ليلى الأطرش ونساء على المفارق

clip_image001_58a73.jpg

صدر كتاب "نساء على المفارق" للأديبة ليلى الأطرش عام عام 2009 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ويقع الكتاب الذي صمم غلافه فلاديمير كوش في 192 صفحة من الحجم المتوسط.

وليلى الأطرش أديبة فلسطينية ولدت في مدينة بيت ساحور، وتقيم في الأردن، وهي تكتب الرّواية والقصّة القصيرة، وترجمت أعمالها لبضعة لغات.

وكتابها "نساء على المفارق" يمكن ادراجه ضمن "أدب الرّحلات" ويمكن اعتباره مذكّرات للكاتبة أو للمدن التي زارتها.

في هذا الكتاب وصفت الأديبة مدنا زارتها وعرفتها، وقد أبدعت في وصف مدينة بيت لحم في النّصّ الأخير، وبعض حاراتها، وصفت كنيسة المهد، ودير مار الياس، وطرحت مفاصل هامّة من تاريخ المدينة، وصفت وأجادت الوصف، ولا غرابة في ذلك، فبيت لحم مدينتها ومرتع صباها.

ويلاحظ القارئ لهذا الكتاب أنّ وصف المدن جاء تمهيدا لحوادث تتعلّق بشؤون النّساء، وما يتعرّضن له من مصائب وكوارث في أماكن متعدّدة، فجميع النّساء اللواتي تمّ الحديث عنهنّ ضحايا لثقافة الشّعوب الذّكوريّة، ممّا يجعل المرأة ضحيّة بشكل دائم. وسأتطرّق بهذه العجالة إلى النّصّين الأوّل والأخير في الكتاب بشيء من التّفصيل.

في النّصّ الأوّل من كتابها "الماسة السّوداء" تتحدّث عن مدينة "بتسبرغ الأمريكيّة" التي زارتها في العام 2008 للمشاركة في مؤتمر أدبيّ عن "الخوف في الأدب". وهنا تشرع بالحديث عن اختلاف الثّقافات، ومفهوم الحرّية أو كبتها، وتنتقد قمع الحرّيّات في بلداننا العربيّة فتقول" أمّا أنا فعشت في بلاد الرّقابة، الدّين والسّياسة والمجتمع والعمل، فكيف أدّعي أنني لم أجرّب الخوف؟"ص29. وتحدّثت عمّا يتعرّض له الكاتب العربيّ من خوف وتخويف ممّا يمنعه حتّى من التّعبير عن فكره كتابة.

وحديثها هذا يدفع الفتاة مريم من الكاميرون التي تدرس في جامعة "شاتام الأمريكيّة" للاقتراب من الكاتبة لأنّها هي الأخرى تعيش حالة خوف، وخوفها ليس من حرّيّة التعبير، وإنّما من قضيّة أخرى هي الخوف من فقدان غشاء البكارة، التي يحاسب مجتمعها في الكاميرون عليها، فمريم مسلمة، "والمسلمون يشكّلون 65% من مواطني الكاميرون، في حين تبلغ نسبة المسيحيّين 25% والباقي ديانات أخرى" ص27. ومريم تعيش خوفها دينيّا ومجتمعيّا، ووالدها المحامي الثّريّ يخاف على ابنته أن تقع "بالخطيئة" في غربتها. "ومريم دائمة الخوف من فقدان صديقة طفولتها وزميلة صباها، من أهل الفتاة لو علموا، ومن عذاب الله وحسابه لأنّه وحده يعلم."ص30. و"صديقة وزميلة مريم  كاميرونيّة مسيحيّة من أصل لبنانيّ"ص31.

لكنّ صديقة مريم تقع بالخطيئة "فقدت عذريّتها في عاطفة وشوق في حضن من تحبّ"ص31، وحبّها هذا "مرفوض من الأهل وبائس، تخشاه عائلة الشّاب، وتحذّر وحيدها من هوى مدمّر، فأهل الفتاة عرب مسيحيّون متعصّبون، وهم يهود متعصّبون." ص31. وحتّى "ترقيع البكارة خلقت شكّا وخوفا غير مبرّر عند بعض الشّباب العربيّ"ص32.

وفقدان العذريّة في المجتمعات العربيّة والاسلاميّة عواقبه وخيمة، "أشرح للشّابّات أهمية العذرية في ثقافة المجتمعات العربيّة والاسلاميّة، فالتّفريط بها قد يقود إلى جريمة شرف"ص34.

ومريم التي تخاف من ضعف مقاومتها أمام "التمايز عن المجموع والسائد في الفكر الاجتماعيّ، خاصّة حين يضحي الاختلاف في نظر الآخر تخلّفا ونقيصة."ص35.

تقف حائرة أمام ما يقوله والدها ودعاة الفضائيّات وخطباء المساجد وهي "أن المرأة أساس الخطيئة" ص35. والعذريّة بين مسلمي الكاميرون تنتهي ليلة الزّفاف، ويحتفى بها بدقّ الطبول دلالة على "لبكارة".

وعدم انخراط المهاجرين العرب والمسلمين في المجتمعات الغربية، التي يهاجرون إليها أو يدرسون في جامعاتها، وضعهم في حالة ضياع وتمزق بين القيم التي تربوا ونشأوا عليها، وبين قيم المجتمعات الجديدة التي يعيشون فيها، "هذا التّمزّق بين الآباء والأبناء أدّى إلى 165 جريمة شرف بين مسلمي باكستان وبنغلاديش تحديدا في عام 2006."ص38.

ويلاحظ أنّ الكاتبة في هذا النّص قد أشركت أتباع الدّيانات السّماويّة الثّلاثة"الاسلام، المسيحيّة واليهوديّة" فالتّفريط بالعذرية عند العرب والمسلمين قد تكون نهايته "جريمة شرف" ضحيّتها المرأة، والمسيحيّة العربيّة أيضا تخاف على عذريتها وتخاف العواقب، لذا فقد رقعت بكارتها، وصديقها اليهوديّ لقي معارضة كبيرة من أهله.

وفي النّصّ الأخير في الكتاب"قتيلة شرف...لا اسم ولا عنوان" تطرح الكاتبة قضيّة "جريمة شرف"حصلت في بيت لحم في ربيع عام 1967، حيث قتلت فتاة "مسيحيّة" لأنّها تركت بيتها وزوجها وأطفالها وهربت إلى عمّان؛ لتنجو من زوج أذاقها صنوف العذاب والحرمان، ولتعود إلى بيت والدها، ليتمّ طلاقها، وبعد ثلاث سنوات تقتل على يدي شقيقها الطفل-14- عاما بتحريض من والديه، ولتلقى عمليّة القتل تعاطفا من المجتمع، وكأنّي بالكاتبة تقول بين السّطور بأنّ المجتمع بثقافته شريك بهكذا جرائم.

في هذا النّصّ نشاهد وصفا تاريخيّا وواقعيّا لكنيسة المهد وساحاتها، ولمسجد عمر الذي يقابلها، ولمدينتي بيت ساحور وبيت جالا، ولدير مار الياس"الخضر" وموسمه الاحتفالي الذي يصادف الأول من أيّار كلّ عام، وما نسجه الخيال الشّعبيّ من كرامات لهذا القدّيس.

الأسلوب: معروف أنّ الأديبة ليلى الأطرش قاصّة وروائيّة، وفي كتابها هذا نشاهد السّرد القصصيّ والرّوائيّ بشكل واضح، لا ينقصه التّشويق، وتثريه اللغة الانسيابيّة الفصيحة.

وسوم: العدد 711