شعراء نصارى مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم
أعتقد جازماً أن كل مسلم - مهما كان حاله - يحب النبي صلى الله عليه وسلم، ويغار عليه، ويضعه في أفق سام، لا يرقى إلى راقٍ، ولا يبلغه أمل آمل.
وأعتقد أن هذا الحب ضرورة شرعية، لا يكون أحدنا مسلماً بدونها، وأن قدر الحب يكون بقدر المعرفة، فكلما عرفته صلى الله عليه وسلم أكثر، وتتبعت سيرته الزاكية أكثر، زادت محبته، وارتفع منسوبها في نفسك، ثم إذا أحببته صلى الله عليه وسلم وعرفته اتبعته، وأحببت أن تحذو حذوه لتحشر معه يوم القيامة، اللهم اجعلنا من رفقائه في الجنة يارب العالمين.
فإذا جاء من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، أو ينتقص قدره، فلا يلام المسلم أن يغضب وينفعل، لأنه يغضب لحبيبه صلى الله عليه وسلم ودينه وشرعه وعقيدته.
لكني ألومه إذا جاءت غيرته وغضبته هوجاء حمقاء، أو شفوية لفظية، أو دفقة مؤقتة انفعالية، ليس لها مضمون ولا أثر، كحال كثير من غضباتنا العربية المجيدة التي تسفر- عادة - عن.... لا شيء! كحال هذا العربي الذي أوسع اللصوص ذماً، وأودوا بالإبل.
وفي مقابل ذلك لا يفاجئني من لم يعرف النبي صلى الله عليه من غير المسلمين – إذا سب أو أساء - فهذا كثير، ومتتابع، وتاريخي، منذ اللحظة الأولى للجهر بالإسلام، حين قال الأحمق أبو لهب للمصطفى صلى الله عليه وسلم: (تباً لك! ألهذا جمعتنا)؟!
ثم تتابعت الإهانات والافتراءات، حتى قالت العرب عنه بأبي هو وأمي: كاهن/ ساحر/ شاعر، مجنون/ طالب ملك/ طالب مال، وأشد من ذلك حين تآمروا عليه فداه أبي وأمي ليقتلوه، أو يثبتوه، أو يخرجوه.
ويستمر التقبيح عبر التاريخ، كما أشرت في كلام سابق، ليتركز في القرن العشرين من خلال السينما والراديو والصحافة وأفلام ورسوم الكرتون، حتى أيام التعيس سلمان رشدي، والأتعس تسليمة نسرين، والإخوة الأشاوس علاء حامد ونوال السعداوي وحيدر حيدر، الغبي الذي كتب: اخرأ باسم ربك! وصولاً إلى كاريكاتيرات الصحف الأوروبية المتطاولة على المقام المحمدي السامق، في السنين الثلاثين الأخيرة.
شهادات المنصفين:
لكن هذا السرد لا ينسيني - ولا يجوز - شهادات مجموعة من المنصفين من النصارى وغيرهم لصالح الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، حين أسبغوا عليه من صفات العظمة والنبل والرحمة والفضل ما هو به جدير.. وشاعت في الناس شهادات كثير من المفكرين والعظماء الغربيين في هذا الباب، ربما أتناولها في ملف لاحق، كما أُلفت كتب، ودُبجت مقالات، بأقلام عدد من النصارى العرب، في فضائله ومناقبه صلى الله عليه وسلم، فقد كتب فيه الدكتور نظمي لوقا ثلاثة كتب في الإسلام شهيرة هي: وا محمداه، ومحمد: الرسالة والرسول الذي قررته وزارة التربية والتعليم على مدارس الجمهورية العربية المتحدة في مصر وسوريا، وأنا والإسلام. كما كتب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وله دراسات إسلامية أخرى.
ود. نظمي لوقا - كما ترجمت له إسلام أونلاين - مسيحي من مصر، يتميز بنظرته الموضوعية، وإخلاصه العميق للحق. ورغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان صبياً، فإنه كثيراً ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين، ويستمع بشغف إلى كتاب الله تعالى، وسيرة الرسول عليه السلام. بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره.
وكتب بعض نصارى الشام كتباً مشابهة، كما فعل الأستاذ نصري سلهب في كتابه: على خطى محمد صلى الله عليه وسلم، وكما كتب الأستاذ خليل إسكندر (دعوة نصارى العرب للإسلام) والأستاذ خليل الطوال (تحت راية الإسلام) ولبيب الرياشي (نفسية الرسول العربي) وهي كلها كتب منصفة، تصف النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه من الحق والخير. كما أن ربنا تبارك وتعالى مدح طائفة من القسيسين المنصفين، الذين عرفوا قدر النبي صلى الله عليه وسلم وفضله، فقال سبحانه: (....وَلَتَجدَهن أَقْرَبَهُم مَوَدةً للذينَ ءَامَنُوا: الذينَ قَالُوا إنا نصارى، ذلكَ بأنّ منْهُمْ قسّيسينَ وَرُهْبَانا، وَأَهنهُمْ لاَ يَسْتَكْبرُونَ. وَإذَا سمعُوا مَا أُنزلَ إلَى الرسُول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفيضُ من الدمْع، مما عَرَفُوا منْ الحَقّ، يَقُولُونَ: رَبنَا آمَنا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشاهدينَ. وَمَا لَنَا لا نُؤمنُ باللَّه، وَمَا جَاءَنا من الحَقّ، وَنَطْمَعُ أَن يُدْخلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْم الصالحينَ. فَأَثَابَهُمْ اللَّه بمَا قَالُوا جَنات تَجْري من تَحْتهَا الأَنهَارُ خَالدينَ فيهَا، وَذَلكَ جَزَاءُ الْمُحْسنينَ) المائدة: 82.
والحق أنني لا أريد الكلام عن هذا الجانب الآن، ولا أتوسع فيه، فقد تكلم كثيرون فيه، بل أريد أن أقف أمام رؤية أخرى أكثر رهافة ورقة، هي رؤية بعض الشعراء والمبدعين، من العرب غير المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه، إذ كتب كثير منهم – خصوصاً نصارى الشام - قصائد تنضح حباً، ومودة، وإعجاباً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وسأسوق هنا نخبة من الأشعار المعبرة الرقيقة التي قيلت، لأعكس جانباً قد تغطيه الفورة العاطفية القائمة، التي لا تعجبني كثيراً، لأنها لا تكفي إطلاقاً للدفاع عنه صلى الله عليه وسلم، إذ يحتاج الأمر إلى تصحيح واسع للصورة من خلال قنوات التأثير كلها: الدبلوماسية، والأكاديمية، والإعلامية، والشعبية، والاقتصادية، والفنية، وغيرها، مع التخطيط لذلك، والتنسيق له، وطول النفس فيه، ودعمه بصورة رسمية وشعبية مؤثرة..
فأما الاكتفاء بفورة انفعالية وقتية بهذه الشكل، فهو أدخل في باب (الخيبة القوية) والأداء السلبي الذي اشتهرنا به بين الأمم، إذ تزيد من استفزاز الآخرين، وتحرضهم ضد الإسلام، وتزيدهم سعاراً على سعار، وسوءاً على سوء!
ورقة بن نوفل أول نصراني محب:
على كل حال.. لتكن وقفتنا مع الشعر والشعراء المعجبين بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والذي بدأ مع أول نصراني ساند الإسلام على الإطلاق، وهو سيدنا ورقة بن نوفل رضي الله عنه، أول نصراني أسلم، والذي وعد أن يدافع جهده عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حين اصطحبت أمنا العظيمة خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الوحي إليه. وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته العظيمة أم المؤمنين خديجة بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع، فقال ورقة بن نوفل: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت. وجعل ورقة يستبطئ الأمر، ويتحرق شوقاً لمزيد من دلائل النبوة، وفيوض الوحي، ويقول حتى متى!؟
وكان مما قال في ذلك:
لججتُ وكنت في الذكرى لجوجا لهمٍّ طالما بعث النشيجا
ببطن المكَّتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبَّرتنا من قول قس من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمداً سيسود فينا ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياءَ نورٍ يقيم به البريةَ أن تموجا
فيلقى من يحاربه خساراً ويلقى من يسالمه فُلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم شهدتُ فكنت أوَّلهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ولو عجت بمكتها عجيجا
وله أشعار أخرى غير هذه لا داعي لإيرادها، لأفسح المجال للشعراء المعاصرين من غير المسلمين، ورأيهم في سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وجدير بالذكر هنا أن الناقد والأكاديمي والمفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور حلمي القاعود كتب رسالته في الدكتوراه حول هذا محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر الحديث، وتناول هذا الموضوع في أحد أبوابه، وقد استفدت منه أيما استفادة.
وسوم: العدد 700