كلمة تأبينية في حق المرحوم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور السيد أحمد البوشيخي
كلمة تأبينية في حق المرحوم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور السيد أحمد البوشيخي شقيق فضيلة العلامة الدكتور الأستاذ السيد الشاهد البوشيخي
كلما رحل عالم من علماء الأمة الإسلامية في مشارق الأرض أو مغاربها ، استحضرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يترك عالما ، اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "
وحري بالأمة اليوم ، وهي تمر بظرف في غاية الحساسية ، ومن أعسر الظروف أن تفزع وقد رحل العديد من علمائها مشرقا ومغربا . وبالأمس ودعت مدينة فاس العاصمة العلمية ، وعموم الوطن أحد علمائها الأفذاذ فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور السيد أحمد البوشيخي رحمه الله تعالى، شقيق فضيلة العلامة الأستاذ الشاهد البوشيخي حفظه الله ، وأطال عمره .
والعلامة المرحوم غني أن التعريف بحكم موقعه العلمي البارز ، وهو ممن يصح فيهم قول " أشهر من علم في رأسه نار " . وإذا كان محبوه زملاؤه العلماء، وطلابه ممن تلقوا العلم عنه لا يحتاجون إلى مثل هذا التأبين المتواضع للتعريف به ، فعسى أن رغب فيه من لم يصاحبوه .
وأول ما تجب الإشارة إليه أن المرحوم يعود بنسبه إلى الصحابي الجليل والخليفة الراشد صاحب رسول الله صلى الله عليه في الغار الذي شرفه الله تعالى بالذكر في كتابه الكريم . وقد استقرت أسرته بضاحية من ضواحي مدينة فاس، وتحديدا بدوار الحريشة قبيلة اشراكة . وكان ميلاده سنة 1941 .وقد نشأ نشأة قرآنية في مسقط رأسه ، والتحق بجامعة القرويين لتحصيل علوم الدين ، وتخرج منها مدرسا ، مارس التدريس بكل مؤسسات التعليم العمومي ابتدائية ، وإعدادية ، وتأهلية ، ثم التحق أستاذا جامعيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس ، وقد راكم تجارب تربوية و علمية ، وتدريسية خلال مساره الحافل بالمعارف.
ولقد جمع بين التدريس في سلك التعليم العالي ، وبين البحث العلمي الجاد حيث تخصص في الفقه المالكي ، وتضلع فيه ، وقد خلف فيه ما يشهد له بالتمكن ورسوخ القدم ،ونذكر منه على سبيل الذكر لا الحصر دراسته الجادة والمتميزة وتحقيقه لمؤلف الإمام المغربي المالكي أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي : " تهذيب المسالك في نصرة مذهب الإمام مالك " ، وهو مؤلف من خمسة أجزاء ، كما أنه ألف كتاب : " الخلاف الفقهي دراسة في المفهوم والأسباب والآداب " ، وله أيضا كتابه : " الإمام المجاهد أبو عبد الله بن غازي عصره حياته وآثاره " ، فضلا عن العديد من محاضراته العلمية الوازنة ، ومداخلاته في العديد من الندوات العلمية المدونة والمرقمنة .
وللمرحوم حضور علمي متميز ، فهو عضو جمعية قدماء التعليم الأصيل ، وعضو رابطة علماء المغرب ، وعضو جمعية الدراسات الإسلامية العليا ، وهو نائب الأمين العام لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية المعروفة باسم " مبدع ". التي ذاع صيتها ، ونضجت ثمارها العلمية المتميزة .
إنها حياة رجل عصامي ، وعلامة جليل حافلة بالانجازات العلمية الراقية والمشرفة لوطنه أولا ، وللبلاد الإسلامية عموما ، وهو من أبناء هذا الوطن الكرام البررة الذين أخذوا مشعل العلم عن سلفهم الصالح من علمائه الأقطاب الذين عاشوا في عصور ذهبية من تاريخه الحافل بالأمجاد والمكرمات .
والمعروف عن فقيد العلم الذي رحل عنا أمس ، وقد خلف فراغا هائلا في الساحة العلمية الوطنية والقومية هو دماثة الخلق، و رقة القول ، وجميل الصحبة والرفقة ، وخفض جناح الرحمة والرأفة لكل من كانت لهم صلة به من زملائه العلماء ، وطلابه ، وعموم الناس ، وقد كان محبوبا لديهم جميعا .
ولا يمكن أن تقفز في هذا التأبين المتواضع لشخصية فذة عن ذكر شقيقه فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله تعالى ورعاه ، ومد في عمره ، وألبسه رداء العافية ، فهو خير ما يعزي الأمة في فقدان شقيقة المرحوم ، وإليه نرفع تعازينا في مصابه الجلل ، وإلى كل أهلك الكرام ، وكل معارفه ومحبيه أساتذة وطلبة، وعموم من رافقوه في أنشطته العلمية .
ولقد شرفت يوما في بيتي بمدينة وجدة بزيارة فضيلة العلامة الأستاذ الشاهد حفظه الله تعالى رفقة شقيقه المرحوم ، وتبركت بهما ، وأثر ذلك في نفسي كبير وعظيم الأثر حتى ذرفت عيناي فرحا بزيارة لم أحلم بها ولم أتوقع حدوثها، واعتبرتها هبة من الله عز وجل له الشكر والمنة .
وأختم هذا التأبين الذي أراه دون قدر المؤبن رحمة الله عليه ، والذي لا يعبر إلا عن قدر عبد مذنب بالدعاء له بواسع الرحمة، وشامل العفو، وبالمقام الكريم في الفردوس الأعلى بجوار شفيع الأمة ،والرحمة المهداة للعالمين صلى الله عليه وسلم ، و بشربة من حوضه الشريف بيده الشريفة ، يذوق بها لذة ري لا ظمأ بعده ، مع سعادة أبديا إن شاء الله تعالى . وأسأل الله تعالى جميل الصبر والسلوان لأهله وذويه الكرام ، وعظيم الأجر والثواب ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وسوم: العدد 1113