إلى روح الأخ الكريم ، وابن عمنا الشاعر الأديب
الدكتور /حيدر بن عبدالكريم الغدير في جنات الخلود إن شاء الله
والخطبُ يعصف بالقلوبِ مرارةً = والرزءُ فيه اللوعةُ الهوجاءُ
هي حال (ديرالزور) بعد نوائب = حلَّتْ ونابُ سباقِها البلواءُ
والمشتكى للهِ نحمدُه ولم = نجزعْ وليس يخيفُنا الإيذاءُ
ما أكثرَ الأبرار وارى خطوَهم = حقدُ الغزاةِ وإنَّه لَوَباءُ
مَن ذا سَيُرْثَى والمقاصلُ لم تزل = تجتثُّ مَن آختْهُمُ الغرَّاءُ
في كل أرضٍ للعقيدةِ موئل = جارت على فرسانها السُّفهاءُ
مَن كانَ صوتُ الفجر يطرقُ سمعَهم = وسِواهُمٌ آذانُهم صمَّاءُ
ولغيرِهم دفءُ الهوانِ تلفُّهم = تحتَ اللحافِ النَّومةُ النكراءُ
بلدي وأخرى ثم أخرى تشتكي = والناسُ والبلدانُ والغبراءُ
والدورُ تشكو بعد هدم جدارها = للهِ ... والصُّلحاءُ والأشلاءُ
حلمٌ مضى ! لا : إنَّه لمَّا يزل = كابوسُه التهجيرُ والإفناءُ
ويلفُّنا ألَمٌ لفقد أحبَّةٍ = تروي شجاهُ الغربةُ العمياءُ
وعيونُنا تبكي كأنَّ فيوضَها = فوقَ الخدودِ الغيمةُ الوطفاءُ
***
أبشر أخي قد عشتَ فيها مؤمنا = ولأنتَ في كنف الهدى معطاءُ
ماخابَ من حمل العقيدةَ مخلصا = ولحملها يتسابق الأكفاءُ
تلك الدواوين النَّديَّة بالهدى = صاغت رؤاها الحكمةُ الزهراءُ
وفقيدُنا هذا حفيدُ عشيرةٍ = جلَّى مزاياها الهُدى اللألاءُ
وأبوه أغنى سيرةً محمودةً = بين الرجالِ وإخوةٌ فضلاءُ
أمضى الليالي مؤمنًا ذا عفَّةٍ = وله بمنهج ربِّه أصداءُ
العابدُ الأوَّابُ في أيامه = تجدُ المزايا مابها غلواءُ
والشاعرُ الموهوبُ أوقف جهدَه = لشريعةٍ فيها الرؤى العصماءُ
زانته آدابُ المودة والإخا = ورعتْه تلك الملَّةُ الغرَّاءُ
صُبُرٌ على عصف النوازل ما انثنوا = عن دعوةٍ هي للفلاحِ رجاءُ
ماكنتُ أنساهم وإن طال المدى = واربدَّتِ الأحوالُ والآناءُ
ومحمدٌ وقتيبةُ الشُّهداءِ إذْ = سالت لهم يوم الرحيلِ دماءُ
والحامديْ والخالديُّ وأحمدٌ = وبقيَّةٌ ولفقدهم أصداءُ
وهم المئاتُ بحقبةٍ فيها عدا = هرجٌ تزيدُ سُعارَه البغضاءُ
ثبتتْ له الأبرارُ رغم عُتُوِّه = وهمُ الكرامُ الأُسدُ والسُّعداءُ
ياربِّ أسْكِنْهُم رحيبَ نعيمِها = كَرَمًا فليس لمثلهم نظراءُ
عاشوا الوفا لنبيِّهم ولدعوةٍ = تخشى رفيفَ فخارِها الأعداءُ
***
هي جنَّةٌ الرضوانِ يابشرى لمن = كانت له في الجنة النعماءُ
ألقتْ برحبِ فراتِنا اللأواءُ = مِحَنًا تشيبُ لهولِها الأبناءُ
ومن الفواجعِ ماطوى حللَ المنى = فذوى الربيعُ ولُفَّتِ الأفياءُ
وعلى مغانيها تواثبَ شرُّ مَن = سلَّتْ مخالبَه اليدُ الرعناءُ
والأمرُ لله الرحيمِ لِلُطْفِه = ولفضلِه تتبدَّدُ الأرزاءُ
واليوم مثل الأمسِ في أخباره = جاءتْ بدمعِ عيونها الأنباءُ
في فقدِ (حيدر ) بارتحالٍ إذ أتى = أمرُ الإلهِ وللإله قضاءُ
والموتُ حقٌّ والفراقُ ثقيلةٌ = آثارُه ونصيبُه الأحياءُ
والموتُ يبقى للأنامِ مصيبةً = اللهُ قال ويشهدُ القدماءُ
كم في الثَّرى من أنفسٍ قد فارقتْ = لمَّا قضى الأبناءُ و الآباءُ
غابوا ولم ينفع بكاءٌ إنَّما = هي رحمةٌ ومودةٌ وإخاءُ
وعلى محاسنِه جنى أبناؤُه = حلوَ الجنى (والحيدرُ ) العدَّاءُ
وبليلةٍ كانت مباركة الرؤى = فيها أتاهُ من الكريم نداءُ
فاستعذبَ اللقيا بصحبٍ قد مضوا = وهم الهُداةُ الصٍّيدُ والنجباءُ
أما اللقاءُ ويُرتجَى في جنَّةٍ = هي للصَّالحين مثابةٌ وعزاءُ
فهناك من بلد الأحبة عصبةٌ = سبقوه قبلُ ومنهم الشُّهداءُ
وهم المئات من الذين استعصموا = بالله ما اجتالتهمُ الأهواءُ
أرحامُنا جيرانُنا أصحابُنا = وشبابُنا الأبرارُ والفضلاءُ
( هيهات أن يأتي الزمانُ بمثلهم ) = وبمثلهم تتسابق البُشَراءُ
حسن الهويدي والأحبةُ حوله = وهشامُ والسَّرَّاجُ والخطباءُ
والمرشدُ الرَّاوي الرفاعي قبلهم = ولذكرهم في المكرماتِ بهاءُ
ولهم مكانتُهم علتْ ولهيثم = زانتْه فيها الهمَّةُ القعساءُ
وجحافلُ الفضلاءِ من أحبابنا = لا العَدُّ أدركهم ولا الإحصاءُ
(ياحيدرُ) استبشرْ برحمةِ ربِّنا = والحقْ بركبٍ جلُّهم عظماءُ
ماغرَّهم بطرٌ ولا ألفى لهم = صفةً يخلُّ بسوئها الإعلاءُ
هم موكب الشهداءِ في حلل الرضا = ولهم وربِّك عنده النَّعماءُ
باعوا نفيسَ حياتِهم لم يبخلوا = للهِ ماغرَّتهُمُ الخيلاءُ
طوبى لكم إنْ شاءَ ربِّي جنَّة = فيها لكلِّ مجاهدٍ إيواءُ
في فَقْدِ (حيدر) والفراقُ رسالةٌ = وبِمِتْنِهَا يتنبَّه الأحياءُ
مَن عاشَ للرحمنِ عبدًا صالحًا = فله المآلُ تظلُّه الآلاءُ
وله النجاةُ إذا الخلائقُ هزَّها = هولُ الحسابِ وكُبِّلَ السُّفهاءُ
وهي الحياةُ سويعةٌ إن أغربتْ = بعد الضحى وكأنَّها الإمساءُ !
مافازَ يوم الحشرِ إلا مسلمٌ = شهدَ الضحى نجواهُ والإدجاءُ
وأفاقَ في جوف الدجى متبتلا = وقيامُه ممَّا يكون وِقاءُ
يهفو إلى الصلواتِ في أوقاتها = ولعلَّ مافي فضلِها الشُّفعاءُ
في القبرِ عنه تُدَافعُ الملَكَيْن إذ = جاءا إليه وللفتى نصراءُ
والصومُ والقرآنُ والتسبيحُ في = آنائه وستشهدُ الآناءُ
فالميتُ يومئذٍ يتيه بفرحةٍ = ما أدركتْ أوصافَها البلغاءُ