مصادر التناص في ديوان كائنات في انتظار البعث للشاعر محمد السيد إسماعيل

د. ياسر عبد الحسيب رضوان

مدخل :

ارتبطت وظيفة الشاعر في الذاكرة العربية القديمة بالقبيلة يسجل أيامها ويحكي أمجادها ويرصد مفاخرها ، ويفرح لأفراحها ويئن لأتراحها ، وأحسب أن الشاعر العربي المعاصر لم يبتعد عن هذه الوظيفة ، وإن اتسعت مساحتها ، فتعدت حدود القبيلة إلى حدود الوطن والأمة ، بل والإنسانية كلها ، في نظرة اتسمت بالعمق والشمول والاتساع والوعي التام بكل قضايا الأمة والإنسانية ، تعينه في ذلك ثقافة واسعة وعقلية ناقدة ورؤى ثاقبة ، ولعل هذا ما ارتأيناه في ديوان كائنات في انتظار البعث ، هذا العنوان الممثل للعتبة الدلالية الأولى التي تومئ إلى تجربة الشاعر الحالم ببعثة هذه الكائنات المأزومة من رقدتها أو من قيودها ، وقيامتها من جديد ، أو هكذا تومئ دالة البعث التي تستدعي دالة الأرض باعتبارها محور التجربة العامة عند الشاعر ، هذه الدالة المحورية التي حققت الحضور البارز في الديوان إذ وردت خمسًا وأربعين مرة  0

وهذه الرغبة الحالمة في ابتعاث تلك الكائنات ربما كان تحققها من الصعوبة ـ وليس المستحيل ـ بمكان في إدراك الشاعر ووعيه ، ومن ثمة اتخذ من الحلم إطارًا فكريًّا لعله من خلاله يحقق بعثة تلك الكائنات المتشوفة إلى الحرية والقيامة من جديد ، صحيح أن هذا الإطار الفكري لم يرد في الديوان إلا ست عشرة مرة متراوحة بين المفرد والمجموع والحركية الفعلية ، إلا أن المصاحبات الدلالالية للحلم من مثل الليل والظلمة والنوم واليقظة قد اطرد استعمالها لتؤازر من وظيفة الحلم ، بل وتجعل منه حلمًا كبيرًا تتحقق فيه أمنيات الابتعاث لتلك الكائنات 0 

ولم يقنع الشاعر بالحلم كوسيلة تعبيرية حاول أن يحقق فيها ما يصبو إليه وما تصبو إليه كائناته ، وإنما التجأ إلى وسيلة أخرى لعلها تحقق المراد وهي استدعاء التراث وتوظيفه ، وهي آلية من آليات الشعراء المعاصرين في بنية قصائدهم ، " ولقد كان التراث ـ في كل العصور ـ بالنسبة للشاعر هو الينبوع الدائم التفجر بأصل القيم وأنصعها وأبقاها ، والأرض الصلبة التي يقف عليها ليبني حاضره الشعري الجديد على أرسخ القواعد وأوطدها ، والحصن الذي يلجأ إليه كلما عصفت به العواصف فيمنحه الأمن والسكينة " ([2])

حيث يتناص بهذا الاستفهام التعجبي الأخير الذي يكرره في القصيدة مرتين من القرآن الكريم حيث قول الله تعالى ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ ق 30 ] والتناص هنا لفظي دالٌّ على الصلة الدلالية بين النص الشعري والنص القرآني الكريم وهو الرغبة في الزيادة من قبل جهنم ، وعرض المزيد من قِبَل المخاطِب في النص الشعري الذي لا يريد فيه المخاطَب سوى الأرض همه المقعد المقيم ، والدالّ المحوري في الديوان ، ولأنها دالة محورية فقد عرض عليها أمانة الخلاص للكائنات المنتظرة البعث ، بيد أنها لم تستجب له ؛ ليثوب هو إلى رشده ، ويدرك أنه المنوط به الخلاص :

حين عرضت على الأرض بعض الأمانة لم تستجبْ فامتثِلْ

هكذا أخبرتني النبوءة أنك أول من يمسك الخيط

أول من يبتدئ ([4])

وهذا المقطع وإن استدعى دلالة الوفاء للمياه والانتماء إليه ذلك الانتماء الماثل في عدم الخيانة ، فإن القراءة الأخرى لفعل الخيانة أن يُنسب إلى المياه ، ولعل ذلك مما يتواءم وفكرة انعدام الجسر الموصل للمياه ، وما يتواءم كذلك مع القصة القرآنية عندما أراد موسى عليه السلام الوصول إلى الجزيرة هربًا وخلاصًا من فرعون وجنوده ، فوجد البحر أمامه وليس ثمة جسر يوصله إلى الجزيرة مما أصاب أهله بالهلع ، قال الله تعالى : ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ 0 قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ 0 فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾[ الشعراء 61- 63] ومن ثمة فهو لم يُخَوِّنِ المياه ، أو يصفها بخيانته لأنها لن تعود إلى طبيعتها الجارية ، فتغرقه هو وأصحابه ، ومن ثمة يكون الوفاء للماء والانتماء إليه بهذه الدلالة أنسب لسياق القصيدة 0

وهذا المُخلِّصَ الواثق في الخلاص له ولأصحابه ، لم يُخَوِّن المياه ؛ لذا أمر أصحابه أن يُسلموا أنفسهم للمياه ليصلوا إلى الجزيرة التي هي على بُعْد قدم ؛ حتى يقدموا بإصرارهم على الخلاص آية لكل من يريدون الخلاص ، يقول الشاعر :

        فامنحوا البحر أجسادكم

        واستريحوا لموجته العاشقة

        فيضكم هو فيض المياه وللبحر أن يحتويكم

        جميلين ، مؤتلفين

        ويُخرجكم آية للذين استكانوا

        وكانوا على شطه بعض ما لفظته المياه

قبيحين ، منقسمين ([6])

وهذا المقطع على قِصَره واكتنازه بالدلالات الرابطة بين الخط الجميل المحمول الوصفي للدرب في عنوان القصيدة ، وبين السبل بدلالتها الجمعية على الكثرة وما تستدعيه من التشتت والتحير ؛ فهي التواء كما يقول الشاعر ، ومن ثمة فليس عليه سوى أن يمارس شهوته المستحيلة ، كل هذه الدلالات تتناص إشاريًّا مع ما رواه الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه : " خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه يومًا خطًّا ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله ، ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم تلا ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [ الأنعام 153 ] ([8])

وهذا التناص الديني لا يقف عند التراث الديني الإسلامي ، بل يصل إلى التراث الديني المسيحي حيث نظرية التثليث والأقانيم الثلاثة : الأب والأم وروح القدس ، هذه الثلاثة التي يستدعيها الشاعر إشاريًّا مع انحراف نصي لا تختفي منه الإشارة الدالة ، يقول الشاعر :

وكانت الحوائط القديمة

تصعد من خلالها نوافذ

لفتية يستطلعون الغيب

ويقرأون آية للعشب

وينشدون السنبلة

ويفتحون للأب المقدس القيوم

بوابة الحضور ، ثم يمنحونه بوابة الصعود ،

يمنحونه العلامة

وينشدون

" النار والمياه والأب المقدس

سيصنعون الزلزلة

الله لو رأيتهم

يستطلعون الغيب

يفتدون القافلة  ([10])  0

ومن ثمة لم يعد هذا الشاعر مجرد ناقلٍ لهذا التراث التاريخي ، أو راصدٍ له ومستدعٍ إياه وعارضٍ لشخصياته في سياق نصه الشعري ، وإنما كانت عقليته وثقافته الواسعة تلك ذات قدرة على أن يعيد اكتشاف  " تراثه القومي والديني سواء بالإشارة إليه أو الاقتباس منه ، أو محاكاة نماذجه بطريقة إيحائية ، أي بحيث يشف النموذج أو الواقعة التراثية عن مشاعر ذاتية أو إنسانية عامة " ([12]) وفي هذا الإطار يمكن أن ندرك براعة الشاعر محمد السيد إسماعيل في المواءمة بين دلالة الجبل في الموروث التاريخي الإسلامي الذي يتناص معه خاصة مع بدء الجهر بالدعوة الإسلامية ، يقول الشاعر عن الجبل الذي اعتبره بدءً جميلاً منتقى لزهرته الأولى المتفتحة على سطحه :

القلب ظل محايدًا وقتًا فكانت كبوة ،

        ثم ارتقى

بدءٌ جميل منتقى

زهْوٌ تفتح في قرارة مهجة ،

جبل تراءى في الفراغ وشدني

لاحت بهامته الرؤى فصعدته

ورأيت أن جبلاً بداية أمة

وصباح تاريخ وصعدة من دنا

لي فتنة الخلاق في عدم الخليفة

وانشطار الشاعر الصوفي في عين الألوهة

وامتزاج النائين

لي ما ترون وما خفى

فكيف لا تتقربون

    أو تعملون لمقتلي ([14])

ولعل الرؤية الفنية هنا بادية في قدرة الشاعر على المزج بين النموذجين المعاصر الذي يتبدى الجبل فيه للشاعر على أنه البدء الجميل المنتقى الذي يمثل في الرؤية الشعرية المغاصرة بداية أمة ، وهو الجبل الذي شهد البذرة الأولى لبداية الأمة الإسلامية بالجهر بالدعوة في النص التاريخي المستدعى إشاريًّا دون التنصيص عليه ، ثم هذا المزج بين المصير الذي ينتظر الشاعر ، أو يتوقعه من مخاطبيه ومصير الجهر بالدعوة في وجه المشركين ، وهو إما أن يتقرب المخاطبون في النموذجين العصري والتراثي ؛ لتتكون الأمة والوطن الوحيد وإما أن يرفضوا الدعوة فيكون المصير هو العمل على قتلهما 0

ومن هذا المزج الفني بين عناصر التراث التاريخي ، نراه يستدعي سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وسيرة العلماء الفلكيين الأوروبيين الذين حاكمتهم الكنيسة مثل كوبرنيكوس صاحب نظرية دوران الأرض وجوردانو برونو الذي أحرقته الكنيسة لإيمانه بنظرية كوبرنيكوس ، وكذلك جاليليو ، ليحدث الشاعر من خلال الجمع بينهما مفارقة تبرز الدلالة المقترنة بتوظيفهما في سياقه الشعري ، يقول الشاعر :

حين يدلف بين المدينة ليلاً

ليسمع أنات أصحابها

تنتقي وجهه

حين يعلن عن دورة الأرض

يصلب

لكنها تنتقي وجهه ([16]) ولما كانت هذه سيرته ، فقد أحبه الناس وأحبته المدينة التي أخذت " تنتقي وجهه " أما هؤلاء العلماء الذين جاءوا بالنظريات العلمية ـ دورة الأرض ـ فمنهم من صُلب ومنهم من أحرق ومنهم من سجن ، والمراد لفظتهم المدينة ، ولم تعرف قدرهم إلا بعد الموت بدلالة هذا الاستدراك الذي تستدعيه لكن في السطر الأخير ، ولا شك أن المفارقة بين الصورتين موحية بما كانت عليه مدينة الشاعر عندما كانت الأرض تفقد أشكالها السرمدية وأحلامها الأبدية ، وتعود مع خط البداية معدومة محبطة  0

وإذا كانت مدينة عمر قد كافأته على حُسن سيرته بانتقاء وجهه ، فليست كل المدائن العربية على هذا الصنيع من حفظ الجميل ورده لأهله ، فمدينة الحسين بن علي رضي الله عنهما لم تحفظ الجميل ، ولم يصن أهلها وعودهم بنصرة الحسين عندما يأتيهم :

أنتَ جِئْتَ المدينة في السر

فاجأتها بوجودك

لم تلق أنصارها يرفعون البشائر

ولم تلق أشياعك الصالحين

يلوحون في البعد مثل الأهلة ([18]) ولأجل ذلك فإن الأمل ما يزال موجودًا في هؤلاء الفتية الذين أطلقهم الحسين من جحيم الحصار :

لم تجد في البلاد سوى فتية

أنت أطلقتهم من جحيم الحصار

وبعض الطيور تحلق فوق الرؤوس

وتأخذها نشوة حين تطلع بين الديار

وعلمتنا كبف نعدو إلى فسحة الأغنيات

ونعدو إلى ردهة الأمنيات وحلم الترقي ([20])

إن التناص مع الحادثة التاريخية هنا إشاري يستدعيه لقب الملك الصالح الذي وافاه مرض المنية والصليبيون على أبواب دمياط ، ولم يمنعه المرض من إعداد الجيوش ؛ لأنه يتعذب أن يُبصر في الأفق نبوءات الهزيمة ، ومن ثمة كان يبعث في في نفوس جنوده وأتباعه الرغبة في الانتصار ، بل كان يغني لهم أغنية منتصرة ، ولعل الشاعر باستدعائه هذه الحادثة التاريخية ، إنما ليتناص مع حادثة مرض أمل دنقل المميت ، ولكنه بالرغم من ذلك كانت لديه الآمال العراض في الحياة والانتصار على المرض ، ولعل مثل هذا الاستدعاء ، إنما يتواءم والرغبة العامة لدى الشاعر في الانتصار لكائنات الأرض وبعثتها من جديد ، فالأمل في الابتعاث ، هو الأمل في النصر على المرض : يتفتت في اللحظات الغفوة ، يتماسك في اللحظات المنكسرة ، والأمل في النصر على الأعداء بالشعور بالعذاب إذا بدت نبوءات الهزيمة ، والغناء بأغنية النصر في موقف الملك الصالح  0

3ـ التناص الأدبي :

الأدب شأنه شأن التاريخ والدين في استدعائه والإحالة عليه من قِبل شعرائنا المعاصرين ، وإن كان يزيد عنهما أهمية من حيث كونه العامل المشترك ، أو الجنس القولي الذي ينتمي إليه الشعر العربي المعاصر، ومن ثمة لم يكن غريبًا أن يفيء الشعراء المعاصرون إلى الأدب العربي للتناص معه ، وكانت شخصيات الشعراء القدامى من أبرز ما تم استدعاؤه في الشعر العربي المعاصر ؛ فقد كانت شخصيات هؤلاء الشعراء القدامى " من بين الشخصيات الأدبية هي الألصق بنفوس الشعراء ووجدانهم ؛ لأنها هي التي عانت التجربة الشعرية ، ومارست التعبير عنها ، وكانت هي ضمير عصرها وصوته ، الأمر الذي أكسبها قدرة خاصة على التعبير عن تجربة الشاعر في كل عصر " ([22])

وهذان البيتان وإن أتى بهما الشاعر قبيل نهاية قصيدته الأولى من ديوانه ، فإنه يتناص مع مطلع قصيدة المتنبي الذي يقول فيه [ طويل ] ([24])

وهنا نراه يتناص مرة أخرى مع المتنبي في القصيدة عينها ، وذلك عندما يقول ([26]) :

لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ مِنْهُ مَهْرَبِي *** أَيْنَ يَمْضِي هَـــارِبٌ مِنْ دَمِــهِ

   

ويقول محمد السيد إسماعيل :

أنت في جنبي لا أقوى على رد جموحك

أنت في جنبي بعض من دمي

        ( كيف يمضي هارب من دمه ) ([28]) ومن ثم فهي تمثل الحقل البكر للفكر الإنساني ؛ لذلك ارتبطت بدايتها بالبدايات الأولى لهذا الفكر ، وقد درس الشعراء المعاصرون الأساطير المختلفة وفهموا أبعادها ومراميها وتجاربها ، ومن ثمة قاموا باستدعاء الكثير منها في شعرهم ، هذا الاستدعاء الذي يمثل " عودة حقيقية إلى المنابع البكر للتجربة الإنسانية ، ومحاولة التعبير عن الإنسان بوسائل عذراء لم يمتهنها الاستعمال اليومي ، فتخفي الألفة ما تجنه من إيحاء " ([30])

إن الآهة المتوجعة التي يبدأ بها الشاعر السطرين الأولين تستدعي فكرة المخلص الذي يلقى العناء والأهوال ، وتستدعي ـ في القصيدة عينها ـ الذي يكشف عن دوران الأرض وتصلبه مدينته ، وتستدعي فيها كذلك فكرة التوحد بالأرض التي تُدخله خدرها ، وترتدي جبته ، بيد أننا مع آهة السطر الثاني في النداء التفجعي على هذا السيد الذي يتشكل بين المياه ، ثم مع لحظة المخاض في المقطع الأخير وتجميع الأرض لأعضائه ، نجدنا في موقف نصي يتم فيه استدعاء أسطورة إيزيس وأوزوريس وقصة إلقاء أوزوريس في التابوت وقذفه في النيل ، وذلك ما يستدعي ـ في مرحلة من مراحل الأسطورة ـ فكرة التوحد بالماء ، الذي يعطيه الحياة ، لقد تشكل هذا السيد ـ أوزوريس أسطوريًّا ـ في الماء ؛ لأن " الماء بوصفه مانحًا للحياة هو الذي وحّد به أوزير وهو الذي يسبغ الحياة على التربة " ([32]) تمخض عن حملها ابنهما حورس ، وهو الحمل الرامز لملكة الإخصاب عند أوزوريس الذي أصبح " نضرة الطبيعة والقوة المانحة للخصب والازدهار " ([34])

إنه الإصرار الأوزيري على الخلاص عندما ينسل من باطن الأرض المدفون فيها ومن كل الخلايا والبيوت ليحمل في يديه بذور الوهج التي ينشرها على الأرض وكائناتها فتثور مما هي فيه ، ولعل في البذور التي يحملها استدعاءً لدور أوزوريس في تعليم المصريين الزراعة خاصة القمح الذي يمثل عماد حياتهم 0 

ولم يقنع الشاعر محمد السيد إسماعيل بهذا التراث الأسطوري المُدَوَّن ، وإنما يلجأ إلى التراث الأسطوري أو الخرافي الشعبي المتداول في القرى والأرياف المصرية حيث كانت الجدات الخائفات على أحفادهن من الخروج والضياع أو التشرد ، فكن يحكين هذه القصص الخرافية التي لا أصل لها ، أو ربما ارتبطت بقصص الجن وعلاقتهم بعالم البشر ، على أن حكايات الجدات هذه كان يتم تناقلها جيلاً بعد جيل ، حتى إذا ما ألقت المدنية والتحضر بظلالها على تلك المجتمعات القروية ، اختفت هذه الحكايات أو كادت ، بيد أن ما يؤخذ من هذه الحكايات هو بث الخوف في نفوس الصغار ، وهو ما يحيلنا عليه محمد السيد إسماعيل عندما يضع في أول قصيدة من الديوان الأسباب التي حالت دون أن يتقدم ليعطي الأرض ما تستطيع به استرداد القيامة ، فيقول :

كنت أرغب أن أتقدم

كي أمد لها في سماء الظهيرة ظلاًّ

وسيفًا به تسترد القيامة

كنت أرغب أن أتقدم

غير أن الجواد الذي كان يصهل تحتي تخاذل

فمن دوننا تستطيل المسافة

تستطيل المسافة ما بيننا تستطيل الخرافة

عن الكف ذات الأفاعي

عن العين ـ ذات الشرار ـ المخيفة

تفصل الكف والعين ما بيننا ([36])

وألوهية العجز والخوف تستدعي السيطرة التامة والتحكم الأبدي في العاجز الخائف فلا ينتج ولا يحقق أي تقدم ، هو الخوف الذي يمثل الخطوة الواحدة التي لو تجاوزها الخائف لحقق ما يريد :

خطوة واحدة

هي كل الأساطير كل الذي نسجته العجائز في رأسنا

حين كنا صغارًا فنهرع نقبع في ركننا ونقول الشهادة (

[2] - محمد السيد إسماعيل : كائنات في انتظار البعث ص 4 – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990م  0

[4] - كائنات في انتظار البعث ص 31  0

[6] - كائنات في انتظار البعث ص 40  0

[8] - كائنات في انتظار البعث ص 40  0

[10] - هرنشو : علم التاريخ – ترجمة عبد الحميد العبادي ص 3 – سلسلة المعارف العامة – مطابع لجنة التأليف والترجمة والنشر – مصر 1944م 0

[12] - السابق ـ ص 147- 148  0

[14] - كائنات في انتظار البعث ص 48  0

[16] - أبو الفرج بن الجوزي : مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – تحقيق حلمي محمد إسماعيل ص 70 وا نظر ص 84، 85 – دار ابن خلدون 1996م -  0

[18] - د/ علي عشري زايد : استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر  ص 122  0

[20] - السابق ص 69  0

[22] - كائنات في انتظار البعث ص 4  0

[24] - كائنات في انتظار البعث ص 5  0

[26] - ديوان إبراهيم ناجي ص 132- دار العودة – بيروت 1980م  0

[28] - نقلاً عن عبد الرضا علي : الأسطورة في شعر السياب ص 14 – وزارة الثقافة والفنون – العراق 1978م   0 

[30] - كائنات في انتظار البعث ص 21  0

[32] - السابق الصفحة نفسها  0

[34] - كائنات في انتظار البعث ص 8  0

[36] - السابق ص 4  0

[37] - السابق ص 9  0

وسوم: العدد 731