دمعة في وداع الراحلين، الشيخ عبد المطلب عبد الله الضويحي
بمزيد من الأسى والحزن أنعى أحد الدعاة المربين ؛ أخي وشيخي " عبد المطلب عبد الله الضويحي، أبو إقبال ، دير الزور/المياذين" " المرءُ ما دامَ حَيّاً يُستَهانُ به * * * ويَعظُمُ الرِّزءُ فيه حينَ يُفتَقدُ " " يُوَدِّعُ غصن العلم بالحزن زهرة ويبقى شذاها في سماء العوالم قضى عمره بين الدفاتر مشعلاً يضيء بذاك النور درب الأكارم وغاب عن الأوطان ظلما ً لأنه أبى أن يكون العلم طوعاً لظالم فيا رحمة الله المؤمل جودها أفيضي عليه اليوم حسن المراحم فَمَنْ مِثْلَهُ في القلب قد عَزَّ فَقْدُهُ كفى العمر بَلْوى فَقْدُ شيخٍ وعالِمِ " رحمك الله الرحمن الرحيم يا أخا الإسلام ِ والإيمان ِ والدرب الطويل، يا منْ تحملُ هَمَّ الدعوة والوطن والأهل عَرفتُك ، شخصيًا منذ الستينيّات من القرن الماضي، فقد رأيْتُ أُنموذجاً لرجل هادئ، صابر، حكيم، عَرَفْتُه داعية مخلصاً وَفِيًّا، غيوراً على دينه ودعوته، يأَلَفُ ويُؤْلَفُ ، حريصاً على المصلحة العامة، ودوداً ، متواضعاً في مأكله وملبسه ومسكنه، يعمل بصمت ودأب؛ لا يعرف الكلل، لا يُحابي أحداً على حساب دينه ودعوته، يتحسَّس حاجات إخوانه ويساعدهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويسأل عنهم باستمرار؛ ويغضب على مَنْ كان بحاجة ؛ ولم يَطْلُب منه حاجته كان يغرس فينا حُبَّ اللهِ ورسولِهِ والمسلمين، ويُنمي في نفوسنا الطاعة والتضحية، وحُسن التعامل مع الآخر ، بوعي وبصيرة، فكان رحمه الله الحيُّ القَيُّومُ ، يُسَدِّدُنا إذا تَعَرَّضْنا لمشكلة تُهدِّد روابط الأُخُوَّة ؛ فكان يُذَكِّرنا بالمأثور" يا عقبة بن عامر! صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأَعطِ مَنْ حَرَمَكَ واعفُ عمن ظلمك " عَرَفْتُه في العام الدراسي1968/1969 عندما كنتُ أدرسُ الصف العاشر في ثانوية عبد المنعم رياض في منطقة " الميادين / محافظة دير الزور، حيثُ كنتُ وثُلَّة من أصدقائي في الصف، نأتيه أسبوعياً لنتعلَّم شعائر الإسلام والتلاوة والسلوك الحسن، وحِفْظَ بعض سور القرآن الكريم ، والأحاديثَ النبوية الشريفة، وكان - رحمه الله تعالى، وجعل قِراه منه الجنة من غير حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب - يُحُثُّنا على المواظبة على الصلاة في المسجد، والمواظبة على السُّنَن الراتبة ، والسُّنن غير المؤكَّدة التي كان يسميها " السُّنن المَنْسِيَّة" ، فقد أَدَّبنا فأحسن تأديبنا ، فجزاه الله عنا خيراً
نِعْمَ الرَّجلُ أنتَ ؛ الحريصُ على تعليم العلوم الشرعية،والالتزام بها في شؤون الحياة فنعمَ الرّجلُ أنتَ بقدّك الوسيم ومحيّاك البشوش وروحك المرحة، تجذب إليك من يلقاك أو يخالطك فقد أحْبَبْتُك في الله ، وأُشْهِدُ الله أنني أُحِبُّك فيه، وأحب الحديث معك وأحب لقاءك الهادئ، بل أشتاق أنْ ألْتَقِيَك وأتَجاذَبُ وإيّاك أطراف الحديث حول هموم الدعوة والوطن والأهل، وكنتُ أستمعُ إلى نصائحك الشخصية والعامة منذ عام تسعة وستين وتسعمئة وألف، لِأَتَمَثَّلَها، وأستشيرك في أمور كثيرة ؛ فتزيد ممّا بيننا من وِدادٍ، فإنّ ما يربطنا من عناصر المحبّة والأُخُوَّةِ في هذه الدّعوة الكريمة فوق كلّ اعتبار. ويشهد لك يا أخي وشيخي عارفوك أنّك كنتَ في كل موقع ، مِثالُ العامل الجادّ والمسؤول الأمين والرّاعي الشّفيق والأخ المتواضع ، الخادم لِإخوانِهِ، والدّاعية الدّؤوب. وكنتُ أتواصلُ معه هاتفيا بين الفينة والأخرى فأزداد بها له وُدّاً رحمك الله الرحمن الرحيم يا صاحب الحديث اللطيف ، ورمزَ الصابرين، فقد عرفتك: رزيناً في قولك حكيمًا في مشورتك إلْف مألوف لا تتحدث إلا بخير نفعنا الله سبحانه بشرف معرفتك شيخنا أبا إقبال، فنعم الخِلُّ أنت بل نعم المربي أنت فقد كنتَ يا شيخنا مثالا للصدق والأمانة والوفاء والعطاء، والتضحية والإيثار والمروءة طيب الله ثراك وأسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين فقد كنت زاهدا ورعا ؛حَسَنَ المعشر والأخلاق، ودِقَّةَ تعاملاتك فأنت من خيرة من عرفتُ منذ سنوات عدة في صفائك وحبك للخير وصدقك في دعوتك وصبرك على الابتلاء وعطفك على الضعفاء ورقة قلبك وحسن توكلك .. كنت رحمك الله مثالا للمؤمن الذي وقف حياته في سبيل الله خدمة لدينه وأمته
ووفاءً منّي لأخي وشيخي الحبيب عبد المطلب عبد الله الضويحي - رحمه الله- ها أنا أنعاه ، الذي وافاه الأجل مساء يوم أمس الاثنين 18/02/2019 ، بعد أن قضى الرّدح الطّويل من عمره المبارك ، في ميادين العلم والتعليم، والدّعوة إلى الله وطاعته وإتباع سنة رسوله أُسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم. وإنّني باسم عائلتي وإخواني أنقل لأهله آل الضويحي الأكارم وأولاده وإخوانه وأصهاره ومعارفه وأصحابه أحرّ آيات العزاء وأسأل الله لهم جميل الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون سائلين الله أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم لدينه ودعوته وأمّته ونتقدّم لأولاده بأرقّ مشاعر التّعزية وأندى كلمات المواساة بوفاته رحمه الله، ونقول لهم : نشاطركم مصابكم الجلل وهو مصابنا جميعاً، ولئن كان أبو إقبال مثال الإنسان البَرّ والدّاعية المخلص والعالم الجليل، إنّ الفضل في ذلك لله ثمّ لدعوة الإخوان التي كان ينتمي إليها ومن ثمّ لمنبته الطّيب في أسرة الضويحي ، مصداقاً لقول الشّاعر وهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إِلاَّ وَشيجُهُ وتُغْرَسُ إِلاَّ فِي مَغارِسِها النَّخْلُ وحقاً، لا ينبت الشيء إلا أصلُه، ولا يطلعه إلا فصلُه
فاللهمّ إن أخانا أبا إقبال قد وَفَدَ عليك، فأحسن اللهمّ وِفادَتَه، اللهم عوّضه عن هجرته في سبيلك، وعن صبره على مرضه، وعلى بذله وجُهده وجهاده في سبيلك اللهم عوّضه الفردوس الأعلى، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا وأَلْهِمْ أولاده وأحفاده وتلاميذه وجميع آله وذويه، وإخوانه ومحبيه، الصبر الجميل والسلوان اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله رحمك الله أخي وشيخي أبو إقبال، و جعل الفردوس الأعلى مأواك
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة اللهم اجعل قِراهُ منك الجنة من غير حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب برحمتك يا أرحم الراحمين اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنقَّى الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ومِنْ عَذَابِ النَّارِ وأنتم يا أبناء شيخي ، أُعزّيكم بقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) وأقول لكم: ثابروا على بِرِّهِ كما عَهِدْناكم بارِّين به في حياته وآخر دعوانا أَن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسولنا وأُسْوَتِنا محمد وسلَّم تسليما كثيرا. أبو جعفر/ دير الزور ، الشحيل 19/02/2019
وسوم: العدد 812