نظرية النصية العروضية، هدية العيد، تحية الغريد، الشجية الترديد، (الإخراجة الأخيرة)
حينما نشرتُ مباحث هذا المقال صبر عليها بعض المتخصصين قليلا، ثم يئس من دعاواها النظرية العريضة؛ فذكرت أنها لم تكن لتكون إلا عن تطبيق كثير، ووعدت بإلحاق التطبيق الكافي.
ربما كان في التنظير من الغموض ما يريب القارئ في الكاتب، حتى إذا ظهر ما اعتمد عليه التنظير من التطبيق، ولم يُحمل ذلك الغموض من أحسن محامله على اجتراء التفكير واحتشاد الأفكار واحتباك المعاني- ارتاب الكاتب في القارئ!
لقد حرصت دائما على اصطناع المنهج العلمي المناسب والتزام دقائقه، ولا سيما الموازنة بين الأعمال العلمية بعضها وبعض، وبين الأعمال الفنية بعضها وبعض، توصلا إلى حسن وصف الأسلوب الفني، ودقة تقدير الحكم العلمي.
ولولا ما أوتيتُ من نعمة طلب الشعر مع نعمة طلب علم الشعر، ما تيسَّر لي التَّدَسُّس إلى مُضمَن طَوايا تفكير الفنانين والعلماء العروضي اللغوي؛ إذ لم أكن أقبل الرأي العلمي حتى أعرضه على الذوق الفني، ولا الذوق الفني حتى أعرضه على الرأي العلمي، وإن بقيتُ مؤمنا بأَنَّ ذَوْقَ الْفَنَّانِ أَسْلَمُ مِنْ رَأْيِ الْعَالِمِ.
ولم أَخْلُ منذ بدأتُ من استنكار المُستكِينين إلى أوهامهم السخيفة، ولم أزدد به إلا حرصا على المنهج وإمعانا فيه؛ فلم يصبر بعض أولئك المستنكرين أن واجهني بما فوق الاستنكار، غافلا عن أنني:
"فِي رِيَاضِ الْمِثَالِ الْغَرِيبِ
أُحَاوِلُ سُورَةَ هَاءِ الشُّهُودِ بِآيَةِ رَاءِ الشُّرُودِ
فَيَخْطَفُنِي بَغْتَةً شَارِدٌ شَاهِدٌ
يَسْخَطُ الْحَالَ
يَطْرَحُنِي مَرَّةً بِشَفِيرِ الْجَحِيمِ
وَأُخْرَى بِبَابِ النَّعِيمِ
وَيَرْضَى
فَيَرْجِعُنِي وَاحِدًا
لَا تُزَلْزِلُنِي شَطَحَاتُ الْعُقُولِ
وَلَا نَزَغَاتُ الْقُلُوبِ
وَلَا لَفَحَاتُ الْعُيُونْ"، براء:62.
أتنسَّم ذكرى محمود محمد شاكر -رحمه الله!- أستاذي، أستاذ الدنيا، ناهج المنهج، ورائد الأهل، وحادي الركب، غير عابئ ببُنيَّات الطريق وهَوامِّها!
"وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"، صَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ!
وسوم: العدد 726