أفتقدكِ يا شريكة ذكرياتي
في الذكرى الأولى لرحيل أختي الغالية "رائدة"
أفتقدكِ يا شريكة ذكرياتي
رابعة الإبراهيم
وهل في العمر شيءٌ أجملُ من الذكريات..!!
هيَ بلسمُ الجراح.. وشفاءُ الأرواح..
كانتْ هيَ استراحتنا الوحيدة وسط زحام الحياة ومشاغلها..
نجلسُ معاً في سهراتِ سمرٍ نسرقها من بين الكتب والدفاتر؛ لنتهرّبُ من تعبِ الدراسة..
نسترجعُ فيها الماضي الجميل بكلّ مراحله.. منذُ وعينا معاً على هذه الدنيا الفانية..
نبدأها باستذكار طفولتنا وألعابنا المفضلة..
ومن أسماء "الدُّمى" إلى أسماء الأكلات التي كنا نصنعها بأيادينا الصغيرة، وطناجرنا الملوّنة..
ثمّ نمرّ على "أسماء الصديقات" اللائي مررن بحياتنا.. وإلى جانب كلّ اسم نسترسلُ في تعدادِ أجمل ذكرياتنا معها!
لا نتركُ مكاناً ولا زماناً يفلتُ من ذاكرتنا.. ونتسابق في التعداد:
"أبها الحبيبة".. "جلسة الأربعاء".."حديقة السلام".. "العصريّات".. "النومات".. "مقاعد الدراسة" .. "حلقات القرآن"......
باختصار: "طفولة مليئة بالمرح والمحبّة" مع بيت الخال الغوالي.. والجيران الأحبة.. وصديقات عزيزات وفيّات..
مكة المكرمة.. الحجّ الأول.. والعمرات..
صيفُ الأردن..طفولتنا مع بنات الخالة وأخواتنا الحبيبات..
وداعٌ وفراق..
ثمّ استقرار جديد.. وجارات جديدات..صحبة وأخوّة.. مرحٌ وسهراتٌ وفناجين قهوة..
جلساتٌ ورحلات.. نشاطات وحفلات.. فطوراتٌ وإحياءات..
وصديقات كثيرات عزيزات..
نحنّ إلى ذلك الماضي الجميل.. ونستسلمُ للضحك ساعات.. لا ينبهنا سوى الوقت، أو أكوام صفحات الكتاب التي تنتظرنا..!
كلّ تلك الذكريات احترقتْ برحيلكِ يا رائدة..
كم أحتاجكِ حين أتذكرها..
بلْ ما عدتُ أطيقُ أن أتذكّرها وحدي..
أحتاجُ من يُشاركني لحظاتها.. خطوة بخطوة..
أحتاجُ من يُذكّرني بها إذا نسيت..
أحتاجُ من تضحكُ معي إذا ضحكتْ.. وتُضحكني إذا بكيتْ..
رحلتِ يا توأم الروح والعمر.. وتركتِ خلفكِ قلباً محطّماً.. وذاكرة متفحّمة يتصاعد منها رمادٌ ودخان..
تلك الذكريات الرائعة التي كانت مصدر هناءةٍ وترفيه لنا.. باتتْ الآن بالنسبة لي بوّابة من الأحزان..
فما قيمة الذكرى من غير شخصٍ يشاركك إياها..
كلّ الأشخاص رحلوا وبقيتْ تلك الذكريات كلوحاتٍ ميتة انتُـزعتْ منها الروح بغيابكِ!
كم كنتُ أحنُّ إلى ذلك الماضي.. وأحلمُ بأن نُرجعَ تلك الأيام.. وتلكَ الجمعات..إلّا أنّ غياب "ضحكتكِ" عنها لا يُعطيني أيّ دافعٍ حتى للشوق إليها..
نعم.. "ضحكتكِ" تلك شيءٌ آخر!!
أتذكرها في أبسطِ موقفٍ مضحكٍ.. فأبتلعُ الضحكة وأكتفي بابتسامة تُخفي وراءَها دموعاً كثيرة..
....
عشنا معاً حلو الحياة ومُرّها ... ومضتْ فما أبقتْ سوى أشجانها
...
رحلتِ وتركتِ لي أصعبَ ذكرى في حياتي.. انطبعَتْ في مخيّلتي كآخرِ ذكرى لكِ وهي الأمرُّ على الإطلاق.. وباتتْ هي الوحيدة في ذاكرتي:
"نعشٌ فيه جسدكِ الطاهر"..
ركضتُ كالمجنونة نحوه.. ألقيتُ عليكِ آخر نظرة..وأصعب نظرة.. وأقسى نظرة..
طَوَتْ تلك النظرة كتابَ ذكرياتنا.. وطُويَتْ معهُ أجمل سِني عُمرنا..!
....
فعلاً!
ما أشبه هذه الدنيا بكتاب كبير.. ذي صفحات كثيرة ومتنوعة.. يُقلّبه القدر متى أراد، وكيفما شاء..
وها هو ذا قد طوى صفحتك أيتها الغالية.. ولم يعد بإمكانكِ أن تعودي إليها..
فهل تُراك يا قلب تحتمل هذا الفراق..؟؟
أو-بالأحرى- ذلك الحُلم الذي أتمنى أن أستيقظ منه كلّ يوم.. بل كلّ ساعة وكلّ دقيقة..؟!
"رحمكِ الله يا رائدة".. هذه العبارة التي لم أستوعبها بعدْ!
يلفظها لساني.. ويأبى العقلُ أن يُدركها..
إنّا لله وإنا إليه راجعون.. هذا هو عزائي الوحيد..
فكلّنا إليه راجعون.. وأنتِ وحدكِ سبقتِنا..
روحكِ الجميلة المرحة ما زالتْ بيننا.. وهي لا تتمنى العودة إلينا..
فأنتِ السعيدة الهنيّة.. وما حُزننا وألمنا إلا على أنفسنا..
سنلتقي في الجنة -بإذن الله- يا رائدة..
وحينها لن نحتاج إلى استرجاع ذكرياتنا..
فلقاؤنا معاً -من جديدٍ- يكفينا..
توأمكِ المشتاقة
9-4-2012