وداعاً أيها الراحل
إلى القراح المُنسكب على ثرى قبر المرحوم الشيخ: عيسى بن محمد الحبارى
لن أتلمس الجوانب الرثائية لهذا الفقيد، ولن أمتطي ركاب المديح لرحيله لأن حضوره أولى بهذا المقام..
فقد بات موته غصة في قلوب من تابعه، وسار على خُطاه، وما سر هذا الارتباط المؤثر؛ والذي لا يتعدى الدقيقة والنصف لسلامه وكلامه ومرامه؟!
أجل، رحل الشيخ عيسى، وترك العشرات من المقاطع المُختزلة للساعات المُضاعة بالتأثر والتأثير، والاتباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي..
ومما ميز هذا الشيخ الفاضل (رحمه الله) إنسانيته الواضحة، وكلماته الوجدانية، وتواضعه تجاه البسطاء، وما يدور حولهم من أمورٍ حياتية مُعاشة على الدوام..
وما حالك عزيزي المُتابع وأنت تستمع إليه؛ وهو يُجلل خطابه للأخوة؛ والأبوة؛ وطلب لقمة العيش؛ والتحفيز؛ والثقة بالنفس؟
وما مقامك وأنت تُثقل كاهله عبر سفية نبرة صوته، ورقة سمته؛ فوق شلالاته المُلاطفة لشؤون الأسرة ورُقي المجتمع بحضور الدورات والندوات؟
وما قولك حينما تقف على همساته بعين الوعي؛ والتي صرف من وقته لإظهارها؛ ومن ماله لإخراجها؛ ومن عزيمته لنشرها؟
وهل يتذكر مشاهير التصوير كلامه لهم على وجبة العشاء واحتساء الشاي: "أعطوني مُلاحظاتكم وتوجيهاتكم عبر ما أطرحه في حسابي؟"
لقد نزل هذا الشيخ الجليل بقدره إلى بواطن المُجتمع، ليُرمم احتياجاتهم بسُنن القرآن الكريم، وأحاديث النبي القويم، والحث على مكارم الأخلاق، وعنوان السماء، لهذا القول المُرسل للشواهد والعوائد: "الدين المُعاملة"..
ومن هُنا تميز ومُيز (رضوان الله تعالى عليه) بين أقرانه، وربما بمن سبقه بخطابه العذب، ولسانه الرطيب، وإعداده الوصيب، باسم الإله الجبار، ونبيه المُختار، وآله الأطهار، وصحبه الأخيار..
حتى أوجد من نبضه الاتباع لكل الأطياف والمصاف، وبين ابتسامات الصغار والكبار..
لقد خرج (رحمة الله عليه) من جلابيب مشلحه للناس ورسم الحواس، فتحدث بألسنتهم، وامتزجها بأمثلتهم، وتلمسها بتصرفاتهم، وأطرها بمدحهم وتوجيههم بأسلوبٍ لينٍ هشٍ وبشٍ..
حتى صارت محاضراته مُختارة، ومقاطعة مِصدارة بالحاجة والاحتياج ما بين مضامين الخطابات الأُخرى والمُكررة كالمعتاد؛ لأنه صعد أعواد المنابر لحب الناس، وفتلها بالترجل لكُنه الإحساس..
لقد تعرفت عليه عام ١٤٢٨هـ عبر المشاعر المُقدسة بالمدينة المنورة ومكة المكرمة، وكان خطابه المُتسيد يوم عرفه بالاتباع، لامتلاكه الصوت الجهوري، وملامسته للواقع، ودموع المواجع..
وما زلت أسأل ذاتي:
ما سر ابتسامته وكلامه؛ ونعيه للموت؛ وما الأُحجية في حب الناس لخطابه؛ وتأثيره بثوانٍ معدودة؛ وخطوات تشييعه؛ وهيبة ثكله؛ ومقام احتياج الناس له وإليه؟!
وسوم: العدد 864