قراءة في رواية مسك الكفاية
صدرت رواية مسك الكفاية للأسير الفلسطيني باسم الخندقجي عام 2014، عن الدّار العربيّة للعلوم ناشرون،وتقع الرواية التي صمّم غلافها سامح الخلف في 330 صفحة من الحجم الكبير، وقدّم لها الأديب محمود شقير.
" ان للسيوف وحدها الحق في العلو والسيادة " بهذه الكلمات أراد الكاتب الأسير باسم الخندقجي في روايته " مسك الكافية " أن يخبرنا عن حقبة دامية من تاريخنا العربي و الإسلامي، حقبة قال عنها بعض المؤرخين أنها العصر الذهبي للخلافة العباسيّة التي امتدت لأكثر من ثلاثة قرون. بيد أنّ السيوف لم تكن عربية فقط، فقد اعتمدت على الفُرس الناقمين على الأمويين لاستبعادهم من مراكز الحكم والسلطة وحصرها على العرب. نجح العباسيون من تجنيد سيف أبي مسلم الخراساني في اخضاع البلاد والعباد وانتزاع البيّعة عنوة لأبي العباس ومن بعده أبو جعفر المنصور الذي تخلص منه لاحقا. حقبة كان روادها لا يكترثون بإنسانية الإنسان، بل على العكس فإنّ سعيهم إلى السلطة والنفوذ قادهم إلى ممالك ركائزها جماجم العامّة وأولوا العلم.
استطاع الكاتب عمل تشريح اجتماعيّ وثقافيّ لتلك الفترة حين تحدث عن جناح الجواري في قصر المهدي والذي عج بالفارسيات والروميات والحبشيات والعربيات، حيث تعددت الثقافات في كنف الدولة، ومن جناح الجواري استطاع الكاتب أن يُقدم لنا تحليل سسيو- سياسي لما كان عليه حال الخلافة العباسيّة وهذا الحال مهدّ لحدوث ثروات سياسية لاحقا كثورة الأدارسة والفاطميين فحملت الحقبة في ثناياها بذور الفناء والأفول.
تتطرق الكاتب لحياة الصحراء ودورها في بناء الشخصية العربية من حب للحرية والكرامة والصبر والمثابرة والدفاع عن الذات من أجل البقاء، ناهيك عن التوحّد في إطار قيم تجمع الإنسانية وتمثل ذلك في قبيلة الأنهد بن الورد. قيمٌ صقلت شخصية الخيزران صاحبة الجمال وفصاحة اللسان فاستفادت منها في الوصول إلى منيتها في قصر المهدي، حملت من الصحراء رفضها للظلم والأنفة فأراحت الجواري من بطش الفارسية.
أما على صعيد تطور شخصية المقّاء ولاحقا الخيزران فإن كاتبنا قدم لنا شرحا حول قدرة الإنسان على الصمود وإصراره على الحياة مما يجعله قادرا على التأقلم مع الظروف والأحوال المتغيرة، مدللا على أنّ سيكولوجية الإنسان هي واحدة في رغبته بالعيش الكريم إذا ما تجردت من شوائب المُلك والسيطرة. فكانت الخيزران تجتاز الرمال المتحركة لتتراكم لديها الخبرة والمعرفة مما يسهل عليها اجتاز المستنقع التالي وتجاوز العقبات وصولا إلى ما سعت إليه.
قدمت لنا الرواية معلومات تاريخيّة هامة – اذا صحّت مصادرها- مما جعلها قريبة للقارئ بأسلوب مشوّق وتصاعدي. إلا أنّ المبالغة في سرد تفاصيل الفراش والمخدع والخلوات الماجنة قد يؤثر سلبا على المتلقي خاصة من فئة غير العارفين في خفايا الأدب الروائي ورسائله المبطنة.
وأخيرا يمكننا القول بأنّ هذا العمل اعتمد على السياق التاريخي في النشأة والتطور ومن ثم الفناء. وكأن الكاتب عمل اسقاطا تاريخيا على واقعنا المعاش المليء بالدماء وحدّ السيف الحامي لدولة الطغاة في مشرقنا العربي، واستخدامه لمصطلحات مثل ( أصحاب الرايات السود، قوم يأتون من الشرق، الاستشهاد بمراسلات أبي جعفر والنفس الزكية، وأموال آل العباس في شراء الفرس) خير دليل على هذا الاسقاط .
هي رسائل يوجهها إلينا وقد استنبطها من تاريخ بعيد علنا نبني مستقبلا ودولا ركيزتها الإنسان.
وسوم: العدد 700