علم العروض والقوافي
لابدَ لي من إيجاز علم القوافي قبل الدخول في معمعته الجميلة :هو العلم الذي يعرف به كيفية تشكيل حروف خواتم الأبيات من حيث آخر ساكنين والمتحركات التي بينها،والمتحرك السابق للساكن الأول،وتبيان أحوالها من لزوم وجواز وفصيح وقبيح وغيرها. ويعرفه ( السكيرجي ) في ( مسامرته ) : علم القوافي , من علوم اللغة العربية ،وهو من تتمة علم العروض،يبحث عن تناسب و عيوب أواخر الأبيات الشعرية ,ومعنى القافية في نظر محققي هذا الفن ,التابعة لما قبلها (18) , الشاعر الملهم العبقري المرهف الحس ، لا يحتاج إليه ، ولا لعروضه ،لأنه أكبر منهما ، وأساساً وجد الشعر قبل وضع هذين العلميَن وغيرهما ، ولكنه يفيد النقاد، والشعراء عند الابتداء ، أوعند الالتباس والسهو أحياناً لدى الشعراء الكبار ، فاللحظات الإنسانية متباينة على كلّ حال ، ولله الكمال ! .
ثم الأذن المرهفة ليست على حد سواء عند جميع الشعراء , لذلك يرغب أن يعرف هؤلاء , أومتذوقو الشعر , حسن الشعر وجودته أو عيوبه , وكيفية نظمه , وصحة سلامته وأحكامه , هنالك إشارات غير دقيقة ترجع واضع (علم القوافي ) للمهلهل بن ربيعة الذي هلهل الشعر أي أرقه , أو سلسل بناءه (19) , إذ يذكر الدمنهوري " وواضعه مهلهل بن ربيعة خال امرىء القيس " (20) , بل يذهب بعضهم أنه أول من قصد القصيد لقول الفرزدق " ومهلهلُ الشعراءِ ذاك الأول " (21) ولكن الدكتور حسين نصار يؤكد أن مؤسسه الخليل بن أحمد ,بناء على إشارات قوية (22), ويذهب معه أغلب القدماء والمعاصرين.
لنأتي أولاً على ألقاب القافية وحدودها , أي نبين موقع الحرفين الساكنين بالنسبة للحروف المتحركة وعددها , وبهذا سنخالف ماورد في معظم كتب علم القوافي , والسبب أرغب بالدخول من الأشمل للأخص , أي من الخارج إلى الداخل وبتوسع , وأنت الأعرف أنّّّّ دراسة العام أسهل من دراسة الأختصاص , وهومقدمة له للفهم !! :
1 - المترادف (23) : اجتماع ساكنين متتاليين آخر البيت , , أحدهما يردف الآخر , يسبقهما حرف متحرك ( /ه ه), وهذا مقطع زائد الطول (^) , ويسميه القرطاجني ( السبب المتتالي) , وبالعروض الرقمي يعطى " 2 1" أو " 2 ه " , وهذا يحدث في القافية ( المقيدة ) التي رويها ساكن , كـقول ابن النـّبيه :
النـّاس للموت كخيل الطـّرادْ ***فالسّابق السّابق منها الجوادْ
هذا مطلع قصيدة , والقافية جزء من كلمة في صدره (رّادْ) , وفي العجز (وَادْ) , أرجو منك يا قارئي الكريم أن تدقق في القافية (وَادْ) ,تتضمن حرفي علـّـة , الواو المحركة بالفتح , والألف الساكن وما قبله حركة( فتح) من جنسه , ولا يجوز أن يُحرّك الحرف ما قبل الألف إلا بالفتح , فلكون حرف الألف ساكناً , وما قبله حركة من جنسه , فهو حرف مد دائما (سنذكر فيما بعد متى تكون حروف العلة حروف مدٍّ , أو لين , أو تبقى على حالها علة فقط ),ومثل هذه الواو المتحركة (حرف العلة فقط) , أعطيك هذا البيت الثاني للشابي , وأول قافيته ياء مفتوحة , وهي حرف علة , لا مدٌّ ولا لين , والأف بعدها حرف مدٍ , والقافية (يَاة ْ ْ) :
آلا أيّها الظالمُ المستبدُ *** حبيبُ الظلام ِعدوُ الحيَاة ْ
2- المتواتر : هو أن يقع متحرك واحد بين ساكني القافية ,إضافة إلى المتحرك ما قبل الساكن الأول (/ه /ه) , فكما ترى سببين خفيفين متتاليين , أي تتكون القافية من مقطعين طويلين (- -) , وبالعروض الرقمي " 2 2 ", مثال قول جميل بن معمر(24) :
ألا يا صبا نجدٍ متى هجتَ من ْ نَجْدِ
القافية كلمة واحده , أكتبها عروضياً بإشباع الكسرة الى ياء (نَجْدي)
ولكاتب هذه السطور من قصيدة (الوافر) :
إذا ما ضلَّ شعركَ بعد رشدٍ ****فصبراً أيّها العربيُّ صَبـْرا
فأنتَ رفيعُ ذوق ٍ منْ قديم ٍ*** لقد أورثتهُ عصراً فعَصْرا(25)
البيت الأول القافية لفظها متواتر من كلمة واحدة (صَبـْرا /ه/ه) , والبيت الثاني (عًًَصْرا /ه/ه) , وهي جزء من كلمة بالمعنى العرفي , تذكر أن القافية تبدأ من الحرف المتحرك الذي يسبق آخر ساكنين من البيت.
3 - المتدارك : وهو لفظ القافية الني يتوالى فيها حرفان متحركان بين آخر ساكنين , مع الحرف المتحرك الذي يسبق الساكن الأول (/ه //ه ) , كما ترى تتكون من سبب خفيف يليه وتد مجموع , بالعروض الرقمي " 2 3 " , وبالنظام المقطعي ( - ب - ) , وسمي بالمتدارك , لأنّ التدارك دون التراكب , فالخيل وغيرها إذا جاءت متداركة , أحسن من أنْ يركب بعضها بعضاً (26) , ومثاله :
مِحنُ الفتى يُخبرنَ عن فضل ِالفتى***والنّارُ مخبرة ٌبفضل ِالعنبر ِ
يخطأ صاحب ( ميزان الذهب ) أن يجعل القافية " بَر ِ" (25) , والصحيح (عَنـْبَر ِ) , وبالكتابة العروضية (عَنـْبَرِي بإشباع الكسرة (/ه //ه) , والقافية جزء من كلمة , لأن ألف ولام التعريف تصبح جزءاً من الكلمة , وإليك مثال آخر , القافية فيه كلمة مستقلة , صدر مطلع معلقة امرىء القيس :
قفا نبكِ منْ ذكرى حبيبٍ ومَنـْز ِل ِ***بسقطِ اللوى بينّ الدخول ِ فحَوْمَل ِ
قافية الصدر ( َمنـْزِلِي ) بعد إشباع الكسر (/ه//ه) , أمّا قافية العجز (حَوْمَلِ ِ), , وهنا نذكر نقطتين , الأولى القافية جزء من كلمة أيضاً, كتابتها عروضياً (حَوْمَلِي /ه//ه) , بالرغم من أنّ الفاء ليس من أصل الكلمة , لأنها حرف عطف (28) , فالمراد بالكلمة العرفية لا النحوية و اللغوية , والثانية حرف الواو في (حَوْمَل ِ) , هو حرف لين , وليس حرف مد , لأنها ساكنة , وما قبلها حركة من غير جنسها (29) (أنظر الهامش رجاءً )
4 - المتراكب : لفظ لقافية تتركب من ثلاثة متحركات بين ساكنين إضافة الى المتحرك قبل الساكن الأول , فتصبح القافية (/ه ///ه ) , سبب خفيف تليه فاصلة صغرى , بالنظام المقطعي ( - ب ب - ) , بالعروض الرقمي " 2 4 " , " وإنـّما سمي متراكباً لأنّ الحركاتِ توالتْ فركب بعضُها بعضاً " (30) مثاله قول زهير ابن أبي سلمى: :قفْ بالّديار التي لم يعفها القِدمُ بلى وغيّرها الأرواحُ والدّيمُ (31)
دقق عزيزي القارىء الكريم أنّ قافية الصدر بالكتابة العروضية ( هَلْ قِدَمُو /ه ///ه ) , كتبنا اللام الساكنة لأنّ القاف من الحروف القمرية , بينما قافية العجز تكتب عروضياً ( وَدْ دِيَمُو /ه ///ه) الدال شُدّدت فلامها لا تلفظ , لأنها من الحروف الشمسية , القافية أكثر من كلمة في الشطرين ,ولاحظ أيضاً الياء محركة بالفتحة , فهي حرف علـّة فقط , فلا هي بحرف مدٍّ , ولا لين ,, والسبب عدم سكونها !
ولي من قصيدة من ( مجزوء الوافر) :
فمنْ أعذارهُ سببٌ فهلْ لشهامةٍ سَبَبُ ؟! (32)
القافية وكتابتهاعروضياً (تِنْ سَبَبُو /ه ///ه) ,فهي أكثر من كلمة .
ومن القافية المتراكبة قول الشاعر :
لا تعادِ الناسَ في أوطانهمْ ***قلـّما يُرعى غريبُ الوطن ِ
وإذا ما شئتّ عيشاً بينهمْ*** خالق ِالنّاسَ بخلق ٍ حسن ِ
أترك إليك معرفة قافية البيتين , على أن تعتبر حرف الواو في قافية البيت الأول حرفاً قمريا , والتنوين في قافية البيت الثاني تكتبها نوناً ساكنة , وأن تشبع حركة حرفي الروي في البيتين , وكان الله في عونك !!
5- المتكاوس : جعلت هذا المنكاوس في الأخير , وقلبت ترتيب ما ورد في معظم كتب علم القوافي , شأني شأن الخطيب التبريزي , ولو أنّه مرّ على ألفاظ القوافي مرور الكرام , واراني ثقيلاً في الإطالة , وعذري أكتب للقارىء العام والخاص (المختص ) , وأمزج بين ما استجد وما قدم كديدني في علم العروض , وعلى قدر الإمكان والقدرة والإستطاعة , والوقت المتاح , وصبرك المباح !! المهم قافية المتكاوس أربع حركات تنحصر بين الساكنين الأخيرين إضافة الى المتحرك الذي يسبق الساكن الأول ( /ه ////ه) , يتضمن هذا, مثاله اللفظ سبباً خفيفاً مع فاصلة كبرى , وبالعروض الرقمي " 2 5 " , ونادراً ما تأتي هذه الخمسة الثقيلة بالشعر , إلا بالرجز , وهو أسهل البحور , وبالنظام المقطعي ( - ب ب ب -) , يقول شيخنا التبريزي "وإنما سُمي متكاوساً للاضطراب ومخالفة المعتاد , ومنه كاست الناقة , إذا مشت على ثلاث قوائم , وذلك غاية الاضطراب , والبعد عن الاعتدال " (33) , ومن أمثلة هذا الضرب - ولا أعني الضرب العروضي , وهو آخر تفعيلة في البيت - قول العجاج :
هلا سألتَ طلالاً وحَمَمَا
القافية (لاًوَحَمَمَا....لِنْ وَحَمََمَا /ه////ه ) , وأرجو أنْ تتذكروتميز - قوله الآخر :
وعوّرَالرحمنُ مَنْ ولـّى العََوَرْ *** قدْ جبـر الدّينَ الإلـَهُ فـَجَبَرْ
كتابة قافية العجز عروضياً (لاهـُ فـَجَبَرْ /ه ////ه) اللام كما أسلفنا حركتها الفتحة , لأنها تسبق الألف , وهو حرف مد , وبقية الحروف محركة ,والقافية كما ترى تتكون من سبب خفيف , وفاصلة كبرى , ومن ناحية المقاطع فالمتكاوس يتشكل من مقطع طويل مفتوح (لا) , وثلاثة مقاطع قصيرة , ومقطع طويل مغلق (بَرْ) (34) , أي (- ب ب ب - ), أما من ناحية العروض الرقمي " 2 5" , وهذه الـ " 5" - الفاصلة الكبرى - ثقيلة ونادرة في الشعر العربي ,آلا ترى نسبة الساكن للمتحرك "1 : 4" , الكم الصوتي فيها مجهد , والكيفي ثقيل , وأودُّ أنْ أشير إلى أنّ الفعل ( جبرَ) الأول متعدٍ , يأخذ مفعولاً به هو ( الدينَ) , بينما الفعل ( جبرَ) الأخير لازم , يكتفي بفاعله , ولا يتجاوزه الى مفعول به , وننهي هذه الحلقة بالفعل ( جبر ) , المتعدي اللازم ,وهو فعل واحد والله الواحد , لكم الود والتقدير , والعذر عن التقصير !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) مسامرة نيل الأرب في أدب العرب : أحمد سكيرج - تحقيق د. محمد الراضي كنون -المكتبة السكنرجية التجانية -
(19)العروض وإيقاع الشعر العربي : : د. سيد البحراوي ص مصدر سابق .
(20)الدمنهوري...السيد محمد : الحاشية الكبرى على الكافي في علمي العروض والقوافي ص - 1322هـ - مصر. وراجع :كتاب القوافي :تصنيف القاضي أبي يعلي التنوخي - تحقيق د.عوني عبد الرءوف- كذا - المقدمة ص 15 - 978م - مكتبة الخانجي بمصر
(21) كتاب القوافي : المصدر نفسه
(22) د. حسين نصار: القافية والعروض ص دار المعارف - 1980 - القاهرة
(23) المفصل في العروض والقافية : عدنان حقي ص - مصدر سابق يقول : " ورد في كتاب الخلاصة الوافية للأستاذ حامد سليمان جاءت القافية مؤنثة , وألقابها مذكرة , لأن المراد ليس القافية نفسها , بل لفظ حروفها
(24) راجع :سمط اللآلىء للبكري ص- لجنة التأليف والترجمة والنشر - 354 هـ - القاهرة , وينسب البيت لآخرين.
(25) حصاد أيام وأيّام : كريم مرزة الاسدي - ص- 1998م - دمشق- الديوان الثاني.
(24) الخطيب التبريزي : الكافي صمصدر سابق .
(25) ميزان الذهب : السيد أحمد الهاشمي ص مصدر سابق.
(27) يقول ابن مالك في ألفيته :
كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقمْ **** واسمٌ وفعلٌ ثمّ حرفٌ الكلمْ
فحرف العطف يعتبر كلمة مستقلة من الناحية النحوية واللغوية , وما هكذا بالشعر .
(29) حروف العلـّة ثلاثة (الألف والواو والياء ) , هذه الحروف , إذا كانت محرّكة تبقى حروف علـّة فقط مثل ( خرْوَع) , وكلّ كلمة إذا سبق حروف علـّتها حرف ساكن ,تبقى حروف علـّة فقط , لأنه لا يتوالى ساكنان في اللغة العربية إلا في آخر كلمات بعض القوافي , أمّا إذا كانت حروف العلة ساكنة , فننظر حركة الحرف الذي يسبقها , إن كان من جنسها , فنطلق عليها حروف مدٍّ , كـ ( بَاعَ , يبـِـيعُ , يَقـُولُ ) , بينما حروف اللين , فهي ما كانت ساكنة سيان الحركة التي قبلها من جنسها أم لا , فهي أعمُ من حروف المد, أي كلّ حرف لين هو حرف مدّ , والعكس غير صحيح , مثل ( قـَوْل , بَيْع ) , علما لا تسبق حرف الألف إلا حركة الفتح من جنسه , فهو دائما حرف لين ومد , سنستفيد من هذه المعلومة فيما بعد !
(30) الكافي ... : الخطيب التبريزي ص مصدر سابق.
(31) الشاهد من المصدر نفسه , نقلا من ديوان زهير راجع
(32) حصاد أيّام وأيّام : ص مصدر سابق.
(33) الكافي : التبريزي ص مصدر سابق
(34) راجع بحثتا في علم العروض الحلقة الرابعة .
وسوم: العدد 713