في وفاة زوجة الأستاذ عبد الله الطنطاوي الأخت أم أسامة الفاضلة عائشة الريحاوي تغمدها الله بواسع رحمته وجميل رضوانه وأسكنها الفردوس الأعلى .
الحمد لله الحي القيوم تفرد بالبقاء، وحكم على خلقه بالموت والفناء، فقال عز وجلَّ : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ) 27/ الرحمن . والصلاة والسلام على سيدنا مُحَمَّد القائل : (إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب) .فالدنيا دار ابتلاء ومصائب لا تكاد تصفو لأحد، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) 155 / البقرة .
الموتُ حقٌّ يا أخا الأبرارِ = والصَّبرُ فيه مزيَّةُ استبشارِ
وتعيشُ بالتَّقوى القلوبُ سليمةً = لتَنَالَ منها مكرماتِ الباري
فاصبرْ وقد رحلتْ رفيقةُ دربِ مَن = أغنى مكانتَها بلا إنكارِ
فأبو أسامةَ لم يزلْ صنوَ الوفا = وعميدَ أهلِ الفضلِ والإيثارِ
رحلتْ وقد أدَّت رسالتَها التي = فاحتْ بطيبِ رحيقِها المعطارِ
في أسرةٍ طابتْ لياليها بما = فيها من الآمالِ والأوطارِ
وتعهدتْ أبناءَها بحفاوةٍ = من دفقِ روحِ وفائها الزَّخَّارِ
قيمٌ من الدِّينِ الحنيفِ وسيرةٌ = تُلفَى لدى أبنائها الأبرارِ
ولعلَّ أكرمَ ما يخلِّفُ بعدَه = مَن ماتَ ذكرُ طهارةِ الآثارِ
تستبقِ بهجتَها قلوبٌ لم تجد = فيها من الآهاتِ والأوزارِ
ذكرى لأيامٍ خلتْ وكأنَّها = لم ترتحلْ في تلكم الأسفارِ
فالحمدُ لله الكريمِ وإنَّها = في أوبةٍ للمالكِ الغفَّارِ
ولعلها تجدُ المكانةَ جنَّةً = تخلو من الأحزانِ والأكدارِ
في ظلِّ رضوانِ الكريمِ ورحمةٍ = للصَّالحاتِ تفيضُ بالأنهارِ
ونعيمِ ربٍّ لايُضامُ مَن الْتَجَى = بجوارِه أبدًا لطيبِ جوارِ
وهي التي في العيش مابرحتْ ترى = أنَّ الهَنَا مادامَ في ذي الدَّارِ
لكنَّه إنْ مّنَّ ربي بالرضا = فبه الفخارُ أتى وأي فخارِ
بالصَّالحات الباقيات وبالذي = أجرى المدامعَ ساعةَ الأسحارِ
وصلاتها وصيامها وتلاوةٍ = للذكرِ في الآناءِ والإبكارِ
وبما لَهَا من سيرةٍ محمودةٍ = وفضائلٍ للمؤمناتِ كِبارِ
تبقى الأثيرةُ بالمآثرِ حيَّةً = وثوابُها عندَ المهيمنِ جارِ
لا وزنَ للحسرات إن مات الذي = أمضى الحياةَ بعفَّةٍ و وقارِ
فالموتُ يحلو في لقاءِ مَن اجتبى = أهلَ الهداية في الزمانِ العاري
واختصَّهم بالفضلِ في آنائه = كمُلازمٍ لكتابِه والقاري
وإذا أحبَّ العبدُ لقيا ربِّه = فيحبُّه ربِّي كريمَ نجارِ
قد عاش بالقيمِ الكريمةِ وارتأى = ألاَّ يعيشَ بغفلةٍ وبوارِ
ولك العزاءُ أبا أسامة أنتَ مَن = تدري وتعلمُ حكمةَ الأقدارِ
رحلتْ وقد تجري الدموع على النوى = لكنَّها في سندسٍ ونُضارِ
عند الكريمِ وما الحنينُ بصدرِ مَن = أشجاهُ فقدُ أحبَّةٍ في الدَّارِ
إلا رسالةُ مؤمنٍ بفراقِ مَن = يلقاهُ بعدَ البينِ والمقدارِ
في جنَّةِ الفردوس تحلو يومها = حُللُ الخلودِ وجيرةُ المختارِ
ولبِنْتِ ريحاوي الدعاءُ نزفُّه = للهِ أن تلقى طيوبَ الغارِ
ماضرَّ مَن يلقى الإلهَ موحِّدًا = من وحشةِ في قبره أو نارِ
هو عمرُه الثاني بجنةِ برزخٍ = حقًّا وليس نهايةَ الأعمارِ