سَلَامٌ عَلَى مُرسي فِي العَالَمِينَ
قَالَ ابنُ البكري الشَّامِيِّ: وَكَانَ مُرسي رَحِمَهُ اللهُ حَاكِمَ أرضِ الكِنَانَةِ، رَمزًا لِلأمَانَةِ، خَصمًا لِلخِيَانَةِ، تَقِيَا ذَا دِيَانَةٍ، أنصَفَ الناسَ فِي عَهدِ الاِستِعبَادِ، وأقسَطَ فِي زَمَنِ الاِستِبدَادِ، خِيَرةُ العِبَادِ، وَدُرَّةُ البِلَادِ، رَأيٌ سَدِيد، وَعَزمٌ شَدِيد، وَدَأَبٌ عَنِيد، صَحِيحُ النِّيَّةِ، نَقِيُ الطَّوِيَّةِ، طَرِيقَتُهُ سَوِيَّةٌ، صَلبُ المَرّاس، كَالجِبَالِ الرَّوَاس، مَحضُ الصَّفَاءِ، وَخَالِصُ الإِخَاءِ، وَمكملُ الوَفَاءِ، ذو رَأفَةٍ بِالمُؤمِنِينَ، وَشِدَّةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ.
نَصَرَ ثَورَةَ أهلِ الشَّامِ، وَعَاشُوا فِي كَنَفِهِ كَقَومٍ كرام، يَومَ تآلب عَلَيهِم كُلُ اللِّئَامِ، وآزَرَ أهلَ غَزَّة، وَتَوَعَّدَ اليَهُودَ فَكَانَ مَوقِفُ عِزَّةٍ.
مَا كَانَ طَيرَا مَهِيضَ الجَنَاحِ، وَلَا أَقعَدَتهُ النُّدُوبُ وَالجراح، نَهَضَ لرفعَةِ المُسلِمِينَ، فِي زَمَنِ التَّقَهقُرِ المُهِينِ، وَالنُّكُوصِ المُشِينِ، فَصَارَت مِصرُ فِي عَهدِهِ رَأَسَا بَينَ الأُمَمِ، وَشَامَةً فِي القِمَمِ، وَحَاكِمُهَا بَينَ المُلُوكِ كَالعلم، حَتَّى هَابَهَا العُربُ وَالعَجَمُ.
فَتَصَدَّى لَهُ حُكَّامٌ أَقزَام، فسقة ٌفَجرةٌ لِئَام، عَلَى أَبوَابِهِم نصَبَ الشَّيطَانُ رَايَتَهُ، وَأَجرَى فِيهم أَمَلَهُ وَغَايَتَهُ، سَلَّطُوا عَلَيهِ صَاحِبَ جُندِهِ، فَخَانَ الأمَانَةَ وَنَكثَ بِعَهدِهِ، أخلَاقهُ أَخلاقُ صُعلُوكٍ، وَسِمَاتُهُ سِمَاتُ مَملُوك، ويعشقُ رُزَ الملوك، لَا حَسَبَ لَهُ وَلَا نَسَب، وَلَا أَصلَ فِي قَبَائِلِ العَرَبِ، اِستَخَفَّ شعبه وَأَذَلَّهُ، وخَلعَ حَاكِمه وجعل السجنَ مَحَلَه، ثُمَّ افتَرَى عليه وقتله.
فَبَكَتهُ الأُمَّةُ جَمعَاء، مِن شَمَالِها حتى صَنعَاء، ظن الطُغاةُ أن قتلهُ مفازة، فقامت له بكل أرضٍ صلاةٌ وجنازة، مَا ضَرّهُ كَيدُ العَبِيدِ، إن رُؤوس الأفاعي سَوفَ تبيد، ويَمضِي القَومُ نَحوَ مَجدٍ تَليدٍ، إِنَّ مرسي شَهِيد.
سَيَدِي قَدِ اِنفَكَّت عَنكَ القُيُود، فَطُوبَى لَكَ فِي ديار الخُلُودِ، سيَمُنُ ربك على المستضعفين، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، فسلامٌ على مرسي في العالمين.
المقامة المرسية
وسوم: العدد 831