الدكتور زين العابدين بشير خير الله ..
رمز من رموز العطاء والمضاء في سوريتنا الحبيبة
في وداع الراحلين:
لقي وجه ربه في مهجره يوم أمس الدكتور زين العابدين خير الله ، الذي كان في ستينات القرن الماضي وسبعينياته رمزا من رموز مدينة حلب ، في مقارعة الاستبداد والظلم . بعمل إيجابي مثمر ، وددت من يومها أن يكون القدوة والأسوة فيما نشط فيه، وقاربه ...ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا ..
لم تتح لي فرصة اللقاء الشخصي بالدكتور زين رحمه الله ، ولكنه كان بنشاطه الدعوي - السياسي في مدينة حلب ملء السمع والبصر . وظللت في حياتي الدعوية أضرب به المثل في ثلاثة أمور : حرقته وتنظيمه ودقة متابعته للأمر الذي يدخل فيه .. وما أحوجنا حتى اليوم إلى مثل هذا .
في وداع أخينا الراحل الكبير زين العابدين رحمه الله ، أحب لأبناء سورية عامة ، ولأبناء حلب خاصة أن يعلموا أنه كان في وطنهم ، وبين ظهرانيهم رجال ... رجال وأيُّ رجال .. رجال لا يعومون زبدا على وجه الفوضوى كما يفعل اليوم الكثيرون ، ولا تستفزهم المطامع ، ولا تتجارى بهم الأهواء ، ورحم الله الدكتور زين العابدين ، ورحم الله كل العاملين الثقاة الأوفياء ..
أول مرة رأيت فيها الدكتور زين العابدين كانت على منبر مسجد بانقوسا ، حيث كان الخطيب المعتمد الشيخ طاهر خير الله ، قبل أن يصير إلى جامع السبيل ، وكنت كثيرا ما أقصد المسجد لأصلي جمعتي لقربه من بيتنا ، وفوجئت في إحدى الجمع بخطيب شكله غير مؤتلف ، بدلة وكرافة وعلى الكتف عباءة رقيقة ، وعلى الرأس عمامة عثمانية واضح أن حاملها لم يهتم كثيرا لحالها ..كنا في أواخر الستينات ، وكان الظلم في سورية يتمادى ، وجلست أنتظر بماذا سيأتي هذا الخطيب ..
ورحم الله الدكتور زين العابدين الذي ما أن أنهى التحميدة حتى انطلق كسيل منهمر ، يمطر الظالمين والساكتين على الظلم ، ممن هم تحت المنبر بصواعق الكلم . يرصف الحقائق ، ويذكر الوقائع ، ويطالب الناس بالدفاع عن دينهم وعن حقوقهم وعن أوطانهم ..كان لقائي الأول به مبهرا ، وخرجت من المسجد أسأل : من هذا الجريء الجميل؟؟ - فما كنت أعرفه من قبل - فقيل لي هذا الدكتور زين العابدين ، شقيق الدكتور طاهر ، صاحب العيادة في طب النساء في منطقة قريبة من العبارة .. ومن هنا كان مرتسمه الأول في قلبي، صورة موحية مؤثرة معلمة ..
ثم مضت الأيام وفوجئنا في 1974 وبعد أن شكل حافظ الأسد مجلس شعب ، وأقر دستورا ، أن هناك دعوة لانتخابات ..
دعوة لانتخابات والمجتمع السوري بكل أطيافه السياسية ، قد هجرت قياداته التاريخية ، وبقي أكثرا الناس في حالة من التعويم فوضى لا سراة لهم كما تقول العرب وفي حالة الفوضى ما أكثر المدعين والأدعياء..
ومرة أخرى يبرز اسم الدكتور زين العابدين خير الله رحمه الله ، مع أخيه الدكتور إبراهيم سلقيني مع الضابط المسرّح عادل حج مراد ، مع اثنين آخرين ، ويشكلون قائمة في حلب تناوئ قائمة البعث والجبهة ، ويقف وراء القائمة في حلب كل حر شريف ، وتنكسر قائمة البعث وقائمة الجبهة وقائمة حافظ أسد بطريقة لا يتخيلها الكثيرون ..
ويكون لهذه الكوكبة الصغيرة من الدور ما لا يتوقعه الذين يظلون يهرفون . ولوددت أنه كانت هناك متابعة حقيقية ، وقد سمعت من الدكتور الأخ إبراهيم سلقيني بعضا من ذلك الحديث ذي الشجون . ..لوددت أنه كانت هناك متابعة حقيقية جادة لما كان كيف كان ، وكيف كان يمكن أن يكون ؟؟
ثم مرة ثالثة كانت انتخابات نقابة الأطباء في حلب في 1977 أو لعله 1978 والشك مني ، وهنا كان الجهد التنظيمي الأبدع والأجمل للدكتور زين العابدين في إدارة معركة انتخابية داخل نقابة الأطباء في مدينة حلب ، استطاع من خلالها وبطريقة تتسم ببعد الرؤية ، وعذوبة المنطق ، ودبلوماسية الأداء ، أن يجمع بين كل أفراد الطيف المعارض على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ، فيهزم قائمة البعث على مستوى النقابة في موقف مشهود ...
اللهم اغفر لأخينا الدكتور زين العابدين ، وارحمه واقبل منه واقبله . اللهم زده إلى إحسانه إحسانا ، وزده عفوا وغفرانا . اللهم اجعل قراه منك الجنة . ولا تحرمه صحبة الأحبة محمد وحزبه ..
وخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد من أل خير الله عامة ، وأنجاله وأحفاده عامة ..ولمدينة الشهباء بفقدان علما من أعلامها ورمز من رموز العطاء من بنيها ..ولا نقول إلا ما يرضي ربنا : إنا لله وإنا إليه راجعون ..
وسوم: العدد 908