يوميات الحزن الدامي في اليوم السابع
القدس: 8-12-2016 من رنا القنبر- ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي في القدس كتاب "يوميات الحزن الدامي " للكاتب جميل السلحوت، ويقع الكتاب الصادر عن مكتبة كل شيء في حيفا في 118 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش ديمة السمان التي أدارت الأمسية فقالت:
اصطحبنا الكاتب برحلة إنسانية حتى النخاع.. أدخلنا إلى معرض لوحات.. كل لوحة كانت تنطق بوجعها تدمي القلوب. كنت أتخيّل نفسي وأنا أقرأ المجموعة أنّني داخل اللوحة مع بطلها.. أصرخ مع من يصرخ، وأبكي مع من يبكي وأتوجع من كان يتوجّع.
استطاع السّلحوت أن ينتقي بذكاء أحداثا مؤلمة.. وحوّلها بفنّية عالية إلى قصص تضرب بإتقان على وتر الانسانيّة داخل الضّمائر الحيّة.. قصص تعكس واقع حرب غزة التي شنّها الاحتلال بعنجهيّته تحت شعار حماية أمن اسرائيل.. يقصف البيوت على رؤوس أصحابها.. يقتل الأطفال والنّساء.. بل يركّز على الحوامل منهن دون شفقة أو رحمة.
عادت بي القصص المنتقاة إلى أيام حرب غزة التي كنا نتابعها عبر وسائل الاعلام بأسى.. ذكّرتني باللقطات الأليمة التي كان يبثها التلفاز والتي كنت بدوري أشيح وجهي عنها ضعفا.. وأحاول كبت دمعة تغلبني في معظم الأوقات وتسقط غصبا عني.
أمّا قدسنا زهرة المدائن.. فقد كان لها الحضور الأقوى.. حضرت بأقصاها وكنائسها.. فالحزن يسكنها ويحذر من يوم نجد به القدس بكل ما فيها من كنوز ودرر روحية ودينية لم تعد لنا.. يغتصبها الاحتلال ويدعي ملكيتها.. لنصبح غرباء في بيتنا.
وتبث القدس رسائلها عبر المجموعة تحذر.. "لن تسلم مدينة عربية من الأسى طالما بقيت القدس أسيرة" .. فالوطن الأكبر يسكن الكاتب.. لم يستطع الا أن يربط الأحداث مع بعضها البعض.. ويعرّج على ثورات الدّول الشقيقة. فقد شهد الوطن العربي مجازر لا يمكن التّغاضي عنها وعدم التّطرق لها خاصة في كتاب يحمل عنوان يوميات الحزن الدّامي.. فالاحداث التي شهدتها الساحة العربية كانت فوق التوقعات.. وعلى أيدي أبناء جلدتنا.. أخوتنا في الدين والعرق واللون والجنسيّة والانسانية.
أما الغرب.. فله حكاية أخرى.. فهم الكفار.... الذين لا يعتنقون الاسلام.. هكذا يعرّفهم بعض الشيوخ .. ولكن هم من أوى ضحايا الثورات العربية وفتح لهم البيوت ووفّر لهم الحماية والأمن والأمان،في حين أغلق الأخوة العرب بيوتهم في وجه الضحايا. بل واستغلوهم أبشع استغلال على شتى المستويات. وكأن مصائب قوم عند قوم فوائد، ونسوا "أنني أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
أساء عربنا للدّين الحليف.. دين الإسلام.
انتهكت الحقوق.. ومورست شتى الموبقات.. ونفذت جرائم بحق الانسانية يندى لها الجبين، باسم الاسلام وتحت رايته، متناسين أن الدّين الاسلامي جاء رحمة للعباد. جاء ليحقق الأمن والأمان، و العدل والمساواة، والمحبة والسعادة للبشرية كافة دون استثناء.
اختصر السلحوت كل ما ذكر بقصّة انتقاها بحرفيّة الكاتب ووضعها على غلاف مجموعته الأخير،- فخير الكلام ما قلّ ودلّ-.
قصة بعنوان " رجل عاقر".. فيبدو أنّ المعتصم حقّا مات عاقرا ولم يكرم الله العرب بخلف ٍ له يحمل صفات النّخوة والمروءة التي طالما تغنّى بها العرب .. وأصبحت من قصص أيّام زمان.. حيث اعتدنا أن نحكي قصص ( وا معتصماه) لأطفالنا ونقول:"كان يا ما كان .. في قديم الزّمان"
وقالت نزهة أبو غوش:
في نصوصه وثّق الكاتب السّلحوت أحداثا لم ولن يذكرها المؤرّخون في سجلّاتهم، وسوف تُمحى من الذّاكرة على مرّ السّنين.
وثّق الكاتب الألم والمصائب، وتقلّبات الحكومات والحضارات، منذ 2012- 2016 الّتي جرت وتجري في العالم العربي: العراق وسوريّا ومصر، والجزائر، وفلسطين، وثّق أحداث غزّة الأخيرة – 2014- كتب عن الدّمار الّذي لحق بهذه الأُمّة. كتب عن الصّمت وعن الحريّة المزعومة، وعن العروبة وشعوبها المظلومة. دخل الكاتب إِلى البيوت، والقلوب ورسم مشاعر أُمّ الشّهيد الّتي ينفطر قلبها حزنًا على ولدها.
لقد كانت القدس حاضرة في معظم نصوص الكاتب؛ والأقصى دائمًا هو الشاهد على هذه الأحداث.
في نصوص الكاتب السلحوت، بكى الأقصى، وبكت السّماء، وبكى الشّهداء؛ ونزف البحر دمًا.
كتب جميل السّلحوت أحداثًا واقعيّة، وأسماءً حقيقيّة شاهدها وعاصرها وسمع عنها، أحداثًا تجري كلّ يوم وكل دقيقة في عالمنا.
الأسلوب:
استخدم الكاتب عدّة صور أدبية للكتابة، أغلبها أُسلوب الرّواية. في صفحة 17 عنوان النّص أُسرة. كذلك قصّة اسماعيل ص 20. أشرف ص 23 وقصص أُخرى؛ حيث تنطبق عليها ما تنطبق على الرّواية. الزمن، تعدّد الأحداث. الشّخصيّات. الحبكات المتكرّرة. يمكن أن نعتبر هذا النّوع من الأدب أُسلوبا جديدا دخل على الأدب، وهو الرّواية الملخّصة، الّتي تلائم مجريات هذا الزّمن المتسارع.
لقد استخدم الكاتب السلحوت أيضًا أُسلوب القصّة القصيرة، والقصيرة جدًّا. لانحصار الزّمان والمكان ومحدوديّة الشّخصيّات واللغة المكثّفة، والمكثّفة جدًا.
نحو قصّة الحاجة صفيّة ص24. قصّة طبيب ص32. وفي صفحة 41 قصّة سعار، أمّا قصّة مذبحة ص 45. مثال على القصّة القصيرة جدا. وقد استخدم الكاتب ايضا أُسلوب كتابة المقالة وقد كان فيها الأسلوب مباشرا وتقريريّا بعيدا عن التّعبير الأدبي. نحو يوم عادي ص 44. بجانب النّافذة ص 78.
استخدم الكاتب في نصوصه طريقة السّخرية وذلك من خلال تواجد المفارقات:""وفي البيت الأبيض يصرّحون بأنّ من حقّ اسرائيل أن تدافع عن نفسها، وفي العواصم العربيّة يعلو ثغاء الغنم" 85.
من خلال هذا الأُسلوب يمكننا القول بأن النّقد السّاخر هو أُسلوب نادر جديد نسبيًّا على الأدب العربي، وقد تميّز به أُسلوب الكاتب السّوري المعروف، محمّد الماغوط.
نلاحظ أسلوب التّكرار الّذي استخدمه الكاتب، وخاصّة عند تذييل النّص بجملة " فبكت بواكيا"
في لغة الكاتب قلّ أُسلوب الايحاء والاشارة والرّمزيّة، وكثر أُسلوب المباشرة في الوصف.
النّصوص لعبت على النّاحية العاطفيّة عند القارئ، أكثر من النّاحية العقليّة.
النّصوص ملتزمة بهم.
وقالت رفيقة عثمان:
يوميَّات الحزن الدامي، تعتبر قصصًا تقريريَّة يوميَّة، تصف المآسي والمعاناة، التي واجهت الرجال، والنساء، والأطفال؛ في أماكن عدّة في الوطن والبلاد العربيَّة المنكوبة؛ في فترة زمنيَّة محدودة.
كان الوصف مؤلمًا دراميَّا لأحداث مؤلمة، ونكبات حقيقيَّة، تصف طرق الموت بأشكاله. وأشد عنوان بهذا المضمار: "المقبرة" "بعد خروجها من المستشفى على كرسيّ المقعدين طلبت أن تزور قبر ابنتيها وابنيها وساقيها قرأت الفاتحة على أرواحهم. بكتهم وبكت ساقيها." صفحة 76". التوأمان: دمهما اختلط مع بعضهما ثانية صفحة 52
تكرار أسماء الأطفال المصابين، والذين قتلوا بالحرب، كذلك الأمكنة والأزمنة بدقَّة.
- قصَّة اغتصاب تكرار لقصَّة فتاوى.
تخلَّل عنصر المفارقة في الكتابة، كما في صفحة 60، رصاصة واحدة تكفي صفحة 61. وجهان متناقضان، يوضحان المفارقة المؤلمة للحدثين.، في الكنيسة صفحة 62. المفارقة ما بين الضحك والبكاء، الحياة والموت، الموت والولادة، اليأس والأمل، الضياع والبقاء، الاستنكار والاعتراف، الرقص والجنازات في آن واحد. كما ورد صفحة 91 (حمار مفخَّخ)، "نفق الحمار جائعا وعلت ضحكات القتلة".
ورد بعض الرموز غير اللائقة: كالإشارة بالأصبع، بنظري غير لائق استخدام هذه الرموز، كرد فعل. صفحة 63، من عليّين رأى الشهداء جنون الطيّارين ابتسموا ورفعوا أصابعهم الوسطى. "رفع أحدهم إصبعه الوسطى". صفحة 102 (فساد). كذلك ورد صفحة 118، (الأصبع الوسطى)، "رأى البهاء جنين مرام يتربّع في أحشائها رافعا اصبعه الوسطى".
كما ورد بعض الالفاظ غير اللائقة: "«الخريّ خريّ مكسي ولّلا عريّ" صفحة 103.
عنوان موت وحياة مُكرَّر صفحة 65، في قصَّة انفجار صفحة 72.
استخدم الكاتب النقد السَّاخر، كما ورد صفحة 107، (مؤهَّلات)، كذلك ظهر عنوان (السخرية والعزل) كما في عنوان ابنتي، صفحة 74- من القصص التي راقت لي، قصيرة جدا ومعبِّرة. "هذه أختنا وهي من أحفاد آبائنا الذين سادوا في الأندلس وبادوا. صفحة100، عنوان "هدى وزينة". "وأضاف الحفيد: بل هي شقيقتنا في الانسانية. احتارت العجوز وقالت: قلبي يرفّ لها كأنّها ابنتي."
ذكر الكاتب أسماء الأماكن التي حدثت فيها الاحداث الدامية، مع ذكر التواريخ، مما تضيف مصداقيَّة للأحداث؛ كذلك ذكر الأسماء الحقيقيَّة للأشخاص الذين قُتلوا بأغرب وأبشع طرق الموت، سواء على الصَّعيد المحلِّي، أو الخارجي.
العناوين مناسبة جدَا، وجذَابة للقارئ.
يوميَّات الحزن الدَّامي، يُعتبر كتابًا توثيقيًّا للأحداث الدامية، على الصَّعيد المحلّي، والعالمي، زمانيًّ ومكانيَّا، يوميَّات تفوح منها رائحة الألم والحسرة، والدَّم، وجرح القلب. تظهر فيه الشّدَّة، واللحن القوي كالحدَّة في الألفاظ والمعاني. نجح اديبنا بان يوثِّق الأحداث الدراميَّة، المأساويَّة، كلوحة رسمها فنَّان بريشته ، وأبرز اللون الأحمر القاني.
وكتبت نزهة الرملاوي:
أيام لا تنسى في ذاكرة الزمان والمكان، حرب ودمار يضربان بقوة وجه الإنسانية، والأجساد هناك تلاشت وتضرجت بدمائها، صرخت ولعنت السكوت المتفشي في الألسن العربية، صواريخ وقاذفات تخلف الأشلاء، وتقض مضاجع المشاهد، أو القارئ نعم صور عادت بنا إلى حرب غزة، فأغرقتنا بمشاهد مؤلمة كنا رأيناها على شاشات التلفاز، ترجمها الكاتب جميل السلحوت في كتابه هذا.
تميزت أقصوصات الكاتب جميل السلحوت بالرشاقة والخفة وسهولة الكلمات، وجاءت على شكل تقارير إخبارية بلغة سلسة وبلهجة شديدة، وكأنها تطلب المساعدة والإغاثة، كما في أقصوصات (زفاف) و ( مذبحة ) و ( مشاغب عنيف ) وغيرها.
أحسسنا في بعض الأقصوصات بأننا نقرأ خبرا عاجلا في مجلة، فأوقع الحزن في داخلنا، واحتجنا إلى صور تأتينا بالمزيد لشدة هوله، كما في (انفجار) و( نصفه خارج البيت ) وتارة تقرأ أقصوصة أدبية فيها التناقض والتسامح كما في أقصوصة ( في الكنيسة )، حيث تروي أجمل لحظات الإخاء والإلتحام بين أفراد الشعب في غزة أثناء الحرب الأخيرة.
تميزت الأقصوصات بتعدد صورها وإن كانت تصب في نفس القالب، (صور ومشاهد دامية محزنة تحت المجهر الأدبي ليحسها القارئ ) فتارة تتصور شخوصها وقد ضرجت بدمائها وتناثرت أشلائها، وتارة ينثر الكاتب بين راحتيك ومضة سريعة عميقة المعاني كما في "ما تبقى له."
تكاد أقصوصات الكاتب أن تكون موجهة لليافعين، فقد أكثر من أسماء الأطفال وقصص استشهادهم، وكأنه يريدهم أن يتذكروا ما حصل في غزة لأطفال في عمرهم، وفي المقابل تكون الأقصوصات موجهة للعالم الغارق في سباته، فلا يرى إلا البذخ والإفطار والسحور الشهي، وهناك من هوت عليه قذيفة مع الآذان.
أكثر الكاتب من مفردات الحرب كأسماء المدافع والصواريخ والطائرات، وتعددت أسماء الأماكن في الأحياء والمدن كغزة والشجاعية ورفح وحي النصر وسجن نفحة والقدس، ومشفى الشفاء وغير ذلك.
استخدم الكاتب كلمات مدوية تستوقف القارئ على عجل، ككلمات الدم والأشلاء والضحايا والثكالى والدموع وصوت الإسعاف والمسعفين والجرحى، ومفردات روحانية كالسماء والشهداء والجنة، والقصد كان اكتمال المشهد الذي وظفت له الأقصوصة.
يجرعنا الكاتب مرارة التهاون والخذلان من قبل العربان بحق قطاع غزة، ويذكرنا برائحة الورد التي تنتشر ولكن العرب لا يشمونها لأنهم مصابون بالزكام، وهذه السخرية الأدبية الناقدة للسياسة وتهاون العالم بما يجري في قطاع غزة تؤرخ الحصار جوا وبرا وبحرا، واستنكاره لبعض الرغاة العرب حين يثغون، ويحولون المشاهد ويبدلون الأدوار فيوصفون دفاع الفلسطيني بالإرهاب، ويعالج الكاتب ذلك الهذيان، عن طريق ذكر الكثير من حوادث القتل،كقتل أربعة أطفال في غزة، والتفحم من قنابل الغاز لشاب في قلنديا، وحرق مسجد في نابلس "في يوم عادي "
ردات الفعل لدى الكاتب تفاوتت ما بين رد واثق كرده في (في يوم عادي) ورده بكلمات أخفق في وضعها، وكان من الأجدر أن يتنازل عنها.
أرخ الكاتب لأقصوصاته، حيث وضع لكل أقصوصة تاريخها، مما زاد من القيمة والمصداقية في النص.
وافق العنوان محتويات الكتاب، كذلك توافقت العناوين مع محتويات النصوص المكتوبة، فقد شاهدنا وقرأنا كتابا نازفا لا أمل يذكر بين ثناياه، إلا أمل اللقاء بالجنة، وتلك الصورة المعلقة على حائط مشفى الشفاء للأقصى.
يعتبر الكتاب شهادة توثيق على أحداث مأساوية دامية، أرخت بطريقة لافتة، تستحق القراءة.
وسوم: العدد 698