السيرة النبوية من خلال الفن الروائي (1 ـ 3)
رواية «قاتل حمزة» نموذجاً
تمثل رواية «قاتل حمزة» للكاتب الإسلامي نجيب الكيلاني التوازن بين الفن والتاريخ، وتحكي من خلال شخصية وحشي بن حرب ذلك العبد الحبشي انعكاس أحداث السيرة النبوية منذ غزوة «بدر» حتى وفاة وحشي في عام 25هـ، وسوف نتناول الرواية من خلال أهم عناصرها الفنية في الصفحات التالية:
المكان:
تشير افتتاحية الرواية إلى مكة؛ المكان الأساسي في الرواية الذي يعيش فيه بطلها وحشي بن حرب، وهي تلك البلدة التي تبدو بيوتها كتلة غامضة صامتة لا تكاد تبين معالمها ويغطيها وبطاحها الليل بسواده ولكنها تضطرم بانفعالات ثائرة وأحقاد مبيتة وآمال خطيرة يلوثها الشذوذ والعناد استعداداً ليوم الثأر من المسلمين الذين هزموا قريش يوم «بدر»، وقتلوا من رجالها وأبطالها عدداً كبيراً غير الأسرى، فضلاً عما أخذوه من غنائم وأسلاب، مكة الصامتة يلفها خلاء صامت أيضاً ينبئ عن الجغرافيا التي تحكم المكان والغموض الذي يحكم المستقبل أيضاً، فالاستعداد للغزو والذهاب إلى المدينة المنورة لقتال المسلمين، يجعل المكان في حالة موازية لحالة وحشي الباحث عن الحرية بالدم، وبأي وسيلة.
مكة رمز الخصومة مع الإسلام، لأنها مقر حماة البيت الحرام الذي تقبع في أرجائه الأصنام التي يعبدها القرشيون ومن معهم، ويدافعون عنها ضد المسلمين الذي يعبدون إلهاً واحداً لا شريك له، ودعوة التوحيد ضد الأصنام والأوثان في كل الأحوال، ومكة غارقة في الإثم من قمة رأسها لأخمص قدميها؛ إنها بؤرة النفاق والكذب والحماقة في أغلب منتدياتها ومسامرها.
أيضاً فإن مكة تضطرب في داخلها مذ جاء محمد برسالته والناس في هرج ومرج، والأفكار تتصارع والسيوف تسل، ويتعرض من يعلن إسلامه إلى العسف أو الملاحقة أو الحصار أو التعذيب أو الهجرة متخفياً.
مكة تقابل المدينة حيث تبدو الأخرى أكثر استقراراً، بعد أن حققت نصراً غير متوقع على الأولى جعلها تعد العدة للانتقام والثأر، وإن كانت في الوقت نفسه مهوى القلوب والأفئدة لمن أسلموا سراً ولا يستطيعون البوح بإسلامهم، وربما فر بعضهم إليها تحت جنح الظلام هرباً من جبروت أهل مكة وقسوتهم وغطرستهم، فهي مقر الحبيب صلى الله عليه وسلم رمز الرحمة والحنان والعطف والنور بدلالاته المختلفة.
أما بيوت مكة فلا تقدم الرواية وصفاً دقيقاً أو شاملاً لها، وإن كنا نفهم أنها بسيطة البناء، بدليل السور المنخفض الذي يقفز وحشي من فوقه ليلف إلى داخله بعد أن تعذر عليه أن يدخل من الباب، وتبدو البيوت في مكة بصفة عامة في حالة متوازية مع المواقف النفسية والاجتماعية، فبيت وحشي جامد صامت، لا تشرق له طلعة ولا يبدو عليه أدنى اكتراث، ولكن البيوت في مكة لها حرمات، لا يجوز اقتحامها في أي حال من الأحوال.
وتعد الطائف بصورة ما امتداداً لمكة، ففيها ثقيف وهوازن، وهما قبيلتان كبيرتان أخذتا موقفاً مناوئاً للدعوة، وتاريخ الطائف بالنسبة للدعوة الإسلامية غير مريح، فقد كان موقف أهل الطائف من النبي صلى الله عليه وسلم حين ذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام غير طيب بل مسيء إليه، لقد رفضوا الإيمان به، وآذوه، وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم لقذفه بالحجارة حتى دميت قدماه، ولذا ظلت الطائف عنصراً مقاوماً للدعوة حتى تم إخضاعها بعد فتح مكة، فدخل أهلها الإسلام وتم تكسير أصنامها.
أما الطريق بين مكة وجبل «أُحد» المجاور ليثرب (المدينة) فهو طريق طويل مملوء بالصعاب والمزالق والمتاهات، والليل يخلف النهار والنهار يعقب الليل، ومع صعوبة الطريق فجيش الثأر العرمرم يحث الخطى لتحقيق الأمنيات الشيطانية.
ويبدو «أُحد» جبلاً شامخاً لا يطأطئ رأسه لأحد، يرمق ما يجري في صمت وجمود، والناس يتصارعون في استماتة بالغة، والغبار ثائر، والسيوف تلمع تحت وهج الشمس الحارقة وصيحات الرجال تتعالى، ويشهد تقدم المسلمين في معظم المعركة وتراجعهم في نهايتها بسبب مخالفة الرماة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبصفة عامة، فالمكان يبدو جهماً كئيباً حين تكون الشخصية الروائية في حالة قلق إيماني، وتذكّر الشخصية الأساسية في الرواية بالأحزان والشقاء، وتبث في نفس صاحبها الإحساس بالغربة والألم، أما في حالة الأمل والإشباع الروحي فتتحول إلى ما يشبه الجنة، وتبعث في النفس الحنين إليها والرغبة في العودة إليها كلما ابتعد عنها.
الزمان:
يبدأ زمان الرواية فيما بعد غزوة «بدر» التي وقعت بين المسلمين والمشركين في العام الثاني للهجرة، وتمتد حتى العام الخامس والعشرين من الهجرة؛ حيث توفي بطل الرواية وحشي بن حرب في مدينة حمص بالشام، وقد جاء هذا الزمان التاريخي حاملاً لكثير من الأحداث التي شكلت مسيرة الدعوة الإسلامية أو السيرة النبوية، ولأن الرواية تحمل شخصية بعينها تحاول تجليتها فإنها توجز في أحداث السيرة، وقد تقفز قفزات زمنية واسعة لتطوي مسافات زمنية ممتدة كما نرى في فترة بدء الخلافة حتى وفاة وحشي عام 25هـ، وذلك لأن تلك الفترة لم تكن ذات إثارة في حياته، بل قضاها هادئاً وادعاً مجاهداً في سبيل الله، يخرج مع الجيوش الإسلامية وهي تواجه المرتدين في اليمامة فيقتل بحربته مسيلمة الكذاب، وهي الحربة التي قتل بها حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، وقال عنها وحشي: «بحربتي هذه قتلت خير الناس، وبها قتلت شر الناس»، بيد أن الرواية تتيح الفرصة للقارئ ليمد بصره إلى مرحلة ما قبل غزوة «بدر»، بل ما قبل البعثة ليتعرف عليها، وعلى ما كان سائداً فيها من عادات وتقاليد وعلاقات إنسانية وطبقات اجتماعية وعناصر بشرية من خلال حياة الشخصية المحورية وهي شخصية وحشي، فضلاً عن قضايا الحرية والعبودية والأخلاق السائدة، وذلك عن طريق التذكر والاسترجاع وحديث النفس، ويمتد الرجوع إلى الماضي حتى زمن الفيل في إشارات سريعة خاطفة ولكنها دالة تربط بداية الدعوة الإسلامية برحيل الشخصية الروائية الأساسية (وحشي) إلى بارئها.
بناء الرواية:
من خلال أحداث تتتابع وتمر بوحشي الذي يرتبط بعلاقات متشعبة مع حبيبته وسيده والمجتمع والمسلمين، وتصنع التشويق لمعرفة ما ستؤول إليه الأحداث ونهاياتها؛ حيث ينتقل الحدث من حالة بسيطة إلى حالة مركبة تتعقد فيها الأحداث وتتشابك، ويبحث القارئ عن كيفية الوصول إلى حلول.
تتكون الرواية من فصول مرقمة تبلغ ثلاثين فصلاً، كل فصل يمهد للآخر، ويسهم في تكوين البناء العام للرواية، وإن كانت أهمية البناء تبدأ من عتبته، حيث يقدم الفصل الأول عقدة الأحداث من خلال العبد الحبشي وحشي بن حرب الذي يتوق إلى الحرية بأي ثمن، ولو كان هذا الثمن هو الدم، دم الشرفاء أو دم الأشرار، ولذا يضطرم قلبه بالعواصف والأحقاد ويقبل ما يغريه به سيده جبير بن مطعم ليقتل حمزة بن عبدالمطلب، نظير حصوله على حريته وانضمامه إلى نادي السادة الذين لن يقبلوا به، ويعاملونه بوصفه عبداً أدنى درجة منهم.
ونتعرف في هذا الفصل على الشخصية الأخرى التي يهواها قلب وحشي، وهي الأمَة التي سماها عبلة تشبّهاً منه بعنترة بن شداد الذي كان عبداً وأعتقه سيده بعد اعترافه به ابناً له، كي ينقذ القبيلة من أعدائها وينتصر عليهم، وهذه الأَمَة أو عبلة وحشي تختلف عنه في التفكير والسلوك، وإن كانت تعلن عن حبها له، وتمنيها أن يكون شخصية هادئة وادعة، ولكنه يصر على التخبط، ويبين عن نفسه بطريقة مخيفة مدمرة، ويقول كلمات لا تفقه منها شيئاً.
ثم تتتابع أحداث الرواية فنرى استعداد قريش بقيادة أبي سفيان ليوم «أُحُد»، ونرى وحشياً يودع فتاته وهو في طريقه إلى المدينة ليحقق حلمه الذي اقترب لنيل الحرية، خاصة وقد انهالت عليه الوعود بالمكافآت السخية إذا قتل حمزة بن عبدالمطلب، وتتصدر هند بنت عتبة، زوج أبي سفيان، من يرغّبون وحشياً بقتل حمزة وتعده بمكافآت جزيلة، فهي تريد الثأر لابنها وأخيها ووالدها، ونرى فتاة وحشي تفكر في محمد صلى الله عليه وسلم وتلتقي بالمسلمات اللاتي آمنَّ في السر بالدعوة المحمدية ويتحدثن عن معانٍ جديدة مثيرة، فقد شعرت أن وحشياً بعد أن فارقها إلى المدينة قد حبس نفسه في سجن غامض من صنع يديه، وأنه أسير أهواء قاتمة السواد، وبعد أن اختفى شبحه بقيت صورة وجهه المتقبض، وعينيه اللتين تقدحان بالشرر عالقة بذهنها، وظلت أصداء كلماته الغريبة تطن في رأسها المتعبة.
ويمضي ركب قريش المقاتل إلى المدينة أو يثرب كما كانت تسمى قبل الهجرة يشغلهم الثأر والقضاء على المسلمين، ويسير وحشي مع الركب يشعر بالوحدة والقلق، ولكنه يحرص على حربته التي سيقتل بها حمزة، وتحقق له حريته.
تشتعل المعركة، ويحتدم القتال الشرس الذي بدأ باكتساح المسلمين، ثم التفاف خالد بن الوليد عليهم بعد مخالفتهم أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتمكن وحشي من قتل حمزة بن عبدالمطلب، وتقوم هند بنت عتبة، زوج أبي سفيان، بالتمثيل بجثته في مشهد بشع تغذيه أحقاد وحشية، وتجدع أنف حمزة وتقطع أذنيه وأجزاء أخرى وتجعل منها أقراطاً وأساور تتحلى بها تشفياً وانتقاماً، لقد خلعت أساورها الذهبية وأقراطها المطعمة بالجوهر ووهبتها هدية لوحشي، ونحر المشركون الجزور وشربوا الخمر وسكروا بالكأس وحلاوة النصر، وترنموا بالقصيد، وتغنوا بالثأر.. ووحشي جالس وحيداً يعب من كأسه، ويصحو على حقيقة أن موت محمد كان أكذوبة أطلقت في أثناء احتدام القتال، وأن المسلمين مع ما جرى لهم مازالوا صامدين، وأنهم يداوون جراحهم ويجمعون شتاتهم ويستعدون لجولات جديدة.
يعود وحشي إلى مكة مع القوم المنتصرين بالحرية والمال، ويشتد في داخله صراع الإحساس بالعبودية مع نيله الحرية وحصوله على المال والذهب، وينتظر حبيبته (عبلة) التي لم تأتِ، ويقتحم دارها، فيقبض سيده عليه ثم يتركه بعد أن يخاطبه بكلام جارح يذكره بعبوديته، ويتندر أقرانه بحبه للعبودية، فيغرق نفسه في الخمر كي ينسى، وتصده الجارية وتعلن عن إسلامها، فيعيش تمزقاً نفسياً، ويهددها بإفشاء سرها لسيدها، ويتركها ليتخبط في الظلام!
يأتي «سهيل» من الطائف، وهو عبد يعمل بالتجارة لزيارة صديقه وحشي في خضم حيرته وعذابه، فيستعرض أمامه الدعوة وموقف العقل والحرية، ولكن وحشياً لا يهتم، لأنه مشغول بعبلة، وتنهمر دموعه حزناً عليها، ويقرر أنه لن يقيد نفسه بأي قيد ولو كان هذا القيد رسالة الله، ولذا لن يسلم من أجل عبلة، ولن يشي بها عند سيدها، ويلجأ إلى الخمر كما العادة، ويذهب إلى «وصال» التي تعمل في تقديم المتعة للرجال كي ينسى، بيد أنه لا يستطيع أن يسلو وتطارده مسألة الحرية والعبودية والحسب والنسب، وتنغص عليه حياته.
وفي مسامرة بين الإماء يكتشف القارئ سير الدعوة وحركتها، ورد فعل أهل مكة، وموقف اليهود، وإعلان عبلة إنهاء علاقتها بوحشي نهائياً بعد أن يئست من دخوله إلى الإسلام، وهي تعلم أن هناك من ستنقل إلى وحشي قرارها تقرباً إليه وطمعاً في رضاه.
نتعرف على تحريم الخمر في الإسلام، وانخفاض ثمنها في مكة، ووحشي يفكر في شراء عبلة من سيده، ولكنه يرفض فيشي له بإسلامها، فيؤكد رفضه ولا يصدقه فينصرف وحشي مخذولاً، وتتوطد علاقته مع وصال من خلال حديث عن الدعوة.
وينزل سهيل ضيفاً على وحشي ويعرض عليه الإسلام بعد أن يبوح بإسلامه، ولكن وحشياً مازال أسيراً لنفسه وهواه، وينتحب مثل الثكلى، ويسعى اليهود لاستخدام وحشي في قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل يهودي ضيفاً على وحشي ويغريه بالمال والنساء، ولكن وحشياً يبدو متردداً غير واثق في اليهود أو غيرهم، لأنه يحلم بعبلة، ويترك له اليهودي دنانير كي يفكر.
يتصاعد البناء الدرامي بإعلان الجارية (عبلة) إسلامها في مواجهة سيدها الذي يبدو غير مصدق، ويستشيط غضباً، ويعيش في حيرة، ولكنه يستدعي وحشياً ليخلصه منها بطريقة تشمل التعذيب وغسيل المخ في آن!
واجتمعت الجارية مع وحشي في بيت واحد، وينشب صراع بين إرادتين، ويحاول وحشي أن يخضعها ولكنه يفشل، فقد كانت تقاوم بصلابة، وعند وصال يكتشف وحشي أنها تحبه وتتمنى أن يتزوجها وتشير عليه بالرحيل والهروب سراً.
تهرب الجارية من بيت وحشي، ويظهر اليهودي مرة ثانية، ليحرضه على قتل النبي صلى الله عليه وسلم ويغريه بالذهب، ولكنه يتجاهله، وينطلق إلى سيده القديم ليخبره بأمر الجارية وهروبها، فيجلده، ويعدّ الخيل للبحث عنها في الطريق إلى يثرب.
كانت عبلة قد هربت إلى دار «أم رابحة» التي أسلمت سراً، ويفشل جبير بن مطعم، ووحشي بن حرب في العثور على الفتاة، بينما تستعد قريش لقتال المسلمين مرة أخرى (غزوة الأحزاب)، ويبقى وحشي في قلق عظيم يطارده شبح حمزة بن عبدالمطلب.
ويزداد الموقف تعقيداً، فقد كان «صلح الحديبية» بعد هزيمة «الأحزاب» ورغبة المسلمين في دخول مكة معتمرين طائفين بالبيت الحرام انتصاراً لهم، وحفظاً لماء الوجه عند زعماء مكة، ويسعى وحشي إلى تحريض أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وجبير بن مطعم على قتال المسلمين، ولكنهم يعلنون التزامهم بالهدنة التي تتيح للمسلمين العمرة وقضاء ثلاثة أيام في مكة، ويرفضون تحريضه فيهرب إلى الخمر ووصال.
ويأتي اليوم الموعود المشهود، ويدخل المسلمون مكة، وبلال يصعد الكعبة ويؤذن بصوته الجميل الندي، والمسلمون يكبرون ويهتفون: لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وخالد بن الوليد يتغير استعداداً للهداية ويتأثر بمشهد المسلمين حول البيت الحرام ويجابه أبا سفيان ويستعد للهجرة، ووحشي يزداد شقاء وشبح حمزة يطارده، ووصال ترفضه وتتوب وتسلم وتهرب.. وحلفاء قريش من بني بكر ينقضون «صلح الحديبية» ويقاتلون خزاعة، ويستعد المسلمون للقتال دفاعاً عن حلفائهم المغدورين، ويضطر أبو سفيان أن يقوم برحلة إلى المدينة المنورة من أجل منع الحرب وإطالة مدة الهدنة عشر سنوات؛ ولكن الرحلة تنتهي بالفشل، ويعود مهموماً منهزماً لا يدري ماذا يفعل، ووحشي ما زال في سُكره وغيبوبته يطارده شبح حمزة.
صار المستقبل أمام أبي سفيان زعيم مكة مظلماً، ويتعرض لمحنة قاهرة، بين الحقيقة التي يعرفها وتتمثل في قوة المسلمين وشدة بأسهم، وتحريض الشباب وزوجه هند على القتال، فيحاول تهدئة الثائرين.. ويعيش وحشي في همّ مقيم بسبب حمزة!
تستعد المدينة لفتح مكة في سرية تامة، ويؤدي العباس عم النبي دوراً كبيراً في تثبيط همة قريش، ويعيش أبو سفيان معركة نفسية هائلة تنتهي بإسلامه، ويجيء نصر الله والفتح فيدخل الناس في دين الله أفواجاً، ووحشي وقلة من أهل مكة من بينهم عكرمة ورجال من بني بكر يريدون القتال في جنوب مكة، وبعد قتال قصير يلوذون بالفرار، وتنتصر الدعوة وتسقط الأصنام وتسلم هند، وعكرمة، وجبير، ويهرب وحشي إلى الطائف، ويكتمل النصر بإسلام ثقيف وهوازن، ويقوم أبو سفيان، والمغيرة بتحطيم أصنام الطائف.
تقدم الرواية أول خيوط التمهيد لانفراج أزمة بطل الرواية؛ حيث يلتقي سهيل مع وحشي الذي يحاول الانتحار، فيمنعه ويذكره أن باب الله مفتوح، ويفكر في الفرار إلى اليمن أو الحبشة، ويظل سهيل في محاولة إقناعه بالإسلام، حتى يعلن إسلامه ويعصم دمه، فبقول: آمنت بالله، ويغذ السير إلى المدينة ويلتقي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويصبح واحداً من المسلمين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له بعد أن عرف منه كيف قتل حمزة: «ويحك! غيّب وجهك عني..».
وتطارده هذه المقولة وتؤرقه وتشعره بالعذاب والندم، لقد كانت هذه المقولة أقسى عليه من القتل؛ لأنها ستتردد في أنحاء الجزيرة وعلى مدى التاريخ، ولأنها ستحرمه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إلا من مكان بعيد.
وتعلم المدينة بإسلام وحشي، ولكن النظرات تتبعه أينما حل وحيثما رحل، وزوج عبلة يخبرها بإسلام وحشي فيفتر ثغرها عن ابتسامة خالصة وتعده نبأ ساراً؛ لأنه وصل إلى طريق النور والري.. كما علمت وصال بإسلام وحشي، وترى أن موقف الرسول معه درس مؤثر سوف يصفي جوهره وينقي فؤاده من الشوائب، لقد أسلم العرب جميعاً، وصاروا إخوة، ويلتقي جبير بن مطعم بوحشي فيقول له: أهلاً أخي، وهي كلمة عذبة جميلة أروع من الحرية والمال ونساء الأرض قاطبة، لقد صار السيد والعبد في ظلال الإسلام «إخوة».
ويقوم وحشي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبدء عصر الخلافة بدوره مثل بقية المسلمين، ويجهش وحشي بالبكاء لفراق النبي صلى الله عليه وسلم، ويعبر عن مشاعر المودة والحب الغامرة تجاهه عليه الصلاة والسلام، ويقاتل وحشي مع المسلمين ضد المرتدين، ويقتل بحربته مسيلمة الكذاب، ويرى حمزة في المنام ويحتضنه، ويعيش مقاتلاً في سبيل الله، ويشارك في معركة «اليرموك» ضد الرومان، ويعيش بقية حياته في حمص بالشام حيث مات في عام 25هـ على فراشه.
وسوم: العدد 702