كتاب من كنوزنا
كتاب من كنوزنا : قدم في عام 1955 أول دراسة علمية عن علاقة الشعر بالموسيقى ووثَّق وصلات الموشحات تدويناً ونشراً لأول مرة في العالم العربي!
أنشر اليوم كتاب " من كنوزنا " كاملاً ، من تأليف والدي الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة ، لأول مرة على شبكة الإنترنت ، آملاً أن يسهم هذا في تحريض البحث ، في علاقة الشعر بالموسيقى ، و في توافق الإيقاعين الشعري والموسيقي ، وفي الحفاظ على موروثنا الغنائي الأصيل ، الذي تمثل الموشحات فيه ، الرصيد الأكمل ، المجسد لمسارات المقامات الموسيقية اللحنية ، ولإبداعات عشرات من الوشاحين ، الذين أغنوا موسيقانا العربية في العصر الوسيط ، انطلاقاً من الأندلس ، وصولاً إلى بلاد الشام فأرض الكنانة.
جاء الكتاب في حوالي 400 صفحة من القياس الكبير ، وتضمن دراسة هامة للدكتور رجائي عن توافق الإيقاعين الشعري والموسيقي وعن أساليب تلحين الموشحات في حلب ، كما ضم الكتاب تدويناً من قبل الأستاذ نديم الدرويش ، ابن الشيخ علي الدرويش ، لإحدى وعشرين وصلة من الموشحات تضمنت 122 موشحاً و 16 سماعياً . دّوِّنت الموشحات كوصلات حسب المقام ، ثم رتبت حسب تسلسل الإيقاعات. كتبت كلمات كل موشح بعد اكتمال تدوينه ، كما وُضع مخططان للمقام الموسيقي والإيقاع.
الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة وكتابه من كنوزنا
باحث موسيقي وطبيب أسنان وشاعر سوري ، أرسى دعائم عدة مؤسسات موسيقية تعليمية ومهنية ، وأسهم ، من خلال مركزه العلمي والاجتماعي ، في تحقيق مكانة اجتماعية عالية للموسيقيين ، في مجتمع محافظ ، كما كان أول جامعي يتعامل مع الموسيقى والبحث الموسيقي في سورية.
ولد فؤاد رجائي آغا القلعة في حلب – سورية عام 1910. تدرج في مراحله التعليمية قبل الجامعية حتى حصل على الشهادة الثانوية في مدينة حلب عام 1930. التحق بكلية طب الأسنان في جامعة دمشق وتخرج منها عام 1935 ، ثم سافر إلى استامبول عام 1936 للتخصص في أمراض الفم لمدة سنتين.
درس الموسيقى على يد كبار أساتذة حلب ، فانتسب إلى نادي الصنائع النفيسة بين عامي 1926 و1929 ، ودرس النظريات الموسيقية فيه على يد الاستاذ أحمد الأوبري ، و العود على يد سيساك أفندي ، و لدى انتقاله إلى دمشق لدراسة طب الاسنان ، انتسب إلى نادي الفنون الجميلة ، ودرس الكمان فيه على يد الأستاذ توفيق الصباغ ، كما أسهم في تأسيس معهد الآداب والفنون بدمشق ، وكان رئيساً للفرع الموسيقي فيه .
انتقل لدراسة الموسيقى في معهد فن ويردي في استانبول ، بشكل مواز لدراسته وتخصصه في طب الأسنان فيها ، وكان من أساتذته رؤوف يكتا بك ومسعود جميل بك ، حيث تأثر بأبحاث رؤوف يكتا بك في السلم الموسيقي الشرقي . أسس في عام 1938 أول جمعية للموسيقيين بحلب ، وانتخب رئيساً لها لمدة طويلة ، فاستطاع من خلالها تحقيق العديد من المكاسب الاجتماعية لهم .
تأسيس أول معهد للموسيقى في حلب
أدرك من خلال دراسته الجامعية أهمية التعليم وتطوير أدواته في رقي الموسيقى ، فافتتح معهداً موسيقياً خاصاً ومجانياً لأول مرة في حلب عام 1949 ، موله من موارده المالية الخاصة كطبيب أسنان ، في عيادته الخاصة ، وفي المشفى الوطني بحلب.
ضم المعهد كبار أساتذة الموسيقى في حلب ، مركز الإشعاع الموسيقي في العالم العربي ، أمثال الشيخ علي الدرويش ، والشيخ عمر البطش ، وأستاذ الكمان من أصل روسي ميشيل بورزنكو ، وأستاذ القانون شكري الإنطكلي ، وأستاذ العود محمد رجب ، وقام بتدريس التاريخ الموسيقي في المعهد . افتتح قسماً لتعليم الفتيات الموسيقى ، مستغلاً مكانته الاجتماعية لإقناع أهاليهم بذلك وأدارته خالته الدكتورة عزيزة عزت أول طبيبة أسنان تخرجت من جامعة دمشق عام 1935 . سعى عبر افتتاح المعهد إلى نقل تعليم الموسيقى من الأساليب القديمة ، عبر المعلم المباشر ، إلى الأسلوب الحديث ، كما ساهم جمع الأساتذة التقليديين في بوتقة واحدة ، في إغناء طرق التدريس ، وفي تشكيل فرقة موسيقية متكاملة للمعهد تقدم الحفلات الدورية . قامت الحكومة في عام 1956 بتأميم المعهد ، ومع ذلك بقي مديراً له حتى عام 1959 .
تأسيس إذاعة حلب
في عام 1948 ، و إدراكاً من الدكتور فؤاد لأهمية النشر والتوثيق وتحريض الإنتاج الجديد في ترسيخ واستدامة مكانة الموسيقى العربية ، أسس إذاعة حلب ، وبقي مديراً لها حتى عام 1956 حيث تفرغ لإدارة المعهد الموسيقي ، ومن خلالها ، وثق لعدد كبير من الموشحات والأدوار القديمة صوتياً ، وشجع المطربين والملحنين على الإنتاج الجديد ، كما قدم البرامج الإذاعية التي عنيت بنشر الثقافة الموسيقية.
قام بإلقاء محاضرات موسيقية في أغلب الإذاعات العربية ، كدمشق وبيروت وبغداد والشرق الأدنى والقسم العربي في إذاعة لندن ، كما حقق عدداً من المخطوطات الموسيقية القديمة ، كرسالة النغم ليحيى بن المنجم ، والمدخل إلى صناعة الموسيقى لابن سينا ، والرسالة الشهابية لميخائيل مشاقة ، وقدم عدداً من المحاضرات في جامعات أوربا في رحلة طويلة عام 1959.
الكتاب
أصدر الدكتور فؤاد رجائي في عام 1955 كتابه الشهير من كنوزنا ، حول الموشحات الأندلسية ، وهو أول كتاب يعنى بدراستها وتوثيقها على مستوى العالم العربي . تضمن الكتاب دراسة مطولة وهامة له عن توافق الإيقاعين الشعري والموسيقي ، و عن أساليب التلحين في الموشحات الأندلسية الموروثة في حلب ، فكانت أول دراسة علمية عن علاقة الشعر بالموسيقى . ضم الكتاب تدويناً موسيقياً ( من خلال التعاون مع الأستاذ نديم الدرويش ) لعدد كبير من وصلات الموشحات لأول مرة في العالم العربي ، متكاملاً بذلك مع توثيقها في الإذاعة. ساهم نشر الكتاب في تحريض الملحنين السوريين على إكمال وصلات الموشحات لعدد كبير من المقامات الموسيقية ، وعلى تأليف مقطوعات موسيقية جديدة على قالب السماعي ، لتكون الممهدة لأداء وصلات الموشحات.
دراسات السلم الموسيقي العربي
رغبة في الإسهام في حل مشاكل السلم الموسيقي العربي وتثبيته ، وهي المشاكل التي ركز عليها مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة عام 1932 ، ولم يقدم لها حلاً ، درس فؤاد رجائي آغا القلعة الأجهزة المتوفرة في حينه التي تعالج الأصوات إلكترونياً ، واطلع على جهاز الكتروني مصنوع في إنكلترا يعطي أصواتاً مختلفة صافرة تعلو وتنخفض بواسطة مفتاح رفع وخفض يدار باليد ، فاستعان به لتطبيق درجات السلم الموسيقي العربي على نسب وذبذبات حسابية دقيقة ، ثم صمم جهازاً إلكترونياً جديداً يولد الأصوات على درجات صوتية لا متناهية في الصغر ، بهدف تحديد الدرجات الموسيقية في السلم العربي بدقة بحساب الذبذبات ، وسافر عام 1959 إلى أوربا على نفقته الخاصة ، لعرض فكرة الجهاز على أساتذة الموسيقى ، في ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وسويسرة وإيطالية ، وعرض تنفيذه على شركة سيمنس في النمسا و ألمانيا ، وعاد حاملاً 12 تقريراً مؤكداً لأهمية الجهاز وتقدم بها إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي سعياً لتنفيذ الجهاز على نفقة الحكومة ، ولكن ظروف انفصال سورية عن مصر ، حالت دون التنفيذ.
عين عضواً في اللجنة الموسيقية العليا التابعة للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، و مثل سورية والجمهورية العربية المتحدة في مؤتمرات موسيقية عديدة ، منها مؤتمر الموسيقى العربية في براغ عام 1959 ، و مؤتمر بغداد عام 1964 .
توفي الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة في 14 تموز/ يوليو 1965.
الأستاذ نديم الدرويش
الأستاذ نديم الدرويش هو ابن الشيخ علي الدرويش ، وقد رافقه لمدة طويلة ، فاكتسب منه معارف كثيرة في علوم الموسيقى ، كما كان لعمله في إذاعة حلب ، وفي معهدها الموسيقي ، الذي أقامه الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة ، أهمية في اكتسابه لمعارف أخرى كثيرة ، من الشيخ عمر البطش وآخرين ، حولته مع الوقت ليكون أستاذأ في المعهد ، وملحناً في الإذاعة ، إضافة إلى عمله الأصلي في مديرية مالية حلب. كانت له ألحان في قوالب متعددة ، كالموشحات والأدوار والقصائد والأغاني الشعبية ، كما ألَّف عدداً من السماعيات. قام نديم الدرويش ، في سياق آخر ، بتدوين وصلات الموشحات المتكاملة ، التي وثقها كتاب " من كنوزنا " ، للدكتور فؤاد رجائي.
وسوم: العدد 726