أَخِي أَبُو أَيْمَن
• سَنَوَاتٌ طَوِيلَةٌ مَرَّتْ على ابتداءِ أُخُوَّتِنَا
الرُّوحِيَّةِ الصّافيةِ الصَّادِقَةِ مَعَ أَخِي أَبِي أَيْـمَن
الشَّيْخ عَبْد الرَّزَّاق الشَّيْخ بَكْرُو, عِشْنَاهَا مَــعًا
مُنْذُ أَوَائِلِ الشَّبَابِ وَحَتَّى الكُهُولَةِ وَالشَّيْخُوخَةِ,
كُلُّهَا مَحَبَّةٌ وَإِخَاءٌ, وَصِدْقٌ وَوَفَاءٌ, فَفِي الـــسِّنِّ
كُنَّا أَتَرابًا, وَفِي دَارِ المُعَلِّمِينَ تَلَاقَيْنَا طُـــــلَّابًا,
وَفِي مَدَارِسِ سُورِيَّة وَالإماراتِ تَزَامَلْنَا مُدَرِّسِينَ,
وَعِنْدَ الشَّيْخِ سَعِيد العَبْد الله رَحِمَهُ الله وَضَـــــعْنَا
رِحَالَنَا, حيثُ دَلِّنِي أَخِي أَبُو أَيْمَن عَلَى الشَّيْخِ أَبِي
عَبْدِ الله رَحِمَهُ الله مَنْبَعِ العُلُومِ وَالأَخْلَاقِ وَالتَّرْبِيَةِ
وَالأُبُوَّةِ الرُّوحِيَّة, تَعَلَّمْنَا مِنْهُ الخُلُقَ وَالدِّينَ وَتِلَاوَةَ
الكِتَابِ المُبِينِ وَبَعْضَ العُلُومِ خلال سَنَوَاتٍ عَدِيدَة,
وَقُمْنَا والحمدُ لله بِنَشْرِهَا وَتَعْلِيمِهَا, وقَد تَعَلَّمَ مِنْ أبي
أيمن طُلَّابُهُ الخُلُقَ والدين وَحُسْنَ المُعَامَلَةِ قَبْلَ
حُسْنِ الأَدَاءِ وَالتِّلَاوَةِ.
• فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ تَرَافَقْنَا وَعَلَى خَطَبَةِ
الجُمُعَةِ عَلَى مِنْبَرِ جَامِعِ السَّلَمِيَّةِ تَنَاوَبْنَا, وَفِي أَيَّامِ
المِحْنَةِ تَجَاوَرْنَا, وَعَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ تَعَاوَنَّا..
• وَمِنْ حُسْنِ حَظِّنَا أَنَّنَا تَصَاهَرْنَا, حَيْثُ
كَانَ مِنْ حَظِّ وَلَدِي (عَبْد القَادِرِ) أَنْ كَانَتْ ابْـنَةُ
الشَّيْخِ (صَفَاء) زَوْجَةً لَهُ, وَأَمًّا وَمُرَبِّيَةً لِأَوْلَادِهِ
وَنِعْمَ الأُمُّ وَالمُرَبِّيَةُ.
• افْتَرَقْنا منذ مدةٍ حيثُ غَادَرَ إِلَى أسْترَالِيَا
وَأَقَمْتُ أَنَا فِي قَطَرَ, وَرَغْمَ بُعْدِ المَسَافَاتِ كَانَتْ
اتِّصَالَاتُنَا وَلِقَاءَاتُنَا لَمْ تَنْقَطِعْ..
• لَقَدْ تَعَلَّمْتُ مِنْ أَخِي أَبِي أَيْمَن الـــكَثِير,
كَانَ لِي قُدْوَةً فِي الصَّبْرِ والمصابرة, وَفِي حُسْنِ
الخُلُقِ وَالحَدِيثِ, كَانَ لَا يُعْرَفُ أَحَدُنَا إِلَّا بِالآخَرِ,
حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الرَّسَائِلِ الَّتِي كَانَتْ تَأْتِي لَأَحَـدِنَا
يَضَعُ مُرْسِلُوهَا العُنْوَانَ: عَبْد الرَّزَّاق شَيْخ الزَّور
أَوْ فَائِز الشَيْخ بَكْرُو, وَمِنْ الطَّرَائِفِ أَنَّ أَحَــدَ
الأَصْدِقَاءِ مَرَّ بِمنزلِ أَبِي أَيْمَن فِي حَمَاة فَسَأَلَ
عَنْهُ, فَقِيلَ لَهُ: ذَهَبَ مَعَ فَائِز شَيْخ الزَّورِ فَقَالَ:
( عَجباً النَّاسُ وَصَلُوا إِلَى القَمَرِ وَلَا يَزَالُ يَمْشِي
أبو أيمن مَعَ شَيْخ الزَّور?!).
• عَاشَ فِي التَّدْرِيسِ مُعَلِّمًا وَمُرَبِّيًا مُخَلِصًا
أَمِينًا, فَتَخَرَّجَ عَلَى يَدَيْهِ الأَجْيَال, وَفِي تَعْلِيمِ القُرْآنِ
تَخَرَّجَ عَلَى يَدَيْهِ المِئَاتُ بلِ الآلَافُ, وَفِي حُسْنِ
الخُلُقِ وَالتَّعْلِيمِ تَأَثَّرَ بِهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ خَطِيـــبًا أَوْ
مُدَرِّسًا أو داعيةً فِي المَسَاجِدِ وَفِي المناسبات.
• كانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ نَصِيحَةٍ وَعِلْمٍ ودَعوةٍ,
كانَ إِذَا جَلَسَ فِي سَهْرَةٍ أَوْ خِطْبَةٍ أَوْ عَزَاءٍ يَكثُرُ
فِيهَا اللَّغَطُ والأحاديثُ الجانبيةُ يُغيِّـرُ الجَوَّ بِصَوْتِهِ
الجَهْوَرِيِّ (صَلُّوا عَلَى خَيْرِ الأنام) وَيُتْــــبِعُ ذَلِكَ
بِقَصِيدَةٍ أَوْ أُنشودة مُخْتَارَةٍ بِصَوْتِهِ العَذْبِ الجَمِيلِ,
ثُمَّ يُمْسِكُ دِفَّةَ الحَدِيثِ بِقِصَّةٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ فيتــحوَّل
المَجْلِسُ إلى مَجْلِسَ عِلْمٍ وَدينٍ وأدبٍ وَإِيمَان..
• عَاشَ فِي سُورِيَّة وَفِي الإمارات سِنِينَ
عَدِيدَةٍ أَخًا وَصَدِيقًا لِلجَمِيعِ, وَفِي مِلْبُـــــــورْن
( أستراليا ) أَقَامَ بَيْنَ أهلها أَبًا وَأَخًا وَمُوَجِّهَا
وداعيةً عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ تَزيد...
• وَاليَوْمَ يُفَارِقُنَا الحَبِيبُ الأريب الأديب,
البَعِيدُ القَرِيبُ, بَعْدَ أَنْ تَرَكَ أَبْنَاءً بَرَرَة يدعون
له , وَذِكْرًا طَيِّبًا ، وَعِلْمًا يُنْتَفعُ بِهِ فقد تَرَكَ
بَعْضَ الآثَارِ المُسَجِّلَةِ, مِنْهَا شَرِيطٌ سَجَّل فِيهِ
الدَّعَوَاتِ المَأْثُورَات اليَوْمِيَّةِ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ
عَذْبٍ يَتَنَاقَلُهُ وَيُرَدِّدُهُ المِئَاتُ, وَرُبَّمَا سَجَّلَ لَهُ
طُلَّابُهُ وَمُرِيدُوهُ فِي أسْتِرَالِيَا خُطَبًا وَدُرُوسًا
هُنَاكَ لَمْ تَصِلْنِي..
• وَكَمْ أَسْعَدَنِي أَنَّ أَحْفَادِي وَأَسْبَاطَهُ كُلُّهُمْ
وَكُلُّهُنَّ عَلَى مُسْتَوًى مِنَ الخُلُقِ وَالدِّينِ وَالعِلْمِ,
وَمِنْ حَفَظَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ, بِالإِضَافَةِ إِلَى ثَقَافَتِهِمْ
وَشَهَادَاتِهِمْ العِلْمِيَّةَ, فَكَانُوا فِي أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَ,
وَبِجَانِبِ ذَلِكَ يُعَلِّمُونَ وَيُحَاضِرُونَ وَيُدَرِّسُونَ,
فَكَانُوا خَيْرَ خَلَفٍ لِـخير سَلَف.
• أَخِي أَبَا أَيْمَن فَارَقْتَنَا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الفانية
إِلَى الدَّار الباقية ، نأملُ بعدَ مغفرةِ الله ورضوانه
بلِقَاءٍ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ الله تَحْتَ ظِلِّ العَرْشِ يَــوْمَ لَا
ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ, وَفِي جَنَانِ الخُـلْدِ (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ
مُتَقَابِلِينَ ) ، ولَا يَزَالُ يَرِنُّ فِي أُذُني صَـــــوْتُكَ
العَذْبُ الجَمِيل:
أَخِي فِي اللهِ دَعْوَتُنَا صَفَاءُ
وَحُبٌّ بَارَكَتْ فِيهُ السَّمَاءُ
لَئِنْ قَالُوا سَبِيلُ العَيْشِ صَعْبٌ
فَقُلْ حَسْبِي مِنَ العَيْشِ الإِخَاءُ
وسوم: العدد 794