الأخ الداعية المربي عادل كنعان في ذمة الله
في وداع الراحلين:
"إنا لله وإنا إليه راجعون"
الأخ الداعية المربي عادل كنعان في ذمة الله
لقي وجه ربه ظهر الخميس الخامس من رجب / 1439 ، في دار هجرته في قطر ، الأخ الداعية المربي عادل محمد كنعان .
بقية جيل من المؤسسين لجمعية ( دار الأرقم ) في مدينته حلب . دار الأرقم التي لا بد أن تذكر أبناء جيلنا بالأستاذ عبد القادر السبسبي المحامي ، بعلمه وفقهه ، ورؤيته وورعه ودينه ، وقيامه على أمر الدعوة ، على وطأة من الاستعمار ، واضطراب المعالم . وإذا ذكرنا ( دار الأرقم ) بذكر بقية جيلها أخينا الراحل الحبيب ( أبو عمار ) فلا بد أن نذكر الداعية العامل صنو الأستاذ السبسي في إدارة دار الأرقم ، الأستاذ ( عادل دباس ) صاحب اليد والسبق في التمهيد لأرض الدعوة في حلب الشهباء .
كانت ( دار الأرقم ) في حلب نواة جماعة الإخوان المسلمين ، ليس فقط بشخصياتها ودعاتها ومنتسبيها ؛ وإنما بفقهها وفكرها وأهدافها ووسائلها ، والذي ما زال بعض الإخوان المسلمين متمسكين به أوفياء له .
ومن دار الأرقم في مرحلة ما قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين إلى مرحلة التأسيس والريادة انتقل فقيدنا ( أبو عمار) رائدا وقائدا ومعلما وظل وفيا لدعوته ولإخوانه أيضا إلى أن لقي ربه . والوفاء لإخوان الدرب الطويل ملمح آخر في أخلاق الداعية ، لا يدرك حقائقه إلا الكبار الكبار من الدعاة .
كان ( التعليم ) ، نشره وتعميمه هدفا استراتيجيا من أهداف جماعة الإخوان المسلمين . ولذا فقد توجهت الجماعة إلى تأسيس العديد من المعاهد والمدارس وفتح معاهد التعليم الليلي ليتاح للعمال والبسطاء أن ينالوا نصيبهم من العلم .
يحدثني الأخ المحامي محمد عنجريني رحمه الله تعالى يقول : كنت عاملا أميا في مصنع الغزل والنسيج في حلب . ثم التحقت بمدارس الإخوان الليلية لتعليم الأميين ، ثم أكملت حتى حزت على شهادة الحقوق . وصرت كما ترى.
على هذا الأساس ، وعلى قلة من الإمكانات المادية والمالية ، تأسست في حلب ( ثانوية الغزالي ) شركة مساهمة ، ساهمت في دعمها وتأسيسيها مساهمات الخيرين المحدودة ، فمن كان يملك القدرة على تأسيس مدرسة في ذلك الزمان؟!
تأسست - ثانوية الغزالي - وتسلم إداراتها الأخ الداعية محمد كنعان ، الذي نودعه اليوم بهذه الكلمات ، فقدم الأنموذج الحي للمربي القدير ، والإداري الحازم ، والرجل الشفاف ، الأنموذج الحي للداعية الذي ، يختزن كل من قاربه وتعرف عليه الكثير من الوقائع والأقاصيص عن حزمه وعزمه وألقه الفكري وحسن إداراته ..
كان أبو عمار رحمه الله تعالى مع إدارته لثانوية الغزالي . عضوا نشطا فاعلا مؤثرا في إدارة الجماعة في مدينته حلب ، وظل قائما على ثغرته ، حتى اضطر هذا الجيل من الأخيار إلى مغادرة موطنهم إلى أرض الله الواسعة .
وفي أرض الله الواسعة يظل الداعية داعية . والعامل عاملا ، يؤسس ويبني ، ويعمل ويقدم . كل الذين هجروا من أوطانهم ‘ مثل الأخ ( أبو عمار ) كانوا مثل الغيث حيث وقع نفع . كانوا مثل الطبيب الذي يداوي ويواسي ويبث الحياة . فهل يحق لمريض أنقذه طبيبه من موت أو من موات أن يظل يلهج بما نسمع بعض الصغار يلهجون به اليوم ؟!!
خمسة عقود ربما مرت على مغادرة الأخ ( أبو عمار ) وطنه . ولكنك تستطيع أن تقول إن ( أبو عمار ) لم يغادر وطنه ، ولم يفارق دعوته ولا إخوانه ، بل ظل متابعا حريصا قريبا ..
صورة ثانوية الغزالي في مخيلة الطفل الصغير زهير ضبابية غائمة . ومن ضمنها صورة غرفة الإدارة والمدير ( أبو عمار ) يخلل أصابعه في شعر الطفل الصغير المرافق لزيارة قد تطول بين الكبار . يتحدثون ويتناقشون ..ولكن صورة الأخ ( أبوعمار ) في العقود الثلاثة الأخيرة تظل حاضرة حية واعية ..إلى أن فجعنا النعي بالأمس بخبر فقده ..
قلت الوفاء للدعوة ، والوفاء للإخوان .. وعلى مدى عقود ، يرن جرس الهاتف ، فأسمع صوت الأخ أبي عمار ، يأتي من بعيد قريبا دافئا رخيما متفقدا : كيف أنت يا أبا الطيب ..ثم يردف مؤيدا لفكرة ، معمقا لأخرى ، مسددا لثالثة ، أو يقول لك : كنا في مجلس فذكرناك خذ سلم على أخيك فلان أو فلان ..
حين أفتقد اليوم أخانا ( أبو عمار ) أفتقد هذا الصوت إلى أن يأذن الله بلقاء . خلق سام أصيل ما عرفته إلا عند أخي أبي عمار وأخ كبير كريم ثان أسأل الله أن يرحم من فقدنا ويمتعنا بمن بقي ..
رحم الله أخانا عادل محمد كنعان ، وغفر ذنبه ، وألحقه بالصالحين العاملين المجاهدين .اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ..
وأحر مشاعر العزاء لإخوان الأخ أبي عمار ومحبيه ولأسرته خاصة وأنجاله أجمعين .
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
وكتبه زهير سالم : مدير مركز الشرق العربي
وسوم: العدد 765