عمير دعنا ملح القدس
جميل السلحوت
الكتابة عن الرّاحل عمير دعنا "أبو سلام" كبائع صحف فقط فيه ظلم كبير للرّجل، وفيه اختزال لمسيرة رجل عايش القدس وعاش فيها في العقود الثمانية الأخيرة، حتى أصبح علما من معالم المدينة المقدّسة، بل كان واحدا من رموز باب العمود أشهر أبواب سور القدس، فالرجل كان وطنيا بامتياز، وشارك في نضالات شعبه، والدّفاع عن وطنه خصوصا مدينته القدس، لم يذكره مؤرّخو المدينة كواحد من زعمائها، فهو من أبطال المدينة الشعبيّين الذين يمثّلون صورة الجنديّ المجهول بأجمل معانيها، اهتمّ بتعليم وتثقيف نفسه لأنّ ظروف الفقر والحرمان حرمته من التعليم المدرسي، فكتب وأبدع، لكنّه اهتم بتربية أبنائه وتعليمهم، فما خيبوا إرادته، عرف مبدعي المدينة ومثقفيها وناشطيها ولصوصها والمتاجرين بها، والمدافعين الحقيقيّين عنها، كان هادئا وقورا...أحبّ ناس المدينة فأحبّوه... وخاطب الآخرين على قدر عقولهم، اختار زاوية لصق بناية قبالة باب العمود، يضع عليها الصحف المحليّة، لكنّه وبثقافته الرّفيعة وصحّة انتمائه وطيب قلبه، كان يأتي بكتب ومجلات تثقيفية وابداعية لم يكن غيره يجرؤ على الاتيان بها...وكان على دراية بثقافة من يرتادون "كشكة" يوزّع عليهم تلك الكتب فيسعد بذلك ويسعدهم...اعتبره من عرفوه انسانا طيّبا بسيطا ودودا...وقليل منهم من عرفوا عمق الرّجل وصدق انتمائه...لم يكن مدعيّا ولا مغرورا بنفسه، لكنّه كان يتساءل ويسأل ويتحدث ويحلّل عمّا يجري في مدينته مع من كان يتوسّم الخير فيهم.
عاش الرّجل بهدوء...ورحل بهدوء...فافتقده كلّ من عرفوه بغض النّظر عن توجّهاتهم وانتماءاتهم...وبغيابه فقد باب العمود معلما من معالمه...فإلى جنّات الخلود أبا سلام، فقد تركت كنزا لا ينضب...تركت السّمعة الطّيبة والوفاء وصدق الانتماء، ورحلت بقلب يملؤه حبّ من عرفوك، تاركا ذرّية من الأبناء والأحفاد الناجحين والخيّرين الذين يفخرون بأنّك أب وجدّ قلّ مثيله. " فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".