حجر ورقة ومقص"

ومرة تسيطر أعضاء الجسم على بداية القصة في عدة قصص منها على سبيل المثال في قصة" بلا قدمين تتسابق الكلمات" " الجزر يقوي بصيرة القلب" وغيرها.

كما استخدمت أسماء الحيوانات في بعض القصص بداية القصة بشكل جميل للإشارة لحالات اجتماعية معينة كقصة" انحباس حضاري" " اللهم لا شماتة" و"معركة الثامن من آذار الطاحنة".

خضر أبو ماضي قال:

لعل هذا النمط من الأدب شديد الملائمة لعصرنا، عصر الحداثة والتكنولوجيا، فكلنا نلاحظ في مواقع التواصل الاجتماعي أن الأعلبية تتفاعل مع التعليقات القصيرة او الومضات بشكل أوسع وأكبر، ولربما سيكون لهذا الأسلوب دور في اجتذاب وإقبال المزيد من القراء لعالم القراءة الغني الجميل.

برأيي الشخصي فالكتاب برمزيته وتصوراته و ضبابيته احيانا يناسب الجنس اللطيف بشكل أكبر من الرجال، وما وجدت في العنوان "جريمة نصف زرقاء" الجاذبية التي وجدتها في بعض عناوين القصص القصيرة مثل كش قلب، انحباس حضاري...

من الممكن أن تصنف الكتب بشكل عام بين الكتب المعرفية  والكتب التي تحمل المتعة على حساب المعرفة واخرى تجمع بين الوجهين، ولعل هذا الكتاب فيه من الاثنين ولكن ليس بالقدرالذي يشبع ويفرح جوارح القارئ. 

ونحن كبشر خلقنا في كبد وتعب وكلنا لدينا من الأوجاع الكثير العميم، ولكننا لا نفضل بث هذا الوجع لمن حولنا وكذلك كاتبتنا، فمالت لتغليف متاعبها بالرمزية والسريالية ويا حبذا لو غلفت ما غلفت بغلاف شفاف.

وقالت رنا القنبر :

تعيدنا صابرين فرعون لطفولتنا  لنعيد حساباتنا مجددا، تتلاعب بالشخصيات المعروفة بأذهاننا وتعطيها صفات أخرى لم نعهدها من قبل، وتدعونا للنظر مجددا في باطن الأشياء فيتساقط القناع تلو والآخر في غمرة هذا السواد الممتد ، في مجموعة قصص قصيرة جدا ذات  معان عميقة وجميلة فتصرخ في وجه الكبار والساسة.

تختبئ صابرين خلف نصوص ذات رمزية عالية يحيطها الغموض ، احتفظت ببعض المعاني لنفسها في بعض القصص وتتركنا عالقين في المنتصف، فلم ار أن ذلك  كان لصالح الكاتبة .

فالكاتبة ابدعت  في إيصال الفكرة والهدف في بعض القصص ولم تكن بحاجة لأن تلجأ لذلك الغموض . 

برزت في القصص المرأة بصور مختلفة /الأم /العاشقة/ أم الشهيد/ زوجة الأسير .

فانتصرت للمرأة أكثر من مرة  ولخصت بعضا من معاناتها . سيطر اسلوب التهكم والسخرية من الواقع على نصوص صابرين بشكل لافت فترى العالم عبارة عن شخصيات كرتونية متحركة،  فانتقدت المتسلقين والساسة وتجار القضية  واستعانت ببعض الشخصيات الكرتونية  

كليلى / العملاق/ زوجة الأب وبياض الثلج/ الأقزام. ..إلخ. 

تلجأ الكاتبة إلى عالمها حين يعتريها الشك في الأشياء فتراقب بعينها الثاقبة ما يدور حولها فتراها سعيدة حين يسقط قناع في زمن الحب والحرب والنفاق وتزاحم الوجوه وتأخذ دور الشاهد على الاحداث. 

في ص 57  وص 37 ص 95 وضعتنا الكاتبة حيث مواطئ الجرح  بشكل مباشر وسلس فاعتبرت هذه الصفحات روح الكتاب.

استعانت الكاتبة بالحكايات الشعبية "بنات نعش" مثال ص 81  على الرغم من صغر حجم القصة إلا أنها اجادت الوصف وكثفت النص ببيضع كلمات وإجازت المعنى، أيضا  في ص78 .

في ص 29 "ثوب انيق"   كتبت ..كفنت حفيدها به واودعته أمانة أثقل من مفتاح العودة "  الشهيد  هو من يضع الوصايا والأمانة قبل الموت إلا إذا اعتبرنا قضيتنا قد دفنت مع ارتقاء كل شهيد !

على الرغم من جمالية النص إلا أن النهاية لم تكن موفقة هنا.

امتازت نصوص صابرين فرعون بالغموض والرمزية العالية في اكثر من ومضة والبعض الآخر تمتع بأسلوب سلس وعميق في آن واحد يا حبذا لو كانت باقي القصص بهذا الأسلوب  .

شارك في النقاش كل من : ليان عباسي، سوسن عابدين الحشيم،  اياد شماسنة، محمد يوسف قراعين، سهير زلوم، د.سناء العطاري، طارق السيد، ماجد لماني.

وسوم: العدد 696