مقاربات عباس المناصرة في نظرية الشعر الإسلامي
هل ثمة فرق – بين إدب إسلامي وغير إسلامي ؟وإذا كان الأدب يحمل في طياته هذا التركيب المحير العجيب , وهذا التداخل الأبدي بين الذات والموضوع وهذا الاحتواء على البعد والقرب والتحرر والالتزام, والعقل والقلب والمادة والروح , والفكر والفؤاد فهل ثمة فرق بين الأسلوب الديني الإسلامي بمفهومه الواسع والأسلوب الوضعي العلماني ؟
لقد انطلق (الجرجاني )و (الآمدي) و(القيرواني) ومئات غيرهم من بين صفحات القرآن , والسنة وراحوا – من ثم يتجولون في معطيات الشعر والنثر والفن , بعد أن علمهم كتاب الله وسنة رسوله الكثير الكثير من أسرار البلاغة والبيان وطرق الأداء والتعبير , ومقاييس التذوق والنقد , وأساليب الروعة والجمال وقد فتح القرآن العظيم والسنة المطهرة مدرسته الكبرى لتخريج الأدباء والشعراء والناقدين لكن القرآن لم يكن , ولن يكون وليد عصر أو بيئة أو حضارة .. انه كلام الله الخالد , ومدرسته الفذة التى لن تسد أبوابها – أبدا- على توالي العصور ..
في كتاب عباس المناصرة (مقدمة في نظرية الشعر الإسلامي ) محاولة للبحث بجدية وجرأة عن نظرية للشعر الإسلامي , مفصلة في المنهج والتطبيق , من خلال التصور الإسلامي لأدب إسلامي ينطلق من التعبير الفني عن قيمة الحقيقة ( المركب الشعوري القلبي ) أو (المقاصد والنوايا ) حيث تربت هذه القيمة على فكر حمل التصور أو العقيدة الإسلامية بعد أن استقرت على الثقة الراسخة بها , ومن هذا المنطلق , كان منهج عباس المناصرة في البحث عن أدب إسلامي ناضج من خلال تغلغل العقيدة في فكر الأديب المسلم , وبالتالي الشاعر المسلم وأشرافها على تنظيف قلبه من غبار الجاهلية , حيث تتربى المشاعر والأهواء , والميول والمقاصد على التبعية الكاملة لمنهج الله وسنة نبيه ( علية السلام ) , ليكون الاعتبار , ولتكون المعاني والإيحاءات الإسلامية في الأدب دائرة حول تحبيب الناس في عقيدة التوحيد الخالصة من كل شرك , وتزين لهم منهاج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لتتفاعل مع محبته وريادة دينه للحياة , حياة الناس بشمولها وعمومها , وحمل منهاجه في تفسير الحياة بكل معطياتها ..
وقد اجتهد المؤلف على ضوء هذه المعايير ,ووفق هذه الأهداف أن يكون عمله محددا بهدفين : الأول وضع مقدمة منهجية توضح طريق الإنتقال من فكر النهضة الإسلامية , ليكون المنهج ميسرا أمام النظرية الإسلامية الأدبية المبحوث عنها , وحتى تتم الإستفادة من ذلك في محاكمة فكر الصحوة وإيضاح الطريق من قوقعة الفكر العام إلى منهج الفكر المتخصص للأدب وغيره .
الثاني : تحديد (الوثائق الشرعية ) لاستخلاص النظرية الأدبية من القرآن الكريم , والسنة الشريفة , وأدب الصحابة والراشدين , لتأكيد أهمية مصادر استخراج المقاييس النقدية للفن الإسلامي , حتى يكون التنظير شرعيا إسلاميا , والتذكير ب(المصادر الأدبية ) من تاريخ الأدب العربي وإنتاجه الأدبي عبر العصور , والمدارس الفنية التي سادت هذا الأدب , كما يفهمه أهل الفقه والعلوم الأدبية , ليكون التنظير (أدبيا متخصصا) حتى يكون الإفتاء قائما على العلم ,وبعد ذلك يأتي الدمج بين ( النظرية والتطبيق ) من خلال دراسة أمثلة من النماذج الأدبية الإسلامية , تمهيدا لاستخراج المقاييس النقدية له .
من هذه النماذج التي استقرأها المؤلف : حسان بن ثابت ، شعر عبد لله بن رواحة , وشعر كعب بن مالك , وشعر خبيب بن عدي وشعر لبيد بن ربيعة العامري , وشعر معن بن أوس المزني وقصيدة لشاعرة مجهولة حول الحب والعفة .
وخرج المؤلف بعد ذلك ب:
الوضوح والإيصال وهما غايتا البيان مما يفرض على الفنية الإسلامية في الأدب , أن يكون هدفها التبليغ , والتبليغ ينافي الغموض , لأن الغموض يقتل غايات الأدب ويضعف تأثيره . أن نفرق بين ( طبيعة الأدب ) التي يقوم على الفنية , وتميز الأدب من غيره من العلوم والفنون , ووظيفة الأدب التي تقوم على توظيف تأثيره في خدمة قيم الدين والأخلاق . الخيال الإسلامي , مبينا أن الأمم تستمد خيالها من عقائدها , وأن نقاء الخيال من ضرورات محافظة الأمم على نفسها من الاختلاط والمسخ , حيث أن الفنيات الأدبية لا تتكون بمعزل عن تصور الأمم وعقائدها , ولذلك فالخيال الإسلامي مخالف للخيال الوثني , أو الخيال النصراني أو اليهودي لاختلاف العقائد أوالمصادر .
وبعد , فلقد كان للمؤلف جهد واضح في محاولته لتأصيل نظرية للشعر الإسلامي منبثقة من مفهوم الأدب الإسلامي وهو جهد مشكور , وإن كنت اختلف معه في منهج الأدب الإسلامي , الذي أرى أنه الأدب الذي تستعلن فيه روح الإسلام , والذي يعبر عن أهدافه , ويتجه إلى غاياته , ولا تقصد به ما يسمى بالأدب الديني من القصائد التقليدية في نطاق ضيق , بل تقصد به النظر في اثر الإسلام في الأدب العربي , وهل استطاع الإسلام أن يصدر الأدب عن توجيهه, وأن يحركه في خدمة الدعوة الإسلامية ,والتعبير عن نظرة الإسلام للكون والحياة ؟ وبالتالي, فإن الإسلام وهو حركة إبداعية شاملة , ومنهج كامل متوازن , كان لا بد أن يؤثر في الأدب العربي , والحقيقة التي يجب أن يدركها الباحثون في التأصيل لنظرية في الأدب الإسلامي بعامة والشعر الإسلامي بخاصة , أننا يجب أن نفرق بين الفن والتكنيك والمضمون , فالأدب الإسلامي هو الذي يعبر عن أهداف الإسلام ويتجه إلى غاياته , ولكن دون أن تضيف على الأسلوب المستخدم في إيضاح هذه الأهداف وبلوغ الغايات , وبالتالي , فإن أي أدب إسلامي ينبغي أن يكون له تأثير في الشكل والمضمون معا : أي في الألفاظ والمعاني والأغراض .
وسوم: العدد 748