سقوف الرّغبة على طاولة اليوم السابع

clip_image002_f872b.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة "سقوف الرّغبة القصصيّة" للأديب الكبير محمود شقير والتي صدرت بداية هذا العام 2017، عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع في 172 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ الحديث ديمة جمعة السمان فقالت:

"سقوف الرغبة" لوحات مكتملة مكثفة عميقة

كلماتها موزونة بميزان ذهب.

اصطحبنا الأديب محمود شقير في رحلة إلى (عمق النفس البشرية) من خلال  مائة واثنتين وثلاثين قصة قصيرة جدا، كل قصة كانت عبارة عن لوحة ألوانها حروفٌ معجونة بالحكمة، يذوب فيها الحلم بالواقع؛ ليخفف من وطأة الحقيقة، فالحقيقة موجعة، نحن نبكي فيزيد اكتئابنا، فنزيد من جلد ذواتنا، فتتضاعف عذاباتنا، هكذا نقضي عمرنا، ننفر الفرح إن أتى، نستكثره علينا، فنعود نشدّ الترح إلى حياتنا، ألا نستحق أن  نفرح؟ وقد عبر عنها الأديب بقصة عنوانها لحظة فرح ص 137.. قال:

 تعبنا ونحن نحصي مآسينا 

وحين ظفرنا بلحظة فرح

ذهلنا، ثم أفرطنا في البكاء.

لوحات مكتملة.. كل حرف في مكانه، لا يزيد ولا ينقص، كلمات موزونة بميزان  ذهب، مكثفة، عميقة، ليست لحوحة، تترك مساحة كافية للقاريء؛ ليصول فيها خياله ويجول، فيكمل نسج القصة بخيوط تتدلى من حاجته، فيرضى.

في مجموعته كان الحلم سيّد الموقف، والخيال كان الأرجوحة التي أنستنا أنفسنا وحلقت بنا عاليا؛ لتهبط من جديد، وتعود تحملنا إلى أعلى سماء، فنتوه، لا ندري أين نحن! لحظات نحتاجها لترتد إلينا الروح من جديد.

 جاءت ليلى ومعها قيس، والكهل كان أيضا هناك يرقد في إحدى زوايا الوحدة المعتمة ينتظر، ومات الكهل النحيف، كم أحزننا موته!

 الممرضة لم ينساها الأديب، والرصيف والمطر فرضا نفسيهما في معظم القصص، وسمعنا صوت الببغاء أيضا تكرر كعادتها آخر الكلام، الخيول كانت تركض هناك، والأطفال كانوا يبكون ويصرخون، البراءة تشع من عيون مذهولة.

أمّا القدس  فجلست طوال النهار تنتظر، ولا زالت تنتظر، في قصته التي عنونها بِ "انتظار".

هؤلاء جميعهم كانوا الركائز التي بنى عليها شقير قصصه، وكل ركيزة تحمل من الدلالات الكثير،  أظهر من خلالهم المفارقات، فلم يترك الأديب شاردة ولا واردة إلا تطرّق لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

"ليلى" تعددت دلالاتها في قصصه، كانت تارة (ليلى قيس)، وكانت تارة أخرى (ليلى والذئب)، وكانت تارة المرأة الضحية، وكانت الملجأ، وكانت الحكيمة، وكانت الصمود والتحدي، ولكنها مجتمعة احتواها العنوان الأكبر( حواء). وقيس كان  (آدم) بهما يعمر الكون، ويتحقق الحلم.

اعتدنا على الصخب، ففي صفحة 138 ( سوق الحدادين)، عبر شقير عن حاجتنا للصخب، حتى عندما نبحث عن حلم مريح، فالصمت يخيفنا، والهدوء يرعبنا، فلم تجد البطلة نفسه وراحتها إلا في سوق الحدادين، هناك على صخب النحاس وأوعية الحديد استرخت وذهبت في نوم عميق.

أمّا واقعنا الأليم مع الاحتلال وجنوده، فكان يطل علينا من بين الكلمات، يذكرنا أننا لا زلنا تحت نير الاحتلال، ولا زالت الحواجز العسكرية موزعة في كل مكان، في البرد والحرّ، والجنود ينكلون بنا، يرهقوننا باجبارنا على الانتظار، ولكنهم غير سعيدين، يقبعون خلف الحواجز ينتظرون أيضا، هم يشعرون أننا نحن من يحتجزهم،  فالتعب نال منهم أيضا.

خصص الأديب لها قصة  بعنوان (حواجز)، قصد أن يضعها في آخر المجموعة، ليعيدنا من حالة الحلم إلى الواقع، فلا زال الوطن يختنق بالحواجز ينتظر الحرية.

 

وقال جميل السلحوت

سقوف الرّغبة وعودة الشيخ إلى صباه

والأديب محمود شقير أديب كبير غنيّ عن التّعريف، كتب القصّة القصيرة والأقصوصة، قصصا وروايات للأطفال ولليافعين، المسرحية، الرّواية، أدب الرّحلات، مسلسلات تلفزيونيّة وغيرها، وصدرت له عشرات الكتب في صنوف الأدب.

والأديب شقير كاتب متجدّد، ففي كلّ جديد له يدهشنا من جديد، وهذا ما يشاهده القارئ في مجموعة قصصه القصيرة جدّا الجديدة "سقوف الرّغبة"، التي أسرتني بلغتها الشّعريّة، ومضامين بنائها القصصيّ، وهذا ليس غريبا عن أديبنا الذي يعتبر من أشهر كتّاب القصّة العربيّة.

أثناء قراءتي للمجموعة تذكّرت مقولة لأحد الفلاسفة يقول فيها :"يبقى الانسان شابّا ما دام يشعر بذلك، ويشيخ عندما يريد ذلك"، وأديبنا المتميّز شابّ في هذه المجموعة، يكتب عن الحبّ والغزل العذريّ، بل هو قيس يتغزّل بليلى، وليلى هي الأنثى التي يتردّد اسمها في غالبيّة القصص، مع التّأكيد أنّ الكاتب في كتاباته لا يكتب عن ذاته، ويبدو أنّ الكاتب حاول الهروب من الفهم الخاطئ في سحب الشّخصيّات التي يكتب عنها إلى ذات الكاتب، فجاءت القصص على أنّها أحلام ليس أكثر، لكنّها في الأحوال كلّها تبقى درسا في الغزل العذريّ، وما يدور في أذهان العاشقين، تبدأ من النّظرة إلى الابتسامة ومن ثمّ إلى العناق والوصال. وهذا الغزل العذريّ لا اسفاف فيه، لكنّه حالة انسانيّة راقية في فهم العلاقة بين الرّجل والمرأة.

واللافت أنّ الكاتب يتلاعب بجماليات اللغة؛ ليكتب لنا أقاصيص تسرق الألباب. وأديبنا الذي طرح علاقة الرّجل بالمرأة في هذه المجموعة القصصيّة، لم يتخلّ عن حبيبته الأغلى والأعزّ وهي القدس الشّريف فقد افتتح مجموعته القصصيّة باهدائها :" إلى المدينة التي زرعت في قلبي الدّهشة، إلى القدس"ص3.

وكان للقدس نصيب في هذه الأقاصيص، فقد تجوّل فيها ليلى وقيس مرّات تليق بعشّاق المدينة.

في سقوف الرّغبة لا يعكّر صفو العاشقين"قيس وليلى" إلا جنود الاحتلال الذين لا يحترمون خصوصيّات وحرمات النّاس.

 وإذا ما روى لنا التّاريخ أنّ قيس بن الملوّح جُنّ بحبّ ليلى، إلا أنّ قيس وليلى اللذين ابتدعهما الأديب شقير عاقلان يعرفان ويعلمان ما يريدان، ويظهر أنّهما مدرسة في الحبّ، ومحمود شقير المبدع يجعل من أبسط الأشياء قصّة لافتة مدهشة، وفي قصصه سلاسة وبساطة تحمل في ثناياها خيالا ابداعيّا لا يقوى عليه كثيرون، وللدّلالة على ذلك لاحظوا معي هذه الأقصوصة التي تحمل عنوان "سطح":

 " قال لها هنا على سطح الدّار، تحت سماء تسطع فيها النّجوم ويتجلّى القمر بنوره الوهّاج.

قالت: دعنا ننتظر، لعلّ الغيوم تغطّي السّماء." ص89.                                                                                                                    

ولقد استغلّ الكاتب الضّدّيّة المعروفة في القصّ الوجيز بطريقة مذهلة، لاحظوا معي الومضة المعنونة بـ "دروب":

"قالت: خذ كلامك الجميل وقبضة من تراب ولا تخش السّفر.

سافر في دروب قلبها، وهناك، هناك استقرّ."   

ولم ينسَ الكاتب التّحذير من عادات ومعتقدات التّخلّف، ففي قصّة "خداع" ص 109، تذهب "نوّارة" بنت الثلاثين التي لم يأتها خطّاب صحبة والدتها؛ لتجد حلّا لمشكلتها عند "فتّاح" ، وهناك يفضّ بكارتها بصمت، وأمّها تنتظر في الغرفة المجاورة، وعندما جاءها عريس، عادت  إليه أمّها، تطلب حلّا، فقال:" أنا أفكّ الألغاز. جاء إلى بيت الأهل وقال لهم وللعريس:البنت ركبها جنّيّ واستقرّ في جسدها ولا بدّ من اخراجه. قالوا له: أخرجه.

وهناك بدأ يطرح عليهم مكانا يخرج الجنّ منه مثل العين، الأذن، الحلق الأنف. وفي النّهاية :"قال في حزم ومن دون ارتباك، أخرجه من الموضع الذي لن يبقى على حاله في ليلة الزّفاف.

قالوا: ليخرج الجنّيّ من هناك.

أخرجه وسال دم، كان يخبّئه في زجاجة صغيرة، لم يرها أحد غيره" ص110و 111.

تساؤل: أثناء قراءتي للمجموعة القصصيّة، شعرت وكأنّني أقرأ رواية متسلسلة تحمل أقاصيص عن الحبّ والحياة والقدس. فهل قصد الكاتب ذلك، خصوصا وقد سبق له أن أصدر أقاصيص يمكن قراءتها كرواية، ومنها"القدس وحدها هناك"؟ أم أنّها جاءت عفو الخاطر من أديب متمرّس؟

وفي الأحوال كلّها فإنّنا أمام أديب رائع يكتب أدبا مدهشا.

وكتب ابراهيم جوهر:

محمود شقير في "سقوف الرغبة": يحلم وينتظر ويلحّ

في قصصه القصيرة التي حملت عنوانا شاملا هو "سقوف الرّغبة" يواصل الأديب المجدّد "محمود شقير" مشروعه في تطوير أسلوب القصّ بشخصياته ولغته وبيئته المكانية التي صارت هنا في الحلم بعيدا عن الواقع وإن كانت تنطلق منه لتعود إليه. والقارئ الفطن سينتبه لموضوعة "الحلم" التي قادت شخصياتها لتقول وتبوح وتتحاور.

لقد كتب الأديب "محمود شقير" قصصه في هذه المجموعة بمستويات قرائية ثلاثة:

المستوى القريب للّغة، يليه المستوى البعيد ثم الأبعد دافعا قارئه للتحليل والوقوف عند المعاني المتوارية تلك التي لا تطلّ برأسها لتسلمه نفسها من الوقوف عند قشرة الكلمة والعبارة.

"ليلى" و "قيس" أخذا الحظ الأوفر من قصص المجموعة، ثم الببغاء والكهل الوحيد.

وبرزت "ليلى" و"قيس" في علاقة غريبة محيّرة فلا الحلم حقيقة ولا الزواج قائم فعلا ولا الحياة مستقرّة منتظمة الإيقاع بل التوتّر والقلق والرهبة من الطريق والجنود والتوقيف يمنع تلك العلاقة المعوّض عنها بالحلم.

تظهر الأحلام بطلا في قصص شقير وهي تزور شخصيتيه الرئيستين: ليلى وقيس.

والحلم عند الكاتب هو حلم يعبّر عن رغبة بحياة واستقرار وامتداد، لأن الواقع يمنع ذاك الانسجام المرغوب فيه.

وقد جاءت لغة الكاتب شعرية الإيقاع تشير إلى حالة الشوق والرّغبة والحياة.

في "سقوف الرّغبة" يقدّم "محمود شقير" قصصا تأخذ من الشّعر روحه وإيحاءاته، ومن القدس – الوطن ميدانا ينتظر اكتمال الحلم وتحقّقه، فـ"ليلى" هي القدس، و"قيس" هو ابنها أو عشيقها. وما هذا الانتظار الملحاح وذاك الحلم دائم الحضور سوى دليل على مواصلة التّمسّك بالحلم الباقي في الحرية والحياة.

وقال عبدالله دعيس:

سقوف الرغبة والأحلام الورديّة

يستعير الكاتب محمود شقير شخصيتي قيس وليلى، اللذين عاشا قصّة حرمان وظلم اجتماعيّ، من التراث العربيّ، ويجعلهما الشخصيّتين الرئيسيتين في معظم أقاصيصه، ويلّقي بهما في عالم الأحلام، حيث لا قيود، ويقودهما في دروب شتّى، يحطما القيود التي لا تفتأ تظهر في طريقهما، لكن لا يلبث الحلم أن يتبدّد سريعا، ليتلفتا إلى الواقع ثمّ يهربا إلى حلم جديد.

"سقوف الرغبة" مجموعة قصصيّة مترابطة، ترسم طريق الإنسان الذي تقيّده أغلال العدو وتحيطه قيود الجهل؛ فينطلق في حلم كاسح يتلوه حلم، حيث لا حدود ولا قيود، ليعيش أدوارا لم يستطع أن يقوم بها في واقعه، وليخترق سقوف الرغبة العارمة، في حياة لا تحدها قيود.

يبني الكاتب من كلماته البسيطة ومضات سريعة، وصورا رائعة مدهشة، تشخّص واقعا، وتحكي عن ماضٍ، وتستشرف مستقبلا ليس في الضرورة مضيئا مشرقا، وإن كانت خيوط الأمل لا تفارقه، ترسم له صورة جميلة إن لم تكن في عالم الواقع فلِمَ لا تكون في الأحلام!

والكاتب يبني قصصه من شخصيّات واقعيّة، وعالم واقعيّ، فهو يذكر أحيانا أماكن معلومة، مثل القدس أو باب العمود، وأحيانا أماكن خياليّة لها معالم واقعيّة، لكنّ هذه الأماكن لها إيحاءات ودلالات رمزيّة، وكذلك هم الشخوص.

ورغم إيجاز القصص وتركيزها، إلا أنها لا تخلو من وصف موجز للمكان، وحوار بين الشخصيّات المغرقة في الرمزيّة. وتتكرّر الرموز في قصة تلو قصّة، حتى تصبح تحكي عن نفسها، وتحلّق بالقارئ في عالم متشعّب، وصور جميلة، ينسجها الكاتب باستخدام حيلة فنيّة لطيفة، ألا وهي أن الشخصيات تحلم، فيستطيع بذلك أن يتخطّى حواجز الأمكنة والأزمنة، ويراوح بين المعقول واللامعقول؛ ليعكس واقعا نراه ونظنّه معقولا، لكن إذا أمعنا فيه وجدناه خارج نطاق المعقول والمقبول، ومستقبلا لا نريد أن يكون بقتامة الواقع، فنحلق فيه بحلم قد لا يتحقّق أبدا، لكن لا بدّ من هذا الحلم، حتّى نستطيع تخطّي ظلمة الحاضر.

وفي الكتاب رموز كثيرة جدّا، قد لا يستطيع القارئ الوصول إلى ما يرمي الكاتب إليه، إلا بعد أن يكرّر القراءة مرّة بعد مرّة، ويرى هذه الرموز تظهر في طريقه مرّة تلو أخرى. فالجنود دائما حاضرون، يقطعون طريق قيس وليلى حتّى في أجمل أحلامهم، وكذلك طائراتهم تخترق السماء، وتمنعهما من التحليق عاليا منطلقَيْن متحرّرَيْن من قيودهم. والجنود رمز للشرّ ورمز للاحتلال الذي يحاصر أحلام أبناء الوطن. والسهل الفسيح يرمز للانطلاق والحرّية، ويقابله الوادي السحيق الذي يشير إلى الأغلال والقيود، وقمّة الجبل ترمز إلى المرتقى الصعب الذي لا بدّ من الوصول إليه. والرصيف هو الطريق الطويل الممهّد الذي قد يقود إلى الحريّة.

والطفل رمز لبعث جديد ومستقبل مجهول وتجرّد من أثقال الدنيا. لذلك فإنّا نرى الطفل يظهر فجأة ويختفي فجأة، ويختلف قيس وليلى على وجوده، فهو يبدو في الحلم ثمّ يتلاشى، وكأنّ المستقبل الذي يتحدّث عنه الكاتب ليس واضحا ولا مضمونا، تعتريه الشكوك، لكن لا يمكن الاستغناء عن السعي إليه، وإرضاعه من ثديّ الأمّ الذي يرمز للعطاء، حتّى يكبر وينتعش ويخرج من براثن العتمة.

تتكرّر صورة الببغاء في كثير من القصص؛ لترمز للثرثار الذي يحسن الكلام لكنّه لا يحسن الفعل. والممرّضة، على خلاف ما عُهد عنها كملاك للرحمة، فإنّها في قصص محمود شقير ليست إيجابية، ويبدو أنها ترمز للعين التي ترقب النّاس وتقف في درب أحلامهم. أما العنزة الرعناء فهي مثال للإنسان الجاهل محدود الحلم والوعي. وجسد المرأة وشعرها الأسود الطويل يرمز للجمال، والعريّ يرمز للحريّة والانطلاق. أما الكهل النحيل فهو الإنسان العادي البسيط الذي يكدح للقمة العيش رغم القهر والظلم، ولا يلتفت إليه أحد ولا يعبأ أحد بحلمه، ثمّ يموت في نهاية المطاف تاركا مذكرات لا أحد يهتمّ بمجرّد قراءتها، وكأنّ هذا الإنسان الذي لم يصل طموحة حدّ الانطلاق نحو الحريّة، لا يعني شقاؤه في الحياة شيئا ما لم يتخلَّ عن سلبيّته، ويسعى بقوّة نحو مستقبل واعد، وإلا سيكون مصيره الغياب في طيّات النسيان. وأخيرا فإنّ المطر يرمز دوما إلى الخيّر، يجمع المحبين، ويهطل لذكرى الشهيد، ويغسل القدس من أدران العدو لتبدو بهيّة جميلة.

ويلخّص الكاتب أحلام قيس وليلى وسعيهم للحريّة في (لحظة فرح) لا تطول:

"تعبنا ونحن نحصي مآسينا

وحين ظفرنا بلحظة فرح

ذهلنا، ثمّ أفرطنا في البكاء"  ص 137

ويتخلّى الكاتب عن الأحلام لتكون قصتة الأخيرة (حاجز) حقيقة وليس حلما، حيث ينتظر قيس وليلى خلف حاجز لجنود الاحتلال طويلا، لكنّ حركة الحياة خلف الحاجز تستمر، أما "الجنود الغرباء، فقد بدوا متعبين خلف الحاجز، كما لو أننا نحن الذين نحتجزهم هناك." 160ص

وكتبت نزهة الرملاوي:

رغبات كثيرة قدمها لنا الكاتب على أطباق طائرة، ما كادت تحلق بنا حتى ترتطم بسقوف تحدّ من طيرانها، وتحدّ من تحقيق أحلامها.

ترى ما المعاني المقصودة التي أراد الكاتب طرحها للقارئ في أقصوصاته؟

وما الأهداف الكامنة التي ستحققها تلك الأقصوصات؟

تميزت أقصوصات الكاتب ببساطة الكلمات وجمال السرد، ولكنها كانت من ذوات السهل الممتنع، فلم يكن من السهل الوصول إلى مراد الكاتب، ففي كثير من قصصه القصيرة جدا، يوحي لنا بأن ما يرويه عبارة عن أحلام تراوده بين الحين والآخر مع الحبيبة، ومن شدة عشقه وتمسكه بها أطلق على نفسه اسم قيس، كذلك سمى حبيبته ليلى، تيمنا بعاشقين من بني يعرب، فما الذي قصده الكاتب هنا عندما انتحل في معظم أقصوصاته شخصية قيس المتيّم بحب ليلى، وراح يرسم لنا وجهها وانسدال شعرها وطيران فستانها وعطرها وصدرها وقوامها، فهل كان ذلك اعجابا شديدا بالعاشقين ؟ أم حزنا على توقف رغباتهما فأحسّ حاله من حالهما حينما ارتطمت رغباته بسقوف أوقعتها، فبانت عسيرة المنال والتحقيق؟ من الملاحظ أن الكاتب استخدم أسلوب الوصف بشكل لافت، وخاصّة وصف النساء وما تحمّلنه من مفاتن وحركات ولباس ورقص وغير ذلك، وأعطى لذلك مساحة واسعة على حساب حدث مهم، كما في (شرفة) و (رغبات) و(تلك الثياب) ( حنين إلى الماء ) وغيرها من الأقصوصات.

استخدم الكاتب الرمزية في قصصه، فقد رمزت إلى البساطة والحرية والانطلاق والثرثرة والمراقبة، أضف إلى ذلك أنها كانت تعبر عن أحلام تصطدم بواقع مؤلم ظهر في حواجز الإحتلال وسيارات الجنود، والوادي السحيق، والشوق لبحر يافا، وحلمه بلقاء الحبيبة وشعوره أنه بجانبها في المطعم والسرير وفي سهل فسيح، حتى أن حلمه كان يشبه حلمها، وما أن يستيقظا حتى يصطدما بواقع مرير.

توافق عنوان الكتاب مع مضمون القصص، فالكاتب أوحى للقارئ عن كثير من الرغبات، تناولها من عدة جوانب، كالرغبة في الحرية كما في أقصوصة (طيران)، والرغبة في اللقاء كما في ( حين نزل المطر)، والرغبة الجنسية كما في أقصوصة (خداع) والرغبة في التملك كما في "خيال."

أكثر من العواطف والشعور، كالشعور بالغيرة (عطر) وعاطفة الحزن (ممرضة) وعاطفة الشوق والحب كما في (ربيع) و "مريول"

في أقصوصة ( ركض ) تناول الكاتب جانبا من الزمن الماضي، كالعشيرة والشيوخ المتلفعين بالعباءات، وراح يذكرنا بأن الزمن أصبح غير الزمن فهم لا يهتمون بعشيرتهم كالسابق، والفتى يواصل الركض حتى يصل شجرة قريبة من فتيات يحملن كتبا ولا يقرأن ما فيها، انتابتهن رغبة بالبقاء جانب الفتى الذي رغب في الجلوس عند الشجرة وهو متعب، وفاجأنا الكاتب أن رغبة الفتى الجامحة أسقطها سقف يأس ما يحمله.

من الملاحظ أن الأقصوصات لم تكثر من الأسماء والشخوص، فبالإضافة إلى قيس وليلى رسم لنا شخصية الممرضة في عدة أحداث، كذلك كان لشخصية الفتى والأطفال أدوار مهمة في سرد الأحداث، أثرى الكاتب أقصوصاته بالمناظر الطبيعية، واستخدم الحيوانات الحصان والببغاء في رسم الأحداث، وأكثر من أقصوصات حول الكهولة كما في أقصوصة (كهل) و (عتبة) و (وصية) و(قطة)، ولا أدري إن كان لعمر الكاتب أثر في إنارة هذا الجانب المهم من الفئات المجتمعية التي تواجه تغييرا في الحياة وتحقيق الرغبات.

ذكر الكاتب بعض الأماكن ولم يكثر منها، كباب العامود، والقدس كما في ( مطر خجول) وسوق الحدادين وبحر يافا، والسفوح والأودية والنبع والمطعم، ولا غرابة في ذلك ما دام الكاتب يروي لنا ما حلم وما سيحلم في حلمه.

أكثر الكاتب من أسلوب الحوار في أقصوصاته بل كانت في معظمها قائمة على الحوار الهادئ البسيط، والعبارات الواضحة، وقد سردت بسلاسة وعذوبة بالرغم من صغرها.

أكثر ما يشدّ القارئ في سقوف الرغبة، تلك النهايات التي شهدت مفارقات كبيرة ما بينها وبين الحدث أو الحوار، فنجد الكاتب قد أدار عقارب الساعة وفاجأنا بعمل ما أو قول ما أو حدث آخر، فنقف حيارى متسائلين، لماذا أوقفنا الكاتب في منتصف الطريق، وأخذنا إلى طريق آخر مع أن الطريق ممهدة وواضحة المعالم؟ لماذا شككنا بقدراتنا على التحليل والغايات من وراء الأحداث أو القصة؟ هل ذلك هو النمط الخاص من القصة القصيرة جدا التي قام الاستاذ محمود شقير باستحداثها، واستخلاص جمالياتها، ووعيه بخصائص هذا النوع من الكتابة؟

أم تعمّد أن تصطدم رغباتنا أثناء القراءة، كما اصطدمت رغبات قيس وليلى بالحواجز والجنود؟

وكتبت رفيق عثمان:

نشر الأديب محمد شقير كتابه، الذي احتوى على ما يقارب متية وثلاثين قصة، ما بين القصة القصيرة والاقصوصة.

اختار الكاتب عنوان كنابه، سقوف الرغبة، لا شك بأن هذا العنوان لافت للانتباه، حيث للوهلة الاولى يفسر القاريء بأن تحقيق الرغبة يصطدم بالسقف، وهذا هو الخلاص الأخير.

أبدع أديبنا شقير في تصوير التركيب الفني للقصة القصيرة جدا، واتقان عناصرها، والتي من خلالها، يوصل الرسالة، للقاريء بتلميحات وإيحاءات، بأسلوب رمزي.

في صدد قصص كتاب سقوف الرغبة، نجح كاتبنا في خط الإيحاءات الإباحية، والتي غالبية القصص فيها تتطرق لهذا المضمون، مما يتعارض مع تقاليد وعادات مجتمعنا العربية، على خلاف ما توقعت من هذا الكتاب، بأن تكون القصص أكثر واقعية، وذات اتجاه آخر عير ذلك، وتناول المواضيع الملحة في مجتمعنا العربي، والفلسطيني على الأخص، ونحن بأمس الحاجة؛ لتناوله في وضعنا الراهن.

معظم القصص كانت ذات إيحاء، وفسح المجال للخيال الجامح والإباحي للقاريء، كل هذا متاح، وتزخر به الوسائل الألكترونية، للترويج.

نماذج مختلفة للقصص القصيرة: كما ورد في قصة: طقس، طفل،غابة من النساء، الممرضة، ما النبع، رغبات، بلل، طراد، سطح، بائع الحليب، احباب، خيول، خداع، ....

استخدم الكاتب اُسلوب قضية الأحلام كذريعة؛ للتعبير عن الرغبة الخاصة والجامحة، بشكل رمزي، لإيصال الرسالة، وتكررت الأحلام في معظم القصص، والتي كانت مأوى للرغبة، وراسخة بها، لم تصل حيّز التحقيق.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: د.عز الدين أبو ميزر، ميساء الخطيب، ماجد أبو غوش، رشا السرميطي، هدى عثمان ، نسب أديب حسين، سوسن عابدين الحشيم وليان العباسي.

وسوم: العدد 711